أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - قصة قصيرة : اللغم المقدس














المزيد.....

قصة قصيرة : اللغم المقدس


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 02:35
المحور: الادب والفن
    


دخل أبي من عمل، هو بمثابة فخ جميل و محترم، بالنسبة إلي. يبدو عليه التعب واضحا. أظهرت بذكاء طفولي، اهتمامي الكبير بالدرس و التحصيل الناجح. فتحت محفظتي كما أفعل دوما كلما وصلت من المدرسة، و أخرجت من كتاب التربية التشكيلية، الورقة المزدوجة الزرقاء، التي حصلت فيها على أحسن و أعلى نقطة في قسمنا المكتظ بالتلاميذ، خلال الأسبوع الجاري. و هي عادة كنت دائما أقوم بها، كلما حققت ربحا معينا، سواء في الدراسة، أو في علاقتي مع أقراني، أثناء اللعب في ( الحومة ). و لما وقف أبي، للذهاب إلى ساحة الدار، حيث تعود أن يتوضأ، أسرعت خطواتي، مناديا عليه، حتى ألفت انتباه باقي أفراد أسرتي، فقدمت له ورقة نتيجتي المتميزة، و التي كانت النتيجة الأولى في قسمي. نظر إليها دون أن يكترث بالأمر. لكن، و هو ينظر دون أن يفهم، لفت انتباهه الرسم في الورقة. قال و عيناه في عينيّ :
- ما هذا الدود الذي و كأنه في سباق يا عزيزي..؟
- إنه ليس دودا.. ( غلب عليّ ضحك عفوي )، هي تسمى حيوانات منوية.. يا أبي.
- الحيوان أعرفه.. لكن.. المن.. وية، لا أفقه فيها شيئا.. أصبحتم تتكلمون بكلام غريب، يا أولاد اليوم، هذا وقتكم.
- الحيوان المنوي، يا أبي منه خُلقنا، هكذا.. قال لنا معلمنا في درس العلوم..
سقطت الورقة من بين أصابعه الغليظة و الصلبة.. حاولت الإنحناء لالتقاطها، قبل وصولها إلى الأرض.. لكنه شدني بقوة، من ذراعي النحيفة، و قال بنوع من القسوة، التي عرف بها، عندما يحس بعدم الارتياح. فقال صارخا في وجهي:
- أفصح.. يا ولد.. هل صحيح.. أن المعلم هو الذي قال لكم أننا خلقنا من حيوان..؟
- ليس من أي حيوان.. يا أبي..) كانت أطرافي ترتعش بالكامل.. لكن كنت واثقا من نفسي.( هو حيوان منوي.. يعني، أنه يشبه الديدان في شكله.. فهو ليس كالحيوان الذي تعرف في الغابة.. إنه كما في الورقة تماما، فهمت يا أبي الآن؟ .. أنظر إليه.
في هذه الأثناء، لم ينظر إلى الورقة، كما أشرت إليه، بل ألقى بنظرة كلها شغف و اضطراب، في نفس الوقت، إلى داخل البيت، و كأنه يحمل بين يديه لغما.. أو شيئا خطيرا.. ثم جرني من يدي، إلى حيث توجد ربوة، ألف الجلوس عليها، حين ينتظر آذان الصلاة، فأردف :
- لكن قل لي.. كيف يحدث يا بني.. هذا.. نحن آدميون، و يكون أصلنا حيوان، و من الديدان.. أو كما سماه معلمكم.. حيوان م ن وي.. أريد أن أفهم أكثر.. هذا العلم الجديد..) كان يتحدث، لكني كنت منشغلا أكثر، بورقتي المسكينة، التي تحولت بين يديه، إلى متهم مخنوق الأنفاس، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ( تداركت ثم قلت له :
- هو ليس بعلم جديد يا أبي.. إنه موجود حتى في القرآن.. ( في هذه اللحظة شعرت و كأنني معلمنا سي عبد الرحمن. لهذا حاولت بكل ما أملك من جهد، لأشرح لأبي استفساره المدهش، كما فهمته من خلال الدرس، الذي عندي في كراستي )، فاسترجعت أنفاسي بقوة، قبل أن أقول: اسمع أبي، فعندما ينكح رجل امرأة.. و قبل أن أنهي كلامي، أنزل هو صفعة.. كالصاعقة على وجهي، و لم أتذكر بعد ذلك ماذا حصل.

في السنوات الموالية، عندما أصبحت صحفيا، قررت أن أواصل كتابة الشغب. و كتبت ذات يوم عمودي الفكري الأسبوعي، أسخر فيه من سلطة الأجداد، و كل من يدور في فلكها القريب أو البعيد، لكونها سلطة جوفاء، لا قدرة لها على التفكير عندنا، إلا في غرائزها و أحلام يقظتها.. فتم تكفيري من طرف جهات رسمية.. ومع ذلك، تم طردي من العمل الصحفي، لكن ما زلت صحفيا، أمارس كتابة الشغب، أسخر منهم.. ومن مكونات فلكهم.. التي مازالت حية و نشيطة.. و سأبقى أقاومها إلى يوم الدين..
و عندما أعود إلى مسقط رأسي، أتعمد المناداة على أطفال الحي، و أفسح لهم المجال لطرح أصعب الأسئلة، التي تجول و تدور في رؤوسهم الصغيرة، دون أن تقدر على الخروج منها..
ثم نختم اللقاء برواية كل أنواع الحكايات، التي تسخر من الناس المتسلطين، و العالم من حولنا.. ثم نسخر.. و.. نسخر.. و نضحك.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الجوهر في فلسفة سبينوزا
- المطالب الحيوية لأساتذة التعليم الإبتدائي و الثانوي الإعدادي ...
- قصة قصيرة : مرينا في المنطاد
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 2 )
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 1 )
- أمكنة ناطقة : وَلْحُرّي
- شعر : من أكون ..؟
- تجليات التجديد و التطور في فلسفة السوفسطائيين
- حوار على هامش الكفاءة المغربية ( 1 )
- قراءة نيتشه لفلسفة سقراط ( 2 )
- قراءة نيتشه لفلسفة سقراط ( 1 )
- تراجيديا السياسة العربية.. عن ما جرى و يجري للعجوز و الحيتان ...
- مدينة الدشيرة الجهادية بالمغرب تضع العنصر البشري في صلب الأي ...
- سلطة الكلمة و زناد السلطة
- قراءة في كتاب: مارتن هايدغر ( نقد العقل الميتافيزيقي )
- الشارع الطويل
- تحرير التعليم المغربي العمومي - وجهة نظر نقدية
- ملف الطبقة العاملة
- مسألة المثالية في فلسفة نيتشه
- عن الحق في المعرفة ( 2 )


المزيد.....




- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - قصة قصيرة : اللغم المقدس