أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مازن كم الماز - من نقد الفوضوية إلى تبرير الليبرالية : سجال مع وسام سعادة















المزيد.....

من نقد الفوضوية إلى تبرير الليبرالية : سجال مع وسام سعادة


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 17:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


من نقد الفوضوية إلى تبرير الليبرالية : سجال مع وسام سعادة
( كتبت في عام 2009 , و جدتها مؤخرا بين أوراقي و تنشر كما هي )


كان نقد الماركسية للفوضوية حاسما و قطعيا و تبسيطيا لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى براهين حقيقية , لاحظ إدوار كاستلتون في حديثه عن برودون أبي الفوضوية في عدد يناير كانون الثاني 2009 من اللوموند ديبلوماتيك الذي خصص للفوضوية أننا لا نعرف عن برودون أكثر من عبارته "الملكية هي سرقة" , الباقي عرفناه من النقد الماركسي نفسه , في نفس الوقت ساهم نقد الماركسية هذا للفوضوية بتأسيس صورتها هي نفسها كإيديولوجية "علمية" للطبقة العاملة , فما كان من الممكن إثبات علميتها إلا من خلال وصم خصومها الرئيسيين داخل الحركة العمالية ( و بينها الفوضوية ) بالطوباوية , كان هذا هو معيار "علمية" الماركسية الفعلي ... أضاف النقد الرسمي المرتبط بالسلطة و الطبقات السائدة للفوضوية إلى هذا النقد "العلمي" فكرة ارتباط الفوضوية بالعنف , و هي فكرة تسمح للسلطة و الطبقات الحاكمة بأن تدافع عن عنفها على أنه عنف شرعي مبرر ضد عنف غير شرعي و خارج عن القانون عاكسة بذلك الصورة الفعلية للواقع لتعيد تشكيله من جديد بحيث تشيطن أيضا كل "أعدائها الداخليين" على الطريقة المكارثية أو الستالينية مثلا ( شيطنة الشيوعية في المكارثية أو "التحريفية" الخارجة على فكر و سياسة زعامة الحزب الستالينية و اختزالها إلى خيانة وطنية أو طبقية , عندما تعتبر الوطن مساو للبرجوازية الحاكمة أو الطبقة مساوية فقط للزعيم ) .. يريد وسام سعادة استخدام هذا النقد الماركسي للفوضوية لكن هذه المرة لصالح الليبرالية ( الفاشية – الفوضوية : الثلة و الحثالة , السفير , 30 – 4 – 2008 ) , يريد الكاتب تعريف الليبرالية من خلال نقيضيها : الفاشي و الفوضوي , بغرض دحض كل نقد موجه للمشروع الليبرالي و اختزاله إلى حالة عداء لا عقلانية و هستيرية للليبرالية فقط لا جذور عقلانية أو اجتماعية لها .. أولا يرى الكاتب , عن حق بعض الشيء , أن الفوضوية ترى شيئا من الفاشية في كل شيء حولها , هذا لأن الفوضوية ترى في السلطة , أية سلطة , سواء سياسية ( الدولة ) أو أخلاقية أو فكرية أو روحية ( الدين ) أو اقتصادية ( رأس المال ) , شيئا من الفاشية , فالسلطة في التحليل الفوضوي هي مؤسسة مصطنعة مفروضة بقوة العنف و الخداع , و على خلاف التبريرات السائدة فإنها ترى أن وظيفتها الأساسية , على اختلافها , هي حرمان أتباعها من حريتهم لصالح حرية مطلقة منفلتة للسلطة نفسها , هذا يعني فوضويا إدانة كل أشكال السلطة و العمل على استبدالها بمؤسسات طبيعية تقوم على حرية المشاركين فيها دون أية امتيازات غير طبيعية لأي كان , هذا ما يجعل أية سلطة في تعارض نهائي مع الفوضوية , مع ذلك يمكن لهذه التهمة أن تعني أحد شيئين , إما أن الفوضوية ترفض بشكل عدمي كل شيء , أو أن كل الخطابات السائدة , أو كل الخطابات المرتبطة بسلطة ما , هي تسلطية معادية للناس الذين هم في أسفل هرم التنظيم السياسي – الاقتصادي بحيث لا يمكن الحديث عن انعتاق حقيقي لهؤلاء دون التخلص من كل أشكال السلطة الفوقية عليهم .. إن مركزية أطروحة العنف في نقد الفوضوية إجبارية إلى حد ما , لأنها على خلاف الماركسية لا يمكن اتهامها بمعاداة الحرية أو بالرغبة في إلغائها , فالفوضوية على العكس تفترض التحرر الكامل من كل أشكال القمع و السيطرة على الفعل الإنساني , يصبح من الضروري إذا افتراض أنها غير شرعية , خارجة على القانون , لأنها عنيفة هذه المرة , تريد الفوضوية القضاء على الليبرالية لكن ليس بالقضاء على الحرية كما يمكن اتهام الستالينية و الماركسية بكل سهولة بل من خلال الدفع بالحرية إلى أقصاها الممكن !!! , لكن الحدود المفترضة التي تقيد الحرية الشخصية وفق الفهم السلطوي الليبرالي : أي حرية الآخرين , لا تمسها الفوضوية أبدا , إنها في نفس الوقت لا تريد أن تنفي حرية أحد و لا أن تقيدها , لكن بالتأكيد ليس على حساب حرية أي شخص آخر , ترى الفوضوية حرية الأفراد متكاملة , و ليست في حالة تناقض , لا تحتاج الحرية وفق الفوضوية إلى وسيط أو حكم بين الأفراد , بل إلى وسط يطلق حريتهم جميعا و يحررها من كل القيود المصطنعة , على العكس من ذلك فما تفعله الليبرالية هنا , هو ما تفعله بالضبط أية فلسفة سياسية سلطوية أخرى , أن تحد من حرية الأفراد لصالح حرية منفلتة لقلة قليلة من السادة محمية بأجهزة قمع و قوانين تقوم على شرعنة هذا الانقسام بين الناس , أن تجعل البعض عبيدا هو شرط ضروري لا غنى عنه لوجود السادة , ما تحاول الليبرالية فعله مثل غيرها هو تبرير الوجود الطفيلي للسادة , بنفس الحجج تقريبا , التي تستخدمها مثلا اللينينية دفاعا عن مركزيتها الديمقراطية أو عن ديكتاتورية الحزب الواحد التي تحاول أن تمنحها طابعا طبقيا وهميا : ديكتاتورية البروليتاريا , بينما هي ديكتاتورية راس هرم البيروقراطية الحزبية و الدولتية ( نسبة للدولة ) , في كل هذه الحالات اتفاق مطلق على أن خير الناس هم العبيد و أن وجود السادة فيه صلاح لهؤلاء العبيد لا العكس .. طالما كان "العنف المضاد" الحجة المفضلة لرجال الدولة و "منظريهم" لتبرير عنفها هي , لتحاول تبرير التصور الدولتي عن عنفها على أنه عنف "مشروع" , في مقابل عنف "غير مشروع" معادي للدولة سواء جاء من داخل المجتمع الذي تسيطر عليه أم من خارجه من قوى سلطوية منافسة , هذا ما نجده في استخدام الدولة العربية منذ قيامها في القرون الوسطى حتى الدولة الحديثة للعنف ضد المعارضة و المجتمع تحت مبررات "الوحدة أو المصلحة الوطنية" و "ضرورات الحفاظ على النظام العام" , حيث يحضر المجتمع كحالة لا عقلانية لا بد من كبتها باستمرار , و استخدام دول الاستعمار القديم مثلا لبعض تصرفات الزعامات المحلية ضد رعاياها أو سفرائها أحيانا كتبرير لاستعمار هذه البلاد , و حوادث المقاومة العنيفة المحدودة التي واجه بها الهنود الحمر المستوطنين البيض كشاهد على تخلفهم و لا عقلانية حضارتهم و كمبرر لعملية إبادة شاملة لسكان البلاد الأصليين , وصولا إلى مقابلة صواريخ حماس بالتدمير الشامل لغزة في الحرب الأخيرة , إننا أمام سلطة محلية أو عالمية لا تقبل إلا الاستسلام الكامل و عقوبة رفض هذا الاستسلام المطلق تكون عادة رهيبة , هذه الكذبة ما تزال تردد بوقاحة منذ نشوء الدولة و تردد في كل مرة تستخدم فيها العنف الهمجي ضد شعبها و شعوب الجوار , في كل مرة على أنه "عنف مشروع" , في هذا التفسير الدولتي السلطوي للعنف لا وزن لعدد الضحايا و لا لدرجة همجية و دموية العنف أو انفلاته طالما كان شرعيا قانونيا تمارسه السلطة , رغم أن عنف الدولة في القرن العشرين وحده قد أدى لموت أكثر من مائة مليون إنسان , لكن شرعيته وفق هذا التحليل ليست حتى موضع مساءلة .. ليس القمع هو أساس المشكلة عند وسام سعادة , بل القضية ضد من يمارس , إننا من جديد أمام رغبة صريحة في قوننة و شرعنة القمع بواسطة شيطنة ضحاياه , هذا التقسيم السابق ينصر الدولة – السلطة و يبرر مشروعية قمعها و حتى يعتبره حالة تقدمية , بينما تعتبر مقاومة هذا القمع لا عقلانية و غير شرعية و مدانة .. السجناء الذين يطالب الكاتب بإطلاق سراحهم مثلا هم فقط أنصار التنوير المغيبين في السجون , الذين يستحقون الحرية بكل تاكيد , هذا عنده في مقابل مطالبة الحثالة الفوضوية كما يسميهم بتحرير من هم في غوانتانامو مثلا , حسب تعبير الكاتب اللفظي , أما من أين تأتي مشروعية سجن غوانتانامو عنده فإنه يشرحها بقوله "هل من في غوانتانامو هم طلاب المادية التاريخية ؟" .. يستطيع سعادة دمج الماركسية مع الليبرالية , رغم العقود الأربعة من الصراع الدموي بينهما و رغم اتهامات الاستبداد التي طالما نسبتها الليبرالية للماركسية و اتهامات التسبب بالقهر و الظلم الطبقيين التي وجهتها الماركسية لليبرالية , "الماركسيون الحقيقيون" كما يصفهم سعادة لن يجدوا هذه المرة أي حرج في الانخراط في المشروع الليبرالي , و هم يتمايزون فقط عن بقية الليبراليين من خلال مقاربتهم الكلية للمشروع و تاريخيته , كيف يستطيع سعادة تحقيق ذلك ؟ باختصار شديد لأن الماركسية , مثل الليبرالية عنده , ليست إلا تعبيرا عن المركزية الأوروبية ( الماركسية كتاب مفتوح ضد الممانعة , الحوار المتمدن , العدد 2119 , 4 – 11 – 2007 ) , هذا بالتحديد هو مصدر تقدميتها , فكل مكوناتها الأوروبية لا تقبل مكونا إضافيا خارجيا , آسيويا أو سلافيا , الأمر الذي كان سيجلب وابلا من الشطحات العدمية و الصوفية و ضروبا من مشايعة الاستبداد الآسيوي , "بهذا المعنى تكون الماركسية رأس حربة للحداثة الغربية ضد كل همجية" .. ليست القضية مرة أخرى في استنكار الهمجية كفعل عنفي دموي , بل في التمييز بين همجية "تقدمية" أوروبية أو غربية و أخرى رجعية "آسيوية" , إذن نحن أمام خطاب يشكل النسخة الكربونية للمركزية الشرقية لكن فقط مع عكس الأدوار , خطاب حرب مفتوحة , يبرر كل شيء مادام لصالحك , يبرر كل شيء تفعله , مادام ضد الآخر , يحمل ذات مواصفات الستالينية و الليبرالية في الحرب الباردة , و لسنا أمام خطاب نقدي أبدا كما يزعم الكاتب ... لهذه المركزية الأوروبية حضورها التاريخي الصريح لكن المزيف ( المزيف بمعنى أنه ليس إلا تقليد للأصل لا أكثر ) في تاريخنا السياسي من خلال الصهيونية و المارونية السياسية و مؤخرا الليبراليين العرب , لهذا الحضور دلالاته الهامة جدا , فالمارونية السياسية و الصهيونية تعتبر نفسها جزء من المركز الأوروبي لسبب وحيد , هو اختلافها أو تمايزها عن المحيط الإسلامي "المتخلف , المعادي للتنوير" , "إن لبنان الذي تريدون هو بالفعل في خطر , خطر الديماغوجية القاتلة و الشعبوية المدمرة والطروحات السامة لكن خلاصه في أيديكم فلا تتأخروا , كونوا طليعين متنورين أبطالا كالعادة هكذا يتوحد لبنان هكذا يخلص لبنان" ( سمير جعجع , خطاب في قداس شهداء المقاومة اللبنانية 2008 ) , الماروني و اليهودي يعتبره هذا الخطاب متنور و طليعي "بالفطرة" أو بالوراثة طالما كان يرث انتماءه الديني أو الطائفي عن أبويه , ليس فقط لأنه مختلف أو متمايز عن المسلم , بل لأنه يعاديه , هكذا بقدر ما أن الأصولي المسلم يمارس "ندينا" شكليا من خلال لحيته و ملابسه القصيرة , يمارس الليبرالي العربي "تنويرا" شكلانيا من خلال العكس , و كلاهما يعني شيئا واحدا : إلغاء الآخر و تكفيره , بناء ديكتاتورية أقلية ذات مرجعية إيديولوجية لا تقبل بأي اختلاف , و هي بالتالي شمولية , تحتاج لمثقف سجان و جلاد للعقل بقدر حاجتها لسجان و جلاد عادي , هكذا يتم تعريف التنوير وفق التفسير المحلي للمركزية الأوروبية , تماما بنفس الطريقة التي تعرف بها الأصولية الهوية الإسلامية , إنها تعرفها أساسا بالعداء لكل ما هو "غربي" , و هي لا تجد غضاغة في إضافة الحرية و العدالة التي كانت في مركز خطاب حركة التنوير الغربي في فترة صعود الرأسمالية إلى هذا "الغربي" "الآخر" , إلى نقيض "الأنا" كما تعرفها لتبقي فقط على الاستبداد كصفة ملازمة لهذه الأنا و لتقبل فقط بالمساواة أمام همجية سلطتها المطلقة الثيوقراطية أو النصف ثيوقراطية كما في دول الخليج , يصبح الانتماء عقيديا لدين الغرب المتنور و الطليعي الذي قامت كل حركة التنوير ضده معيارا للانتماء للتنوير في المركزية الأوروبية , كما يصبح الرفض النهائي التكفيري لدين الغرب الاستعماري و الصليبي الذي قامت ضده حركة التنوير و الذي واصلت مشروعها الحركات الاشتراكية المختلفة بما فيها الفوضوية ( بما في ذلك إدانة و مواجهة النظام الرأسمالي الذي أنتج الاستعمار أساسا ) معيارا للأنا عند المركزية الشرقية , واضح أن القضية لا تتعلق فعلا بالاستعمار أو بالتنوير , إنها تتعلق بموقف سياسي مسبق لصالح أحد القوى المتنافسة ليس إلا , هذا ليس مجرد تبسيط سخيف لأطروحة التنوير أو مقاومة الاستعمار بل تسخيف تبسيطي لها ,
لكن التنوير و الأنسنة و أطروحات الحداثة الغربية ليست مضادة للاستبداد , على العكس تماما , إنها جميعا مشروع استبداد جديد , هذه المرة تمارسه نخبة تعلن احتكارها لتمثيل الإنسان نفسه الذي تضطهده باسمه لتعيد إنتاج ذات العلاقة بين الإنسان و السلطة , بين المجتمع و السلطة , شاهدنا هذا مرارا منذ طرحت قضية نهضة المجتمعات الشرقية من نظام أتاتورك إلى نظام بورقيبة – زين العابدين ( السابق ) في تونس , حيث مارست السلطة أي شيء , و بحماسة أكبر مما مارسه مستبدون شرقيون اعتبرت أنظمتهم نماذج عن المركزية الشرقية , لم يكن بينوشيت نتاج الاستبداد الشرقي بل صنيعة وكالة المخابرات الأمريكية , فرانكو و شاه إيران و غيرهم , كانوا نتاج النزوع إلى القبول بمركزية الغرب و العيش في ظل هيمنة نظامه الرأسمالي .. و ليس العكس ....
في نقده لإنسانية فيورباخ رفض ماكس شتيرنر الهيغلي الشاب و المنظر الأول للفوضوية الفردية محاولة فيورباخ نسبة الصفات التي نسبت في السابق إلى الإله , إلى الإنسان , محولا بذلك الإنسان إلى الكائن الأعلى نفسه .. رفض شتيرنر هذه المحاولة لاستبدال الإله بالإنسان , فحين يزعم فيورباخ أنه أطاح بالدين يرى شتيرنر أنه عكس فقط نظام الموضوع و الصفة المنسوبة إلى الدين دون أن يمس مفهوم السلطة الدينية نفسه .. و يرى شتيرنر أن فيورباخ يصبح الكاهن الأكبر لدين جديد هو دين الإنسانية , "الدين الإنساني هو التحول الأخير للدين المسيحي" , هكذا سيجد الفرد نفسه خاضعا لسلسلة جديدة من الأشياء المطلقة : الإنسان و الجوهر الإنساني , هكذا يبدو الإنسان ( كمفهوم مطلق ) بالنسبة لشتيرنر قمعيا بقدر ما كان الإله قمعيا , تماما كما كان الإله قوة تقمع وجود الفرد و أناه , فإن نفس تلك القوة تتجسد اليوم في الإنسان و جوهره المطلق , هذه الإنسانية ليست جوهر متعال خلقته القوانين الطبيعية تريد السلطة قمعه , بل إنها اختلاق للسلطة , أو في أقل الأحوال بناء شيد لخدمة مصالح السلطة *..
أبعد من اكتفائه بنقد ما يفترض أنه خصم , فإن المأزق الحقيقي في جدل سياسوي يومي يقوم على تعريف كل خصم بنقيضه , هذا المأزق يخرج إلى العلن عندما يواجه خصما ما مستقلا عن كل أطراف الصراع الرئيسية , بل و يقوم مشروعه بالكامل على نقدها جميعا و بنفس الدرجة , هذه إشارة على العدمية عند البعض , و على العبثية عند البعض الآخر , هذه هي حال الفوضوية التي لا يمكن أن توضع , لا نظريا و لا في مجال السياسة اليومية , في حساب أي من طرفي الصراع اليوم , الممانعة أو الاعتدال , المركزية الغربية أو المركزية الشرقية , الاستبداد العلماني أو الديني , بل إن الفوضوية بنقدها الذي لا يساوم و لا يميز بين قمع و آخر , بين قهر و آخر , أي الذي يطال كل القوى السلطوية أو التسلطية المنخرطة في الصراع دون استثناء , تشكل مأزقا فعليا لكل الأطراف , و عدوا لكل الأطراف بهذا المعنى .. برفضها للسادة , برفضها للسياسات النخبوية الفوقية , و برفضها للقمع الضروري لحكم أية أقلية على سائر المجتمع , تشكل الفوضوية أكثر من مأزق للمتصارعين , هنا نقترب من "الكشف" الحقيقي , أخيرا يضع سعادة يده على الجرح , فليست مشكلة التنوير هي مشكلة على هامش الشعوب , إننا نصل إلى أقصى عمق يقدمه لنا سعادة فعليا : لا بد من النخبة , المشكلة هي في عدم انصياع الشعب للنخبة الملائمة لهذه الغاية , و هو محق تماما في النهاية , لأن الفوضوية لا ترى أية نخبة تستحق أن ينصاع لها الناس
رفضت الليبرالية تدخل الدولة في فعل رأس المال فقط , و أصرت فيما بعد على أنها ضرورية لكل شيء آخر لا سيما فرض "النظام" على الجميع ( في أول دستور أقر في الثورة الفرنسية الكبرى البرجوازية ألغى كل العوائق أمام التجارة و الطوائف الحرفية و كل منظمات العمال و اعتبر الإضرابات العمالية في نفس الوقت خارجة على القانون** , و لا سيما احترام الملكية الخاصة و ما تنتجه من فوارق طبقية و اجتماعية و فائض قيمة , وحده فعل رأس المال اعتبر "طبيعيا" جديرا بالحرية المطلقة من التدخل المصطنع لمؤسسة فوقية كالدولة , الفوضوية تمضي بهذا الحد من تدخل هذه القوة الخارجية المصطنعة و الطفيلية في حياة البشر إلى نتيجتها المنطقية , إنها لا تقف عند الحدود المناسبة لرأس المال بل توسعه إلى كل ما ينسب مصالح الغالبية العظمى من البشر ,
ذخيرة النقد الليبرالي للستالينية يعاد توجيهها نحو ما تسمى بأنظمة الممانعة فقط , أنظمة الاعتدال التي تمثل ستالينية دينية أو نصف دينية تستثنى من هذا "النقد" ....
يمكن لنا هنا إذن أن نبدأ بتشخيص الفوارق الحقيقية بين الليبرالية و الفوضوية , إذا كانت الليبرالية ترفض بعض السجون و تمجد سجونا أخرى , ترفض حراسا و تمجد آخرين , فإن الفوضوية ترفض كل السجون و كل الحراس
هنا نصل إلى لب القضية , إلى الثنائية الجديدة كما تعيد الفوضوية بناءها بعد أن تسقط كل الثنائيات السابقة ( الممانعة – الاعتدال , المركزية الشرقية – المركزية الأوروبية , الاستبداد العلماني – الاستبداد الديني ) لتصبح على الشكل التالي : النخبة أم الناس ؟ الدولة أم المجتمع ؟
* http://www.infoshop.org/library/Newman:_War_on_the_State:_Stirner_Deleuze _Anarchism
** //en.wikipedia.org/wiki/French_Revolution



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتصرف الجنود كبشر و ليس كآلات للقتل
- تكتيكات اليسار و الثورات العربية
- تعليق على مقال خالد عودة على الإخوان أون لاين : إنهم يكذبون ...
- إلى الرفاق الاشتراكيين الثوريين في مصر : ملاحظة سريعة على مش ...
- أخطاء فؤاد النمري التاريخية
- حان الوقت لكي نقول ما نرى
- عندما اتفق ابن رشد و الغزالي
- مصير الربيع العربي قد يتقرر في إيران أو السعودية
- إلى الصديق محمد عبد القادر الفار
- دفاعا عن القرامطة و المجوس , و عن الثورة السورية
- الحزب و الطبقة للشيوعي المجالسي الهولندي أنطون بانيكوك 1936
- النضال في سبيل الإدارة الذاتية : رسالة مفتوحة إلى الاشتراكيي ...
- أفكار عن الإله لمارك توين
- أي نوع من الديمقراطية يحتاجها العالم العربي ؟ للرفيق الأنارك ...
- الدين - الإيديولوجيا - السلطة
- الإيمو ظاهرة احتجاجية
- مستشفيان يونانيان تحت سيطرة العمال
- مجموعة أناركية ( لا سلطوية ) لا طليعة لينينية للأناركي الأمر ...
- عام على الثورة السورية
- أبنية المدراس الجديدة يتعذر تفريقها عن السجون الجديدة أو الم ...


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مازن كم الماز - من نقد الفوضوية إلى تبرير الليبرالية : سجال مع وسام سعادة