أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الدولة الكردية والشرعية















المزيد.....


الدولة الكردية والشرعية


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 3719 - 2012 / 5 / 6 - 10:44
المحور: القضية الكردية
    


في معنى الشرعية


لا يوجد تعريف { جامع مانع } لمفهوم الشرعية صالح لكل الأزمنة والأمكنة . انه مفهوم تاريخي متحرك وغير ثابت من حيث االدلالة . يتلون مضمونه بلون المنظور الفكري للقوة السياسية الغالبة في كل فترة تاريخية . فمثلاً ما هو عادل وشرعي من وجهة النظر العربية الأسلامية في فترة الفتوحات ، التي تضمنت ضم أراضي الغير، وفرض ضرائب الخراج والجزية عليهم ، باسم شرعية [ اخراجهم من ظلام الشرك الى نور التوحيد ] ، لم يعد عادلاً ولا شرعياً في الأوان الذي نعيش . وما تراه كتب التاريخ المدرسي من بطولة وعدالة في ما قرره السلف ، تراه وجهة نظر القوة الغالبة في عصرنا بربرية ووحشية . لقد جبّت قوة الحضارة الصناعية الحديثة مفهوم عدالة وشرعية امبراطوريات الحضارة الزراعية ، واستبدلته بمفهوم آخرللشرعية وللعدالة مستوحاة من نظرتها الجديدة للكون والحياة وللأنسان .
ابتدأَت ولادة المضمون الجديد للشرعية الجديدة مع عصر الكشوفات الجغرافية وعصر الأستعمار ، مغلفة ضم اراضي الشعوب ونهب ثرواتها بغلاف : رسالة تمدينها . والحق انّ المستعمِر نفسه ، كان بحاجة الى التمدين في الأراضي التي يحتلها ، أكثر من حاجة شعوبها اليها . فهو بحاجة الى موانئ وطرق خارجية ومطارات ، لتسهيل انسياب بضائعه وقواته ومعلوماته ، ولتسهيل عملية نهب المواد الخام والثروات الأخرى ونقلها الى بلده . وما كان ذلك ليتم من غير حكومات محلية ، تأخذ على عاتقها مهمة بناء بنية تحتية ، مثلما تؤدي دورها التقليدي في الضبط الأجتماعي .
بلغ المفهوم الجديد للشرعية والعدالة ذروته في الحرب العالمية الأولى ، التي شكلت مفصلاً تاريخياً ، استطاعت منه دول الحضارة الصناعية المنتصرة : تعميم مفهومها للشرعية على المستوى العالمي ، والزام دول الأرض قاطبة بالتقيد بمضمونه ودلالته . وشكلت لذلك هيئات دولية : عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى ، وهيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالية الثانية .
حين أعاد هذا المارد الكوني الجديد تشكيل الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط عام 1917 ، كان أجدادنا ينامون على مخدة مفاهيم الشرعية القديمة ، مطمئنين الى ان مفاهيم : السلطان والخليفة ، واولي الأمر ، ووراثة الحكم ، والتنظيم الأجتماعي المتمثل بالحسبة ، مفاهيم وتنظيمات خالدة لا يلحق بها الكون والفساد . لم يكن وعيهم السياسي ينطوي على مفاهيم الوطن والسيادة والدستور والمجلس النيابي . هذه المفاهيم تشترط لولادتها : نشاط بشري مادي من النوع الذي يتضمن تحويل المواد الخام الى سلع وبضائع وآلات ، وهو نشاط وفعالية انسانية مورست حين تم تحول في المناخ الثقافي ، حلت فيه مفاهيم الأنفتاح والتسامح ، محل مفاهيم الأنغلاق الطائفي والقمع . فالنشاط التحويلي للمادة يترافق ويتلو تحول في المفاهيم السياسية الأساسية التي تدور حول الحرية الأنسانية . انها لحظة ارتبطت في التاريخ بانفصال الأنسان عن الموروث وعن الطبيعة ، واعادة الأستيلاء عليهما وتسخيرهما لخدمة مصالحه كذات واعية لذاتها . لم تولد مفاهيم الوطن والسيادة والدستور في اوربا قبل هذه اللحظة التاريخية التي لم يباشر أجدادنا دخول منطقها . ولذا فأنه ليس من الصدفة ان لا يخط هذه المفاهيم ايام الدولة العثمانية ، قلم مفكر كردي او تركي او عربي ، يراقب ما يجري من تحول اقتصادي واجتماعي امام عينيه . بل ولدت هذه المفاهيم في المعسكرات العثمانية وتلك هي المفارقة التاريخية ، اذ كان الضباط هم الفئات الوحيدة التي منحتها الكليات العسكرية ، فرصة التعرف على هذه المفاهيم ، فكانوا اول مَن رطن بها . اقول رطنوا لأنّ الضباط في غالبيتهم لم يدركوا تاريخية هذه المفاهيم ، فهي لم تولد مع الأنسان ، يوم كان الأنسان هائماً على وجهه ، مدفوعاً بغرائزه لتلبية حاجة جسده الفيزيقية الى الطعام والملبس والمأوى . ولم تكن جزءاً من منظومته الفكرية يوم باشر ، بعد الأستقرار ، وبعد اجتراح معجزة الثورة الزراعية ، بناء دولته الأولى في التاريخ . لقد أشرك معه قوىً أخرى في ادارة الدولة وبالتالي ادارة الحياة بكل اركانها . هكذا أخبرتنا الملاحم والأساطير التي كتبها . ونسب الى تلك القوى شرعية بناء دولته ، وشرعية قوانينها وتشريعاتها . لم يكن الضباط الشريفيون يحيطون علماً الا بجانب القوة الذي تتضمنه تلك المفاهيم ، وهو الجانب الذي يتساوق ورغبتهم بالحكم ، ويحقق لهم سحب الشرعية من رموز القوة في المجتمعات التقليدية . كان ضباط الأمبراطورية العثمانية من العراقيين وحدهم ــ من بين افراد مجتمعاتهم التقليدية ــ المالكين لمؤهلات ، تسمح لهم بتقديم الخدمات للأحتلال البريطاني كبناء البنية التحتية ، وضبط حركة التجمعات القبلية ، واخضاعها لحكومة مركزية مهابة .
لم يدرك الضباط الشريفيون ابعاد هذه المفاهيم في دلالتها التاريخية على تحول في النظرة الى الكون والحياة والأنسان . وارتباطها بفعالية اجتماعية حديثة تنطوي على مبدأ التحويل الصناعي ، ومبدأ الخلق والأبداع . كان تركيزهم على جانب قوة الضبط والطاعة الأجتماعية الكامنة في هذه المفاهيم . ولم يدركوا ان المجتمعات الحديثة ما كان لها ان تبلغ معجزة الثورة الصناعية ، الا بعد ان تخطت وتخلت عن منطق شراكة السماء في ادارة النظم الأرضية . باختصار طبق الضباط الشريفيون هذه المفاهيم في مجتمعات تقليدية من دون ادراك لخلفياتها الفلسفية . ولهذا كتبوا الدستور العراقي ، الذي أريد له ان يكون القانون الأساسي للدولة ، بوعي منحاز الى منطق الشراكة : بناء دولة في العراق وفقاً لمفاهيم سياسية تنتمي الى افق حضاري صناعي ، والأبقاء على تشريعات مستوحاة من الحضارة الزراعية ، وهذه هي المفارقة الثانية . وغض الغازي البريطاني طرفه عن هذه الخلطة ، التي ستشكل منذ ذلك التاريخ العقبة الكأداء امام تحرر الأنسان العراقي وفوزه بحريته . اذ امتد ذلك المضمون الأستبدادي في اشراك قوى اخرى خارجية في ادارة الدولة وشؤون الناس ، في كل الدساتير اللاحقة التي صدرت عن طوري الدولة الملكي والجمهوري . ومن ضمنها دولة ما بعد 2003 التي اشرف على ولادتها المحتل الأمريكي ، الذي غض الطرف هو الآخر عن هذه العقبة الكأداء ، ليقدم لنا الأحتلال الأمريكي مثالاً تاريخياً ــ كما قدم سلفه الأحتلال البريطاني قبل قرن تقريباً ــ على انّ غلاف الشرعية المتضمن في حكاية التمدين في الأحتلال البريطاني للعراق ، وفي حكاية الديمقراطية في الأحتلال الأمريكي عام 2003 ، لم تكن الآّ غلافاً آيدلوجياً للمصالح الأقتصادية واللوجستية لهذه البلدان ، فالشعوب وحدها تستطيع ــ عبر تحول اساسي في ثقافتهاــ من امتلاك الحرية والقوة المتمثلة بالتصنيع والتكنولوجيا . وقد عززت من هذه القناعة نتائج الأنتخابات التي جرت في مصر وتونس والمملكة المغربية ، التي دللت على ان هذا التحول الثقافي لم يبلغ سن الرشد بعد . اذاً ، ليس من قبيل الصدفة ان يكون الضابط في العراق : هو المفكر والسياسي وناقل الوعي والمؤسس لدولة عراق عام 1921 . اي المؤسس لمفهوم امني يعتمد شرعية القوة العسكرية والبوليسية ، ستتوارثه الدولة ليكون الختم المميز لطمغة الدولة في العراق .

في شرعية الأنفصال

ما الذي يجعل من فكرة ما فكرة شرعية ؟
والجواب : القوة
تولد الشرعية بسيف القوة ، ولا شرعية لأكثر الأفكار عدالة من غير قوة تسندها . القوة والشرعية صنوان لا يفترقان . والشرعية الدولية التي نعيش تحت رحمتها ، مفروضة بقوة حلف الناتو المدجج بآخر اسلحة الأبتكارات التكنولوجية ، التي نعرفها والتي لم يعلن عن ابتكارها . ونحن لا نطالب الأقليات بامتلاك قوة حلف الناتو لكي تنال حريتها . فحزب تحرير جنوب السودان ، حقق الأنفصال عن دولة عمر البشير الأسلامية ، من غير ان يضطر الى انتظار القرون ليمتلك السلاح النووي والصاروخي العابر للمحيطات والبحار . وتحققت رغبة التشيك والسلاف في الأنفصال من غير قتال . بما يثبت بان قوى صغيرة تستطيع تحويل اهدافها وشعاراتها الأساسية الى مطالب مشروعة ، وان تحضى بالدعم المطلوب دولياً . وكرد العراق استطاعوا منذ عام 1991 الفوز بتعاطف دولي كبير حقق لهم حلم ان يحكموا انفسهم بانفسهم . وهذا الفوز التاريخي تحقق باسم تخليص الأنسان الكردي من القسوة الوحشية التي كان يتعرض لها من الشوفينية العربية ممثلة بالنظام السابق . تحققت للكرد في العراق حماية دولية من غدر الأستبداد ، ويريدون كما هو واضح من تصريحات القائد الكردي مسعود البارزاني ، الصعود من شرعية الحماية الى شرعية الأنفصال .
لنلاحظ هنا بان مفهوم الحماية يتعلق بالأنسان كأولوية ، فالحماية هنا تعبير اولي وخطوة اولى نحو حرية الفرد الكردي التي لا نراها تتحقق من غير دولة . انّ كسر طوق الخارج حول الطموح الكردي من اجل تحقيق الذات ، ارتبط دولياً ومنذ البدء بشرط الحرية . وانا اقصد بالخارج هنا : الدول الكبرى ، صاحبة الشرعية الدولية المفروضة بقوة الناتو ، ومن ضمنها شرعية الخارطة الجيوسياسية التي فرضتها عام 1917 ، والتي توزع الكرد فيها على اكثر من دولة . ولا اقصد بالخارج المحيط الأقليمي الذي
يرفض بالمطلق ولادة قوة جديدة ممثلة بدولة للكرد . تنابذ القوى في السياسة اقوى منه في المجالات الأخرى ، وصراعها واصطراعها امر حتمي . لا يمكن لقوة موجودة بالفعل كدولة ، ان تحابي ولادة قوة الى جانبها وتشركها في المجال الذي تسيطر عليه . تميل القوة الى توسيع وتعميق فاعلية وجودها ، ولذا فهي تميل الى قرض والتهام نواتاة القوة الناشئة . واذا كانت السياسة تعني العمل بالممكن ، فأنّ ممكن القوة الناشئة يتمثل بتكثير قوتها بالتقاط ما تستطيع التقاطه من قوى ومراكمتها ، والصعود منها الى التقاط قوى جديدة تقع في المجال الذي صعدت اليه . القوة استثمار . وما استثمره النضال الكردي عام 1991 راكم قوة جديدة بعد عقدين من الأستثمار في مكان وفي زمن يبدو انه موات لهذا الأستثمار . تراكم القوة وليس تبذيرها هو القانون الأول في علم المناورة البارع الذي ترسب كشاهد من تجربة بسمارك في توحيده لألمانيا . والقوة في حالة الكرد ومناورتهم البارعة لا تتعلق بعدد البشمركة ولا بما في حوزتهم من سلاح ، بل يتعلق الأمر بقوة اشعاع تجربة بناء الذات ، من حيث قربها من روح العصر ومن مقولاته السياسية . ومن حيث الأصرارعلى انجاح تجربة السباحة ضد المحيط المعادي بأقل الخسائر . لا قيمة لدولة كردية ان لم تكن ابنة بارة لروح حضارة العصر السائدة . ما ان تبتعد الدولة الكردية عن شرط شرعيتها المتمثل بالحرية ، حتى تتحول الى رقم استبدادي جديد يضاف الى عدد الدول الأستبدادية في منطقة الشرق الأوسط . الحرية منهج جديد في النظر الى الظواهر الاجتماعية ومحكامتها من منظور يجب بالضرورة ان لا يكون هو منهج النظر نفسه للقوة التي يريد الكرد التحرر من سلطتها ومن سلطانها .الحرية وعي ونظرة خاصة ذات ابعاد متعددة الى المجتمع والى بنية الدولة من حيث تشريعاتها ومن حيث طرق إشتغال أجهزتها ، تتحول الى علاقة داخلية . واذا ما ابتعدت الدولة الكردية قيد انملة عن هذه العلاقة الداخلية القائمة على مبدأ الحرية ، فما امامها الا الأرتماء في حضن الخارج . الحصانة الأساسية لدول الأقليات في منطقة الشرق الأوسط ، حصانة داخلية مرتبطة بالعلاقة الداخلية مع شعوبها .لا يمكن استبدال مفهوم الأقليات بمفهوم الجماعات { المختلفة ثقافياً } . هذه خطوة نحو صهر الأقليات في المحيط القومي الكبير الذي تشاطره السكن على ارض الدولة الواحدة . وهي خطوة متخلفة عن ايقاع العصر ذي الميول اللامركزية .
اما ان تكون الدولة الكردية قاعدة لتحرر الأنسان الكردي او لا تكون . واول شروط تحرر الكردي يتمثل بدخول العصر المشروط الدخول اليه بشرطي الحرية والتكنولوجيا . والحرية والتكنولوجيا ممارسة عملية ، لا تزكيها المؤتمرات الصحافية ، وانما يزكيها عملياً دستور جديد للأمة الكردية لا يكون امتداداً للدستور العربي في نظرته الى الكون والحياة ، بل نقيضاً له . لا يمكن تشويه مضمون الحرية باختزاله الى عملية استقلال وبناء الدولة الخاصة والتركيز على ذلك . هذا تحصيل حاصل . علم ودستور ومجلس امة : هذا كله تحصيل حاصل . ان ولادة دولة كردية ليس بالأمر الهين : انه تمرد وعصيان على سطوة الشرعية الدولية ، التي ما زالت تؤمن بان الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط ما زالت تمثل مصالحها خير تمثيل . لا ينتمي الدستور العراقي الى دساتير عالم الحرية والأحرار . ولا تتكامل دولة كردية بنقل رؤيته الأساسية للكون والحياة ولدور ووظيفة الأنسان في الحياة . فهو ينتمي الى عالم الدساتير العربية التي تعد من اكثر الدساتير ظلماً للأنسان والتي كتبت بعد الثورة الصناعية . فجميعها تبدأ بالفقرة الأولى التي تصادر حق الأنسان في التشريع لحياته . انها نوعية خاصة من الدساتير كتبها رموز الحضارة الزراعية ، وكأنما المقصود منها الثأر من الأنسان العربي ، من قواه العقلية والنفسية والسلوكية والأجتماعية . انّ الدستور العراقي بكل نسخه القديمة والجديدة : يصادر منذ فقرته الأولى حرية وارادة الأنسان ، ويجعلهما طوع بنان قوى لا تنتمي قط لدائرتي العصر المتملثتين بالحرية والعلم وتطبيقاته التكنولوجية . تسلب الفقرة الأولى من الدستور حرية الأنسان في وضع التشريعات لحياته ، كما تصادر الفقرة الأولى من الدستور عقل الأنسان اذ تتهمه بالقصور وبعدم القدرة على صناعة قوانينه الخاصة ، وتصادر اذ تصادر عقله ــ ارادته وتزعزعها . مثلما تزعزع توازنه النفسي اذ تسلبه حق المبادرة والتفكير والتساؤل والحوار . لامعنى لولادة دولة كردية من غير ان ترفع القيد الأعظم على حرية الأنسان المتمثل في منعه من التشريع . يتحول العَلَم ــ اذا لم يرفع هذا القيد ــ الكردي من رمز لحرية الفرد الى رمز للهوية ، اي اعادة خنق الفرد بعباءة وحدة الجماعة التي عبرت عن نفسها في في كل دول الحضارة الزراعية برمز عائلي { دولة آل سعود ، آل خليفة ، امبراطورية آل عثمان ، آل العباس ... الخ } ومنحت لتلك العائلة حق الحكم الوراثي ، مثلما ربطت بالعاهل او الخليفة او الأمير او الملك شرعية ملكيته لكل شئ يقع في حدود سيادته ، ومنحته حق تأويل احكام النص القرآني كما يحلو له . لا يتحول العَلَم الكردي الى رمز كبير للحرية الا اذا انعتق بنفسه من ظلم العصور الذي وقع عليه . ستظل الدولة الكردية اذا لم تفك اشتباكها الفكري مع ثقافة العصور الزراعية دولة ضعيفة ومفككة . ولا يألوا عملاء الماضي من الأسلاميين جهداً من العودة بها الى حضيرة الدولة في العراق باسم توحيد القوى الأسلامية ضد الغرب . ستتحول الدولة مهما كان لون خطابها السياسي الى نسخة من شريط الدول المحاددة لها ، وسيستعيد خطابها السياسي نبرة التيار القومي الذي تربع على سلطة الحكم لنصف قرن في بلدان العالم العربي : والمتمضمن لموضوعتي التآمر والعداء للخارج ، اللتين تمثلان امتداداً للموضوعتين الأساستين : قمع المعارضة وتدمير نواتاة الحداثة سياسياً وثقافياً . لايستطيع الكردي رفض هذا المنطق ، وهذا النوع من التفكير . فهو ابن افق ثقافي مشترك في موضاعاته الأساسية مع العرب ، تخترمه الرؤية الشعرية ــ الأسطورية للكون والحياة . وما امام الكردي الطامح الى نيل حريته الاّ الأطاحة بها مرة واحدة ،والا ظل تحت رحمتها . اذ لا مجال لتيارات الاستنارة والحداثة في النمو والترعرع وسط دخان الأستبداد . وهذا هو بالضبط ما جرى في العالم العربي اذ بعد ان سحق الفاشست نواتاة الحداثة السياسية والفكرية والحركات الأجتماعية المدنية ، انفتح الحاضر امام قوى الما ضي . قوة القرار الكردي في الأنفصال واعلان الدولة ، تكمن في وعي الشعب لمعنى الحرية : حرية الأنسان اولاً قبل حرية الأرض . هذه هي الأولوية الأولى التي لا تعلوها ولا تسبقها اية اولوية ومن ضمنها اولوية الأرض . اذا ما غلب القرار الكردي اولوية الأرض ، سيستعيد ــ وعى ذلك ام لم يعيه ــ سيستعيد كردياً ما مارسته الأنظمة التسلطية العربية من اضطهاد وتغول للدولة ولنظامها السياسي باسم تحرير الأرض . كان تحرير الأرض لا الأنسان هو الأولية الأولى لأنظمة الأستبداد العربية ، فخسرت الأثنين : الأرض والأنسان . حرية الأرض من قبضة الشرعية القديمة ينجزها الأحرار لا العبيد الذين حولهم التشريع الى خانعين ومطيعين . القانون الكردي الأساسي اذا لم تكن فقرته الأولى تحرير الأنسان الكردي من كل الظلم الذي لحقه من الشرعيات القديمة سيخسر هما معاً الأرض والأنسان . واذا ما تضمنت الفقرة الأولى من الدستور الكردي : انّ الغاية من الأنفصال هو تحرير الفرد الكردي من اضهادين : اضطهاد الشوفينية العربية له بعد ان انشطرت القومية العربية الكبيرة في العراق طائفياً ، اذ انّ كل وعي طائفي هو بالضرورة وعي عنصري شوفيني لأنه يتضمن وعي النجاة ويضع نفسه فوق جميع البشر كونه الحائز على رضا الأله والفائز بالجنة يوم القيامة ، وتحرير الأنسان الكردي من ظلم الشرعيات القديمة : الشرعية العربية الأسلامية في عصر الفتوحات ، وشرعية الدولة الأستعمارية في توزيعها الكرد على اقطار متعددة ، وحرمانها من ممارسة حقها التاريخي في ان تكون لها دولة ، فأنّ الدولة الكردية ستحضى بدعم شعوب الأرض لها ، وفي ذلك تكمن قوتها التي لا يمكن لقوة في الأرض هزيمتها .

في شرعية التوقيت

اكن احتراماً لا محدوداً لمناضلي الأقليات القومية والدينية في العالم العربي ، فهم جميعاً السند في تلقيح الثقافة العربية السائدة بمفاهيم حديثة ، كتلك التي اصطنعها ادباء الشام ولبنان في نهاية القرن / 19 وبداية القرن العشرين ، في تخليص اللغة العربية من استعارات وكنايات عصور موت الضوء والأبداع . وكتلك التي فرضها الكرد على الثقافة السياسية العربية ومنها مفهوم الفدرالية . واخص بالذكر الأمازيغ اولئك الذين الغى قضية حريتهم المغربي محمد عابد الجابري ، حين عد قضية العلاقة بين الدولة والدين قضية مشرقية خالصة لوجود الأقليات الدينية في المشرق العربي ولخلو المغرب العربي من وجود اقليات قومية ، مستعيراً هذه الفكرة الأستبدادية من الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني المعارض [ راجع مؤلفات الدكتور الجابري : الخطاب العربي المعاصر ، اشكاليات العقل العربي . وراجع كل مؤلفات برهان غليون بدءاً من : بيان من أجل الديمقراطية ، الى كتابه : نقد السياسة والدولة والدين ، فستجد هذه الفكرة الأستبدادية مكررة فيها ] شرط ان تكون الحرية في مقدمة مفاهيمهم السياسية . أي حرية الأنسان اولاً . لا اقول ذلك هياماً بالمصلحات والكلمات الرنانة ، بل لأن التجربة التاريخية للنضال الفلسطيني اوحت لي بهذه الخلاصة . لقد وصلت القضية الفلسطينية الى طريق مسدود وستظل كذلك الى ما شاء الوعي المتخلف بحقائق العصر ان تظل . انّ تغليب تحرير الأرض على مبدأ تحرير الأنسان الفلسطيني كاولوية نضالية ، كان وراء هذا التشرذم والأنشطار في القوة الفلسطينية ، وتحول الفصيلين : فتح وحماس ، كل على شريط محدود من الأرض الى قوتين غاشمتين تتوليان قمع الآخر . الدولة الكردية القادمة مشروطة بشرط الحرية للأنسان اولاً ، وهذا هو القدر الكردي اذا ما تحدثنا بلغة الحرية والأختيار . ولكي تتفادى الدولة الكردية القادمة : مفهوم التضحية ، ويشف خطابها السياسي متحولاً الى وعد بالحرية ، لا وعيد على طريقةالخطاب القومي العربي الذي اضاع نصف شط العرب في اتفاقية الجزائر عام 1975 ، يجب يالضرورة ان تصفي كامل المشاكل العالقة لها مع حكومة الاتحاد في بغداد ، قبل ان تعلن عن ولادتها . لا مجال للأنفاق العسكري ، ولا مجال لهدر الزمن ، والدم الكردي مثلما هو الدم العربي مقدس ، وروى الأرض الكردية والعربية بانهار منه . اتحدث كعراقي لا كعربي ولا ككردي ، القومية عندي موقف سياسي ومنه تتحدد هويتي . وعراقيتي تغنيني رحابتها عن ان الأرتداد عنها ومطابقتها بهوية اخرى : شيعية أو سنية ، عربية او كردية . واذا ما رأى المواطن الكردي حريته في الأنفصال فهذا حقه . انا لا اقول كما قال فولتير بأنني سادافع عن حرية الكردي قبله . لكن بيننا مشتركات وتركة ثقيلة علينا ان نصفيها بالحوار قبل ان يدير كل منا ظهره الى الآخر متوعداً . لست على استعداد لأن اصوب فوهة بندقيتي الى كردي او تركماني او شيعي او سني . عراقيتي تمنعني من ذلك . ويدي لا تطاوعني على ان احرك زناد البندقية صوب مَن يحمل مثلي الجنسية العراقية . ما أمامنا غير الحوار ثم الحوار ثم الحوار ، لتصفية كل المشاكل العالقة ، ثم نتصافح بشرف الأخوة العربية ــ الكردية مصافحة تاريخية . لا نريد بعد اشهر من الأنفصال ان تثور قضية كما ثارت في السودان ، بعد اسابيع من أنفصال جنوب السودان . ثم تتحول لغة الخطاب السياسي الى دخان تنور ينطلق من بغداد او من اربيل .
مللنا من لغة المناورات ، ومن تصعيد لهجة كره الأنسان . اصح للعراق ان ينفصل الكرد بدولة خاصة بهم ، لكي يصفوا الجو لهوية العراق العربية كما كان يحلم المفكر السوري ياسين طه الحافظ ، الذي يلقي بجزء من مسؤولية النكسة على التعددية العرقية والدينية لآ على المنظومة الفكرية الأستبدادية ، ولكي لا تثور ثائرة الذين ثاروا دفاعاً عن هوية العراق العربية ايام كتابة الدستور ، التي سيخطفها جني الكرد او جني الشيعة ، كاشفين عن عنصريتهم ووعيهم الأستبدادي ، علماً ان الهوية كمفهوم لا قيمة لها اذا لم يربط الوعي السياسي بينها وبين بنية الدولة وقوانينها وتشريعاتها . واصح للدولة الكردية الوليدة ان تكون حكومتها حكومة قليلة النفقات ، لكي يزيد انفاقها على اوجه التنمية والنهوض بالحياة . منذ كنت تلميذاً في المدرسة الأبتدائية اسمع كلمة عصاة ، فيتداعى المعنى في ذهني الى كل ما توحي به اليّ ثقافتي الدينية المتواضعة من معاني الصراع بين الخير والشر ، وأتساءل لماذا يوجد في هذا الكون اشرار لا هم لهم غير التآمر . هكذا كان الأعلام الفاشستي ، يغذينا منذ نعومة اظفارنا ، بغذاء الأشرار الذين يسكنون الجبل ، ويستغلون طوبغرافيا الأرض للتآمر على العروبة والأسلام . لم تسعفنا ثقافتنا الدينية المتواضعة على فك ااسرار هذا الطلسم . فثقافتنا الموروثة تخلوا من مفاهيم : حق الأمم في تقرير مصيرها . وتخلوا خلوا تاما من مفهوم المواطنة الذي ينقي الذهن والتصور من العنصرية والكبرياء القومية . والآن تعود القضية الكردية الى مربع الطفولة الأول ، فنسمع مجدداً خطاب الثنائية ذاته : الخير والشر ، التآمر واسرائيل والخارج . وتتهيأ زعامة الطرفان ، لا الى استغلال وسائل الأتصال الحديثة من مثل : ــ السلام عليكم استاذ مسعود ، عاشت يمينك ، هذه خطة اعمار تنم عن عبقرية ، انتم تسابقون الزمن . اموال الشعب تعود الى الشعب . هذه الخطة ستنتشل الفقراء والطبقات الوسطى . لقد حمستمونا نحن مجلس الوزراء في بغداد ، سنستلهم تخطيطكم ، الوزراء كلهم على قدم وساق يواصلون الليل بالنهار من اجل تنفيذ مشاريع خطة الأعمار لعامي 2012 ، 2013 . بوركتم ، وبارك اللّه في الأخوة العربية ـ الكردية .
ويرد الأستاذ مسعود البارزاني منتشياً بهذا الأطراء من دولة رئيس الوزراء : ـ اشكركم دولة رئيس الوزراء ، آني اهواية ممنون منكم ، وزراءكم هم وزرائنا الذين استلهمنا منهم هذه الوطنية والشعور العالي بالمسؤولية ، وخاصة همتهم في مسابقة الزمن . وزراء حكومتكم يادولة الرئيس ضربوا مثلاً في تقيدهم بحكمة : مسابقة الزمن، وخاصة في مجال الكهرباء والمجاري ، وفي تشجير الصحراء . لقد قضيتم على عواصف التراب ورفعتم من رواتب المتقاعدين وقللتم من رواتب النواب والوزراء ...
هل سنسمع حواراً عصرياً من هذا النوع ، يوحي بأن المسؤول في الدولة العراقية ، يعرف ما هي مهمة رجل الدولة ، في بلد كالعراق ؟



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صالح المطلك
- عنها
- لقطة
- التكنولوجيا ومنظومة العمال الفكرية
- حكايات طويلة عن احداث قصيرة
- آلهة ورصاص
- بحر وسينما
- العراق : ازمة وعي دائمة ، ام في الطريق الى وعي الأزمة ؟
- نهر ومدينة
- لهاث
- دولة قطر ومؤتمر القمة العربية
- نباح
- موت
- قصيدتان مونولوج غروب
- قصيدة حب
- الرفاعي
- بلادي
- مفارقة
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5


المزيد.....




- ماذا يعني قرار الأمم المتحدة بالنسبة إلى فلسطين؟
- بصورة يحيى السنوار وتمزيق ميثاق الأمم المتحدة.. ضجة على رد ف ...
- محمد بن سلمان والملك فيصل وتعليق إمام الحرم المكي الأسبق.. ت ...
- شاهد لحظة تمزيق سفير إسرائيل ميثاق الأمم المتحدة خلال كلمة غ ...
- إيران تدعم بقوة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطي ...
- ما هي الدول الممتنعة والمعارضة لعضوية فلسطين بالأمم المتحدة؟ ...
- ليست بالرَّكيكة عن الحكومة الضاحكة
- أمين الأمم المتحدة: أي هجوم بري إسرائيلي برفح سيؤدي لكارثة إ ...
- -بحلول نهاية 2025-.. العراق يدعو إلى إنهاء المهمة السياسية ل ...
- اعتقال العشرات مع فض احتجاجات داعمة لغزة بالجامعات الأميركية ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الدولة الكردية والشرعية