أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6















المزيد.....



الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 3663 - 2012 / 3 / 10 - 11:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6

عن التنمية والتحديث

جواباً على السؤال الذي ختمنا به الحلقة السابقة { الخامسة } نقول : بأنّ دول العالم العربي عمقت من تبعيتها ــ في ماوضعته من خطط لعملية التنمية والتحديث ــ من حيث ارادت ان تتجاوز تخلفها . ويعود ذلك الى تركيزها على جانب تنمية قوة الدولة العسكرية ، واهمال جانبي التحديث الشامل والحريات . هذا ما نستطيع ان نستشفه من التجربة التاريخية لعمليات التنمية في العالم العربي . والتنمية مفهوم حديث ، حتمت ولادته رؤية الفجوة الواسعة والتي تتسع باستمرار ، بين البلدان المتطورة وبين بلدان المستعمرات ومنها بلدان العالم العربي الذي عجزت برجوازيته عن انجازها . فالتنمية خطوة ضرورية لردم تلك الفجوة ، عبر مخطط شامل لكل مناحي الحياة على مستوى بلد او مجموعة بلدان ، في الوقت الذي لم تكن خطة التنمية تتعدى مقاطعة او قرية ، لأصلاح الأرض في عصور الأقطاع قبل الثورة الصناعية . وستظل التنمية بالنسبة للعالم العربي مشروعاً لمحاولة اثبات الذات ، في عالم يشكل الصراع من أجل الأسواق والمواد الأولية والأرباح ومن أجل السيطرة والنفوذ ، الآلية الجوهرية التي تتحكم بمساراته . ولكنها ـ أي التنمية ـ لا تعطي ثمارها ان لم تنطلق من معرفة شاملة بالقوانين التي تتحكم بالأسواق وبالظاهرات الأساسية في عصر العولمة . وليس من الموضوعية في شئ تكرار : هذا ما نريده وذاك ما نرفضه ، كما لو ان قوانين الطبيعة والأجتماع البشري طوع رغباتنا . ففي المرحلة السابقة كانت خطابات الزعماء العرب توحي وكأنهم يحركون اتجاهات وظواهر التاريخ العالمي . ولقد انعكست هذه الرؤية الأرادوية المشبعة برغباتهم الذاتية على الخطط التنموية التي تبنوها ، فكانوا يطلقون عليها صفات ذات رنين عسكري كأن يسمونها : الخطة الأنفجارية . وعلى العكس من ذلك ، فأنّ التنمية عملية طويلة الأمد ، وتكون نتائجها ملموسة بقدر ما تكون موضوعية ، تنظر الى الظاهرة التي تريد معالجتها على المستوى المحلي ، بالترابط مع قوانين وآليات عمل الظواهرالمشابهة في المحيط العالمي . ثم ان التنمية علم . واذا ما اعتمدت الخطط التنموية الموضوعية والعلمية حققت الشمول والعقلانية { هذا على فرض تحررها من تدخل السلطة السياسية } . الشمول : يعبر بالتنمية الأفق المسدود للتنمية القائمة على حيازة القوة بمعناها القديم . والعقلانية : تتطلب منها التركيز على الأنسان كهدف للتنمية ، وذلك ما يتطلب اصدار تشريعات جديدة في العالم العربي ، توسع ما امكن من فضاء حريات ألافراد لتعميق روح المبادرة . سادت العالم العربي ستراتيجيتين تنمويتين سابقتين :
1ــ تنمية باشوية : نسبة الى محمد علي باشا والي مصر في النصف الأول من القرن /19 ، الذي اهتم بتحديث قوة الدولة العسكرية [ كانت مذبحة المماليك رمزاً لهذا النوع من التحديث لاحلال تعبئة عسكرية جديدة تقوم على تسليح حديث مستورد . وقد سبقه العثمانيون الى ذلك في تنفيذهم لمذبحة الأنكشارية الشهيرة .] وكان الهدف من التنمية ــ الهدف من التنمية لا يقل اهمية عن فكرة التنمية نفسها ــ التي تبناها الباشا نابعاً من طموحه الشخصي الى انتزاع مؤسسة الخلافة من سلاطين آل عثمان . { ما يزال الحنين يشد الكثير من الكتابات النهضوية الى تلك اللحظة التنموية في التاريخ العربي الحديث . ]
2ــ تنمية تولاها عسكر مجالس قيادة الثورات العربية ، كانت في عمومها تواصلاً مع لحظة التنمية الباشوية ، لأنها لم تخرج عن الأطار الذي يقرره الزعيم ــ رئيس مجلس قيادة الثورة ، وان كان هوى الزعيم الذاتي مغطى بمهمات قومية كبرى كتحرير فلسطين ، المهمة القومية التي كررها البيان رقم واحد لكل الأنقلابات العسكرية في العالم العربي { ولقد تحول هذا النوع من التنمية بحكم الأمر الواقع ، الى تنمية قوة الدولة العسكرية والأمنية على حساب مجتمعاتها ، وفي مواجهة هذه المجتمعات في آن واحد ، بما يشبه الحروب الأهلية الداخلية ، او في حروب عربية ــ عربية } مع ملاحظة ان الستراتيجية المعتمدة في هذا النوع من التنمية مبنية على الأستيراد لا الأنتاج . وحين كسر جمال عبد الناصر احتكار السلاح واستورده من جيكوسلفاكيا السابقة عُد ذلك انجازاً يضاف الى انجازات الزعيم التاريخية. قصّرت هاتان المحاولتان عن ان ترتفعا الى مستوى الشمول في التحدي { الأقتصادي والأجتماعي والثقافي والسياسي } الذي تشكله الحضارة القائمة . بسبب من ان واضع خطة التنمية ، لم ينطلق في خططه من فكرة وجود حضارة يشكل وجودها بحد ذاته تحدياً خطيراً للوجود العربي ، بل انطلق من رغبة ذاتية [ {التنمية الباشوية } ومقارنة باليابان التي باشرت تنميتها بالتزامن معها في القرن /19 ، نكتشف الأهمية القصوى للهدف من التنمية الذي سيتحكم بفشلها او بنجاحها . ] أو من فكرة تآمر اقوامي ـ ديني ، كما في مرحلة الزعامة القومية . مبسطين مسألة التحدي الحضاري الى شكل من اشكال المواجهة العسكرية التي يمكن الفراغ منها في معركة حاسمة ، كما حدث في الحروب الصليبية . لكن مَن يطالع كتابات القوميين والأسلاميين ، سيكتشف انها تضج بالشكوى من الغزو الثقافي ، الذي يشكل عندهم تهديداً خطيراً للهوية والأصالة { سنناقش مسألة الهوية في الحلقة القادمة .} . ظل وعي التحدي في المرحلة القومية امتداداً للوعي المترسب عن فترة الحروب الصليبية ، وفي احسن الأحوال عن فترة الفتوحات الجغرافية وما تلاها من استعمار غربي في نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر . فالأنقلاب الكبير الذي حدث في العالم باكتشاف مناطق جديدة ، ازدادت فيه مساحة العالم المعروف الى اضعاف اضعاف ما كان عليه ، ومن ثم استعمارها استيطانياً { امريكا استراليا } تم تفسيره على انه تآمرقام به العالم الصليبي لتطويق العالم الأسلامي . ولذا لم يأخذ هذا الوعي مأخذاً جدياً الأنقلاب الكبير الثاني الذي احدثته الثورة الصناعية ، وما رافقها من تحول في زاوية النظر الى الكون والحياة والى دور الأنسان ووظيفته في الحياة . فلقد استمرت ذاكرة الحروب الصليبية حية وفاعلة في تفسير الأنقلابات الكبيرة التي حدثت في العالم ، خاصة بعد مرحلة الكشوفات الجغرافية ، وبعد مرحلة الثورة الصناعية . وذلك ما منعهما من النظر الى عصر التنوير كمقدمة ضرورية لازبة لما تلاه من ثورات ، وما اصدره ثوار اميركا وفرنسا من تشريعات ودساتير عكست زاوية نظر جديدة الى الكون والحياة .
انّ زاوية النظر التي ننطلق منها في مقاربتنا هذه تقوم على : ان الأنقلاب الكبير حدث بعد اكتشاف البشرية اسلوباً جديداً في الأنتاج ، هو الانتاج الصناعي ، قاد الى ولادة حضارة جديدة ، لها كما كان للحضارة الزراعية منظومة فكرية ، انطلقت من زاوية نظر جديدة الى الكون { لم تعد فيها الأرض مركز الكون كما كانت في المنظومة الفكرية اللاهوتية } والى الحياة { التي لم تعد كما هي في المنظومة الفكرية اللاهوتية القديمة ، مرحلة لتهيئة الأنسان الى ما بعد الموت } والى دور ووظيفة الأنسان فيهما {وقد عبّر الأنسان عن هذه الوظيفة بالثورة التي غيرت التشريعات الحاملة لحقوق قديمة واحلت محلها تشريعات حاملة لحقوق اجتماعية جديدة ، وهذا ما حتم ولادة دولة ذات بنية مؤسساتية جديدة .} مثلما تقوم مقاربتنا على ان هذا الأنقلاب لم يتم بتخطيط من الدولة بداية ، وان خططت له بعض الدول الأوربية لاحقاً وخاصة المانيا . وكانت كل الفلسفات السابقة للأنقلاب الكبير تدور حول نقد نمط الحياة القديم المؤطر بوصاية مشتركة من الدين والأقطاع ، وما انتجاه من استبداد ، ولم يقدم احد من المفكرين مخططاً للكيفية التي يتم بها استنبات نمط جديد للأنتاج يكون رافعة لحضارة جديدة . بل كان اعظم من شق الطريق بسبق زمني دفاعاً عن الحريات ، اقصد سبينوزا ، منزوياً عن الحياة . لقد تم الأنقلاب الكبير من خارج اسوار الدولة ، ثم ارتدّت طلائع هذا الأنقلاب ــ الذي نؤرخ له بعصرالأنوار وبالثورة الصناعية ــ على الدولة عبر الثورة { فرنسا } أو بالتدريج { بريطانيا } مغيرة تغييراً جذرياً بنيتها التشريعية والمؤسساتية . وانطلاقاً من هذا التشخيص نولي اهمية قصوى لزاوية النظر وللهدف من التنمية ، اللذان سيتحكمان بفشل او بنجاح الوقوف بوجه التحدي الحضاري القائم ، وليس بوجه التآمر الأقوامي . فكل حضارة جديدة تشكل بحد ذاتها تحدياً شاملاً لما سبقها من تنظيمات . لقد اكتشف الأنثروبولوجيون الكثير من القبائل والأقوام وهي تراوح مكانها في فترة تاريخية سابقة لمرحلة الثورة الزراعية . في حين استطاعت غيرها ــ ربما لأنها ليست مثقلة بموروث ثقافي مقدس يثقل بكلكله على تفكيرها ، وبالتالي على حرية اختيارها للطريقة التي ترد بها على تحدي الحضارة الزراعية الشامل ــ ان تهضم وتتمثل معطيات الحضارة الزراعية بالطرق التي مكنتها من تحويل التحدي الى حافز نهضوي . والشرق الأوسط مكاناً نموذجياً لتنقل مراكز الحضارة الزراعية القديمة من مركز الى آخر . قبل انتقالها الى كريت فاليونان ثم الى المقدونيين مع الأسكندر الأكبر ، ثم الرومان قبل ان يعود مركزها الى الشرق الأوسط مجدداً بعد الفتوحات العربية . انّ الهند واليابان والصين في الأوان الذي نعيش ، تقدم مثالاً على ما نقول من حيث النجاح الذي أصابته في استنبات وتبيئة مفاهيم وآليات اشتغال الحضارة الصناعية ، وجعلـها حضارة آسيوية . وربما اضفنا الى ذلك بان هذه الحضارة التي جيرناها لصالح اوربا ، قامت اساساً في بلد اوربي واحد هو بريطانيا او مع فرنسا ، ثم لحقت بهما باقي البلدان الأوربية على اختلاف اعراقها ، وخلفياتها الثقافية واللغوية والطائفية ، رغم الحروب التي غطت تاريخها الوسيط حتى عام 1850 . و تشير الكثير من الدلائل الى ان المرحلة الجديدة في العالم العربي التي سميناها اسلامية ، ستواصل الغزل على نفس منوال المرحلة السابقة وتطريز الشعار ذاته : مقاومة التآمر ، مختزلة جوانب الصراع المتعددة بجانب الصراع العسكري المحض . اما الحصول على السلاح ، فيتم بالكيفية ذاتها : استغلال تناقضات وصراعات الدول الكبرى ، كما كان الحال في المرحلة القومية . بحيث نستطيع استيراد السلاح هذه المرة من الصين او من الهند ، او بالعودة مجدداً الى الدب الروسي . اما تبيئة واستنبات القوة نفسها باستلهام معطيات الحضارة فلا احد من قادة الأسلاميين يتحدث عنه . ولم ترد لفظة : الحضارة على لسان اي من قادة التيارات الأسلامية { كما لو ان تلفظ كلمة حضارة محرم اسلامياً } كتحد من الضروري استلهام آليات اشتغالها واستلهام منظومتها الفكرية ، لوضع الأسس السليمة لخطة تنموية تنهض الى مستوى تحديها . ــ كل ذلك يوحي وكأن المرحلة التي سميناها بالأسلامية ، ستباشر الرد على تحديات الحضارة بالنظارات نفسها التي نظر الزعماء / الضباط العرب من خلالها الى عالم السياسة والصراع .

أولاً / منظومة فكرية واحدة

اطلق القوميون على افكارهم وتصوراتهم اسم : النظرية القومية ، وحددوا العالم العربي اطاراً لنشاطهم السياسي ، مسقطين عن نظريتهم واجب العمل بالتصور الأسلامي الذي قسم العالم الى دارين : دار الاسلام ، ودار الحرب . اسقاط هذا التصورعن النظرية ، بالنسبة الى دعاة الصحوة الأسلامية ، يعني : تخلي القوميون عن ارادة الجهاد التي كانت وراء نفخ الروح في الفعل الأسلامي في التاريخ . فمن دون الفعل الحاسم للجهاد ، ما كان بأمكان الديانة الأسلامية ان تنتشرعلى مساحة قارات . ذلك ان التبشير بوحدانية اللّه وباقتراب يوم القيامة ، الذي مارسه النبي محمد في مكة على مدى 13 عاماً ، لم يستقطب اكثر من 100 شخصاً الى دائرة الأيمان . ولكن بعد الهجرة ، أرغم الجهاد بالسيف ، سكان الجزيرة العربية على التقيد بتعاليم واحكام الأسلام في عشرة سنوات . وبعد وفاة الرسول اعلنت مناطق واسعة في جنوب الجزيرة كاليمن وحضرموت واليمامة عن عدم تقيدها بدفع ضريبة الزكاة ، فأعادهم سيف الجهاد الى حضيرة الطاعة . وهو السيف نفسه الذي مدّ سلطان مؤسسة الخلافة الأسلامية على ثلاث قارات في زمن قياسي .
هل لهذا السبب ، اي التخلي عن اعادة العمل بالتصور الأسلامي للعالم ، تم تكفير الأسلاميين للتيارات القومية ؟
تشير نظرية: الحاكمية ، بوضوح الى هذا السبب ، مثلها مثل نظرية : ولاية الفقيه الشيعية . فحين كتب سيد قطب في كتابه الأساسي : معالم في الطريق ، { ان قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت على الزوال..... لأن النظام الغربي لم يعد يملك رصيداً من القيم يسمح له بالقيادة .......والأسلام وحده هو الذي يمتلك تلك القيم ، وهذا المنهج . } فانما ليشير الى وجود علاقات بين الجنسين : الذكر والأنثى يكفلها القانون في الغرب ، تتحدى ما قرره الخالق من اخلاق في شريعته المنزلة . وهذه الحقيقة بالنسبة اليه الحجة التي تلزم كل مسلم بالسعي الجاد لتحرير الغرب من تسلط نظام : { لم يعد يملك رصيداً من القيم يسمح له بالقيادة } . وفقدان القيم بالنسبة لسيد قطب ، يتمثل بما شاهده اثناء ذهابه الى الولايات المتحدة الأمريكية في دورة تربوية ، من حرية فردية ومن مساواة فعلية يتمتع بها افراد الجنسين امام القانون ، غيرت العلاقة بينهما من علاقة تبعية الى علاقة ندية . والحق ان فكرة : مساواة الجنسين وحريتهما الشخصية ، تعني بالنسبة للديانات الساميّة : الأسلام والمسيحية واليهودية ، كما لكل منظومة فكرية سابقة عليها : انهياراً للأخلاق وللقيم . وحين كفّر سيد قطب ـــ مسؤول الأرشاد الديني في حركة الأخوان المسلمون ــ مجتمعات زمانه ووصمها بالجاهلية ، لم ينطلق في ذلك التكفير من سبب داخلي فقط ، أي عدم اعلان دولة الزعيم ناصر للشريعة كدستور، وانما لسبب آخر يتمثل بموقف الأسلام من العالم الخارجي . اذ يؤكد الأسلام كديانة توجهت بالخطاب الى البشرية جمعاء ، على مسؤولية المسلمين ــ دولة ومجتمع ــ حيال البشرية جمعاء . وهذه المسؤولية يرتبط تنفيذها بالجهاد الذي هو ركن واصل من اصول الديانة الأسلامية . ولقد رأى سيد قطب في بلد من بلدان الحضارة الحديثة ، ما يوجب اعلان الجهاد : فرض عين لا فرض كفاية . وفي حالة عدم تلبية النداء الى الجهاد من قبل المسلمين ـ لتحرير العالم ــ من اخلاق الرذيلة والعودة به الى اخلاق الفضيلة ، تلزم الحجة المسلمين ، ويخرجهم هذا الألزام من دائرة الأيمان الى دائرة الكفر . وتقيداً بهذه الرؤية الأحيائية لدور المسلمين في الحياة ، خرجت الى الوجود طوائف دينية متعددة تأخذ بمبدأ الجهاد الفوري [ الطائفة الدينية في تعريفنا لها : كل جماعة اسلامية استطاعت ان تعبئ مجموعة من الناس حول تأويل محدد شرط ان يبيح تأويلها قتل كل مَن لا يتقيد بتأويلها الديني ، مسلماً كان او غير مسلم . وهذه الأباحة في سفك الدماء كانت في أصل نشوء وقيام دول الطوائف التي خرجت الى الوجود بعد احداث الفتنة الكبرى . ولقد تجاوزعدد الطوائف اضعاف اضعاف الرقم 73 في الحديث المكذوب على النبي ، والذي تؤمن به كل الطوائف والملل والنحل . سواء تلك التي ماتت ، او التي مازالت حية ، والتي يتخرج من صفوفها العشرات من الطوائف كل حين . ومن يرصد عشرات البرامج لجماعات مختلفة في العالم الأسلامي ، يكتشف كم فرقة دينية خرجت من بين صفوف السنة ، وكم فرقة خرجت من بين صفوف الشيعة اضافة الى الحركات المهدوية .... وكل منها يكفر الفرقة الدينية الفرعية او الأم ، لأنها لا تريد الأخذ بصحيح الدين الذي توصلت اليه في تأويلها . ] . ولا يمكن النظرالى هذه الفرق الدينية انطلاقاً من الخلفية الفكرية والتاريخية للأسلام وحده ، لأن الجهاد مفهوم ديني موروث عن اليهودية ، ومارسته المسيحية كجهاد داخلي بين طوائفها المختلفة ، او مع غيرها . وقد مارسته كل القبائل والأقوام السابقة واللاحقة في الوجود للديانات الثلاثة في تأسيس دولها . فهو مفهوم ثقافي تتوارثه كل الجماعات بعد ان تغلفه برسالة محددة . لكن استمرار وجوده محوراً لتأسيس الدول في العالم الأسلامي { العربية السعودية ، التي تأسست في ضوء من الجهاد ، انطلاقاً من وعي طائفي جديد هو التأويل الوهابي ، والجمهورية الأسلامية في ايران التي انطلق تأسيسها من تأويل شيعي جديد كان منظره البارز آية اللّه الخميني ضداً على حالة انتظار دولة المهدي المنتظر } تأكيد على استمرار وجود الوعي الطائفي مفهوماً محورياً في الثقافة العربية ، يعيد انتاج ذاته كقطب الرحى في كل المراحل التاريخية التي مرّ بها العالم العربي .
على الجانب الشيعي تبرز مساهمة الأمام آية اللّه الخميني في كتابه : الحكومة الأسلامية ، الذي يتضمن فكرته الأساسية عن البنية التي يجب ان تكون عليها الدولة الأسلامية . والدولة عنده لكي تكون اسلامية ، يجب ان يلعب فيها الفقيه دورالقائد والموجه ، أو بعبارة الأمام الخميني نفسه { ان يلي الفقيه من الناس ما كان الرسول يلي من أنفسهم } . انتظمت الدولة في ايران بولاية مطلقة للفقيه بعد الثورة 1979 . نقول مطلقة لأن ولاية الرسول كانت مطلقة على المؤمنين ، وهو المعنى الذي يشير اليه قائد الثورة في كتابه. وكانت العلاقة بالعالم الخارجي قد تحددت بعد نجاح الثورة وفقاً لأطروحة : تصدير الثورة ، التي عبّرت بوضوح عن تكفيرها للعالم الخارجي متناغمة مع حاكمية سيد قطب . ولكن الجمهورية الأسلامية بعد اكثر من ثلاثين عاماً على وجودها ، لم تنجح عربياً ، ولا دولياً في تسويق نظامها ، فلم ترفع اية انتفاضة او ثورة من الثورات التي هزت العالم الأشتراكي في مفتتح تسعينيات القرن المنصرم ، ولا ايّ انتفاضة من انتفاضات الشباب العربي التي ما زالت مستمرة ، دعوة واضحة لتطبيق اطروحة ولاية الفقيه ، او الحاكمية . فانحصر نشاط الجمهورية الأسلامية التبشيري داخل امتدادات الطائفة الشيعية عربياً واسلامياً . ونجحت في بناء احزاب موالية لها في بعض البلدان ، ولقد تم ذلك على حساب الوحدة الوطنية لهذه البلدان ، وهو الشئ ذاته الذي حدث كنتيجة من نتائج توظيف الدين في السياسة الذي سبق اليه تنظيم الأخوان المسلمون . وما زالت ايران مدفوعة بالتصور الأسلامي نفسه وهي تصطنع هذا الأصطفاف الدولي حول برنامجها النووي . فأعلامها يتحدث عن الخارج { = دار الحرب } الذي من الضروري تطهيره من خطاياه وآثامه لأنّ { الأسلام وحده يمتلك القيم والمنهج } وفقاً لتعبير سيد قطب . وتعيش ايران الآن المرحلة الأولى من حصارمتصاعد ، قد يصبح شمولياً وخانقاً كالحصار الذي فرض على العراق بعد احتلال الكويت . وهذه دلالة تشير الى ان الأسلاميين الذين كفّروا القوميين في ستينيات القرن المنصرم لم يدركوا ، او انهم لا يريدون ان يعترفوا بالتحول العميق الذي حدث في التاريخ العالمي ، والذي تراجعت فيه فعالية التصورالأسلامي في تقسيمه العالم الى دارين ، منذ التاريخ الذي فشل فيه حصار الأمبراطورية العثمانية لفينا في القرن /17 ، والذي استتبعه تراجع متواتر لم يتوقف الاّ بانسحابها النهائي من مسرح التاريخ . لا نريد ان نتنبأ بنتيجة الصراع الأيراني مع امريكا واوربا واسرائيل ، ولكننا نستطيع الأشارة الى ان الأقتصاد العالمي لن يسمح طويلاً بعزلة طويلة لأقتصاد ايران عن السوق العالمي .
كيف ستنتظم الدولة ، وخاصة في مصر ، بعد فوز الأسلاميين في الأنتخابات ؟
يختلف وضع الأسلاميين في مصر وفي تونس والمغرب عن الوضع في ايران . فدساتير هذه البلدان تكفل وجود معارضة ذات مرجعية فكرية غير اسلامية ، على طريقة العراق ، حتى وان ابتلعت الفقرة الأولى من دساتير هذه البلدان : { الأسلام هو المصدر الأساسي في التشريع } الفقرات الأخرى التي تتحدث عن الحريات . ثم ان الفصل في السلطات والنظام الرئاسي في تونس ومصر ، سيخفف كثيراً من قبضة الأسلاميين الى الدرجة التي قد تدفعهم الى التوقف النهائي عن اثارة مسألة المعاهدات الدولية فعلاً لا قولاً . وقد ناقشنا ذلك في حلقة سابقة . واذا ما صمت الأسلاميون عن اثارة مسألة المعاهدات الدولية التي عقدتها الحكومات السابقة ، وتحولوا الى حزب عدالة تركي آخر ، فأن الباقي من ادارتهم للشأن العام يتعلق بتطبيق الشريعة ، التي نرى بأنها مطبقة في كل بلدان العالم العربي ، بشهادة كل دساتيرها . وفي هذه الحالة ترتفع الحدود بين القوميين والأسلاميين فيما يخص منطلقاتهم الفكرية . لقد انتهت المرحلة القومية من غير ان تخلف وراءها تشريعاً واحداً يذكر لصالح المرأة ، واستمرت في كل تشريعاتها المتعلقة بالحقوق المدنية تحابي وتحافظ عى حقوق الرجل التي منحها اياه الدين الأسلامي . فالتيار القومي حاله حال التيار الأسلامي ، يمثل امتداداً للنظرة الذكورية التي تحكمت بالتشريعات والأحكام وشكلت زاوية النظر التي تنطوي عليها المنظومة الفكرية العربية الأسلامية .
لم ينطلق تكفير الأسلاميين للتيار القومي إذن بسبب من استقلال القوميون بمنظومة فكرية جديدة تحمل زاوية نظر جديدة الى الحقوق ، تناقض المنظومة الفكرية العربية الأسلامية الموروثة ، واسترشدوا بها في التأسيس لدولة ذات بنية تشريعية مختلفة عن البنية التشريعية لدولة الأمويين او العباسيين او الفاطميين او العثمانيين ، او لأية دولة تعينت في التاريخ العربي الأسلامي . لقد تصور الأسلاميون بأن القوميين ــ وهم يرصعون واجهات دولهم بأوصاف الجمهورية والشعبية والديمقراطية والأشتراكية والعظمى ــ قاب قوسين أو أدنى من تطبيقها . وهذا الذي تخوف منه الأسلاميون لا يتطابق والحقيقة التاريخية لحكم القوميين . لكن لو تساءل الأسلاميون من غير ان يسارعوا الى تكفيرهم ،عن السبب الذي منع الزعامات القومية من الأعلان عن تطبيق الشريعة الأسلامية ، طالما أن فقرتي : الأسلام دين الدولة الرسمي ، وفقرة : الشريعة الأسلامية هي المصدر الوحيد او الأساس في التشريع ، تتصدر دساتيرهم ، لكانوا اقرب الى قول الحقيقة . كان نموذج الدولة القومية بزعامة ناصر قد استرشد بما وضعه الزعيم من افكار في كتابه : فلسفة الثورة ، التي اكد فيها على التزامه بقضية فلسطين ، وعلى النضال من اجل جمع العرب في دولة واحدة . ومع عمق وشمولية الهزيمة عام 1967 لم يدخل الزعيم ناصر بمفاوضات مباشرة مع الأسرائيلييين ، رغم موافقته على مشروع روجرز قبل وفاته . وكان قد خطط ــ في سبق تاريخي ــ لمشروع تنموي ، ولكن عينه كانت على زعامته ، التي يتناقض وجودها ووجود تنمية شاملة في دولة حديثة . وهكذا أكلت منظومته الفكرية مشروعه التحديثي . ومع انه نجح في تقديم نموذج تحرري شجاع لبلدان العالم الثالث ، وساعد عدن على التحررمن الأستعمار البريطاني ، وتدخل عسكرياً ضد عودة حكم الأمامة في اليمن ، ونجح في تأسيس كتلة عدم الأنحياز في عز لهيب الحرب الباردة ، الا انه لم يستطع الأنفصال عن موروث الزعامة ، حتى وهو يحقق اول وحدة في العالم العربي ، اذ أمر السوريين بالتنازل عن كل استقلال فكري او سياسي ، والأنضواء تحت زعامته . والزعامة كمفهوم سياسي هي التعبير الحديث عن مفهوم مؤسسة الخلافة التي عبّرت عن نفسها تاريخياً : بوجود قائد واحد مطلق الصلاحيات ، وصوت واحد يفكر ويأمر ، لا يعرف المعارضة . ومن سمات دولة الزعامة التي تتشابه فيها مع دولة الخلافة ان كل شئ فيها يعتمد على قرارات الزعيم . وان لاشئ ثابت فيها ، فالزعيم اللاحق قد ينعطف بسياسات الدولة وببنيتها المؤسساتية انعطافة حادة . فعدا عن المؤسسة العسكرية ، لا توجد مؤسسات ثابتة في دولة الزعيم ، وحتى ان وجدت بعض المؤسسات الأخرى كالبرلمان ، فهي في عملها ليست اكثر من ظل من ظلال الزعيم ، اذ ان جميع اعضاء البرلمان من حزب الزعيم ، الذين لا يستطيعون ان يقترحوا تشريعاً ، من غير ان يعرفوا موافقة الزعيم المسبقة عليه ، بما يعنيه ذلك من عدم وجود معارضة شرعية . وهذه السمة وحدها تكفي لاخراج نظام الزعيم من دائرة الدول الحديثة التي تتميز بوجود معارضة وبوجود مؤسسات ثابتة . لم يتجاوز أي نظام من انظمة مجالس قيادة الثورات العربية نظام الزعيم المصري ، بل جاءت جميعها نسخاً مشوهة عنه ، حاكت فيه بوليسيته اكثر مما حاكت ايجابياته ولا سيما ناحية التطور الفكري الذي انتقل فيه الزعيم ــ وان من فوق ــ الى تشكيل التنظيم الطليعي داخل تنظيم الأتحاد الأشتراكي . وكل ذلك يقدم لنا صورة عن انظمة مجالس قيادة الثورات ، تخبرنا خطوطها وتموجات الوانها وظلالها ، بأنها انظمة ــ شكلت في بنيتها التشريعية والمؤسساتية وفي آلية تطبيق مفهومها الأمني ــ امتداداً وليس انفصالاً عن الموروث السياسي ، وعن منظومته الفكرية التي تشكلت قبل 14 قرناً . ولهذا حين اعلنت بعض الزعامات القومية عن تطبيق الشريعة الأسلامية ، لم تتحرج من اعضاء احزابها من الديانات الأخرى غير الأسلامية ، ولم تعد ذلك انشقاقاً أو خروجاً على مفاهيم احزابهم السياسية ، مثلما لم يجد الأسلاميون حرجاً دينياً وهم يمدون يد المساعدة الى أنظمة النميري والسادات وصدام حسين ، اعترافاً من الطرفين بالأنتماء لمنظومة فكرية واحدة . ولقد وصلت هذه الآلية الى ذرىً عالية من الأنصهار في موقف واحد ، في الحرب العراقية الأيرانية التي انتخب لها صدام اسماً هو: القادسية ، في اشارة ذات دلالة تاريخية مزدوجة : فكما حرر سعد في الفتوحات العربية الفرس من الديانة المجوسية ، سيحرر صدام حسين في قادسية جديدة الفرس ـ هذه المرة من تشيعهم ، ويعيد نشر الديانة الأسلامية الصحيحة ، بعد ان انحرف بها الفرس عن صحيح الدين . انها حرب السنة العرب على الشيعة الفرس ، كما اراد لها نظام البعث ان تكون ، مؤججاً بذلك لهيب الطائفية على مستوى العالم العربي والأسلامي . وقد اراد صدام ان يكون الفارس الذي يقدم نموذجاً لما يجب ان يكون عليه الانبعاث القومي حين قرنه بالجهاد ، من اجل نشر تأويل محدد للدين الأسلامي . وان تتحول الدولة الى ثغر اسلامي مهمتها : التعريب والأسلمة . مما يؤكد على انطلاق التيارين القومي والأسلامي من منظومة فكرية واحدة . وسيدفع الدكتور حسن الترابي بمفهوم الدولة / الثغر، بعد الحركة الأنقلابية التي قام بها بالشراكة مع البشير عام 1989 الى نهاياتها القصوى ، كمثال حديث على ان إحياء العمل بالمنظومة الفكرية العربية ألأسلامية ، لابدّ وان يقود الى احياء المحور الحضاري للدولة العربية الأسلامية المتمثل بالجهاد ، والذي سيأخذ شكل حرب اهلية داخلية مستمرة ، في عصر وضع حدوداً ثابتة للدول لا تستطيع تخطيها . هكذا ارتبطت الدولة في السودان بالمهمة نفسها التي كانت للدولة الأسلامية في التاريخ : مهمة الأسلمة والتعريب . فحولت الدولة في السودان في حكم الثنائي : الترابي كمنظر أسلامي ، والبشير كقائد عسكري ، البلاد من سلة غذاء ، يسد انتاجها حاجة السودان والعالم العربي ــ كما هو الدور العقلاني الأنساني المرسوم لها من قبل العقول التنموية السودانية نفسها ــ الى بلاد تعيش قبائلها الأفريقية تحت سطوة ذعردائم بسبب غزوات الدولة المتكررة عليها ، لحملها على دخول دين التقوى بتأويل جديد لصحيح الدين ، جاء به هذه المرة الأمام حسن الترابي . ماتت احلام الترابي بعد ان وضعه قائده العسكري في السجن لمرات ، هو الذي كان يحلم بقيادة ثورة عالمية تطيح باخلاق حضارة شيطانية تسمح للمرأة بأن تنال حقوقاً مساوية للرجل . ولا ادري كيف فسر او نظر الى غياب حضور شعارات حزبه من انتفاضات الشباب العربي لدى جيرانه في تونس ومصر . وفي الأخير قاد ستراتيج الجهاد الداخلي من اجل الأسلمة والتعريب ، القبائل الأفريقية الى التصويت لصالح الأنفصال ، مثلما قاد في العراق الى انفصال الكرد .ولقد عبّر القائد العسكري لثورة انقاذ السودان عن فرحه الغامر بهذا الأنفصال ، لآنه سيسمح له بتطبيق الشريعة الأسلامية كما قال . وقد اثار هذا التصريح اسئلة متعددة : منها سؤال عن قدرة المنظومة الفكرية العربية الأسلامية على ادارة دولة بشكل عادل في ظل وجود تعدد اثني وديني . ومنها سؤال عن امكانية قادة التيارات الأسلامية في ان يكونوا رجال دولة . اذ لا يوجد رئيس دولة يفرح بتقسيم بلاده وذهاب اراض شاسعة منها تحتوي على ثروات طبيعية هائلة . ومنها ما يتعلق بالجانب الأخلاقي ، اذ الشريعة الأسلامية مطبقة في السودان قبل لحظة الأنفصال بسنوات . ومنها..... وتعد دولة السودان الأسلامية ــ وهي تقود حرباً اهلية متواصلة منذ ربع قرن ضد سكانها من الأعراق والديانات الأخرى ـ نموذجاً في العمل لكل الأحزاب الأسلامية التي تريد العودة الى العمل بالمنظومة الفكرية العربية الأسلامية ، كمرجعية لسياسات الدولة العليا . فاضافة الى مشاكل البطالة والفساد المالي والأداري التي تنتظرها ، ستبرز بشكل صارخ مسألة الأقليات القومية والطائفية . هل نتجنى على الحقيقة لو قلنا بأن زاوية النظر التي تتحكم بسياسات دول العالم العربي ، منذ نهاية الفترة الأستعمارية في سبعينيات القرن المنصرم ، وحتى انتفاضات الشباب العربي ، كانت وما زالت زاوية نظر عرقية متدامجة مع زاوية نظر طائفية ، قادت الى تفكيك هذه البلدان من المحيط الى الخليج ، وان القانون الأساسي الذي يتحكم بسياسات الأحزاب الأسلامية التي لم تستول على السلطة هو قانون الانعزال بأمارة طائفية كما هو الحال في نماذجها البارزة : حزب اللّه ، حماس ، الحوثيون ، اضافة الى ما تسببت به الأحزاب الأسلامية في العراق ، من عزلة طائفية ، نراها سارية كالنار في هشيم المجتمع العراقي ، بانتظار حدث او مجموعة احداث مناسبة لتعلن عن استقلالها الناجز . اما بالنسبة الى الدول الخليجية فقد قدمت السلطة في البحرين نموذجاً على هذا الوعي العرقي المتدامج بالوعي الطائفي . كما تقدم العربية السعودية نموذجاً آخر على ما يجري للطوائف الدينية كالشيعة والأسماعيلية والزيدية والخوارج وبعض المذاهب السنية من اضطهاد . هذا بالأضافة الى ظاهرة المهمشين التي يطلق عليها { البدون } في دولة الكويت ، او القيام بطرد قبائل عربية بكامل اعضائها كما فعلت ذلك دولة قطر . ويقدم غزو الكويت شهادة تاريخية على ان تطبيق الشريعة ، ومنازلة الخارج ، في معركة [ كبرى وحاسمة ] مثل تلك التي قادها صدام حسين في غزوه للكويت ، هي اولى أوليات جدول اعمال الاحزاب الأسلامية ، حتى لو كانت موهبة القائد العسكرية متواضعة مثل كل قادة مجالس قيادات الثورات العربية ، وحتى لو كان الضحية واحداً من الشعوب العربية الأسلامية مثل شعب الكويت . ونحن ـــ من غير ان نعدد المؤتمرات الأسلامية القومية المتواصلة [ برهان غليون المؤصل النظري للمشترك المفاهيمي في كتابه : نقد السياسة والدين والدولة ــ بين التيارين القومي والأسلامي ] نرى ، بأنّ اطلالة ولو سريعة على الماضي تنير لنا دهاليز التشابك المنهجي بين القوميين والأسلاميين : كانت قبائل الجزيرة الذين وحدتهم دولة قريش انطلاقاً من المدينة ، من العنصر العربي ، ولكن الدولة لم تكن دولة القومية العربية . فلو افترضنا بان هذه الدولة ظلت محصورة بحدود الجزيرة العربية ، ولم تباشر حركة الفتوحات ، ولم تتخط حدود الجزيرة العربية الى سورية والى العراق ، والى سواهما من بلدان الحضارات الزراعية القديمة ، لظلت هذه الدولة تديرحروباً داخلية مستمرة مع سكانها ، على شاكلة حروب الردة . تبادرالى هذه الحروب القبائل التي ليس لها مصادر رزق ثابتة ، من اجل رفع نير الضرائب السنوية الثابتة عنها [ ضريبةالزكاه وضريبة العشور ] وهذا التناقض بين الدولة وبين معظم القبائل تناقض عدائي ، لم يلتفت اليه القوميون وهم يتحدثون عن العرب كقومية واعية لذاتها وهي تصنع وتبني دولتها القومية . مع ان تاريخ بناء الدولة يشير الى غير ذلك . لقد جرى توحيد الجزيرة بالقوة عن طريق الغزو ، ولم يجر توحيدها على أساس طوعي ، وبالتالي لم تكن ضرائب الدولة ــ وهي ضرائب مقدسة واجبة الدفع من وجهة نظر الدولة ــ بالمقبولة من القبائل . ثم ان الكثير من الحوادث تشير الى ان القبائل العربية لم تستوعب ، لا سياسياً ولا ثقافياً ، فكرة دولة مركزية واحدة ، تزاول العقوبة المادية نيابة عنها ، وتشترط جباية الضرائب السنوية منها مقابل ادارتها لشؤونهم الدينية فقط ، اذ انّ دولة قريش لم تقدم لها اية خدمات ، لا في المجال الأمني ولا في غيره ، اذ كان التنظيم المسلح جزءاً من تكوين القبائل . ولهذا لم يكن زعماء القبائل يعتقدون بضرورتها ، وبأنهاّ ستظل باقية على قيد الحياة بعد وفاة النبي . لقد نظروا اليها كقوة مرتبطة بشخص النبي ستنطفئ بوفاته. ولذا اصاب العجب رؤساء القبائل وهم يرون الدولة مستمرة بالوجود بعد رحيل نبيها . فكانوا كأنهم جميعاً ، وليس الشاعر لوحده ، مَن اطلق هذا الأحتجاج الصارخ :[ اطعنا رسول اللّه ما كان بيننا ــ فيا لعباد اللّه ما لأبي بكر ][ ايورثها بكراً اذا مات بعده ـــ وتلك لعمر اللّه قاصمة الظهر ] . لم يكن ثمة تطابق في الوعي بين الدولة وبين قبائلها ، الذين لم يخالج غالبيتها الأحساس بأن تشريعات هذه الدولة ، وآليات اشتغال اجهزتها ، تطابق زاوية نظرهم الى الحياة القائمة على مفهوم البطولة ، وعلى الغزو كتجسيد عسكري له . وكانوا ينظرون الى الضرائب الثابتة التي يدفعونها سنوياً لها ، كما لو كانوا مهزومين في معركة أمام قبيلة ، هزمتهم في الغزو واستبدت بممتلكاتهم . سيحصل التطابق في مرحلة لاحقة حين تزج الدولة ــ بعد حروب الردة ــ بهذه القبائل لغزو العالم الخرجي . وفقط بعد مباشرة ذلك الغزو ، شعرت القبائل العربية بأن دولة المدينة اصبحت دولتهم . فالقبائل العربية لم تخرج الى فتح العالم الخارجي بشعور عروبي ، وانما كانت مساقة بتعبئة عسكرية لدولة دينية ، بدأوا يمتثلون لأوامرها ويطيعون قادتها العسكريون ، حين بدأوا يلمسون بأنّ الدولة نفسها بدأَت تترسم خطى مفهومها الأساسي عن الحياة القائم على الغزو والحصول على الغنيمة . منذ تلك اللحظة ـ وليس قبلها ـ بدأَ التطابق في الوعي بينهم وبين دولة قريش في المدينة . ومنذ تلك اللحظة نفسها بداَ الأعراب يؤمنون عن قناعة بصحة نبوة محمد ، وباللّه العلي القدير ــ الذي يتدخل في المعارك لصالحهم ــ وهم يرون الأمبراطوريات والمدن الشهيرة تتساقط امامهم ويصبحون سادتها . تلك كانت لحظة في التاريخ العالمي ، صنع فيها القريشيون ـ وليس العرب ـ امبراطوريتهم ، ولكنهم فرضوا على الأمم التي ضمتها امبراطوريتهم ، زاوية نظر العرب الى الكون والحياة . لقد سوّقت الدولة الدينية منظومة فكرية انتخبتها من المحيط الثقافي السائد واضفت عليها من روحها معان جديدة ، وهذا هو السبب الذي يدفعنا الى تسميتها بالمنظومة الفكرية العربية الأسلامية .

ثانياً : اسلوب العمل واحد

ليست العصبية للقوم أو للقبيلة أو للطائفة الدينية بالشعور أو بالاحساس المجلوب من الخارج ، والمفروض بالقوة على الجماعة . إنه وجود ثقافي سابق ترثه الجماعة مع ما ترث من تصورات عن محتدها { الذي عادة ما تصفه بالأصالة } ، وعن السلف { الذين عادة ما ترتبط أسماؤهم بالكمال ويرتبط عصرهم بالبطولة } ، مع ما يرافق ذلك من مفاهيم عن نظرتها الى الكون ودورها في الحياة . ومع كل جيل تعيد الجماعة بطرقها الخاصة انتاج هذا النوع من الوعي عن الذات ، فيتحول الى آلية عفوية من آليات الدفاع عن الذات تستنفره الجماعة كدرع حماية في أوقات الهزائم والملمات الكبرى ، فتشعر مع استعادته بالأمان وبالتماسك . وفي العصر الحديث لعبت التيارات القومية لدى الشعوب المصابة في حاضرها المعيوش بانتكاسة ، كالنازية في المانيا والفاشية في ايطاليا ، دوراً في تحويل تلك التصورات والمفاهيم الى قوة انتخابية اوصلتهما الى السلطة . مثلما لعبت بعض التنظيمات في العالم العربي المصاب بنكسات متوالية ، دوراً في أدلجة هذا الوعي الذاتي الموروث ، وحولته الى قوة آيدلوجية صراعية كاسحة . وليس مهماً للتيارات السياسية ان يكون هذا التصورعن الذات مطابقاً لحقيقة فعل الأجداد في التاريخ ، انما المهم بالنسبة لها قدرتهاعلى تحويل هذه التصورات الى ايمان والى عقيدة . ولقد حوّل الفاعلون السياسيون هذا التصور عن الذات الى قوة ، عبر تنظيمات حديدية استلهمت مفهوم المركزية الديمقراطية اللينيني [ عن هرمية التنظيم ، والتفرغ الحزبي ، والأنضباط الحديدي ] ، وشحنته بروح جهادية عالية . ولأنه تصور ارادوي عن التاريخ يرى بأنّ الأرادة والعزم والتصميم ، من غير الألتفات الى العوامل الموضوعية ، قادرة لوحدهاعلى تذليل الصعوبات ، إنتفى عن هذا التصورحضور الأمة بمعناها الحديث ، وورود كلمات مثل الأمة والشعب والقومية في خطابها السياسي ، لا يعني الأخذ بالمضمون الحديث لها بقدر ما عنى في الممارسة الفعلية : ان تكون مطابقة لتعريفها في الموروث : امة طاعة وولاء لحكامها { اولي الأمر } . ولقد دللت التجربة التاريخية بعد احداث الفتنة الكبرى56 ــ61 هجرية ، ان لا فرق في ذلك بين الطوائف جميعاً في الموقف من الأمة . فمنذ طائفة الخوارج ، والى الطائفة اللادنية ـ نسبة لأبن لادن ـ مروراً بالعشرات من الطوائف الدينية { التي اهمل ذكرها السجستاني والبغدادي في كتابيهما عن الطوائف والملل والنحل ، لكي تجئ مطابقة للعدد 73 المذكور في حديث الفرقة الناجية المكذوب على النبي محمد ، والذي كذبته ولادة الطوائف الدينية المتكاثرة بعد تأليف كتابيهما } تعيد الطوائف تعريف الأمة انطلاقاً من الولاء للنظام السياسي الذي يقيمه فقيه الطائفة أو إمامها . اي ان كل الطوائف طردت من تعريفها للأمة ، الطوائف الأسلامية الأخرى . وهو الشئ نفسه الذي حدث في المرحلة القومية : اذ طردت انظمة مجالس قيادة الثورات العربية من تعريفها للأمة ، كل المجموعات السياسية التي استقلت بنظرة سياسية خاصة بها ، ورفضت حل تنظيماتها . وكما تتكررظاهرة التسلط الفردي ، مع ما يمكن تسميته بقانون الأختزال { اختزال الأمة الى طائفة والطائفة الى شخص إمامها } حدث الشئ نفسه في المرحلة القومية ، اذ اختزلت الأمة في شخص الزعيم . لا يوجد في الوعي السياسي المكتوب في دساتير المرحلة القومية أمة لأفرادها حقوق ، بل توجد امة على افرادها واجبات ولا شئ غير الواجبات . امتيازات المواطنة احتكرها الدستور لأعضاء الحزب القائد ، أو لأمة الزعيم . وهذا هو الأنجاز الأكبرالذي تحقق في المرحلة القومية على مستوى الوعي السياسي : بعث أحط ما في موروث الحضارة العربية الأسلامية ، أعني الطائفية كمفهوم سياسي وكثقافة . واستطراداً أقول : بأنّ النظام الحزبي السائد في البلاد العربية يترسم في الواقع العملي ـ وليس في ما مسطور من منطلقات فكرية او نظرية ـ خطى النظام الطائفي . فكل حزب ينظر الى نفسه على انه هو الأمة ، له كتيبة اركانه المسلحة ، وله اعلامه في ما يصدره من صحف وما يمتلكه من فضائيات ، وله منظريه المدافعين بالظفر والناب عن سياساته وتكتيكاته . وهذا ما يفسر لنا لمَ لم تنجح جبهة وطنية واحدة في المرحلة القومية ، ولمَ لم ينجح أي حزب في المرحلة الجديدة من العمل كتيار اسلامي او اشتراكي او ليبرالي أو ...الخ . ذلك لأن النظام الحزبي العربي نظام طوائف متجاورة وليست متفاعلة .اذ يساعد العمل السياسي كتيار على حل الأزمة التي ستكرر مع كل انتخابات . ازمة ان لا حزب يستطيع لوحده الحصول على النصاب القانوني المطلوب في تشكيل الحكومة . ويساعد العمل كتيارعلى تعميم ثقافة ـ نحن في العالم العربي بأمس الحاجة اليها للأرتقاء بدورية الأنتخابات : انها ثقافة الأكثرية والأقلية ، التي ستمهد الطريق الى خلق ثقافة سياسية ، تقوم على اساس البرامج المتنافسة ، وتخلص العمل الحزبي من العوم وسط مستنقعات المحاصصة الحزبية ، التي تبلورت كنظام سياسي في بلدان الموجة الديمقراطية المفروضة من الخارج : لبنان وفلسطين والعراق ، والتي نخشى تمثلها من قبل بلدان البوعزيزي : الموجة الديمقراطية الثانية المنطلقة كتيار من قاع المجتمعات العربية . في المرحلة الجديدة التي سميناها بالأسلامية ، وكنتيجة للتقوقع الحزبي الضيق ، مارس الأسلاميون دعايتهم الأنتخابية انطلاقاً من مفهوم الثواب والعقاب الآخروي ، ومنحوا خلالها صكوك غفران بدخول الجنة لمن يدلي بصوته لصالحهم ، وبدخول النار لمن لا يصّوت لصالحهم . فهم وفق هذه الدعاية الأنتخابية : الأمة الشرعية ، ومن لا يدلي بصوته لصالحهم ، فهو كافر يستحق دخول النار لأنه منح صوته الأنتخابي للقسم غير الشرعي من الأمة ، وعزز من موقعه في الحياة العامة . فالأمة في تعريف الأسلاميين العملي لها هي عينها الأمة في تعريف مجالس قيادة الثورات العربية لها : ان تكون امة ولاء وطاعة للحزب السياسي الأسلامي في ما يقول وفيما يقرر ، والا خرج من لا يطيع توجههم الحزبي عن تعريف الامة. وبهذا يكون الأسلاميون قد اسقطوا من الأمة كل التيارات السياسية الأخرى ، واعضاء الديانات الأخرى . فهل يتبقى من شئ امام مفهوم المعارضة ومفهوم الأكثرية والأقلية التي من دونهما لا توجد امة تضج بالصراع الفكري والطبقي والحزبي والفئوي ، بل كتلة صماء متشابهة الملامح والقسمات والأهواء والرغبات ، وكلها تسبح بحمد الحزب الأسلامي الذي انقذهم من جهالة الجاهلية الأولى التي تعددت فيها اصنام الآلهة ؟ وهل يفسر لنا ذلك نوعية الحقوق التي سيدافع عنها المفهوم الأمني لسلطات الأحزاب الأسلامية السياسية القادمة ، مثلما يفسر لنا لماذا لم يتوقف الشباب عن الأستمرار بانتفاضتهم ؟ الشئ الآخر الذي اضطر الأسلاميون لممارسته نتيجة العمل انطلاقاً من التصورات الحزبية الضيقة ، يتعلق بالجانب الأخلاقي . فلقد اكدت الكثير من التقاريرالصحافية ان الحملات الأنتخابية للأسلاميين ارتبطت بتوزيع المال لشراء الأصوات الأنتخابية . وهذا توجه خطير سيّما وان البلدان العربية تعاني من ظاهرة الفساد كواحدة من اخطر الظواهر التي خلفتها المرحلة القومية . فكيف يمكن القضاء على هذه الظاهرة في المرحلة الأسلامية ، التي من دون القضاء عليها لا يمكن ان تكون ثمة تنمية ولا تحديث ولا توسيع للحريات . رشوة الناخب في المرحلة الأسلامية تجد معادلها لدى القوميين في اسلوب الأستفتاء الذي تحل فيه الرهبة ، من اجهزة الزعيم الأمنية ، محل رشوة المال . ذلك يعني ان لا أمل بالخلاص من الشعاراتية التي طبعت المرحلة القومية السابقة . اذ الأمل بالنسبة للأمة معقودعلى حل ناجع لمسألة التنمية التي واجهت العالم العربي ، وليس المصريين لوحدهم منذ 1799 حين هزت الدهشة والصدمةعلماء الأزهر ، وهم يرون التجارب العلمية التي أجراها فريق العلماء الفرنسيين الذين كانوا يرافقون نابليون بونابرت في حملته على مصر كما قال الجبرتي مؤرخ تلك الحقبة . التنمية ومسألة الحرية يشكلان الرافعتين الأساسيتين لمهمات ملحة عربية ، لم تستطع زعامة الفكرة القومية انجازها ، متعللة وهي تطيح بركن الحرية بأنها تصنع طريقها الخاص . ونحن ندرك الآن بأنّها كانت اسيرة منهج انتقائي : انتقى لها شيئاً من المعسكر الأشتراكي ، وشيئاً من المعسكر الرأسمالي في ما يتعلق بالمفاهيم الخاصة بالحقوق ، وجعلت من ذلك الخليط ابداعاً خاصاً بعبقريتها فأطلقت عليه : تركيب المعاصرة على الأصالة، وكانت نتيجة ذلك التركيب في الممارسة ، انظمة لا هي بالأصيلة [ الأصالة مفهوم فكري يشير الى وجود تيار سياسي ، يروم بعث واحياء ما كان عليه العرب / المسلمين في عصر الفتوحات ، كما تصور هو وجودهم .] ولا هي بالحديثة [ نفهم الحداثة على انها ترابط عضوي بين العقلانية والحرية ] . كل ذلك يشير الى ان المرحلة الجديدة غير قادرة على ان تحل المسألة الصعبة التي فشلت في حلها مرحلة القوميين : مسألةالتنمية والحريات . لقد دلل الأسلاميون منذ البدء على افتقادهم لمنهجية في العمل مغايرة لمنهج المرحلة السابقة ، تؤهلهم لأنجاز هذا الفعل التاريخي الذي بتوقف على حله دخول العالم العربي حضارة مرّ على وجودها أكثر من قرنين من الزمان وهي مستمرة في مسيرة صاعدة على مستوى تخليق الظواهر والنظريات والمفاهيم .
ان أصل التصورات والمفاهيم والشعارات التي رفعتهما الحركتان الأسلامية والقومية يعود الى زاوية نظر موروثة تكونت في ظروف حياة الخشونة التي عاشتها القبائل العربية قبل وبعد الأسلام . كان المحيط الثقافي في عموم شبه الجزيرة العربية ببواديها وبحواضرها ، محيط ذو افق مفتوح على التعددية الدينية . وذلك نتيجة طبيعية من نتائج تعدد مراكز القوى القبلية ، ولم يكن سبباً له . ولم تكن تلك التعددية الدينية بالشئ المنكر . انما تبدأ عملية التنكرحين يبدأ أحد اطراف الأختلاف باعادة صياغة اختلافه على شكل تنظيم . ففي التنظيم تكمن قوة الأفكار وليس خارجه . الأفكار خارج التنظيم ملقاة على الطرقات كما يقول الجاحظ . وقوتها تبرز حين يلتقطها بعض الموهوبين ويعيدون صياغتها جمالياً ببلاغة آسرة . وتنظيم الدعوة المحمدية هو البلاغة الآسرة التي تخوفها الملأ القريشي . فمع هذا التنظيم الجديد برزت عصبية من نوع جديد لم يألفها القريشيون ولا محيط الجزيرة من قبل . فلأول مرة تقوم علاقة بين مجموعة بشرية لا على أساس عصبية الدم وانما على اساس معتقد ديني ، جعلها تنصاع لأوامر تصدر لا من رؤساء القبائل او من مالكي العبيد كما هو المعتاد ، بل من النبي محمد . وان هذه المجموعة البشرية لا تتوانى عن المغامرة بترك مسقط رأسها ومغادرته لاجئة لدولة غريبة . وان هذه العلاقة ستصل الى حد التنازل عن الحياة الشخصية وتخويل الرسول الحق المطلق بالتصرف بها . وستأخذ هذه العلاقة ابعادها الواضحة في طور تبنيها ستراتيج المواجهة { الجهاد } بعد الهجرة الى المدينة . وكان لا بد لستراتيج المواجهة هذا من ان يتكئ على / أو أن ينتخب مفهوماً ثقافياً محدداً من المفاهيم الثقافية السائدة في المجتمع والعمل به . إذ لا توجد في التاريخ حركة سياسية او فلسفية ، نجحت في تأصيل نفسها فلسفياً ، أو نجحت سياسياً في بناء دولتها الخاصة ، من غير ان تكون قد انطلقت ــ من خلال آلية اصطفائية ــ من بعض المفاهيم السائدة ، ووظفت شكلاً تنظيمياً من تلك التنظيمات السابقة لها في الوجود . هكذا في الطور الثاني من اطوار الدعوة ــ وبعد ان اصبحت الأمة الأسلامية حقيقة من حقائق الوجود الاجتماسياسي في يثرب ــ المدينة ، لها مفاهيمها الخاصة ، ولها ستراتيج واضح الأبعاد في طريقة التعاطي مع الخارج ــ انتخبت الأمة وطورت واحداً من المفاهيم الأساسية الذي يتضمن نظرة العرب الاخلاقية والجمالية لمعنى الحقوق ولشرعية هذه الحقوق . انه مفهوم البطولة : المحور الذي كانت تدور من حوله كلية الثقافة العربية قبل الأسلام .[ وهو الذي يرفع من شأن شخص أو قبيلة او يهبط بهما الى الحضيض .] والبطولة مفهوم يرتبط بالقتال . وللقتال اشكال متعددة أهمها : الغزوة ، وعلى نتيجة الغزو تتأكد الحقوق . حيث يطوّب الشعر المنتصر في الغزوة بطلاً ، وهو يستولي عاى ملكية المهزوم . لم يخترع المسلمون الغزوة او السرية او الكتائب المسلحة لاحقاً . بل كانت وجوداً سابقاً انطلقوا منها ، مثلها مثل مفهوم البطولة . لكن لابدّ للمجموعة الجديدة من ان تضفي زاوية نظرها على ما تنتخبه من المفاهيم السائدة . هكذا اضفى الأسلام على مفهوم البطولة هالة من القداسة ، ووظفه توظيفاً جديداً صار فيه القتل والقتال يجري لغايات روحية تتمثل بنشر ديانة التوحيد ، وليس لغايات دنيوية خالصة كما كان الحال قبل الأسلام . اما الأستيلاء على ملكية الآخر ، اي الغنيمة فهو الثمن الذي يدفعه العصاة لهدايتهم . شذّب الأسلام مفهوم البطولة من غاياته الدنيوية المحض ومنحه ابعاداً روحية . وحصرت مهماته في هذا التوجيه بالمجاميع البشرية التي لا يشملها تعريف الأمة الأسلامية . لقد حوّل الأسلام مفهوم البطولة الى سيف اللّه في الأرض ، بعد ان كان سيف الشيطان فيها ، حيث تتقاتل القبائل العربية ويغزو بعضها بعضاً لغايات دنيوية . ولقد اعاد مفهوم البطولة الأسلامي تعريف المعاني الملحقة به كالشجاعة والكرم والشرف والكرامة والكبرياء والتضحية . وشملت اعادة التعريف معاني الحق والعدالة ، باسقاط معناهما القديم الجاهلي . وبطلت شرعية الغزو الجاهلي وما تترتب عليه من حقوق . اصبح غزو القبائل لبعضها اعتداء تعاقب عليه الدولة الأسلامية بدفع ديات القتلى ، { أو وفق الآية الكريمة : ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب } واعادة الممتلكات الى اصحابها . لقد جبّ الأسلام ما قبله واسقط الشرعية الجاهلية للعدالة والحق المبنيتان على القوة ، وارتبطت شرعيتهما بالمعنى الأسلامي للبطولة ، وصار الغزو مشروعاً للمسلمين وحدهم : انه الغزو الألهي ، وما عداه باطل لأنه غزو شيطاني مدفوع بحب التملك ونهب ممتلكات الآخرين . وليس لغايات دينية وروحية سامية كما هو الغزو الأسلامي . وحين انصاعت كل اقبائل العربية وتقيدت بمنطق الغزو القائم على غايات دينية ، وبدأت دولة قريش في المدينة تزج بهم الى الخارج في مرحلة الفتوحات ، توسع معنى الشرعية ألأسلامية وتوسع معهما معنى الحق والعدالة . كانت السرية أو الغزوة التي تنطلق من المدينة صوب القبائل والتي غالباً ما تتحقق بالنصر ، تقتصر الغنيمة فيها على ما فوق الأرض من بشر ومواش وسلاح ، ولا تتعداها الى امتلاك ارض القبيلة المغزوة . تشذ عن هذه القاعدة حالة يهود المدينة . وقد شكلت تلك الحالة ، وما قرره النبي محمد بحق البشر والأرض والممتلكات اليهودية ، سنّة ترسمها الخليفة عمر ابن الخطاب في عصر الفتوحات الذي تقررت فيه احكام الأراضي الشاسعة المفتوحة :البلاد التي يتم فتحها عنوة اي بقوة السيف ، تصبح الأرض وما عليها من بشر وثروات ملكاً للأمة الأسلامية التي اختارها اللّه . اما البلاد التي يلقي اهلها السيف ، ويُسمى فتحها في الموروث الفقهي :ــ صلحاً ، فلأهلها مايملكون من اثاث واموال وحيوانات ولكن الأرض ليست لهم ، وحكمها ان يدفع أهلها الخراج عنها ، حالها حال البلاد التي تم فتحها عنوة ، مثلما لا تسقط عنهم ضريبة الرأس ، أي الجزية ، اذا استمروا على ديانتهم القديمة قبل الفتح . كان مفهوم البطولة البدوي في توظيفه الجديد ، أي الجهاد ، وراء صناعة دولة في يثرب/ المدينة ، ووراء توحيد الجزيرة ثم غزو العالم الخارجي وتأسيس الأمبراطورية . والطبيعي بعد رحيل الدولة الأسلامية ـ بالمضمون الذي تجسدت فيه في التاريخ في عز عنفوان محورها الحضاري أي الجهاد ، وليس بالمضمون الذي يحاول من خلاله الأسلاميون بعثها في حقبة تاريخية ، وفي زمان غير زمانها ـ ان تظل مفاهيمها وزاوية نظرها الى الكون والحياة موروثاً تتناقله الأمة كأرث ثقافي جيلاً بعد جيل . يؤثر في سلوكهم وفي طريقة تفكيرهم وفي عموم طقوسهم واعيادهم ، وفي عاداتهم وتقاليدهم . وكل ذلك يمنحهم شخصية خاصة بهم ، تميزهم عن غيرهم من الشعوب والأمم . وهم في ذلك يمارسون حقهم الطبيعي في الحياة كون الموروث هو العمق النفسي والوجداني الذي يمنح لشخصيتهم التوازن . وذلك حق عام ومشترك للأمة ، لا يجوز لأي فصيل أو تيار من الأمة اعلان القيمومة عليه وادعاء تمثيله دون باقي الأمة ، في عالم يتقارب ولم تعد فيه مسألة الدولة من حيث بنيتها التشريعية ومن حيث مؤسساتها ، حقاً خالصاً للامة : أية امة . شكلت الأرض المصدر الأساسي الذي تتغذى من دخله الدولة الأسلامية ، مثلها مثل باقي دول زمانها . وقد فرض عليهاهذا المصدرالتوسع في حيازتها . فكان الشكل الأمبراطوري الذي يضم اراض لأمم وشعوب مختلفة ، هو الشكل الذي اضطرت الى بنائه كل دول الحضارات الزراعية ، ومنها الدولة الأسلامية . بحيث اننا لا نستطيع ان نجد حضارة ذات اشعاعات عابرة لحدودها من غير ان تكون قد احتضنتها دولة شاسعة ذات شكل امبراطوري . ولهذا يكون من الصعوبة احياء هذا النوع من الدول بعد ان تغيرت مصادر دخل الدولة تغيراً جذرياً ، وتغيرت بتغير مصادر دخلها ، المفاهيم السياسية التي تقوم عليها الدولة . من هنا قلنا بان مسألة الدولة لم تعد مسألة محلية خاصة بالأمة لوحدها في عالم ارتفعت من بين جنباته عزلة القرون الماضية ، وبدأت تشد اطرافه الى بعضها البعض ثورات تكنولوجية متلاحقة ، اضافة الى انفتاح الأسواق القومية على بعضها البعض في سوق عالية مفتوحة على انهار السلع والبضائع والأموال والنظريات والأفكار التي تصب فيها من كل حدب وصوب . ومثلما أدلج التيار القومي المفاهيم والتصورات التي ورثتها الأمة ، فعل التيار الأسلامي الشئ نفسه لكن بوضوح اكبر من حيث اعلان كل حزب من احزاب التيار الدفاع عن الطائفة الدينية التي خرج من بين صفوفها . هكذا في عالم تتطور مفاهيمه السياسية ، وتتطور بتطورها قوة مجتمعاتها ، تعود نخب العالم العربي به الى الوراء شاهرة بوجه العصر رؤاها ومفاهيمها السياسية التي تعود الى حقبة الحضارة الزراعية . لقد كبلت الأحزاب الأسلامية مثل سابقتها الأحزاب القومية ، دورها في الحياة السياسية بمفاهيم سياسية لا تستطيع التخلص من آثارها باستبدال ستراتيجية العنف بستراتيجية القبول بالأنتخابات كطريق سلمي الى السلطة . فالمسألة ليست مسألة اختيار الطريق الى السلطة . وبالتالي ليست مسألة اعتدال ووسطية . ان المسألة في عالم تتحرك عجلاته بسرعة تزداد مع كل فتح تكنولوجي جديد ـ لم تعد مسألة شراء رضا الآخرين عني لأنني اخترت الطريق الى السلطة الذي يرضيهم . المسألة تتعلق بحياة شعوب وليس بتكتيكات احزاب . انها مسألة حياة او موت بالنسبة الى العالم العربي . ان المسألة تتعلق بسباق كوني بين امم وشعوب ، وليس بسباق بين احزاب وطوائف دينية الى السلطة والحكم والأمتيازات . وفي هذا السباق الكوني ثمة سكة لا يجيد تحريك عجلات قطاراته فوقها من لم يفكر بالطاقة التي سيستخدمها الآخرون وما عليه طاقته من قوة دفع . انها زاوايا نظر ورؤية الى الكون والحياة . وما لم يتم تغيير زاوية النظر ، لا أمل بأن نملك الطاقة الدافعة في هذا السباق الكوني . فالمسألة لم تعد مسألة اختيار الطريق الى السلطة ، بل مسألة اختيار الأمة الى طريق الحياة والى طريق القوة في الحياة . ويقدم لنا حزب العدالة والتنمية التركي ، وهو الحزب النموذج الآن في الأعتدال ، مثالاً على تمسك حزب بالوعي الأمبراطوري وما يتعلق به من عدم اعتراف بوجود قوميات وامم تشاركه ملكية الأرض . فهو لم يتخذ موقفاً من الأرض مخالفاً لنظرة الموروث ؟ لقد ظل الحزب في موقفه من الأرض امتداداً للأحكام التي قررتها الأمة المكلفة برسالة السماء قبل 14 قرناً . سبق حزب العدالة التركي غيره من الأحزاب الأسلامية في العالم الأسلامي في تمثل السلوك المعتدل أو الوسطي ، وتمكن [ وعلمانية بلاده محروسة بأضخم ماكنة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط ] من اختراق الستار الحديدي لهذا الجيش والجلوس على عرش أتاتورك . وافق حزب العدالة التركي الأسلامي موافقة علنية على شروط كوبنهاكن كمقدمة لقبول تركيا عضواً في النادي الأوربي . تنطوي كوبنهاكن على شرط حساس وبالغ الأهمية هو شرط الديمقراطية . حساسية هذا الشرط تتأتى من كون مفهوم الديمقراطية يشكل في التاريخ انقلاباً في زاوية نظر الأنسان ، يفصل بين مرحلتين تاريخيتين من مراحل تطور الوعي السياسي في التاريخ البشري . لا يتقبل الرأي العام الأوربي ، دخول تركيا عضواً : لاعوائق امام انسياب بضائعه وأمواله وافراده ــ وهي غير ديمقراطية ، اي مازالت تحمل زاوية النظر نفسها العائدة لمرحلة سابقة في التاريخ تجاوزها الوعي الديمقراطي ، والتي تتميز بمنظومة فكرية مشتقة من النظر الى الأرض على انها مركز الكون وصانعة القوة والثروة . فالعائق الكبير امام تركيا في دخول النادي الأوربي عائق ذاتي مرتبط باستمرار تمسكها بزاوية نظر محددة . وتغير زاوية النظر الى الأرض يستدعي تغيراً في النظرة الى الشعوب التي تقف على الأرض ، باعتراف علني بحرية هذه الشعوب . الشئ الذي لم تستطع تركبا العلمانية بقيادة المنهج الأتاتوركي انجازه ، ولا تركيا حزب العدالة الأسلامي . وتركيا من هذه الزاوية تقدم لنا درساً مفاده ان العلمانية المحمولة على قوة المؤسسة العسكرية ، ودورية الأنتخابات لا يكفيان وحدهما لبناء دولة حديثة . وهذا ما يدفعنا الى الأستنتاج الآتي : من ان فشل تركيا القومية الأتاتوركية ، سابق على فشل القوميين العرب في بناء دولة حديثة ، وان فشل حزب العدالة التركي الأسلامي ، سابق لفشل الاسلاميين العرب في بناء دولة حديثة . ان تطبيق الديمقراطية على مستوى الشعوب والأقليات القومية يكون فقط في حالة واحدة : تطبيق حق الأمم في تقرير مصيرها . الشئ الذي لم تستطع انجازه الحكومة الأسلامية في تركيا ، رغم الأعتذار الذي قدمته حكومة اوردغان للكرد ، ورغم التخلي عن تسميتهم باتراك الجبل .

[email protected]



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5
- عن قضية المرأة
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 4 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسالة الأقليات 3 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 2 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 1 من 6
- الرحلة الى العراق


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6