أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - العراق : ازمة وعي دائمة ، ام في الطريق الى وعي الأزمة ؟















المزيد.....


العراق : ازمة وعي دائمة ، ام في الطريق الى وعي الأزمة ؟


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 3696 - 2012 / 4 / 12 - 08:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



بمكن تلمس جذور الأزمة الدائمة بين التحالف السياسي الذي يقوده السيد رئيس الوزراء ، والتحالف السياسي الذي يقوده الدكتور اياد علاوي ، في الفترة المحصورة بين آب 1990 { تاريخ احتلال الكويت } وآذار1991 { تاريخ انتفاضة الشيعة والكرد } ، ففيها تصدعت الدولة ، ثم انحسرت سيادتها عن محافظات الوسط والجنوب الشيعية ، وعن المحافظات الكردية في اقليم كردستان الحالي ، واقتصرت سيادتها على منطقة اعالي النهرين السنية.
ما الذي دفع الشيعة العرب الى الثورة على نظام ربط شرعية وجوده في السلطة بالفكرة القومية وبالدفاع عن الهوية العربية للعراق ؟
ولماذا لم يشارك السنة العرب ابناء عمومتهم الشيعة في الأنتفاضة ، رغم ان معظم قبائل الطرفين تنتمي الى جد مشترك ؟
هل بحثت الأحزاب الدينية الشيعية التي قادت الأنتفاضة { المجلس الأعلى ، حزب الدعوة } عن سبب تلكؤ السنة ورفضهم الأشتراك في الأنتفاضة ؟ ام ان قادة الأنتفاضة كانوا قد خططوا للاستقلال بأمارة خاصة بطائفتهم { والأستقلال بأمارة ظاهرة تكرر حضورها مع الأحزاب الدينية : حزب اللّه ، حماس ، الحوثيون ، شمال السودان الذي دفع منهجه في الحكم الجنوبيين الى الأستقلال ، الأمارات الأسلامية التي يعلن عن ولادتها تنظيم القاعدة كلما سيطرمسلحوه على مدينة او قرية او مخيم . وتحولت ظاهرة الأستقلال بأمارة في عراق ما بعد 2003 الى واقع فعلي بهروب الأقليات السنية والشيعية من الأكثريات في المناطق المختلطة .}
سيمط اعضاء الأحزاب الدينية الشيعية [ طبقت الأحزاب الدينية الشيعية والسنية كل منها في امارتها الشريعة الأسلامية على مرأى من الدولة : فحرمت السينما والنوادي وحفلات الأعراس ، خوفاً من ان تتخللها الموسيقى او الرقص والغناء. لقد تجاوزت جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في عراق الأمارتين السنية والشيعية مثيلاتها في المملكة العربية السعودية ، بأن عطلت قضاء الدولة ومارست ــ استناداً الى فتوى الفقيه السني او الشيعي ــ الرجم والقتل على الظن والشبهة ، وتدخلت في المناهج التربوية المقررة بأن فرضت قراءة خاصة للتاريخ العربي الأسلامي ، واضافت فصولاً الى كتب التربية الأسلامية ، وامرت مدراء المدارس ببناء الجوامع ...الخ ] من شفاههم هزءاً بهذا النوع من الأسئلة . فالكل يتحدث عن وحدة العراق كثابت من ثوابت سياسته . وحين تسأل ايّ نوع من الوحدة : وحدة الجغرافيا الصامتة ام وحدة الشعب الناطقة ؟ تكتشف من الأجابة عمق الصراع الطائفي ، فضم أرض الطائفة الآخرى هو المقصود بمفهوم الوحدة الوطنية ، اما ساكن الأرض فالدولة ــ التي ستصبح مقدسة ما ان ينفرد بالأستيلاء على آلة عنفها احد الفصيلين المتناحرين ــ كفيلة بحمله على الرضوخ والطاعة .
اما بالنسبة للأحزاب الدينية السنية فأنّ السؤال عن انتفاضة 1991 غير وارد اصلاً : انه محرم شرعاً ، ولا يجوز فقهياً طرحه ، لأن السلطة التي كانت قائمة عام 1991 : عربية واسلامية ، يتصدر دستورها بند { الشريعة الأسلامية المصدر الأساس في التشريع } بالأضافة الى { الأسلام دين الدولة الرسمي } فهي دولة اسلامية عربية ، لا ينتفض عليها او ينفض يديه من احكامها ، الاّ غير عربي ، او غير مسلم .

ــ 2 ــ

اذاً ، في فترة الستة اشهر انفجرت الهوية الوطنية ، وكشفت عن حقيقتها كتجميع بالقوة لمجموعة هويات . وحين نجحت الوية الحرس الجمهوري في ضم اراضي الوسط والجنوب الى سيادتها مجدداً [ فشلت المحاولة مع الكرد الذين قاموا بانتفاضة ثانية واستقلوا منذ عام 1992 عن السلطة المركزية في بغداد سياسياً وادارياً ] ، لم تطرح السلطة على نفسها السؤال الواجب طرحه : لماذا انتفض الشيعة ؟ ولم تبحث عن الأسباب الحقيقية وراء الأنتفاضة ، بل اكتفت ــ كما هي عادة الأنظمة التي يقوم مفهومها للامن على استخدام عنف اجهزتها الأمنية والعسكرية ــ بتحويل المنتفضين الى متهمين بشتى التهم التي اخرجتهم من دينهم ومن قوميتهم ، وزادت على ذلك بسلسلة من مقالات الهجاء التي اطلقت عليهم شتى النعوت اللااخلاقية { انظر افتتاحيات جريدة الحزب الحاكم في ربيع عام 1991 . } واستمرت بمنهجها السابق فرحة ً باستعادة سيادتها على المكان الصامت . اما عقول وضمائر بشره الناطقين ، فلم تحسب لها حساباً .
ما جرى عام 1991 من انتفاضات ومن تشظٍ للهوية الوطنية ، له جذوره البعيدة الكامنة في ملابسات ولادة الدولة في العراق ، وفي ما احاط بتلك الولادة من ظروف واحداث . اذ لا يعقل ان تهرع الجموع ــ بعد سبعين سنة من قيام الدولة ــ الى قواقعها الأجتماعية القديمة ، وكأنها في زمن آخر لا يمت بصلة لزمن نهايات القرن العشرين ، وما ضج به من احداث وما رفعته شعوبه من شعارات ضد الأستبداد وما طالبت به من تجذير للحريات ، وما نادت به من ضرورة الأخذ بالمنهج الديمقراطي والأعتراف بالآخر وبالتداول السلمي للسلطة . والسؤال الذي يفرض وجوده هنا : مَن المسؤول عن تغييب روح العصر عن السكان ، ودفعهم الى التمسك بهوياتهم الطائفية واعادة انتاجها ــ هذه المرة ــ كوعي سياسي { في النظر الى الدولة كمفهوم وكوظيفة } مقاتل من اجل دولة الطائفة والدين ؟

ــ 3 ــ

كل الأسئلة اعلاه ليست من صياغتي . انها اسئلة حاضرة في كل البحوث والدراسات الأجتماعية والسياسية والثقافية ، التي تناولت الظواهر المركبة كالظاهرة الطائفية . وانني اذ اعيد طرحها فلأجل الاسهام في الأجابة عليها من زاوية نظر اخرى الى الدولة ، تختلف جذرياً عن زاوية نظر المؤرخ الكبير ارنولد توينبي ، التي يترجع صداها في تلك البحوث والدراسات . وزاوية النظر التي انطلق منها لا تفصل في الولادة والوجود بين الحضارة والدولة . فلا توجد حضارة سابقة في الوجود على الدولة { بل توجد ثقافة } ، ولا توجد دولة سابقة على الحضارة ، بل مجموعة من الرؤى والتصورات التي لا تتحول الى مفاهيم سياسية الاّ عبر الدولة التي ستمارس دور التوجيه والأشراف الحضاري ، عبر مجموعة من التشريعات تحمل زاوية نظر المجموعة البشرية ــ التي باشرت لحظتها الحضارية ــ الى الكون والحياة والى دور ووظيفة الأنسان في الحياة . وفيها اي في التشريعات والقوانين تنعكس رؤية المجموعة الحضارية : الفلسفية والأخلاقية والجمالية . والدولة التي تم تأسيسها في العراق في آب 1921 ، لم تكن في حدودها المعروفة استجابة لدواع حضارية ، بل استجابة لدواع وعلل ومصالح خارجية وداخلية متداخلة في جانب منها ، ومتضاربة في الجوانب الأخرى [ لم يكن العراق كوحدة سياسية بحدودها المعروفة الآن ، حاضراً في وعي صاحب فتوى الجهاد خلال سير معارك الدفاع التي يقودها العثمانيون ضد قوات الغزو البريطاني . ولم يكن استقلال العراق عن احتلال الدولة العثمانية وراء الفتوى وعمليات الجهاد . بل ان مفهوم الوطن المرتبط بمفاهيم الأمة والقومية ، لم يكن حاضراً في الوعي السياسي لعلماء الدين الشيعة الذين اصدروا الفتوى . كان الدفاع عن ارض الأسلام هوالفكرة التي انطلق منها عالم الدين الشيعي في فتواه . والحق ان الجهاد الشيعي الى جانب الدولة العثمانية السنية ــ حتى وان لم يؤد الى نتائج ، اذ لم يكن له تأثير يذكر على سير المعارك ــ كان يشير الى امكانية العمل المشترك بين السنة والشيعة ، ولكن في حالة واحدة : الحالة التي تتضمن اهدافاً نبيلة سامية كالتضحية والبناء لا تقاسم غنائم . وذلك ما لم يستلهمه الطرف السني المتشارك مع الأحتلال البريطاني في وضع الأسس لدولة 1921 ، اذ نظر هذا الطرف الى الشيعة ككم مهمل ، وهو الشئ نفسه الذي كررته الأحزاب الدينية الشيعية المتحالفة مع الأحتلال الأمريكي عام 2003 . قبل ان تلتحق بها الأحزاب الدينية السنية وتتحول المهمة النبيلة السامية : مهمة وضع الأسس لدولة حديثة في العراق الى مهمة غير نبيلة وغير سامية : مهمة الصراع حول المناصب والغنائم ] . لكل حضارة دولة / نموذج . دولة المدينة هي النموذج الذي طرحته الثورة الزراعية كسور دفاعي وتشريعي يحميها من اعتداء الأقوام المتنقلة التي ما زالت تجمع غذاءها ولا تنتجه بنفسها . واذا ما علمنا بأن الدين هو المرجعية لنموذج تلك الدولة الزراعية ، والذي من دونه لا يمكن للحضارة الزراعية ان تبلغ شأواً عظيماً . اذ كان الدافع الديني هو الذي سهل على الحضارة الزراعية تجميع الأعداد الضخمة من المؤمنين ، تحت اشراف الدولة ، لأنجاز مشاريعها العمرانية ــ كالزقورات والأهرامات ــ والأروائية الضخمة ، فأنّ الدافع وراء قيام الثورة الصناعية كان دافعاً دنيوياً خالصاً : البحث عن المزيد من الأرباح وتكثيرها عن طريق تحسين وتطوير آلات الأنتاج ، بالدعم المالي المستمر للمختبرات والبحوث التي ادت الى ثورات علمية وتكنولوجية مستمرة ، ارتقت وحسنت شروط حياة البشر على المستوى الكوني ، الشئ الذي لم يكن وارداً حدوثه في في الحضارة الزراعية ، ولا كان هماً فكرياً من هموم قادة الدولة التي تطورت الى امبراطورية كان همها الأساس الحصول على المزيد من الخراج بضم المزيد من الأراضي عن طريق الفتوحات . وفي الحالتين الزراعية والصناعية كان لا بد من حضور التشريع ، ولابد من من حضور الدولة . ففي بريطانيا مهد الثورة الصناعية دفع النشاط البرجوازي الذي بدأ يحقق ويراكم الأموال ، دفع الدولة الى اصدار التشريعات المناسبة لحركتها برفع القيود التي تقف عقبة امام صعود هذه القوة المالية التي كانت الدولة بمسيس الحاجة اليها لتغطية نفقات مغامراتها الأستكشافية والأستعمارية على مستوى الكرة الأرضية . لم تستطع الثورة الصناعية ان تذلل العقبات التي اعترضت صعودها من غير آلة الدولة التشريعية التي ستصبح الهدف المباشر لها . وبالتدريج نجحت البرجوازية في انتزاع السيطرة على مجلس العموم البريطاني من صقور العالم القديم : ارستقراطية الأرض ، وبدأت تمرر ـ من خلال التشريع ـ رؤيتها الجديدة الى الحياة والى الأنسان ، لتعيد تنظيم حياة مجتمعها انطلاقاً منها . فيما املت ظروف خاصة بالتاريخ الفرنسي على البرجوازية الفرنسية ان تستولي على الدولة عن طريق الثورة 1789 وان تطيح برؤية العالم القديم الزراعي المتضمنة في تشريعات الدولة المبنية على حقوق الملوك الآلهية مرة واحدة .

ــ 4 ــ

لا يوجد دافع داخلي لولادة الدولة في العراق عام 1921 . ثمة حراك سياسي لمجموعات غالبيتها من الضباط ترفع شعارات عريضة عن ضرورة استقلال العرب عن سلطان الدولة العثمانية . ولم تكن هذه المجموعات المعزولة عن وعي غالبية السكان العرب بقادرة على تنفيذ الهدف لوحدها بمعزل عن الأحتلال البريطاني ، الذي انتزع اراضي الدولة خلال الحرب العالمية الأولى من العثمانيين . ولم يكن سكان العالم العربي من المسلمين ـ في الخبرة البريطانية او قل الأوربية عنه ـ الاّ من المسلمين السنة . فمن الجزائر وتونس التي تم احتلالها من قبل الفرنسيين عام 1835 و1881 ، الى احتلال البريطانيين لمصر عام 1882 ثم ليبيا 1911 من قبل الايطاليين { لم تحتل المملكة المغربية الآّ لاحقاً } ، كان المحيط الذي تحركت فيه الجيوش الأوربية محيطاً سنياً ، مالكي المذهب في الغالب . وكان المندوب السامي البريطاني : مكماهون ، وهو يراسل عاهل الحجاز الشريف حسين عام 1916 ــ يعي انه انما يراسل الملك القادم لحكم المشرق السني الذي وان ضم اقليات دينية وطائفية ، الاّ ان بريطانيا كانت في حالة حرب ، والحرب تفرض عليها البحث عن شريك داخلي قوي يمثل الغالبية ، وترضى عنه . بعد عام على هذه المراسلات تم تغيير الستراتيجية البريطانية حيال المشرق العربي بادخال فرنسا شريكاً لبريطانيا في الوصاية على المشرق ، فكان الشريف حسين واحداً من ضحايا هذا الأنقلاب الستراتيجي . وحين تم التوافق على ان يكون فيصل ابنه ملكاً على العراق ، توضح لثنائي كوكز ـ مس بيل بان دولة العراق ستضم غالبية شيعية ، ولحل هذا التناقض بين غالبية شيعية وحكومة اقلية سنية { الملك واعوانه من الضباط الشريفيين } ما كان امام الثنائي كوكز ـ مس بيل ، الاّ ان يهرعا لأقناع دوائر صنع القرار في وزارة المستعمرات البريطانية ، بضرورة اسقاط معاهدة سيفر 1920 ــ التي منحت لكردستان الجنوبية استقلالاً ذاتياً ــ وضم الكرد الى حدود الدولة الوليدة ، ليتم بهم ـ كون الكرد من السنة ـ تحقيق الموازنة الطائفية بين اعداد السنة والشيعة . وقد وظف البريطانيون ثقلهم الى جانب تصويت اهالي الموصل عام 1925 لصالح الأنضمام لدولة العراق لا الى تركيا لتحقيق الهدف ذاته الى جانب السيطرة على الأحتياط النفطي الذي تضمه اراضي الموصل .

ــ 5 ــ

نعيد التذكير بفترة الستة اشهر { آب 1990 ــ آذار 1991 } لا من أجل تثبيت صورة السكان الذين ينشطرون على انفسهم اثنياً وطائفياً كلما تراخت قبضة الدولة الحديدية { بالمقارنة مع المجتمعات الحديثة التي تنشطر هي الأخرى على نفسها دورياً مع كل دورة انتخابية ، لكن الى اكثرية واقلية عابرة لحدود الطوائف والأثنيات : اي انها تنشطر بالموقف من برامج الأحزاب التي تتنافس من اجل كسب المزيد من الأصوات انطلاقاً مما تقدمه لمواطنيها من برامج تدور حول تحسين شروط الحياة } ، بل نعيد التذكير بها كأولوية اولى ملقاة على عاتق الأحزاب او القوائم الفائزة في الأنتخابات . وهي مهمة يتوقف على انجازها المشروع الحضاري الذي يتمثل بالتنمية الشاملة والتحديث ، لبناء اقتصاد عراقي متين يشكل الدرع الحامي للأمة ، ويحقق انسانية الأنسان العراقي التي يهدرها الفقر والبطالة والمرض هذا المشروع الحضاري لن يتحقق من غير الشروع بوضع الأسس لدولة ، تتطابق في تشريعاتها وفي عمل اجهزنها مع وعي ساكنيها لتحل في عقولهم وفي ضمائرهم : هوية وطنية جامعة ، يتم من خلالها تجاوز الصورة النمطية الموروثة الى صورة ارقى ، حين تكفل الدولة لمواطنيها على مستوى التشريع ، وعلى مستوى التنفيذ : حراكاً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً يرأب الصدع ، ويرتقي بوعيهم للهوية ، الى مصاف الوعي السياسي الحديث الذي ترتبط فيه الهوية بالدولة . فالتذكير بجذور الأزمة هو تذكير بالجانب الموضوعي منها { والمسكوت عنه } في خطاب الكتلتين المتصارعتين . اذ لا يمكن حل الأزمات السياسية من غير التفتيش عن الظواهر الأجتماعية التي تتغذى منها وايجاد الحلول المناسبة لها . والظاهرة الأجتماعية التي تغذي ازمة الحكم في العراق ، وينشطربالموقف منها المجتمع العراقي مع او ضد : هي الظاهرة الطائفية . لا يوجد مجتمع حديث يخلو من التعددية الدينية والطائفية والأثنية بل والقبلية { بقايا قبائل الهنود الحمر في امريكا والمواطنون الأصليون في استراليا } . ويميل اعضاء الطوائف في هذه المجتمعات وفي مجتمعاتنا ، اذا لم تتعرض الى عمليات شحن وتحريك طائفي ــ الى التعايش والأختلاط والتزاوج ، والدخول اعضاءً في الكثير من المؤسسات والمنظمات الأجتماعية المدنية . وهم يلبون حاجاتهم الروحية بأداء الفرائض الدينية اليومية كالصلاة ، او السنوية كالصيام ، ويشبعون عواطفهم الدينية بالتواصل في ممارسة الطقوس ، والأحتفال باعياد ومناسبات الطائفة السنوية . بايجاز ان اعضاء الطوائف الأسلامية ، مثلهم متل كل اعضاء الطوائف الدينية في مختلف ارجاء المعمورة ، يميلون الى السلم لا الحرب ويفضلون الحياة على الموت . الاّ ان هؤلاء الأعضاء المسالمين يتحولون الى وحوش كاسرة ما ان يبدأ التبشير الطائفي يذر بقرنه بين صفوفهم : بأن يحول
المعتقدات والتصورات الدينية الموروثة منذ مئات السنين الى مقولات سياسية ، ومن ثم الى تنظيم . يتم ذلك من قبل مجموعة فاعلين اجتماعيين ، يبدأون بالعزف على وتر المشاعر بتصوير الطائفة الأخرى { كشيطان مطبوع على التآمر وحبك الدسائس لأجتثاث طائفت{نا} من الوجود } . وهي طوائف { مجبولة على الشر وستظل على هذا الطبع الشرير الى الأبد . } يتم تحريك اعضاء الطائفة بهذه الطريقة التي تستفز الضمير والوجدان ، لكي يصارالى بث الذعر وصناعة الأجواء المشحونة بالخوف والترقب . وما ان يشيع الخوف من { الآخر المتربص } حتى تنفتح الأبواب عريضة امام تحول التنظيمات الطائفية الى ميليشيات : الهدف الذي يسعى لبلوغه المحركون الطائفيون . ومن يزر لبنان او العراق او سوريا الغارقة في اوار الحرب الأهلية الطائفية ، يكتشف ان الخوف من الآخر الطائفي والشك به والأرتياب منه ، وصل الى المدى الذي لا يمكن معه الوصول الى تفاهم بين { عقلاء } الأطراف الطائفية المتصارعة وعند هذه النقطة يتحول هؤلاء الفاعلون الى زعامات طائفية لا تنازع . ان الصراع الطائفي في المشرق العربي داخل الدولة الواحدة ، وعلى مستوى الأقليم ، قد استقطب وعي الملايين من الشباب ، ووصل الى النقطة الحرجة التي تتلاشى وراءها الرؤية السليمة للمشاكل والأزمات التي تمر بها دوله . فعلى سبيل المثال قامت بعض الميليشيات الشيعية والسنية الممثلة في حكومة { الشراكة الوطنية } بارسال الكثير من اعضائها الى سورية للقتال الى جانب النظام او ضده ، على علم من الحكومة ، وعلى علم من القائمتين المتصارعتين ، بما يشير من غير لبس ولا غموض ، الى ان مرجعية القائمتين الفكرية والسياسية لا تمت بصلة الى مرجعية وطنية عراقية . وانا اقصد بالمرجعية العراقية : هموم ومشاكل العراقيين التي يفترض بالساسة الذين انتخبهم العراقيون ان يحولوها الى برنامج عمل . وبهذا التوجه تدخل القائمتان كلاهما في اتون الصراع الطائفي الملتهب في المنطقة ، فتتحولان الى عقبة كأداء امام خطوة وضع الأسس لبناء هوية وطنية عراقية . لقد مارس الوعي الطائفي في العالم العربي والأسلامي عولمته الخاصة ، فشكلت هذه العولمة الطائفية تحدياً ربما يدوم لعقود امام تبلور ضمير وهوية وطنية في العراق وفي سواه من بلدان المنطقة .

ــ 6 ــ

اذاً ، لم تكن الأزمة المستمرة بين التحالف الوطني الشيعي والقائمة العراقية السنية بالأزمة الفوقية العابرة التي يمكن حلها ب { اجتماع وطني } لقادة الأحزاب . لقد ضاع الجهد الذي بذله السيد رئيس اقليم كردستان هباءاً من غير نتيجة ، اذ لم يتقيد اي طرف بتنفيذ البنود التي تم الأتفاق عليها . ثم بادر السيد رئيس الجمهورية الى جمع اطراف النزاع الى طاولة في { اجتماع وطني } ، ولكنه كما صرح ناطق رسمي في الثامن من شهرنا الجاري { تتجه الأزمة في العراق الى مزيد من التعقيد مع تأخر الأتصال بين الكتل } . كان الهدف من الأجتماع الذي تم عقده برعاية مباشرة من السيد مسعود البارزاني ، يتمثل باعادة توزيع المناصب والغنائم ، ولم يكن ــ كما هو واضح من فقرات الأتفاق ــ من اجل مناقشة اسباب الحرب الطائفية المستمرة بين القائمتين في عمقها الأجتماعي . ولم تكن مبادرة السيد رئيس الجمهورية تختلف في جوهرها وفي مضمونها عن مبادرة السيد رئيس اقليم كردستان ، بل هي مبادرة ـ كما هو واضح من تصريحات الكثيرين ـ من اجل مناقشة العقبات التي تحول دون تنفيذ فقرات الأتفاق . كانت المبادرة الأولى مبادرة توزيع مناصب وغنائم ، اما المبادرة الثانية ـ التي لم يكتب لها النجاح ـ فأُريد لها ان تحول تلك المناصب والغنائم الى حقوق يصح من أجلها اسالة الدماء تيمناً بالمأثور القائل : قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق .

ــ 7 ــ

فازت في الأنتخابات الأخيرة قائمتين فيما يخص الوسط العربي :
1 ــ قائمة العراقية برئاسة الدكتور اياد علاوي : 91 مقعدا
2 ــ قائمة التحالف الوطني بقيادة السيد رئيس الوزراء : 89 مقعدا
من زاوية نظر معينة ، كان يمكن النظر الى السيدين المالكي وعلاوي كبناة ومؤسسين لدولة حديثة في العراق . وذلك يتطلب منهما الوعي بالأهمية التاريخية لمهمة التأسيس لدولة حديثة : بالخروج اولاً من شرنقة دوائرهما الحزبية الضيقة والأنفتاح على الوطن كرجال دولة لا كقادة احزاب . ويتطلب منهما التأسيس ضرب الأمثلة التاريخية التي ستتحول الى سنّة تتمثلها الأجيال اللاحقة . ويتطلب منهما وعي التأسيس جدولة الأوليات ، والحذر الشديد في اقوالهما وفي تصرفاتهما بخصوص العلاقة بينهما ، انطلاقاً من حساسية الوضع الملموس في العراق ، الخارج تواً من لهيب صراع طائفي دموي . ويتطلب منهما وعي التأسيس ضرب المثل في التسابق على التسامح وتقديم التنازلات المتبادلة في العلن تعزيزاً لمسار التسامح . فما الذي جرى ؟
اثبت الطرفان عدم وعيهما للمهمة التاريخية التي القتها نتائج الأنتخابات على كاهليهما ، مثلما اثبت الطرفان عدم ايمانهما اصلاً بهذه المهمة . اذ تحتم مرحلة التأسيس ـ على السيد رئيس الوزراء المبادرة الى التنازل الفوري عن رئاسة الحكومة ، وتسليمها الى الفائمة الفائزة ، بتحويل نتائج الأنتخابات الى مقدس وطني لا يجوز الأستهانة به ، ولتحويل مفهوم التداول السلمي للسلطة الى حقيقة من حقائق الممارسة السياسية في العراق . ولكنه لم يفعل فحكم على نفسه تاريخياً بالفشل في اختبار امتحان المؤسس لدولة حديثة ، وختم حياته السياسية بانحيازه بشكل واضح الى جانب الأستبداد وهو يعلن بالفم الملآن محاربته للديمقراطية والعلمانية والألحاد في خطابه امس 10 ـ 4 ـ 2012 . وقد اثبت غريمه السيد اياد علاوي انه لا يقل عن المالكي همة في تضييع فرصة التحول الى مؤسس لدولة حديثة ليس في العراق وانما في الشرق الأوسط ، حين لم يسارع الى اتخاذ الموقف التاريخي المطلوب منه اتخاذه : الأعلان السريع رداً على المالكي ، برفض المناصب ، ورفض الأشتراك بحكومة شراكة وطنية ، والتحول الى معارضة برلمانية . لو فعلها علاوي لتحول الى زعيم شعبي عابر للطائفية عن حق ، ولما فرط بموقعه التاريخي كمؤسس وباني لدولة حديثة ، واستعاض عن ذلك المجد بالركض وراء حقوقه الأنتخابية المغتصبة من قبل المالكي . وبهذا الصنيع اثبت علاوي بانه هو الآخر ليس برجل دولة بل رئيس حزب سياسي ، وانه لا يؤمن بالمعارضة كمفهوم اساسي
من مفاهيم الدولة الحديثة . لقد ضيع كلاهما فرصة تاريخية على العراقيين ، فهل سيثأر العراقيون لهذا الغدر التاريخي بحقهم في الدورة الجديدة من الأنتخابات ؟

11 ـ 4 ـ 2012




#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهر ومدينة
- لهاث
- دولة قطر ومؤتمر القمة العربية
- نباح
- موت
- قصيدتان مونولوج غروب
- قصيدة حب
- الرفاعي
- بلادي
- مفارقة
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5
- عن قضية المرأة
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 4 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسالة الأقليات 3 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 2 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 1 من 6
- الرحلة الى العراق


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - العراق : ازمة وعي دائمة ، ام في الطريق الى وعي الأزمة ؟