أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جورج حداد - جلادو المسيح والمسيحية الشرقية















المزيد.....


جلادو المسيح والمسيحية الشرقية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3700 - 2012 / 4 / 16 - 23:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتبر الديانة المسيحية احدى اكبر الديانات انتشارا في العالم. كما ان الديانة الاسلامية تعترف اعترافا مباشرا بالمسيح والمسيحية، بصرف النظر عن المفاهيم الدينية المختلفة بين الديانتين. ومن زاوية النظر هذه وحدها، على الاقل، يمكن القول ان المسيح، الموجود بوجود المسيحية وبوجود الاعتراف الاسلامي بها، هو اكبر شخصية في التاريخ العالمي، منذ الفي سنة الى اليوم.
من هو السيد المسيح؟
ان التعريف الديني، المسيحي وغير المسيحي، لشخصية السيد المسيح يعطينا اجوبة متناقضة والتباسية. وفي التاريخ اللاهوتي المسيحي ذاته كانت شخصية السيد المسيح موضع نقاش حاد وطويل. والعرف الذي تأخذ به المذاهب المسيحية اليوم هو الصفة الالهية ـ الانسانية المزدوجة للسيد المسيح، وان "ابن الانسان" هو"ابن الله" في آن واحد، وانه ثاني الاقانيم الثلاثة للاله الواحد الاحد. في حين ان الديانة الاسلامية تعتبر السيد المسيح بشرا وحسب، وانه احد الانبياء ورسل الله وخاتمتهم النبي محمد (ص).
ونحن نعتقد ان محاولة التوصل الى رأي ديني موحد حول هذه المسألة، او محاولة فرض رأي على رأي آخر، او تفضيل رأي على رأي آخر، هي مسألة عقيمة، ومضرة اكثر منها نافعة.
فطالما ان الامر يتعلق بمسائل تتعلق بالذات الالهية وبالشؤون "الغيبية"، "الماورائية" و"فوق البشرية"، فإن البحث فيها يحتاج الى قدرات وخصائص "فوق بشرية" حتى لا نقول و"الهية". وهذا ما لا ندعيه ونترك البحث والبت فيه لمن يرى في نفسه القدرة على ذلك من رجال الدين، اللاهوتيين والفقهاء، الاجلاء. وفي ما عدا ذلك، فإن النفخ في مثل هذه المسائل الدينية الخلافية ما هو، بمعزل عن القصد والنية، سوى نفخ في اوار الفتنة.
كما نعتقد ان مناقشة طبيعة السيد المسيح من وجهة نظر فلسفية (علمية او علمانية كما يحلو للبعض وصفها) فهذا لا يقدم رغيفا لجائع، ولا يرفع مظلمة عن مظلوم، ولا يقدم ولا يؤخر على الصعيد الفلسفي ذاته، ولكنه يضر اكثر مما ينفع على صعيد المسألتين الوطنية والاجتماعية، لانه يفرق صفوف الجماهير والشعوب المظلومة ويوحد صفوف اعدائها.
فإذا ما عدنا الى حجمنا الطبيعي ـ البشري، ونظرنا الى السيد المسيح "المسيحي" (اي كما تقدمه الديانة المسيحية ذاتها، وبمعزل عن الاسقاطات غير المسيحية على المسيحية) ونظرنا الى ولادته وحياته وموته من زاوية نظر انسانية ـ اجتماعية، بمعزل عن اللاهوتيات والماورائيات العويصة وعن الاسقاطات غير المسيحية، نستطيع ان نكتشف بسهولة ان السيد المسيح كان داعية انسانيا، ومصلحا اجتماعيا، وثائرا كبيرا على الظلم والتمييز الطبقي والقومي والعنصري واستعمار واستعباد انسان لانسان وشعب لشعب آخر، وان نكتشف خصوصا انه ليس في المسيحية لا فردا مختارا، ولا مذهب او ديانة مختارين، ولا فئة او طبقة مختارتين، ولا "شعبا مختارا" اسرائيليا او المانيا او غيرهما.
وبهذه الصفة تعرض السيد المسيح للملاحقة والاضطهاد من قبل زعماء اليهود والمستعمرين الرومان، ثم ألقي القبض عليه وتعرض للتعذيب الشديد جسديا ومعنويا، وحوكم من قبل اليهود والرومان وحكم عليه بالموت صلبا كأي لص او قاطع طريق. اي انه مات شهيدا في سبيل العقيدة الانسانية التحررية التي دعا اليها وناضل لاجلها.
وتقول الرواية المسيحية انه بعد القبض على السيد المسيح أخذ الى مقر رئيس الكهنة اليهود، قيافا، الذي جمع اعضاء المجلس الاعلى اليهودي (السنهدرين) الذين حاكموا المسيح دينيا وحكموا عليه بالموت بتهمة التجديف، ثم ساقوه الى مقر الحاكم الروماني بيلاطس الذي حكم عليه بالموت صلبا بموجب القانون الروماني. وحاول بيلاطس ان يبرئ المسيح، ولكن اليهود اصروا على صلبه.
وتقول الرواية المسيحية ان السيد المسيح قام من بين الاموات وصعد الى السماء.
وكل حركات التحرير في العالم، مسيحية وغير مسيحية، تقول ان الشهداء مثواهم الجنة او اعلى عليين.
لقد مر اكثر من الفي سنة على هذه "المأساة الانسانية" الكبرى. ولكن حتى اليوم لا تزال محاكمة السيد المسيح والحكم عليه بالموت مسألة معلقة، من وجهة النظر الدينية، كما من وجهة النظر القانونية البحت، ولم يصدر بشأنها حكم مضاد. وهذه احدى اكبر المفارقات التاريخية.
XXX
وقبل حوالى الفي سنة كان عدد اليوضاسيين عبدة "الشيطان الاصفر" (اليُسَمّون مجازا: اليهود) في فلسطين لا اكثر من بضع عشرات او مئات الالاف! ومع ان هذا "الشعب!" المؤله او على الاقل المميز (توراتيا) كان أقلية اتنية، فقد خبط يوما زعماؤه ودهماؤه أقدامهم بأرض فلسطين مطالبين بصلب السيد المسيح وصارخين بصوت واحد: "ليكن دمه علينا وعلى ذريتنا من بعدنا!".
ويومها كانت "روما" (الوثنية) تدوس فلسطين، وكان (Pax Romana) "السلم الروماني" ("سلم" القدم الهمجية) يسود ويحكم العالم القديم المتحضر. ولكن كل عظمة تلك الـ"روما" لم تمنعها من ان تطأطئ الرأس وتصيخ السمع لليوضاسيين وتنفذ مشيئتهم بقتل السيد المسيح بعد محاكمته وصلبه بموجب "القانون" الروماني.
فيما بعد غدت المسيحية الديانة الرسمية لروما، والديانة الاكثر انتشارا والاكثر تأثيرا في العالم. بل وغدت روما المركز الرئيسي للمسيحية، بوصفها المقر الرئيسي للكاثوليكية ـ المذهب المسيحي الاكثر انتشارا، والاكثر تنظيما، والاكثر غنى والاكثر نفوذا في العالم.
واليوم يبلغ عدد اليوضاسيين في العالم (وبالافتراض جدلا انهم جميعا عبرانيون، وليسوا خزرا او غيرهم، اي بافتراض انهم جميعا من سلالة اولئك الذين ضربوا يوما بأقدامهم ارض كنعان (فلسطين) وصرخوا بهستيريا طالبين صلب المسيح)، ـ يبلغ عددهم لا اكثر من 20 ـ 30 مليون يهودي، من اصل سبعة مليارات بشري.
في حين يبلغ تعداد المسيحيين في العالم اكثر من 2،2 مليارين ونيف...
ومع ذلك ضرب يوضاسيو اليوم اقدامهم بالارض مرة ثانية، مطالبين بتبرئة ذريتهم من دم المسيح، حتى تستطيع ذئاب الصهيونية ان تسرح بسلام وسط "قطيع الرب" من النعاج المسيحية وغير المسيحية.
وكما سمعت تلك الـ روما الوثنية القديمة الى اليوضاسيين القدماء واصدرت حكمها بالموت على السيد المسيح، فإن هذه الـ روما المسيحية الجديدة سمعت لاحفادهم ايضا، واصدرت حكمها بتبرئة ذريتهم من دم المسيح (قرار المجمع المسكوني الصادر في 1965).
ولا يحتاج المرء الى كثير ذكاء كي يدرك انه ليس المكانة الدينية او كما يقال: الروحانية، هي التي تعطي اليوضاسيين (اليهود) مكانتهم المتقدمة في المجتمع الدولي المعاصر، بل العكس تماما: ان المكانة الرأسمالية المتقدمة لليوضاسيين في المجتمع الاستغلالي الطبقي (الاستعبادي ـ الاستعماري ـ الرأسمالي) ايا كان انتماؤه الديني الوثني او المسيحي او غيرهما من الاديان والايديولوجيات، ـ هذه المكانة الرأسمالية هي العامل الحاسم الذي جعل ويجعل كلمة اليوضاسيين مسموعة، قديما وحديثا.
لقد بدأت الصفقة متواضعة، مع يوضاس، الذي باع دم المسيح بثلاثين من الفضة.
واليوم فإن البشرية بأسرها هي في "قبضة" اليوضاسيين، وتحت حساب "القبض" اليوضاسي، اي المالي والرأسمالي، الربوي وغير الربوي، التجاري وغير التجاري، المضارب والاحتكاري، الامبريالي العالمي وذيوله المحلية.
وربما يعتبر البعض ان مسألة تبرئة ذرية اليوضاسيين من دم المسيح كانت فقط مسألة اخلاقية/انسانية، او مسألة قانونية/حقوقية، او مسألة دينية/سياسية، او مسألة فلسفية/وجودية.
ولكن ايا كانت هذه المسألة، وفي الاساس: ايا كان "القانون" الذي حوكم بموجبه السيد المسيح، وحكم عليه بالموت بناء لمشيئة اليوضاسيين وتبعا لملصحتهم المرتبطة عضويا بمصلحة "روما"، فإن هذه المحاكمة لـ"ابن الانسان" والحكم عليه بالموت صلبا، تعادل محاكمة "كل انسان" والحكم عليه بالموت لاجل اليوضاسيين ولاجل "روما".
وإنه لمن المؤكد ان كل مسيحي، وكل العالم المسيحي، وكل انسان، وكل المجتمع الانساني، لهم كل الحق بطرح الأسئلة الاساسية التالية:
ـ سيّان ان كانوا يعترفون او لا يعترفون به، هل كان لليوضاسيين الحق في المطالبة بصلب المسيح؟! وما هو هذا "الحق"؟
ـ بقوة اي "حق" او "قانون" توجب على روما ان تسمع مرة اولى لليوضاسيين وتنفذ رغبتهم في محاكمة وصلب المسيح؟! وان تسمع اليهم مرة ثانية وتبرئهم، او تبرئ ذريتهم من دمه؟! وذلك قبل ان تتم تبرئة المسيح ذاته من حكم روما الباطل، اي الحكم على المسيح بالموت بموجب "القانون" الروماني!!!
ـ ما هو "القانون" او "الحق" (سوى "حق" الاستعباد والاستعمار والاغتصاب) الذي استندت اليه روما في محاكمة السيد المسيح والحكم عليه بالموت صلبا؟!
ـ لو تجردنا جدلا عن الهوية الالهية او الرسولية للسيد المسيح، بموجب المعتقدات الدينية، فإن قضية اعتقال وتعذيب ومحاكمة وصلب السيد المسيح، ومن وجهة النظر الحقوقية/المدنية البحت، لا تزال قضية غير منقوضة، اي عمليا ان محاكمة المسيح والحكم الصادر ضده لا يزالان "شرعيين" ونافذين، ولو ان المسيح فر يومها من وجه "العدالة الرومانية ـ اليوضاسية" لكان اليوم بمثابة "مجرم" او "ارهابي" مطلوب لتلك "العدالة"، واسمه مدون على لائحة المطلوبين والملاحقين لدى الموساد والسي آي ايه وطبعا الانتربول وربما ايضا المحكمة الدولية.
ان هذا الوضع "القانوني" المعكوس الذي تتم فيه تبرئة اليوضاسيين قبل ان تتم فيه تبرئة المسيح نفسه يصح فيه قول الشاعر: يرضى القتيل وليس يرضى القاتل.
وهذا الوضع المعكوس هو ما يجعل كل القوى الظالمة والغاشمة في العالم تستسهل ان تنتهج هذا النهج في كل مكان وضد اي كان، حيث انه لا انسان اعظم من المسيح ولا شعب اعظم من شعب المسيح. وطالما ان الحكم بالموت على السيد المسيح لا يزال حكما غير منقوض، اي حكما "قانونيا!" و"شرعيا!"، فإن اي انسان واي شعب في العالم اجمع هو مهدد، في اي ساعة، بالحكم عليه بالموت من قبل اليوضاسيين انفسهم ومن قبل اي "روما" تسير في ركاب اليوضاسيين او يسيرون في ركابها!!! وهذه هي فحوى التاريخ البشري اليـَنوء بالمظالم، منذ يوم صلب المسيح الى يوم صلب شعب المسيح في زمننا الراهن!
ـ أوليس اذن من حق ومن واجب كل مسيحي صادق، وكل انسان شريف، وكل مدافع عن حقوق الانسان ومعاد للظلم والاستبداد والاستعمار، ان يسأل: بأي حق حاكمت روما السيد المسيح وحكمت عليه بالموت؟ ولمصلحة من حاكمته وحكمت عليه بالموت؟
ـ وهل على المسيحية، وعلى كل البشرية، ان تعترفا بهذين المحاكمة والحكم بأنهما شرعيان وقضاء مبرم؟
ـ وأما آن الاوان، أقله وخصوصا حقوقيا وقانونيا ومدنيا، للطعن بهذه المحاكمة والحكم، ونقضهما، ولنصب محكمة عدل دولية تاريخية لاعادة هذه المحاكمة، ولمحاكمة "روما" واليوضاسيين أنفسهم على ما اقترفاه بحق المسيح ـ الانسان، وبشخصه: بحق المسيحية كلها والبشرية بأجمعها؟!
XXX
انه لمن العار، ولمن الخطر المميت، ان يبقى حكم الموت الصادر بحق المسيح معلقا فوق رأس الانسانية جمعاء الى اليوم!
فهل ان روما الاستعمارية التي قالت كلمتها ضد المسيح هي اقوى من المسيح (الذي تقول لنا الميثولوجيا المسيحية انه غلب الموت بالموت)، وهل هي اقوى من الوجود البشري، واقوى من التاريخ (الذي صار يؤرخ بميلاد المسيح)؟
XXX
بماذا يمكن، من وجهة نظر تاريخية ـ اجتماعية ـ انسانية وحسب، ان نعقـّب على محاكمة السيد المسيح والحكم عليه بالموت بموجب القانون "الديني" اليهودي والقانون "المدني" الروماني؟
ـ1ـ تقول الرواية المسيحية ان الحاكم الروماني بيلاطس، وبعد ان حكم على المسيح بالموت، طلب طشتا وغسل يديه لتبرئة نفسه وروما من دم المسيح، وإلقاء المسؤولية على اليوضاسيين فقط. وفي ذلك الزمن كانت الامبراطورية الرومانية قد اتسعت كثيرا وشملت سلطة روما اراضي وشعوبا متعددة الاديان والثقافات. واصبحت روما بحاجة الى ديانة "عليا" يمكن على اساسها توحيد مختلف شعوب الامبراطورية في عقيدة دينية واحدة. وفيما بعد تبنت روما الديانة المسيحية رسميا وتخلت عن الوثنية، واصبحت المسيحية الدين الرسمي للدولة. و"مسرحية التبرؤ البيلاطسية" من دم المسيح تخدم هذا التوجه وتصب في اتجاه "مغازلة" المسيحية حتى حينما كانت روما، بشخص بيلاطس ذاته، ترسل المسيح ذاته الى الموت.
ـ2ـ وهنا علينا ان نقدم الملاحظة الرئيسية التالية: مجازيا تشمل تسمية "المسيحية الشرقية" مسيحية الشعوب الواقعة شرقي روما او الامبراطورية الرومانية. اما في المدلول الحراكي التاريخي فإن الصفة الاساسية التي تميز "المسيحية الشرقية" عما يمكن تسميته مجازا "المسيحية الغربية" (المسيحية الرسمية لروما) هي ان "المسيحية الشرقية" هي مسيحية النضال ضد السلطة اليهودية والرومانية، وقد نشأت لدى الشعوب "المسيحية الشرقية" (الشعوب العربية حاليا والاغريق وشعوب البلقان والقوقاز والروسيا) التي كان يجمعها النضال ضد اليهود والسلطة الرومانية. وقد ولد الاسلام في المجرى الاجتماعي التاريخي ذاته الذي ولدت فيه "المسيحية الشرقية"، اي مجرى النضال ضد الاستعمار الروماني والظلم الاجتماعي والاستغلال والتعهر اليهودي. وهذه "المسيحية الشرقية" تضرب بجذورها الى ما قبل ولادة السيد المسيح، وقد ظهر السيد المسيح في اوساط "المسيحية الشرقية" المناضلة وكان هو ابرز ممثليها تاريخيا فسميت باسمه. اما "المسيحية الغربية" فهي مسيحية السلطة (الرومانية واتباعها وما بعدها).
ـ3ـ في مسرحية غسل يديه حاول بيلاطس جاهدا ان يبرئ نفسه، ومن خلال ذلك تبرئة روما من قتل السيد المسيح، وان يلقي تبعة الاعدام على اليهود فقط مدعيا انه اضطر للموافقة على ذلك لاجل ترضيتهم وتجنب التمرد، وان "القدر" او "المشيئة الالهية" شاءت ان يتم ذلك. ولكن بيلاطس يناقض نفسه لان اليهود لم يكونوا قادرين هم انفسهم على اعدام المسيح بدون حكم صادر عن المحكمة الرومانية. اما التحجج بالخشية من التمرد، فهو لتبرير الاضطهاد الروماني اللاحق للجماهير المؤيدة للمسيح لا العكس. اذ انه اذا كان وافق على اعدام المسيح ارضاء لليهود (المتمردين!) فلماذا تابع الرومان القمع والاضطهاد للجماهير "المسيحية" (العبرانية وغير العبرانية) في فلسطين وغيرها، وبالتعاون مع القيادة اليهودية ذاتها التي طالبت باعدام المسيح.
ـ4ـ في الرواية المسيحية يسمي بيلاطس يسوع بيسوع الناصري، اي من الناصرة التي نشأ وعاش فيها يسوع اغلب سني حياته. وبلدة الناصرة هي عاصمة الجليل في شمال فلسطين. ومع ذلك يدعي اليوضاسيون ان الناصرة والجليل هما يهوديان. علما ان الناصرة والجليل هما آراميان، والمسيح كان ذا ثقافة آرامية وكان يتكلم اللغة الارامية ويعظ ويبشر بها. وادعاء "يهودية" الجليل هو خدمة يقدمها بيلاطس، ومن ورائه روما، الى اليهود، الذين كانوا يدعون يهودية فلسطين، استنادا الى اكاذيب التوراة اليهودية التي تدعي ان فلسطين هي (هبة من الله!!!) لليهود.
ـ5ـ يبدو من الرواية المسيحية ان بيلاطس، الذي حكم المسيح بالموت، كان داهية ويستشرف المستقبل كما لو انه يعيش فيه، فهو يتجنب تماما اي تهمة مدنية موجهة نحو السيد المسيح ويحاول جاهدا ان يحصر القضية في الجانب الديني ـ الايماني السماوي وبالتحديد الخلاف بين الرؤساء اليهود والسيد المسيح، لرفع المسؤولية عن روما ومحاولة فتح نافذة تخاطب بينها وبين السيد المسيح وانصاره.
ـ6ـ ان الفاتيكان يمتلك جميع او غالبية المعطيات والوثائق المتعلقة بمحاكمة السيد المسيح والحكم عليه بالموت صلبا. واذا كان اليهود المعاصرون حرصوا ان يحصلوا من الفاتيكان على تبرئتهم من دم المسيح، واذا كان الفاتيكان حرص على ان يمنحهم هذه التبرئة، فالاحرى بالفاتيكان ـ اكبر واهم مؤسسة ومرجعية مسيحية ـ ان يدعو المجتمع الدولي الى تشكيل محكمة دولية عليا خاصة للنظر في الحكم بالموت الصادر ضد السيد المسيح واعادة محاكمته على الاسس المدنية والحقوقية التي تكرس حقوق الانسان وحريته وكرامته.
ـ7ـ واذا شاء الفاتيكان ايضا فيمكنه، ومن حقه تماما، ان يدعو الى انشاء محكمة روحية ـ لاهوتية ـ دينية، تتألف من لاهوتيين كبار من جميع الاديان للنظر في الشرعية الدينية لقيام اليهود (بشخص رئيس الكهنة والسنهدرين) بمحاكمة السيد المسيح والحكم عليه بالموت قبل تسليمه لبيلاطس، وذلك، على الاقل، على قاعدة حرية المعتقد الديني التي هي احد اسس حقوق الانسان.
ـ8ـ امام الهجمة الامبريالية ـ الصهيونية الشرسة التي تتعرض لها الشعوب العربية والاسلامية، يبدي الفاتيكان قلقا كبيرا مشروعا على مصير "المسيحيين الشرقيين". ولكن الفاتيكان هو خير من يعلم ان هذه الهجمة هي استمرار تاريخي للعقلية الاستعمارية "الاوروبية" والاستغلالية "اليهودية" التي أملت محاكمة السيد المسيح واعدامه من قبل الشركة الشيطانية بين "روما" و"اليهود". وهذا ما يقتضي اعادة قراءة تاريخ الشرق ورسم مستقبله ومستقبل العالم لا بعين بيلاطس ممثل روما، ولا بعين قيافا رئيس الكهنة اليهود، ولا بعين السنهدرين اليهودي والمحافل الماسونية، بل بعين "يوسف من الرامة"، بعين "الفلسطينيين"، وبعين "المسيحيين الشرقيين" الذين حملوا صليب السيد المسيح آلاف السنين.
ـ9ـ تاريخيا، تضافرت "المسيحية الغربية" السلطوية (الاستعمار الغربي) و"الاسلاموية الشرقية" السلطوية (الاستبداد الشرقي)، ـ تضافرتا على اضطهاد وقمع "المسيحية الشرقية" وتشويه وطمس ريادتها الحضارية ودورها النضالي الاولي والمشرق، الذي كان صلب السيد المسيح عنوانا أبرز له. ولكن كل ظلمات الاستعمار الغربي "المسيحي" والاستبداد الشرقي "الاسلاموي" لا تطفئ شمس الحقائق التاريخية الكبرى التي تقول: ان "المسيحية الشرقية" هي الحركة النضالية الرائدة الاولى التي، ومنذ ما قبل ان يولد المسيح المصلوب، جمعت، باسم مجيء المسيح "المخلص"، الشعوب التي تتألف منها اليوم الامة العربية، من شواطئ المحيط الاطلسي الى شواطئ الخليج العربي، كما جمعت شعوب البلقان والقوقاز والروسيا المسيحية الشرقية، ووحدت هذه الشعوب الشرقية جميعا في النضال ضد الاستعمار والاغتصاب والطغيان الروماني والغربي وضد الاستغلال والفساد والتعهر اليهودي (العبراني والخزري). وهذه الشعوب، التي ولدت في رحمها "المسيحية الشرقية"، هي التي تمخضت عن بواكير الحضارة الانسانية، وهي التي قامت على كواهلها الاسس والدعائم الاولى للحضارة العربية ـ الاسلامية، والاوروبية ـ المسيحية، والانسانية العالمية. وليس من الصدفة في شيء ان هذه الشعوب ذاتها، وبدءا من الثورة الاشتراكية الروسية، وليس انتهاءا بالثورة الاسلامية الايرانية، هي التي دشنت وتواصل النضال ضد الامبريالية الغربية والصهيونية العالمية لشق الطريق امام عصر انساني جديد تسود فيه مبادئ العدالة والحرية الانسانية والسلام العادل، اي المبادئ التي صلب لاجلها السيد المسيح.
ـ10ـ والفاتيكان، بوصفه اكبر واهم مؤسسة ومرجعية مسيحية "غربية" وعالمية، من اوجب واجباته اجراء مراجعة شاملة للتجربة التاريخية الدامية للمسيحية عامة، واعادة اعتبار كاملة وصحيحة لـ"المسيحية الشرقية" خاصة، المضمخة بالدماء الزكية للسيد المسيح والالاف من القديسين الاطهار وعشرات الملايين من الاضاحي البشرية من المؤمنين الابرار. وربما كان من اكبر واهم المهمات الراهنة، امام الفاتيكان والعالم المسيحي والعالم المتمدن بأسره، اعادة اعتبار كاملة للقدس، حيث عاش ورفع على الصليب السيد المسيح، بوصفها قلب المسيحية العالمية، وقلب العروبة والاسلام، وبوصفها تجسيدا حيا للعنة الابدية على جلادي المسيح والمسيحية الشرقية: “روما” الاستعمارية واليهودية وورثتهما: الامبريالية الاميركية والغربية والصهيونية العالمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التبعية لاميركا تأخذ اوروبا الى القاع
- اميركا تبيع الاوهام القاتلة لحلفائها وروسيا تستنفر قدراتها ا ...
- الدور -العثماني الجديد- للطورانية الاسلامية الكاذبة!!!
- ازمة المديونية تهدد العالم الرأسمالي الغربي
- تقرير بيلاطس البنطي عن قضية صلب السيد المسيح
- التعاون التكنولوجي العسكري بين ايران وروسيا يرعب اميركا
- الحرب السرية الاسرائيلية ضد ايران وحزب الله
- فلاديمير بوتين الفائز الاول في الانتخابات الروسية
- الصين ترفض الوجود الاميركي في آسيا
- اوروبا تترنح امام الازمة الاقتصادية
- السياسة الاميركية في مواجهة الاحتجاجات في الداخل والخارج
- سوريا امام فرصة تاريخية
- اميركا: رجل العالم المريض
- الاتحاد الاوروبي يعمل لحل الازمة على حساب الشغيلة
- الاقتصاد الروسي ينهض من الازمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتم ...
- قادة الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان يتبادلون الاتهام بتسليم ف ...
- اميركا تترنح واوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية ...
- ارباب -الاموال الوظيفية- يطبعون العملة ويراكمون الديون والمو ...
- الامبريالية والصهيونية في إشكالية -الثورات؟!؟!- العربية
- هل ستعترف صربيا باستقلال كوسوفو؟!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جورج حداد - جلادو المسيح والمسيحية الشرقية