أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عمر دخان - سفاح تولوز و الدعم الوطني















المزيد.....

سفاح تولوز و الدعم الوطني


عمر دخان

الحوار المتمدن-العدد: 3683 - 2012 / 3 / 30 - 07:32
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


من جديد صُدِمَ العالم بحادث إرهابي آخر إستهدف المدنيين العزل. حادث كان من بين ضحاياه أطفال أبرياء لا علاقة لهم بأي صراع سياسي أو ديني في العالم، مجرد أطفال أبرياء كان ذنبهم الوحيد أنهم قصدوا مدرستهم بكل براءة في ذلك اليوم التعيس. أولئك الأطفال ذهبوا ضحية الكراهية و الإرهاب اللذان لا يفرقان بين صغير أو كبير، ناشط سياسي أو غير ناشط، عسكري أو مدني، متدين أو غير متدين.
هذا العمل الجبان لم يفاجئني كثيراً بقدر ما فاجأني الدعم الذي تلقاه القاتل محمد المراح، ليس من قبل الكثير من الجزائريين فقط، و لكن في جميع أنحاء العالم العربي و المسلم. العديد من مساندي هذا العمل الإرهابي من الجزائريين شعروا بأن مساندة محمد مراح تعتبر واجباً وطنيا، و ذلك لمجرد أنه ذو أصول جزائرية، على الرغم من أنه ولد و نشأ في فرنسا و لم يزر الجزائر في حياته قط.
موقف الصحافة الجزائرية مقارنة بمواقف الكثير من الجزائريين كان يحمل مفارقة غريبة. حيث أنه بينما كانت الصحافة الجزائرية تشن حملة شعواء ضد وسائل الإعلام الفرنسية لتركيزها على الأصول الجزائرية لمحمد مراح أكثر من أي شيء آخر – حسب إدعاء تلك الصحف- كان الكثير من الجزائريين ينشؤون صفحات على الفيسبوك لدعم القاتل و عمله الإجرامي، فقط لمجرد أنه ذو أصول جزائرية. الكثير منهم جعل من دعمه بمثابة أمر إلزامي على كل جزائري إنه هو أراد إثبات جزائريته، و البعض منهم ذهب بعيداً إلى حد مقارنته بأبطال ثورة التحرير الجزائرية و قاموا بنشر صور معدلة له مع العلم الجزائري.
هنالك بعض الأشخاص الذين يشعرون بأن إستخدام محمد مراح لأطفال غزة كمبرر لعمله الإجرامي يعتبر سبباً مشروعا و مفهوماً، و بعض أولئك الأشخاص هم للأسف من وسائل الإعلام التي كانت تتابع الحدث و تحلله. لا يمكنني أن أفهم كيف لإنسان يحمل ولو ذرة من الإنسانية أن يساند أو يحاول تبرير مثل هذا العمل الإجرامي ضد أطفال أبرياء، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم ( و هي أسباب لا تبرر الكراهية، فمابالك بالقتل).
في اليوم التالي للحادثة، و بينما كان القاتل محاصراً من قبل قوات الشرطة الفرنسية في منزله، كنت أجلس على كرسي الحلاق في صالون للحلاقة. كانت تلفزة المحل تبث تقريراً على قناة جزائرية يتحدث عن مستجدات القضية، و بينما كان المذيع يتحدث، نطق أحد عمال المحل قائلاً "إنه بطل! عمل رائع!" لم أصدق أذني و أنا أستمع لتلك العبارة و لم أتمالك نفسي من الإنفجار في وجهه قائلا "ماذا قلت للتو بحق الجحيم؟" لم تكن لدي أي معرفة بالشخص و أحاول دائما تجنب الدخول في حوارات مع العامة، و لكنني لم أتمكن من إلتزام الصمت هذه المرة. أردفت قائلا "إنهم أطفال!" رد علي قائلا و كأنه لم يصدق أن أحداً كان سيعارضه "إنهم يهود" رددت عليه بصوت حاد "إنهم أطفال بحق الجحيم! كيف يمكنك أن تقول مثل تلك العبارة لوصف شخص قام بعمل إرهابي جبان مثل ذلك في حق أطفال أبرياء؟" رد علي قائلا "ألم تر ماذا فعلوا بالأطفال في غزة؟" (و هي عبارة أسمعها دائما بمناسبة و بدون مناسبة، سواء كان الموضوع حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو حول كيفية صنع البقلاوة) سألته "أي عذر هذا؟ لمجرد أنك تعتقد أنهم إستهدفوا أطفالاً، تقوم أنت أيضا بإستهداف الأطفال؟ ألا يجعلك هذا بنفس مستوى السوء الذي تدعي أنهم عليه؟" قال لي "إنهم يهود! يستحقون ذلك!" رددت عليه بصوت أشد حدة و إرتفاعاً هذه المرة "إنهم أطفال بحق الجحيم! هل أنت مجنون؟ إنهم أطفال لا يمكنهم حتى ربط أحذيتهم بمفردهم بعد! كيف يمكنك أن تساند إستهدافهم بسبب معتقدهم أو عرقهم؟ و في فرنسا!" في هذه اللحظة كنت في نوبة غضب عارمة و أعتقد أن وجهي إحتقن بشدة. لم يرد هذه المرة لأنه إعتقد أنني على وشك إيذائه جسديا، و هو شيء لا أقوم به إطلاقاً.
عندما إستمر صمته، سألته "ماذا فعلت للشعب الفلسطيني الذي تتحدث عنه دائماً؟ أنت، كشخص، ماذا فعلت بحق الجحيم للفلسطينيين عدا جعل حياتهم أكثر صعوبه بخطاب الكراهية هذا الذي توزعه في كل مكان لمجرد أن الكلام مجاني؟ لو كانت الجزائر في مكان الأردن أو مصر لكانت أولى الدول الموقعة لمعاهدة سلام مع إسرائيل" أضفت العبارة الأخيرة لأن الكثيرين في الجزائر يرددون دائما أنه لو كان للجزائر حدود مع إسرائيل لكانت فلسطين حررت و إسرائيل تلاشت من على الوجود، جاعلين الأمر يبدو غاية في البساطة و السهولة ، و كأنه لهم رأياً فيما يمكن للحكومة الجزائرية القيام به و مالايمكنها القيام به.
من الإنصاف أن أذكر أنني رأيت نماذج مشابهة و لكن بشكل أقل في جماعات دينية و عرقية أخرى تجد المتعة في مقتل أطفال الآخرين لمجرد أنهم عرب أو أفارقة أو لمجرد أنهم من عرق آخر، لكن لأن هدفي يبقى دائما محاربة التطرف و الإرهاب المُرتكب من قبل أطراف يحملون نفس هويتي الوطنية و الخلفية الثقافية، لذلك تركيزي هنا هو على ردة فعل الجزائريين و العرب المسلمين للمجزرة التي إرتكبها محمد مراح. هؤلاء هم الأشخاص الذين أسعى إلى تغيير طريقة أفكارهم و تنظيف عقولهم من التطرف.
طيلة الوقت الذي أمضيته صارخاً في وجه ذلك الشخص، كانت صور الضحايا في ذهني، و خاصة الفتاة ميريام و التي أثرت صورتها و هي ترتدي الفستان الأبيض و نظرتها الملائكية في نفسي كثيراً (قمت بإنشاء صفحة لإحياء ذكراها على الفيسبوك). أولئك الأطفال ووالدهم لم يستحقوا الموت بتلك الطريقة البشعة. لقد كانوا أشخاصا مسالمين و أبرياء يعيشون حياة سعيدة دون إيذاء أي شخص، قبل أن يأتي كره الإرهابيين و الإسلامويين لكل شيء يهودي و يدمر تلك الحياة و تلك البراءة الطفولية. أولئك المتطرفون يستمرون بالقيام بذلك مستخدمين شماعة "العداء للصهيونية و ليس لليهودية" كغطاء لتلك الكراهية ضد اليهود ككل و على أسس دينية و عرقية بحتة، و هو أمر يمكن لأي مراقب محايد أن يراه بوضوح.
تحليل الصحافة الجزائرية لأخبار تلك المذبحة كان أسوأ من الأخبار ذاتها، فعوض التنديد بذلك العمل الإجرامي و إدانته بدون تردد، راحت تطرح أسئلة قديمة على غرار "لماذا ينقلب العالم رأساً على عقب كلما يموت يهودي، بينما لا يحدث شيء عندما يموت المسلمون؟" حسناً، سأقوم أنا بإجابة ذلك السؤال. أعتقد أن العالم ينقلب رأساً على عقب كلما مات يهودي أو قتل لأن اليهود يقدرون حياتهم و لا يريدون رؤية أي منهم يموت قبل الأوان و لأي سبب من الأسباب، بينما الكثير من العرب و المسلمين لا يتوقفون عن تكرار مدى رغبتهم في الموت، سعيهم في سبيل الموت، و تمنيهم الموت. الكثير من العرب و المسلمين لا يعطون للحياة البشرية أدنى إهتمام، سواء كانت حياة مسلمين آخرين أو غير مسلمين. لم أر إلى يومنا هذا شخصا يهودياً واحداً يقول أنه يتمنى أن يموت أو يُقتل، أو أنه لا يمانع مقتل أولاده في سبيل أهدافه و غاياته، بينما أسمع ذلك بشكل شبه يومي على الجانب العربي و المسلم. لم أرى إلى اليوم إنتحارياً يهوديا واحداً، بينما أعداد الإنتحاريين المرتقبين الذين تتباهى بهم حماس و القاعدة مثير للقلق. اليهود ليسوا هم من يقول أن أولادهم سيذهبون إلى الجنة و يصبحون طيوراً هناك، و بالتالي لا مشكلة في موتهم، العرب و المسلمون هم من يقول ذلك. هل يمكن لأي شخص أن ينكر هذا؟ أرجوا المحاولة لأنني أملك مكتبة وسائط متكاملة تساند كل ما ذكرته هنا.
مثال آخر حول مدى تقدير اليهود لحياتهم رأيناها في صفقة جلعاد شاليط، حيث من أجل إنقاذ حياة شخص واحد، قامت إسرائيل بإطلاق سراح أكثر من 1,000 سجين من أسوأ المساجين لديها. أحد أولئك المفرج عليهم كان إمرأة ساندت في تنفيذ عملية بيتزا سبارو الإنتحارية و التي كان من بين ضحاياها ثمانية أطفال. بعد الإفراج عنها، أجريت مقابلة معها حيث سألها المعد إن كانت على علم بعدد الضحايا الأطفال في عملية سبارو التي قامت بدور محوري فيها، و كان ردها أن إبتسمت و قالت أعتقد ثلاثة. حينها أخبرها المعد أن عدد الضحايا الأطفال كان ثمانية، و هو ما جعل إبتسامتها تزيد إتساعاً و هي تكرر الرقم و كأنها تفتخر بجهدها الذي تسبب في مقتل ثمانية أطفال أبرياء.
رد فعل بعض الجهات الإعلامية في فرنسا لم يكن في المستوى المطلوب، خاصة عند مقارنته بحجم الجريمة. في رأيي، ما جعل التغطية الفرنسية أسوأ هو تعليقات بعض المسؤولين الفرنسيين الذين منعهم خوفهم من أن ينعتوا بالعنصرية أو العداء للإسلام من أن يوجهوا الأصابع نحو المشكل الحقيقي. رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون ذهب إلى حد القول بأن "الإنتماء للمنظمة السلفية ليس في حد ذاته جريمة". هل هو فعلا جاهل لحقيقة أن الفكر السلفي يمثل أحد أهم أسباب التطرف في العالم العربي و المسلم، خاصة و أن الكثير من الجماعات الإرهابية تحمل خلفيات سلفية. تقنياً، الإنتماء لذلك الفكر قد لا يكون في حد ذاته جريمة، و لكن تجاهل تأثير الفكر السلفي على الجماعات الإرهابية المعاصرة كان تصرفا لا مسؤولاً. حتى السلفيون الذين لم يرتكبوا أي أعمال إرهابية – بعد – يحملون فكراً يجعل لديهم القابلية لممارسة الإرهاب و لا مشكلة لديهم في تبرير الإرهاب. أمثلة التطرف السلفي في العالم المسلم لا تكاد تنتهي، بداية من السعودية، مرورا بمصر، و إنتهاءاً بالجزائر.
تصريح رئيس الوزراء الفرنسي يشير إلى أنه هناك خللا ما في الطريقة التي تتعامل بها فرنسا مع الإرهاب، و هو تصريح جاء ليظهر أن فرنسا أصبحت خائفة من التعامل بحزم مع المتطرفين إلى الحد الذي جعلها تخاف من رد فعل المساندين للإرهاب أكثر من خوفها من ردة فعل عائلات ضحايا الإرهاب.
ختاماً، إنه من المحزن فعلا أن نرى أناساً تدعم قتلة جماعيين في أي مكان، سواء في فرنسا، أفغانستان أو النرويج. جرائم بهذه البشاعة تعطي عامة الناس سبباً آخر للوقوف صفاً واحداً في وجه الإرهاب و التطرف، و تعطي الناس الذين يسعون من أجل تحقيق السلام سببا للتوحد من أجل محاربة العدو المشترك: الجهل!



#عمر_دخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب القانونية القذرة
- المشكلة
- التعليم في مقابل التلقين
- من كثر كلامه
- يساريون إسلامويون
- المفسدون في الأرض
- أتركوا العراق لأهله...يا عرب!
- حرام عليكم حلال علينا!
- المكتوب
- الوهم العربي
- الفرق بين الطفل الصيني و الطفل العربي
- أولاد الذوات
- حقوق المرأة بين الرجعية و الإنحلال
- تحليل بسيط لمقارنة سطحيه
- غباء مشفر
- في ذكرى الثلاثاء الأسود
- شعوب مُستَبِده
- الشقاء المقدس
- ليبيا الحره
- وكالين رمضان


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عمر دخان - سفاح تولوز و الدعم الوطني