أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عمر دخان - المكتوب














المزيد.....

المكتوب


عمر دخان

الحوار المتمدن-العدد: 3502 - 2011 / 9 / 30 - 23:23
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


“المكتوب” هو التسمية المحلية للقضاء و القدر في الجزائر، و هي كلمة تتكرر بشكل شبه يومي و في كل مكان، فهي في الأفراح و المآتم، في التجارة و الكوارث، و حتى في المستشفيات. و كلها ترد بشكل يجعلها تبدوا و كأنها تبرير أكثر من كونها إيمانا بشيء كان قابلا للحدوث عاجلا أم آجلا.

ليس لدي أي مشكل في أن يؤمن الناس بالقدر و بأن كل شيء مرسوم للإنسان منذ لحظة ميلاده و ربما قبلها، و لكن المزعج بحق هو أن يصبح تبريرا لكي شيء يحدث دون محاولة البحث عن إجابات أخرى و لو من باب الجدل، فالميت كان مكتوبا له أن يموت، و ليس من حق أحد أن يتساءل هل تسبب أحد في وفاته و هل كان يمكن أن يتفادى ذلك. كل شيء مبرر بالمكتوب و القدر و بشكل غايه في السخافة يجعل الإنسان يؤمن أن العرب لا يحبون تشغيل عقولهم و لو من أجل بحث أسباب وفاة عزيز لهم، و يعتبرون مجرد التساؤل اعتراضا على القدر!.

استخدام “المكتوب” كعذر تعدى كونه مجرد مبرر شعبي لكل زيجة فاشله و تجارة بائره، لينتقل إلى المستشفيات، و يصبح مبررا لاستهتار الأطباء بأرواح الناس و تلاعبهم بها، و تسببهم في مقتل أناس كان بالإمكان جدا إنقاذهم، و كان بالإمكان جدا أن يعيشوا عمرا أطول لولا استهتار الأطباء و العاملين في المستشفيات، و دع مقدسي “المكتوب” يستغفرون و يحوقلون، و لكن المستشفيات وجدت لهدف، ليس من أجل التسبب في قتل الأشخاص لأن مكتوبهم قد حان، و لكن للحرص على أن يتم إنقاذهم من أي إصابة أو أذى تعرضوا له بغض النظر عن الاعتقاد الشامل بأن مكتوبهم قد حان، و هو أمر آخر يجعل إقحام الدين في المستشفيات خطرا على صحة البشر و مبررا لاستهتار أطباء لا يحملون من الطب سوى الاسم.

يمكن لكم أن تركنوا إلى المكتوب كسبب للوفاة بعد أن تبذلوا كل جهد ممكن لإنقاذ حياة المريض، أما أن يتم إهماله و التسبب في قتله، ومن ثم نلوم المكتوب، فهو ليس سوى جريمة قتل أريد تبريرها بنصوص دينيه لا علاقة لها بالموضوع، و يتم فيها استخدام الدين لقتل المزيد من الأشخاص، و كأن الحروب الدينية و الإرهاب الديني المتطرف لم يسببا ضحايا بما فيه الكفاية.

لاحظت أن الأطباء الذين يتركون اعتقاداتهم الدينية الخاصة على أبواب المستشفيات هم الأكثر نجاحا في حفظ الأرواح، و الأكثر حرصا على بذل أقصى جهد ممكن لإنقاذ حياة المريض، بل و الذهاب إلى أبعد حد و لو لإطالة حياته لأيام معدودات، لأن ذلك ما يقتضيه نُبل المهنة، تحمل المسؤولية و العمل الجاد و لوم النفس فقط على أي خطأ طبي، لا لوم “المكتوب” و إراحة الضمير، فالقدر لن يحول دون إنقاذ حياة إنسان، و حتى لو حانت ساعة شخص ما – وفق المفهوم الديني – فذلك ليس مبررا للاستسلام و التذرع، لأنه لا يوجد أغلى من روح الإنسان و لا شيء يبرر التقاعس عن حفظها بكافة السبل.

يمكننا رسميا أن نجعل “المكتوب” أحد أهم أسباب الوفيات في الجزائر، و أحد أسباب انهيار النظام الطبي و فشل الأطباء الجزائريين، بحكم أنه المبرر الجاهز دوما، خاصة مع إحاطته بهالة من القدسية تمنع الحديث عنه و تجعله كفرا، و هو كمن يوفر الغطاء الديني للإهمال الطبي و الشخصي بدعوى أنه ” لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” و هو نص تم إساءة فهمه تماما، و تحويره ليصبح أداة للقتل و التبرير.

يمكنكم أن تؤمنوا بالمكتوب كما شئتم، بل يمكنكم أن تؤمنوا بأي شيء ترغبون، فقط، أتركوا تلك الأشياء بعيدة عن الطب و الأطباء، فالطبيب حين يعمل يجب أن لا يؤمن بأن هذا المريض ربما يكون مقدرا له أن يموت، بل يجب أن يؤمن فقط أن عليه إنقاذه، دون وجود أي بدائل أو سيناريوهات أخرى و لو تحتم القيام بإجراءات استثنائية غير معتادة. كما أنه من حق أي شخص أن يتساءل إن كان مكتوبا لشخص ما أن يعيش حياةً أطول و لكن الأطباء هم من أنهوا حياته، و ليس كفرا إطلاقا أن أتساءل لم لا يزال فلان يعيش بيننا وهو الذي دخل المستشفى بإصابة كان من الممكن تداركها بسهوله لو كان في مكان تحترم فيه الروح البشرية، و لم تُرِكَ ساعات ينتظر “مكتوبه” حتى يأتيه و يخلصهم من مشقة علاجه و حفظ روحه، وهو حق أي إنسان كائنا من كان.



#عمر_دخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوهم العربي
- الفرق بين الطفل الصيني و الطفل العربي
- أولاد الذوات
- حقوق المرأة بين الرجعية و الإنحلال
- تحليل بسيط لمقارنة سطحيه
- غباء مشفر
- في ذكرى الثلاثاء الأسود
- شعوب مُستَبِده
- الشقاء المقدس
- ليبيا الحره
- وكالين رمضان
- و تريدون دولة أخرى؟
- أنا شرير إذا أنا موجود!
- تحريضٌ ممنهج
- رضي الله عنه!!
- الإلحاد المتطرف
- كرات اللهب البشريه
- بريطانستان
- جمعية إنتهاك حقوق الإنسان
- إنفصام الشخصيه


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عمر دخان - المكتوب