حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3676 - 2012 / 3 / 23 - 22:53
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ثالثاً / التحريف الستاليني لمبدأ الديمقراطية المركزية والنقد و النقد الذاتي
الديمقراطية المركزية و الحرية الحزبية
مبدأ الديمقراطية المركزية يقوم أساساً على ضرورة إتاحة الحرية لتفعيل التغيير الإجتماعي نحو الأفضل عبر إشتغال قانون وحدة و صراع الأضداد فكرياً داخل المنظمات الحزبية كافة . فضمن وحدة الأهداف العليا للحزب الشيوعي في إطار الفكر الماركسي ، فان المسيرة الطويلة لتحقيق الهدف المنشود المتمثل ببناء الإشتراكية لا يمكنها أن تتواصل إلا عبر نضال الحزب المستلم للسلطة باندفاع ثابت نحو تحقيق الهدف المنشود بالقيام بهذه التغييرات المطلوبة و / أو تلك . و لما كان عضوية هذا الحزب تتكون من الأفراد ، لذا فأن من الطبيعي أن تختلف وجهات نظر هؤلاء الأفراد بصدد إختيار أفضل السبل المتاحة لتحقيق هذا الهدف المنشود و ذلك في ضوء السياقات الإجتماعية الإقتصادية السياسية و غيرها من العوامل الفاعلة أو الحاكمة الأخرى لعملية أنجاز التغيير المطلوب . هل يلتزم الحزب بإتاحة حرية إبداء الرأي لكل أعضاءه ، أم يتحول إلى منظمة قمعية تكرس سواد الرأي الواحد الآتي من فوق ؟ معلوم أن الالتزام المبدأي بالسماح لحرية التعبير عن الرأي لأعضاء الحزب كافة بأن تأخذ كل مدياتها المطلوبة يسمح بتلاقح الأفكار ، و بإثراء عملية إستيعاب مختلف أبعاد القضية موضوع البحث ، و بالدراسة المعمقة لمختلف أوجهها و تأثيراتها في ضوء الخيارات و الإمكانيات المتاحة ؛ في حين أن القمع للآراء مفقر للإمكانيات و مثبط للعزائم و مزيح للآخرين من ذوي الشأن لكون كل قرار حزبي يمكن أن تكون له إنعكاساته سلباً و إيجابا على الجميع . الصحيح إذاً هو أن من أهم واجبات الثوري الديمقراطي هو واجب السماح للأفكار المتنوعة / المتضاربة بالصراع على كل المستويات الحزبية عبر تفعيل المبدأين : مبدأ إتاحة الحرية لكل الحزبيين الراغبين بإبداء الرأي ؛ و مبدأ حق هؤلاء في المناقشة و أبداء الرأي بخصوص كل شيء يخص الحزب سلباً أو إيجاباً عبر النقد و النقد الذاتي للقرارات و الإجراءات التنفيذية السابقة . و لا يجوز مطلقاً محاسبة العضو الحزبي لمجرد قيامه بممارسة حقه في إبداء الرأي ، لكيلا يتحول هذا المبدأ الفعّال و المنتج إلى آلية لمحاكم للتفتيش القروسطية ، و إلى سيف مسلط لتكميم الأفواه و مصادرة العقول . النقد و النقد الذاتي ينصب على معالجة السلبيات بمختلف ظاهراتها و التي من شأنها إلحاق الضرر بعمل الحزب و سمعته و سياسته و نشاطات و أدوار أعضائه و ضمن منظماتهم الحزبية حصراً ، و ذلك بغية معالجتها و تجاوزها لمصلحة تعزيز و تحسين الأداء . و هو ليس أداة لقمع الرأي الآخر و إزاحة المنافسين عبر التسقط (fault finding) للتسقيط . و لا يجوز مطلقاً إستخدام النقد و النقد الذاتي أداة للتمييز بين الرفاق لخواص فردية ((قومية ، عرقية ، دينية ، مذهبية ، عائلية ، شخصية متميزة (المسكن و الملبس و المأكل و المشرب و المهنة و طريقة الكلام و المستوى الثقافي و الهوايات و الإهتمامات .. الخ)) ، مثلما لا يجوز التدخل في الشؤون الشخصية للأعضاء بتاتاً . العكس هو الصحيح ، إذ ينبغي ترقية الخواص الفردية تلك كلها علاوة على إظهار الإحترام الكامل لها ، و الذي هو جزء لا يتجزأ من إحترام الإنسان لكل إنسان , بله رفاق الدرب و المصير المشترك .
الديمقراطية المركزية و المركزية الديمقراطية
في الحزب الثوري ، ينبغي أن تحكم قواعد الديمقراطية المركزية كل نشاطاته و العلاقات بين كوادره ، و لا مكان هنا لما يسمى بالمركزية الديمقراطية بتاتاً لكونها هجين متضارب : المركزية جوهراً و الديمقراطية تزييفاً ، و هي لا تليق إلا بالأحزاب الفاشية . الديمقراطية في العمل الحزبي تعني حرية كل عضو في الحزب بمناقشة سياسة الحزب و أداء منظماته و نشاطات رفاقه و التصويت عليها . و بعد ما تأخذ المناقشات مداها ، ينبغي ، طبعاً ، إتخاذ القرار اللازم بخصوصها . كيف يتم إتخاذ القرار ؟ ليس بالمركزية المفروضة من فوق مطلقاً ، بل بالديمقراطية . كيف ؟ بالإقتراع الحر و السري و المباشر بين أعضاء المنظمة كافة . و بعكسه ، تسود الدكتاتورية . و الديمقراطية تبدأ من تحت (القاعدة) لفوق (القيادة) ، و ليس بالعكس ، و إلا سادت المركزية . و رأي كل أعضاء المنظمة مهم ، و ليس القياديين منهم فقط . و في حالة نشوء الحاجة لإتخاذ القرارات المصيرية المستجدة ، فلا مندوحة من إجراء الإستفتاء بين كل أعضاء الحزب أو عقد المؤتمر الحزبي العام على نحو إستثنائي لإتخاذ القرار المناسب المطلوب ضمن إطار الشرعية الديمقراطية . فقط بعد أن تأخذ الديمقراطية إستحقاقاتها الكاملة ، يبدأ إشتغال قواعد المركزية : خضوع العضو لقرارات منظمته ، خضوع الأقلية لرأي الأكثرية مع حق الأولى في الإحتفاظ برأيها ، خضوع المنظمات الدنيا للأعلى منها ، و خضوع الحزب كله لمؤتمر الحزب .
ما هو جوهر المركزية الديمقراطية ؟ هي المركزية الطاغية المؤطرة شكلياً بديمقراطية مزيفة . إنها أوليغارشية القيادة البارونية المتمثلة بإتخاذ المنظمة الأعلى للقرارات من جانب واحد من طرفها ، و فرض هذا القرار المقدس القادم من العلا (السكرتير العام للحزب ، المكتب السياسي ) على المنظمات الأدنى عبر التسليم بالأمر الواقع و آلية الإقتراع المزيفة و التي تجري تحت سلطة سيف الإرهاب المسلط على رؤوس الجميع لشرعنة تحصيل ما هو حاصل فعلاً . و من يرفض هذا ، فإن مصيره الموت بهذه الطريقة أو تلك ، أو على الأقل الطرد و النسيان . و إذا لم يكن الحزب الشيوعي المعني مستلماً للسلطة ، تلجأ القيادات البارونية إلى طرد كل من تشم فيهم رائحة الزعامة المنافسة في المستقبل ممن يرفضون تسلكاتها عبر أستغلال محاكم التفتيش في إطار المركزية ، بدلاُ من رعايتهم و تمكينهم لكي يتبوأوا مواقعهم المستحقة بجدارة مستقبلاً لمصلحة تقوية قيادة الحزب برفدها بالأكفاء من المؤهلين فكرياً و تنظيمياً لتحقيق أهدافه .
هكذا كان ستالين (و مثله كل البارونيين من السكرتيرين العامين و القياديين الكبار للأحزاب الشيوعية ) يتصرف لفرض زعامته على الحزب مثلما رأينا : بقتل المنافسين الأجدر و الأكفأ و الأعلى مبدأية منه . و على غرار تصرفات الزعيم-المثال ستالين ، ففي حالة عدم رضا المجموعة القيادية التابعة لشلة سكرتير الحزب الشيوعي الباروني غير المستلم للسلطة عن هذا الرفيق القيادي أو ذاك ، يصار إلى طرده من هذا الحزب الشيوعي أو ذاك بلا مراسيم ، و ذلك بغض النظر عما كان قد قدمه سابقاً من تضحيات و مكاسب ، و ما يمكن أن يقدمه مستقبلاً للحزب ، لتبدأ بعدها حملات التشهير و التسقيط الإجتماعي و الشخصي . هنا يتم اللعب الإنتهازي على المبدأ الديالكتيكي القائل : أن الحزب عندما "يطهر" نفسه ، إنما يقوي نفسه . السؤال هو : أي نوع من "التطهير" هو الذي من شأنه أن يقوي الحزب الثوري ؟ الجواب الوحيد الصحيح هو حتماً : تطهير الحزب من الأنتهازيين و النفعيين و الجبناء حصراً (و الذي ينبغي أن يتم في المراحل الأولى من الخدمة الحزبية و ليس بعد الصعود إلى أعلى هيئة قيادية فيه لكون الموضوع يخص حزباً دينامياً له باع طويل في قراع الخطوب و تتكشف فيه معادن النفوس في مجريات الصراع و النشاط اليومي على الضد من وضع أصحاب الكهف أو الأحزاب الفتية ) ، و ليس أصحاب المباديء و العقول الجبارة و الشجاعة و الإندفاع لخدمة الحزب ، و إلا أصبح التطهير تدميراً للحزب . طيب ، من هم الإنتهازيون و النفعيون و الجبناء : تروتسكي و زينوفييف و كامنيف و بوخارين و ريكوف و تومسكي ، أم ستالين ؟ إذا كانوا الستة الأوائل ، فلماذا لم يتولى لينين تطهير أي واحد منهم بأشرافه إبتداءً طوال الفترة من 1917-1923، و لماذا لم يطالب في وصيته إلا بتطهير سكرتارية اللجنة المركزية من ستالين فحسب ، و لم ينس أن يطري صراحة كفاءة تروتسكي و إلى ذاك الحد بوخارين ؟ هل كان لينين جاهلاً بأسس التطهير التي تتكفل بتقوية صفوف حزب البلاشفة الذي بناه بنفسه ؟ قطعاً لا .
لقد بلغت الخسة و النذالة بستالين ليس فقط قتل رفاقه ، بل و كذلك تلطيخ شرفهم الحزبي و الشخصي بالعار قبل ذلك ، بإستخدام وسائل الإبتزاز لسلطة القهر للبوليس السري التابع له مباشرة لإجبار القيادي (أ) و (ب) و (ج) بالشهادة زوراً ضد إخلاص رفيقه القيادي (س) و (ص) و (ع) . و بعد إعدام (س) و (ص) و (ع) بالإستناد لهذه الشهادات المزورة ، يؤتى بالقيادي (ك) و (ل) و (م) و (ن) للشهادة بكون الشهادة السابقة لـ (أ) و (ب) و (ج) - و التي أدت إلى إعدام (س) و (ص ) و (ع) - هي مزورة ، فيعدم (أ) و (ب) و (ج) ، و هلم جراً في فضاعات متسلسلة ، إلى إتمام الإجهاز على الجميع . هذه هي مديات التسلك الشائن و المدمر للزعامات البارونية في كل العصور و الأماكن . و حتى بعد وفاة ستالين ، بقي الطرد من الحزب الشيوعي السوفيتي سبة على الفرد و حاجزاً أمام المطرود يمنع عنه كل رقي إجتماعي مستقبلي ، في حين لم يكن عدم الإنتماء لهذا الحزب ليشكل سبة إجتماعية . الديالكتيك هنا يشتغل بالمقلوب بفعل إرادة الطغيان . إذا كان عدم الإنتماء للحزب الشيوعي الحاكم ليس سبة (و هذا صحيح و مطلوب) ، أليس من الأولى أن لا يكون الطرد منه سبة ( و هذا هو الأصح و الأصوب) ؟ فهل بقي لنا سبب – بعد كل هذا – للعجب من نكوص ديالكتيك رقي البشر و خلاصهم من الإستغلال الرأسمالي المرعب بسقوط الإتحاد السوفيتي : أول قبس واعد للخلاص المنشود ؟ العجب ، لا ؛ العَبرة و العِبرة ، نعم .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟