أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - لو كنت أما ليوم واحد














المزيد.....

لو كنت أما ليوم واحد


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3669 - 2012 / 3 / 16 - 11:42
المحور: الادب والفن
    


قبل أيام، وأنا أمرّ على صفحات الإنترنت، اصطدمت بخبر عن رجل آخر ينفصل عن أم أولاده بكل هدوء واحترام وبطريقة حضارية، وهو يعيش الآن حالة حب جديد حوّلته الى عاشق مجنون لا مثالي! تولاني شعور بالسخط الشديد، وأزعجني التساؤل: لماذا اذا عاش الرجل قصة حب مجنون تكون دائما بعيدا عن "أم الأولاد"؟ ألا يستطيع أن يعيشها مع أم أولاده؟ أولاده الذين يحبّهم، وأمهم التي اختارها بين النساء لتشاركه الحياة وتصبح أم أولاده، ألا يستحقون منه أن يعيش معهم قصة حبه المجنون؟؟
"قررنا الإنفصال،" قال الرجل مبرّرا ما حصل، "بعد أن شعرنا أننا لم نعُد كيانا واحدا. كلٌ له عالمه الخاص."
وأنا أتساءل أيها الرجل، ماذا تعرف عن عالم أم أولادك؟ هل جرّبت يوما أن تكون مكانها؟ ألا جرّبت يوما أن تكون "أما" لأولادك و"زوجة" لنفسك؟ إنه ليوم واحد فقط، دعنا نتخيّله الآن معا، لعلّك تفلح في أن تكون "معشوقة" بجنون لنفسك!
يبتدئ اليوم دون أن تدري حقا متى ابتدأ يومك على وجد التحديد. أكان ذلك بعد منتصف الليل بثلاث ساعات حين أفقت على صراخ طفلك الصغير الذي يطلب الرضاعة والدفء والحنان، فجلست وأنت تحمله بيديك، بينما بالكاد تستطيع حمل رأسك الثقيل كالصّخرة السوداء، ترضعه ثلاثين دقيقة دون انتقاص في حالة مثيرة للشفقة تتأرجح بين النوم واليقظة، وكل كيانك يصطرخ بك توقا الى النوم المسلوب من عينيك ليالي طويلة، منذ ولادة طفلك الصغير، ابنك الوحيد، حامل اسمك ووليّ عهدك! حتى غفيَ الصغير أخيرا، فأعدته الى سريره الذي بجانبك وعدت أنت لترتمي بسرعة الى فراشك الوثير محاولا افتراس النوم من عصيانه الطويل؟؟ أم كان ذلك عند رنين الساعة الخامسة فجرا حين قمت لتحضّر لنفسك فطورك وملابسك وقهوتك قبل أن توقظ نفسك بقبلة ناعمة على شفتيك من جسد ثقيل... متعب... مهدود... ورقة الكلمات التي تهمس في أذنك: "حبيبي، هيا قم لتفطر وتذهب الى العمل"، وترافق نفسك خلال الفطور وكل مراحل التحضير للخروج الى العمل. ثم أخيرا، بعد أن يُغلق الباب ترتمي من جديد الى فراشك لاقتناص بعض اللحظات الهاربة من النوم الذي يكاد لا يُلمس، الى حين موعد استيقاظ بناتك الثلاث، أميراتك الجميلات، للذهاب الى الرّوضة والمدرسة، وفي قلبك لا تكفّ عن التوسّل لطفلك الصغير أن لا يفيق من نومه قبل خروج أخواته من البيت!!
الساعة الآن لم تبلغ الثامنة صباحا بعدُ، وها هو الإرهاق ينهش جسدك وأعصابك، بعد أن هدأ البيت أخيرا من صخب معركة تحضير بناتك الى الروضة والمدرسة. ولكن اعترف أن حظك جميل اليوم، فقد أراحك ابنك حبيبك من بكائه وصراخه وأشغاله الى حين خروج البنات من البيت، حتى أنه أضاف لك بضع دقائق أخرى لتحضير نفسك الى عملك الذي يجب أن تعود اليه اليوم بعد إجازة ولادتك التي تمت وانتهت بكل خير وسلام وفرح، رغم أنك ما زلت تنبش في أعماقك عن ذلك الفرح الذي يتحدّثون عنه منذ تلك الولادة.
ها أنت جاهز الآن للخروج، والصغير جاهز هو الآخر، وحقيبته مجهّزة بكل مستلزماته الى حين عودتك من العمل. تأخذه الى المربّية وتسلمها اياه مودّعا في عجل، ثم تنطلق بسيارتك الى مكان عملك.
تصل الى عملك متأخّرا لا محالة بربع ساعة، وتنهال عليك مهماتك كالمطر العاصف، تجرفك من نفسك ومن بيتك، من أميراتك وطفلك... حتى يأتي موعد غدائك فتخرج الى استراحتك وتتصل بالمربّية لتسأل عن ابنك حبيبك، هل أكل جيدا؟ وهل نام هادئا؟ وهل أخذ فيتاميناته؟ وماذا يفعل الآن؟؟
تنتهي معركة دوام العمل وتعود الى البيت، الى حيث تجري معركتك الحقيقية. تأخذ ابنك من بيت المربّية، ثم تأخذ بناتك من بيت جدّتهن، وتعودون جميعا الى البيت. البنات فرحات بالعودة، وكل واحدة تطلب انتباهك لأمورها. واحدة تريد أن تبحث لها عن دميتها والثانية ترغب في شرب كولا وثالثة تحتاج انطباعك عن رسوماتها، أما طفلك فلا يطلب شيئا سوى جلوسك براحة وهدوء لإرضاعه بحبك وحنانك ودفئك، وأنت ما زلت تحتاج لدقائق طويلة في المطبخ لتحضير الطعام وغسل الصحون وتجهيز السفرة من أجل جنابك العائد من عملك بعد قليل. وكم كان بودّك أن تستقبل نفسك بابتسامة عذبة ومشعّة على وجه جميل وأنيق، ولكن ما العمل وأنت لم تلحق أصلا أن تحضّر الطعام؟!
"عشر دقائق ويجهز الطعام، يا حبيبي." تقول بنبرة رقيقة، متردّدة، وكأنك تخشى أن تفرط نفسك من الغيظ والجوع بعد يوم عملك الشاق، فتتهجّم عليك بالصراخ بسبب عدم جاهزية الطعام!
أخيرا، تجلسان معا الى المائدة بعد أن يجهز الطعام، وتنضمّ اليكما بناتك الثلاث، وطفلك في سريره ينام قيلولته مشكورا بهدوء حذر، وأنت ما زلت تفكّر بينك وبين نفسك: هل تخدم أسرتك على هامش طعامك أم تأكل طعامك على هامش خدمة أسرتك؟! لم يعُد الأمر يهمّك بعد سنوات من العمر، أو لم تعُد تكرّس له وقتا ولا جهدا لمعرفة الإجابة، فمنذ ولادة ابنتك البكر بتّ تفعل كل ما تفعل لسدّ حاجات ورغبات الآخرين، وتؤجّل حاجاتك ورغباتك الى يوم غير معلوم.
وما أن تفرغ من طعامك، وقبل أن تدرك متى بدأتَ بالضبط، حتى يستيقظ ابنك الصغير من نومه وينطلق بالبكاء، ولا أحد غيرك يستطيع تهدئته، ولا أحد غيرك سيجلي الصحون، ولا أحد غيرك سينشر الغسيل، ولا أحد غيرك سيساعد ابنتك في حل دروسها، ولا أحد غيرك سيحمّم بناتك وابنك... يااااااااااااه من أين نبدأ؟؟؟
لم يبدأ اليوم بعد حتى ينتهي، ولكن، لا بد أنك تحسّ بأنك انتهيت ولم تعُد قواك تسعفك على فعل شيء، وستنسحب من المعركة قبل أن تبتدئ بالأصل، أو تنتحر قبل أن تولد أيام أخرى مماثلة ليومك الغريب هذا. ولكن... لا بأس أيها الرجل. سأسامحك، كعادتي، وأعفيك هذه المرة ككل مرة، ذلك أني ما زلت أحتفظ لك بحبي في بقعة ما في داخل قلبي تحت ثقل أحمالي ووسط زوبعة أحاسيسي. أحتاج فقط لشعاع من نورك حتى يسطع حبي لك من جديد.
وبعد، أيها الرجل، بعد أن انتهى يومك كأم وزوجة ليوم واحد فقط، وعدت الى نفسك ودورك وأيامك العادية، بالله عليك، أخبرني، هل نجحت أن تكون "معشوقة" لنفسك؟؟

كفر كما/ فلسطين



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب والعاصفة 6
- الحب والعاصفة 5
- الحب والعاصفة 4
- الحب والعاصفة 3
- منذ التقينا
- الحب والعاصفة 2
- الحب والعاصفة 1
- العصا والأصدقاء
- مساءات لهفة
- ما هذه الأصوات في الليل؟
- المعلّمة أورا
- مهمة في الزواج
- القدر- قصة قصيرة
- الشهيدان
- بنت من هذا العالم
- تساؤلات بريئة
- لقاء آخر معك
- الشركس في فلسطين
- الشاطئ
- صدفة


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - لو كنت أما ليوم واحد