أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الحب والعاصفة 2















المزيد.....

الحب والعاصفة 2


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


كان سميح ابو جودة، فهد الصانع، سهيل العمري ووالدي محمود الطحان يشكّلون شلة من الأصدقاء منذ أيام المدرسة. كانوا في نفس العمر وقد استمرّت علاقتهم حتى بعد تخرّجهم من المدرسة وتخرّج الثلاثة الآخرين من الجامعة. والدي كان الوحيد بينهم الذي لم يكمل دراسته، بل فتح دكانا صغيرا للبقالة وعمل فيه طوال حياته. كانت حالتنا المادية جيّدة، رغم حجم الدكان الصغير، ولا أذكر يوما أننا احتجنا الى المال. أما أصدقاؤه الثلاثة الآخرون، فقد تخرّجوا من الجامعة وقرّروا السفر الى أميركا بحثا عن العمل. وهناك أقاموا شركة تجارية كانوا فيها شركاء واستقروا هناك، تزوّجوا وأنجبوا أولادا، وكانوا يأتون الى البلاد مرة او مرتين في السنة لقضاء إجازاتهم. وكان أبي حريصا دائما على دعوتهم إلينا في كل مرّة. وهكذا، استمرت علاقته مع أصدقائه الثلاثة وعائلاتهم على مدى السنوات.

الا أنني كنت ألاحظ أن علاقته مع سميح أبو جودة تختلف قليلا عن الباقي. كنت صغيرة في ذلك الوقت، ولم أبلغ العاشرة من عمري بعد، الا أنني كنت أسمع أبي أحيانا وهو يتحدّث عنه بالسّوء، ولا أذكر ماذا كان يقول عنه بالضبط، الا أنني أذكر أن زوجته كانت لها صلة في الموضوع. وكانت زوجة سميح ابو جودة امرأة جميلة جدا ذات شعر أسود طويل وعينين خضراوين وبشرة بيضاء تشوبه بعض الحمرة، وتدعى هالة. وكنت أحسدها في صغري على جمالها وأحلم أن أصبح مثلها تماما حين أكبر. كانت إنسانة لطيفة جدا، تنعم بالرّقة في طبعها والعذوبة في حديثها. وكنت ألاحظ أنها لا تشبه زوجات الرجال الآخرين. فبينما كانت الأخريات يتحدّثن عن أمور البيت والمطبخ وتربية الأولاد، كنت أراها تجالس الرجال الأربعة وتناقشهم في أمور العمل ومشاكله، وكانت تستقطب سماعهم بأسلوبها السلس في الكلام الذي يعتمد على المنطق والعقل وكان من الواضح أنها ملمّة في أمور العمل.

وفي تلك الليلة المشؤومة من ليالي تموز الشديدة الحرارة، كان الجميع مجتمعين في بيتنا بدعوة من والدي على العشاء. وكان عمي ابراهيم وزوجته وولديه، شادن ورامز، موجودين معنا أيضا. كنا نحن الصغار في حديقة البيت نلعب ونلهو بعيدا عن الكبار الذين جلسوا في غرفة الضيوف، يشربون القهوة بعد انتهائهم من طعام العشاء. وبينما كنا مستغرقين في لهونا، فجأة، سمعنا صريخا من داخل البيت! وحين ركضنا الى الداخل، رأينا أبي واقعا على الأرض، يئنّ ويتأوّه من الألم، والرجال الثلاثة الآخرون يمسكون بسميح ابو جودة بيديه بقوة وشدة، والنساء راكعات فوق أبي يتفقدن حاله ويصرخن.


كان سميح محمرّ الوجه من شدة الغضب، ولم أعرف يوما لِم كان غاضبا الى هذا الحد من أبي حتى يضربه ضربته القاتلة. لم يكن أخي وليد او عمي يتحدثان كثيرا عن الموضوع ولم أكن أعرف التفاصيل التي أدت الى وفاة ابي. ومنذ ذلك الوقت، لم أسمع شيئا عن عائلة ابو جودة ولم أرَ أحدا منهم، الى أن التقيت بسامر في الحفلة. أما باقي أصدقاء أبي، فقد ظلّوا يأتون لزيارتنا في بيتنا خلال تواجدهم في البلاد. ثم عادت عائلة فهد الصانع الى البلاد واستقرت فيها. كان ذلك قبل أقلّ من عام. وكانت العائلة مؤلّفة من الزوج فهد وزوجته أسماء وابنتهم الوحيدة فاتن. ومنذ عودتهم بتّ أراهم من وقت الى آخر حين يأتون لزيارتنا او نذهب اليهم مع أخي وليد وعمي ابراهيم. وكانت فاتن كثيرا ما تتردّد الى بيتنا، فقد كانت صديقة أختي فادية التي تصغرها بعام واحد. وكنت أنا أراها كثيرا في أرجاء الجامعة حيث كانت تدرس.

والآن، بعد أن عادت عائلة ابو جودة الى البلاد، بعد مرور عام على عودة عائلة الصانع، بقيت عائلة العمري، المؤلّفة من الأب سهيل والأم ابتسام والولدين زياد ووجدي والإبنة خلود، بعد أن اشتروا حصص الشريكين الآخرين العائدين الى البلاد. وكانت هذه العائلة مقلة في زياراتها الى البلاد، ولا أذكر أنني رأيت وجدي أو خلود في زيارة لنا عند الصّغر. أما زياد، الإبن الأكبر، فقد كان يأتي مع والديه، وقد كان موجودا عند وقوع الحادث المفجع، وكان يبقى بصحبة رامز وسامر. ولكن الفرق بينه وبين الإثنين الآخرين كان واضحا. كان زياد ناضجا أكثر منهما، ليس فقط بجسده، انما بسلوكه وحديثه، ربما لأنه كان يكبرهما بعامين على أقل تقدير. وبعد أن كبر زياد وأصبح شابا، كان يأتي وحده لزيارة البلاد. وكان يزور رامز كثيرا. ولكن زياراته المتكرّرة الى البلاد لم تكن دون سبب. فقد كان معجبا بابنة عمي شادن... ثم أصبح خطيبها.

كان زياد العمري شابا رفيع القامة، قوي البنية وجذّاب الحديث. كان من ذلك النوع من الرجال الذي يشدّ النساء برجوليته المثيرة وحديثه الممتع المطعم بالفكاهة. وكانت شادن تحبّه حبا صادقا وتنتظر اللحظة التي تصبح فيها زوجته بفارغ الصبر. ولم تعد تلك اللحظة ببعيدة، فقد كانا ينويان الزواج في الصيف المقبل هنا في البلاد، ثم السفر الى اميركا لبدء حياتهما المشتركة. ولم أكن أدع نفسي أفكر في ذلك الأمر كثيرا، فأنا لم أكن أعرف كيف سأعيش حياتي بعيدا عن ابنة عمي وصديقة طفولتي وشريكة أسراري، أفراحي وأحزاني، وكنا نجهش بالبكاء في كل مرة نتحدّث فيها عن الموضوع.

أفقت من افكاري على صوت من جانبي الآخر. "أتسمحين لي بهذه الرقصة؟"
وحين استدرت الى الجهة الأخرى، فوجئت ان أجد سامر واقفا أمامي، وقبل أن أرد بشيء إنتبه الى شادن التي وقفت بقربي. قال لها: "كيف حالك يا شادن؟"
فأجابت: "بخير." ثم أضافت قائلة: "انا سعيدة برؤيتك بعد هذا الغياب."
"وانا
"أكثر." قال وصافحها بتهذيب.
بعد لحظات قصيرة كنا معا في حلبة الرقص، نرقص... ونتبادل النظرات في صمت.
كان سامر يتأمّلني بإمعان، وكأنه يدرس ملامح وجهي بدقة. ثم ابتسم لي وقال بصوت واثق: "لم تتغيّري كثيرا."
"عشر سنوات لم تغيّرني؟" تعجّبت.
فقال: "ما زلت نفس الفتاة البريئة الصافية."
أمدّني كلامه بابتسامة. "أتظن ذلك؟!" قلت. ثم تأمّلت في وجهه للحظات، وقلت له: "أما أنت... فقد تغيّرت كثيرا."
"وبماذا تغيّرت؟"
"أصبحت شابا... وسيما... يخطف الأنظار."
أطلق سامر ضحكة مرحة، كشفت عن مقدمة أسنان بيضاء، وشاع من نفسه سحر عجيب. ثم سأل: "ألم أكن كذلك قبل عشر سنوات؟"
أجبته خلال تفكير: "لا أدري. لم أنتبه كثيرا."
ضحك من كلامي مرةً أخرى، وقال: "فعلا. لم تكوني تعيرينني اهتماما كبيرا."
"أعني... أني... كنت أراك شخصا آخر."
"أعرف. وأذكر أنك كنت تتضايقين مني كثيرا."
ابتسمت قليلا. "بدون حق؟"
"لا، لا... مع حق. أعرف أني كنت ولدا مزعجا في صغري."
"هذا أقلّ ما يقال."
"حقا؟؟ إذن لا بدّ أنك كنت تتضايقين مني كثيرا."
ضحكت بمرح ولم أعلّق بشيء. فقال: "ولكني... أتمنى أن أغيّر نظرتك عني من اليوم."
"واضح لي أنك قد تغيّرت، كما قلت لك من قبل."
فقال وهو يثبّت نظرة جادة الى عينيّ: "اذن، أتظنين أننا سنتّفق؟"
"نتّفق؟ على ماذا؟"
"على أن نكون أصدقاء؟"
أطرقت رأسي وأنا أفكّر في كلامه بجدية. تعجّبت، ما قصده؟ ولكني وجدت نفسي بعد ذلك أبتسم له ببهجة وارتياح، وأحسست في داخلي بشيء ما يشدّني إليه. لم أعرف ماذا أصابني في تلك اللحظة. لم أعد أحسّ بما حولي ولم أعد أرى شيئا أمامي سوى ذلك الشاب الذي عرفته... ولم أعرفه.

ثم فجأة... تجمّدت في مكاني وتوقّفت عن الرقص كأن ضربة هبطت على رأسي وأيقظتني من غيبوبتي. أحسست بأنني انجرفت كثيرا، عليّ الإبتعاد عنه في الحال!
"ماذا جرى؟!" تفاجأ مني سامر.
قلت له بشيء من الإرتباك: "أشكرك على الرّقصة." ثم أضفت مسرعة: "عن إذنك."
"الى أين؟" إستغرب. "دعينا نستذكر قليلا أيام الطفولة."
قلت بتأديب: "ربما في فرصة أخرى."
وتركته. إلا أنني لم أكن واثقة أنه ستكون هناك فرصة أخرى تجمعنا.

حين عدت الى شادن، كان رامز واقفا الى جانبها. رأيته وهو يرميني بنظرة صلبة، وقال: "هل هو حقا سامر الذي كنت تراقصينه؟" ولم تخلُ نبرته من الهزء.
قلت له بجفاء: "ألم ترَه بنفسك؟!"
فقال: "بلى، رأيته... ورأيتك، وأكاد لا أصدّق أنك كنت تراقصينه."
"هو الذي دعاني للرقص." قلت بحدّة وكأنني كنت أدافع عن نفسي.
تدخلت شادن: "انها مجرد رقصة بين صديقين قديمين."
لاحت أشد إمارات العجب على وجه رامز، وكان من الواضح أنه يهزأ في داخله من الكلمتين الأخيرتين.
نظر نحو سامر قليلا، وقال: "معك حق. ربما الأفضل أن أذهب لأسلّم على صديقنا القديم."
وحين ترك المكان وذهب، قالت لي شادن معتذرة: "أنا آسفة انه وصل في الوقت غير المناسب."
استغربت منها وقلت: "ما بك تتصرفين وكأنني ارتكبت خطيئة؟ وماذا لو رقصت معه؟"
"ماذا في ذلك؟!" قالت بدهشة. "لا أدري."
"ثم إن أخاك ليس وليّ أمري حتى يحاسبني على أفعالي."
ولم يمضِ أكثر من دقيقتين حتى عاد الينا رامز وقال بنبرة الإستياء البالغ: "يبدو أن صديقنا القديم قد عاد حقا الينا، هو وعائلته. ربما أرادوا ألا يتركوا الوالد يعاني وحده هنا!"

يتبع....



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب والعاصفة 1
- العصا والأصدقاء
- مساءات لهفة
- ما هذه الأصوات في الليل؟
- المعلّمة أورا
- مهمة في الزواج
- القدر- قصة قصيرة
- الشهيدان
- بنت من هذا العالم
- تساؤلات بريئة
- لقاء آخر معك
- الشركس في فلسطين
- الشاطئ
- صدفة
- وهكذا اشتريت الشوكولاطة!
- تعالي سارتي، لنبكِ!
- طوشة كبار- قصة قصيرة
- الحب العتيق- قصة قصيرة
- اختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين1


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الحب والعاصفة 2