أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - هانى جرجس عياد - «قانون الحرابة»... هروب من أزمات الوطن إلى تقنين «جرائم ضد الإنسانية»















المزيد.....

«قانون الحرابة»... هروب من أزمات الوطن إلى تقنين «جرائم ضد الإنسانية»


هانى جرجس عياد

الحوار المتمدن-العدد: 3668 - 2012 / 3 / 15 - 14:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لو كانت قد قدر لوقائع فضيحة النائب السلفى أنور البلكيمى أن تأخذ منحى أخر، وتبقى طى الكتمان، محفوظة وراء ستائر السرية، أو بالأحرى ستائر الخداع، لربما كان النائب ذاته هو بطل معركة «تطبيق الشريعة» و«الحكم بما أنزل الله» الدائرة الآن تحت قبة البرلمان.
لكن قدر الله وما شاء فعل، وخرج النائب السلفى من البرلمان بفضيحة مدوية، دون أن يكون بوسع أحد أن يعرف كم «بلكيمى» مازال هناك تحت القبة، مستترا بلحية، صارخا فى وجوهنا «الحكم بما أنزل الله».
وعندما تبدأ وقائع «معركة» تطبيق الشريعة، فالسؤال الأول الذى يتعين على النواب الإسلاميين مواجهته (ومعهم أحزابهم وجماعاتهم الخارجة على القانون) هو هل يجوز إخضاع «شريعة الله» لإرادة الناس؟ قانون الحرابة، باكورة قوانين الشريعة، معروض الآن للمناقشة فى البرلمان، الذى من حقه أن يوافق عليه أو يرفضه، فهل هذا يليق باسم الله وشريعته؟ هل يليق أن نجعل ما ندعى أنه «حكم الله» رهنا بإرادة الناس؟
هنا على وجه الدقة يتجلى مأزق المتأسلمين، الذين يصرون على الهبوط بالمقدس الثابت إلى مستوى النسبى المتغير، فيجعلون من كلمة الله موضوعا للمناقشة، ومحلا للقبول أو الرفض، بصرف النظر عما إذا كان بمقدور أغلبيتهم البرلمانية، بمن فيها من «بلاكمة» مستترين، أن تحسم المناقشات فى اتجاه معين.
السؤال ذاته، هل يليق أن نجعل ما يدعى هؤلاء أنه «حكم الله» رهنا بحكم الناس، يكشف –أيضا- بعض معالم انتهازية هؤلاء، حيث اعتمدوا مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، فأخذوا من «الديمقراطية والانتخابات» وسيلة للوصول إلى السلطة، وعدما تستقر الأمور لهم، لن يعود هناك مكان لا للديمقراطية ولا للانتخابات، فشرع الله (كما يراه أخوة وزملاء البلكيمى) لا يحتمل ولا يقبل أن يكون رهنا لإرادة الناس، بل يجب تطبيقه بالقوة والفرض، عندها لن يكون هناك مكان لديمقراطية ولا انتخابات، فالحاكم (الذى جاء بالانتخاب) سوف يصبح ظل الله على الأرض، والخروج عليه محض فتنة، وطاعة الحاكم من طاعة الهي، حتى لو كان أشد استبدادا وأكثر فسادا من الرئيس المخلوع.
لكن طالما أخذنا المتأسلمون إلى هذه النقطة، فلا مفر من مواجهتها، والتعامل معها.
كل الأديان، التى عرفها البشر، والقيم والمبادئ الإنسانية، وحقوق الإنسان، التى كرستها الأديان وأضفت عليها درجة ما من القداسة، تحرم تماما التمثيل بالموتى، وتصل إلى حد تجريم هذا الفعل الشائن باعتباره جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، فإذ بالمتأسلمين فى مطلع الألفية الثالثة، يقدمون لنا تشريعا يقنن التمثيل بالأحياء!! بحجة تغليظ العقوبة، رغم أن تشويه البشر والتمثيل بهم، ليس تغليظا للعقوبة بل تنكيل بالناس.
ولئن امتد الخط على استقامته، فربما يفاجئنا المتأسلمون بقانون إعادة الرق، ليس فقط لأن النصوص واضحة وقاطعة فيما يتعلق بالجوارى «ما ملكت إيمانكم»، لكن أيضا لأن الله منح الإنسان حق الاختيار فى التكفير عن أثم ما ارتكبه، ومن بين تلك الخيارات «إعتاق (كذا) رقبة»، وعندها سوف تظهر لنا فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان تتحدث عن «الرق الشرعى» و«الرق غير الشرعى».
كنت أفكر فى مناشدة السادة أعضاء «برلمان ما بعد الثورة» لتشريع قوانين تحرم الاتجار فى التعليم والصحة، فلا يجوز لكل من «معه قرشين» أن يستثمر أمواله فى بيع العلم، ولا يحق لكل من استيقظ ذات صباح ليجد لديه ثروة، يعلم الله وحده من أين جاءت له وكيف حصل عليها، أن يبحث عن المجال الأكثر ربحا، وما إذا كان الأجدى له أن يفتح محلا فى وكالة البلح، أم أن يبنى مستشفى استثماريا بخدمة فندقية «خمس نجوم»، لكن برلمان «البلاكمة» يعيدنا إلى الوراء قرونا وقرون، لتصبح الأولوية هى الحيلولة دون تحويل مصر إلى مجزر كل مهماته تقطيع الأيدى والأرجل وصلب البشر، والتصدى للاتجار فى البشر بالمعنى المباشر والصادم للكلمة.
يعرف فقهاء الدين (الذين تخرجوا فى كليات دينية علمية، وليس هؤلاء الذين تخرجوا من بلاد الجاز) أن تفسير النص يرتبط حتما بالسياق التاريخى وأسباب التنزيل والظروف التاريخية، وأن هناك أحكاما نزلت لأهل شبه الجزيرة العربية وحدهم، مثل تحريم وأد البنات، الذى لم يكن معروفا إلا بين بعض قبائل شبه الجزيرة، بينما كانت هناك ملكات نساء يحكمن بلدان الجوار (ملكة سبأ فى اليمن، وملكات يحكمن فى مصر)، كما يعرف الجميع أن الدين حمَّال أوجه (حسب على بن أبى طالب)، وهو يسر لا عسر (حسب نصوص دينية كثيرة)، لكن لا أحد يعرف لماذا ينحى المتأسلمون المصريون منحى التشدد، فلا يأخذون من الدين إلا الصلب وقطع الأيدى والأرجل؟ (الأدهى أنهم يتهمون الآخرين بالإساءة للإسلام!!!)، إلا إذا كان ذلك سبيلهم للهروب من مواجهة المشاكل والأزمات الحقيقية التى تعانى منها مصر.
الحكم بما «أنزل الله» هو الحكم بالعدل والمساواة، فالله ينصر الدولة العادلة حتى ولو كانت كافرة، ولا يقبل بالدولة الظالمة حتى ولو وكانت مسلمة (تشرع من القوانين ما يؤدى إلى التمثيل بالأحياء، وتترك «رجال الأعمال» ينهبون ملايين الدولارات من التجارة فى العلم والصحة، ويرفع نواب الشعب الآذان فى قاعة البرلمان)، وشرع الله حيثما كانت مصلحة الناس، وليس العكس.
أما فقهاء العصر الوهابى العائدون إلينا بدولارات النفط وثقافة الصحراء، فلا يستطيع أيا منهم أن يدلنا على نموذج واحد من بين بلدان «الحكم بما أنزل الله» قضت على الجريمة بقطع الأيدى والأرجل، وجلد المرأة التى ترتدى البنطلون وتحريم قيادة السيارات على النساء، فكل تلك النماذج مازالت تعانى من انتشار الجريمة، ومازالت غارقة فى التخلف.
«بلاكمة» هذا الزمان يهربون من مواجهة أزمات ومشاكل الوطن الحقيقية بالبحث عن «تشديد العقوبات»، ولا تشديد إلا التمثيل بالبشر الأحياء، وتقنين «جرائم ضد الإنسانية»، وإلا فليقل لنا أى منهم، ماذا سيفعل «قانون الحرابة» مع واقع التعليم المتردى، وكيف سيواجه مشكلة «الدروس الخصوصية»؟ وما هى العلاقة بين «قانون الحرابة» وانهيار الخدمات الصحية، وهل يمكن أن يضمن علاجا أدميا لملايين المرضى، على الأقل وحتى يكف «فرسان العصر» عن الذهاب إلى أوربا وأمريكا لتلقى العلاج هناك؟؟. وأين يقع الآلاف من أطفال الشوارع المشردين فى القانون المذكور؟ ثم ليقل لنا «بلاكمة» هذا الزمان ما هى «القوانين الشرعية» الكفيلة بإصلاح أوضاع البحث العلمى، حتى نكف عن استيراد كل احتياجاتنا، من الإبرة حتى الصاروخ، بما فى ذلك السجادة التى يصلون عليها، من «فسطاط الكفر»؟
ويا أيها «البلاكمة»، كفوا عن هذا العبث، فليس ثمة متسع للهروب من مواجهة المشاكل والأزمات الحقيقية، وتذكروا أن الهث لا ينصر الدولة الظالمة، حتى لو رفع نوابها الآذان فى قاعة البرلمان.



#هانى_جرجس_عياد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور ليس برنامجا حزبيا... تلك هى «المعركة»!!
- هوامش على عصر «المشير والمرشد»
- زياد العليمى
- من «البنا- صدقى» إلى «بديع- طنطاوى»... هل من جديد؟
- كاذبون... وبلهاء
- مشاهد فى «مؤامرة على وطن ثائر»
- العسكر ليسوا فاشلين ولا مرتبكين.. إنهم متآمرون
- بيان العسكر رقم 90: «غباء مبارك» سيد الموقف
- إسقاط السلطة لا يكفى.. الشعب يريد إسقاط النظام
- مكانة القوى اليسارية في ثورات الربيع العربي
- رسالة مفتوحة إلى من يهمه الأمر: ليس من اللائق....
- يناير يعود فى نوفمبر
- المؤتمر الصحفى الذى تأخر عن موعده
- هوامش على دفتر وطن جريح
- قفص مبارك مازال به متسع لآخرين
- دماؤنا ووثائقهم
- تخاريف ما بعد الصيام
- هدية إسرائيل لجنرالات مصر
- كلاكيت عاشر مرة: سيناريو الالتفاف على الثورة
- حتى لا تأخذنا النشوة مرة ثانية: المحاكمة ليست نهاية المطاف


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - هانى جرجس عياد - «قانون الحرابة»... هروب من أزمات الوطن إلى تقنين «جرائم ضد الإنسانية»