عدنان فارس
الحوار المتمدن-العدد: 3663 - 2012 / 3 / 10 - 17:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد خصّ اللهُ العراقيين بنعمتين تاريخيتين لم يحضَ ولا شعبٌ واحد على وجه الأرض حتى ولا بواحدة منهما.
الأولى تحرير الشعب العراقي من الهيمنة العثمانية البغييضة سنة 1917 إثر انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وتأسيس الدولة العراقية على يد البريطانيين كأرقى دولة في العالم بعد اوروبا وأميركا أنذاك...
وبعد جحود (الوطنيين العراقيين) وكفرهم بنعمة ربهم هذه وانقلابهم في 1958 وقتل وسحل مؤسسي الدولة دخلت بغداد فترتها المظلمة الثانية حيث هيمنَ وتسلّطَ الوطنيون الجُدد من عساكر وشقاوات وتناوبوا، إنقلابياً، على التحكم برقاب العراقيين وساد الجورُ والطغيان واكتظت ساحات الإعدام شنقاً وبالرصاص وفُتحت جبهات الحروب الداخلية والخارجية وعمّ الخرابُ والدمار حتى أنهم أوصلوا الحياة في العراق، مع بدايات العام 2003، الى حافة الإنقراض..
وهنا، بعد أن استبدل العراقيون صلاةَ الإستسقاء بصلاة (ياالله أغثنا ونجّنا) فقد منّ اللهُ بالنعمة الثانية إذ تشكل تحالف دولي بقيادة اميركية أنقذ ماتبقى من العراق والعراقيين من قبضة شقاوات البعث العراقي.. ومباشرة وبعد مرور أسابيع وحتى ليس شهور تكررت ثانية ماساة الكفر والجحود على أيدي (وطنيين عراقيين) ايضاً ولكن من نوع جديد حيث هذه المرة يعتمرون المظلومية الطائفية ونصرة الطائفة على حساب حقوق المواطنة وتخريب أو إضعاف التحالف العراقي الأميركي واستبداله بـ (الأخوّة العراقية الايرانية) التي قوامها الطائفية والتبعية.. وذلك بعد أن تعاملوا مع الديمقراطية كجسرٍ الى السلطة وليس كنظام لإعادة بناء وإعمار البلد.
وياللمصادفة البريئة ففي 1958 تم تفكيك التحالف العراقي مع بريطانيا واستبداله بـالصداقة والرفقة مع الاتحاد السوفييتي! هذه الصداقة التي بُنيت وقامت على تخريب منظم للاقتصاد العراقي حيث تسليح السلطة ضد الشعب وعسكرة المجتمع وهدر المال العام ومنح نصف شط العرب العراقي الى دولة ايران وفق اتفاقية الجزائر الخيانية 1975.. هذا الشط العراقي الذي سبق وأن استرجعه العراق من ايران وفق اتفاقية 1937 برعاية الحليف (الاستعمار) البريطاني.
تحدثت السيدة راقية القيسي في مقال لها منشور في "الحوار المتمدن" 7 / 3 / 2012 واعادت نشره في موقع "إيلاف" تحت عنوان "الذكرى التاسعة للعدوان الامريكي على العراق" أسهبت فيه الكاتبة كثيراً، الى حد الغثيان، بلغة الأرقام والتواريخ عن قوانين ومواثيق وأعراف واستشهادات تتناول فيها تداعيات وجرائم الحروب والاحتلالات.. ولكن من زاوية ضيقة وخاصة وباتجاه مُبَيّت الغرض وهو أن إسقاط نظام صدام حسين وبعثه كان عدواناً وجريمة حرب مما يستدعي محاكمة الولايات المتحدة جرّاء ارتكابها هذه الجريمة البشعة!
ولكن السيدة الكاتبة لم تتطرق الى أية وثيقة ولا الى أي عرف يدين جرائم صدام ونظامه داخل العراق وخارجه وبأسلحة فتاكة ومنها المحرم دولياً.. صدام حسين الذي هدد الحياة في العراق بالإنقراض وهدد السلم والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم.. ان جرائم صدام وبعثه على مدى 35 سنة فيما يخص خرق بنود وثيقة جنيف واحتقار كل اللوائح الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وتهديد البيئة والحياة في العراق تعطي الحق كل الحق للشعب العراقي أن يستنجد بالعالم الحر لتخليصه من قبضة صدام.. وهذا ماحدث وبنجاح باهر وفي ظرف 21 يوماً.
وكان التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية حريصاً على أن لايُقتل ولا مواطن مدني عراقي واحد بريء في (حملة حرية العراق) 19 آذار 2003 ــ 9 نيسان 2003 المظفرة.. وفي المقابل انظروا الآن كم تدفع شعوب بعض دول المنطقة وهي تكابد للخلاص من جلاديها وهي في ذات الوقت تتوسل اميركا النجدة والإغاثة!
اما ماحدث في العراق بعد (التحرير) بدءاً بالفرهود وتفليش الدولة وماتلاهما من تأسيس الميليشيات الطائفية المسلحة وتفشي الفساد والإرهاب والتهجير وانعدام الخدمات ونهب المال العام وتسلّق أشخاص غير مناسبين الى مواقع الحكم والسلطة فهذا إنما هو مسؤولية قادة العراق الجدد، الموالين لغير العراق، والذين لايستحقون حتى حق العودة الى العراق المُحرر.
كنتُ اتمنى وانا أتابع قراءة ماسطّرته السيدة الكاتبة عن مآسي وهموم العراقيين جراء العدوان او الاحتلال الأميركي والذي تعتبره جريمة حرب أن تشير الى مشكلة واحدة من مشكلات العراق والعراقيين قد توقف حلها على رحيل الأميركيين من العراق أو الى مشكلة واحدة، وقد رحل الأميركان، يتوقف حلها على تخريب وفض العلاقة العراقية مع الولايات المتحدة الاميركية.. ام ان شعار (كلا كلا اميركا) وتحريض البسطاء وتجنيد العاطلين عن العمل وتأجير الشقاوات في تنفيذ الإعتداءات المتنوعة ضد الأميركيين هو شعار استحدثه الوطنيون الجدد في العراق الجديد؟ والكل يعلم أن معظم القتلى من العراقيين الأبرياء راحوا ضحايا بالترافق مع تنفيذ الإعتداءات على الأميركيين.
ونحن بصدد العلاقة مع اميركا والغرب ومادامَ الشيء بالشيء يُذكر:
ماهي أسباب الفوارق في الأوضاع بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية؟ علماً بأن شركات كوريا الجنوبية الآن تنافس الشركات الأميركية والأوروبية في بناء العالم.. وأن السامسونك الكوري الجنوبي ينافس الآي فون الأميركي!
ولنتجاوز دور اميركا في تحرير وإعادة بناء وتأهيل اليابان واوروبا إثر الحرب العالمية الثانية وكذلك دورها الى جانب اوروبا الغربية في احتضان شعوب اوروبا الشرقية بعد رحلتهم الشاقة في عالم الأحلام الاشتراكية واستبداد الأنظمة الشمولية.. وهنا نتذكر وصف مارغريت تاتشر لهذه الرحلة إذ قالت "لقد اختار الاتحاد السوفييتي أطول طريق للرأسمالية" وهذا الوصف الدقيق ينطبق على اوروبا الشرقية التي احتلها ستالين وسلبَ إرادة شعوبها وألحقها بركبه السوفييتي.. اقول لنتجاوز كل ذلك ونأخذ دولة الكويت فقد تحررت الكويت من الغزو العراقي على يد الأميركيين فبراير 1991 ومنذ ذلك الحين، أكثر من 21 سنة، لازال تواجد القوات الاميركية في الكويت والكويتيون ينعمون بالأمن والرفاه ويبنون بلدهم اقتصادياً وسياسياً وإنشائياً بتحالفهم مع اميركا والغرب.. ورغم أن في الكويت توجد خصومات وصراعات سياسية ضمن الإطار الديمقراطي الدستوري ولكن لا أحد قد سمع بأن في الكويت مشكلة اسمها العلاقة مع اميركا والغرب.. وإنما على العكس فإن الدولة والمجتمع في الكويت يحرصون على توثيق عُرى هذه العلاقة وفق المصالح المشتركة.
لماذا الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً منذ الحرب العالمية الثانية، هي حليف ستراتيجي على الدوام لأوروبا ولليابان ولدول الخليج والكويت.. ولكن لاينبغي أن تكون هكذا مع العراق!؟... كيف يبني العراق نفسه وهو البلد المُهشّم والمُثخن بالجراح الوطنية والثورية والآن الطائفية؟ ومن يساعد العراقيين في إعادة بناء وإعمار بلدهم وتأمين مستقبلهم ومستقبل أجيالهم؟ أليس سوى توثيق العلاقة العراقية مع اميركا والغرب وفصم عرى هذه العلاقة مع دول القائمة السوداء؟
10 / 3 / 2012
#عدنان_فارس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟