أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال القواسمي - أميرة تريد أن تلعب- قصة قصيرة














المزيد.....

أميرة تريد أن تلعب- قصة قصيرة


جمال القواسمي

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 09:09
المحور: الادب والفن
    


منذ أن عاد إلى البيت، كان مكتئباً. طلبت منه ابنته أميرة أن يلاعبها، لكنه رفض متذرَّعاً بالتعب؛ اقترحت عليه زوجته أن ينام فرفض، وطلب منها إعداد فنجان قهوة وتابع نشرة الأخبار وتأسَّى على الهزائم التي تهطل على رأس شعبه الواحدة وراء الأخرى، وكانت ابنته أميرة احياناً تمرق من أمامه وتحجب عنه التلفاز، فانزعج. وسأل أميرة عن قناة الأطفال التي تفضل أن تشاهدها.
لكنها رفضت مشاهدة التلفاز وقالت: بابا، العب معي!؟
-ايش بدِّك العب معاك!؟ سألها ولمح معها بطاقات عليها صور وحروف. واكتشف ان بعض البطاقات مكرَّرة، فاقترح عليها ان يلعبا لعبة الذاكرة. علَّم ابنته ذات السنوات الخمس والنصف كيف تلعبها. عشر ازواج من البطاقات. قلبا البطاقات. لعب أولاً وكشف بطاقتين. اخطأت مرة وكشفت ثلاث بطاقات، فنعتها بالغشاشة، وقال لها: ما بسمح لك تغشي عليّ.. ما بسمح لك..
وترك ابنته في الجولة الأولى تميز معظم الأزواج المتشابه. نضح البيت من قهقهات ابنته، وهي تميز كل بطاقتين متطابقتين. أما هو فقد كان صامتاً. واكتفى بنظرات شزراء صامتة واحتسى قليلاً من القهوة التي أحضرتها زوجته، التي راقبت ما يجري بحماسة بالغة وبهجة غامرة. 
قالت له ابنته: فُزتَك. فُزتك بابا..
قالت لها أمها: قصدك أن تقولي: غلبتك.
قالت أميرة ضاحكة: غلبتك غلبة حلوة..
قال لها والدها: كمان لعبة.
قالت له: بابا، ليش بدَّك تلعب كمان مرة!؟
قال: عشان أسدها.
ضحكت زوجته وصفعته على كتفه مداعبة قائلة: أنتَ بتحكي من عقلك؟
قال لها: لأ، بحكي من تمي!!
فتركتهما زوجته وهي تضحك. ترك ابنته أميرة تلعب أولاً؛ لم يترك خدعة في ذاكرته الا واستعملها لكي يهزم ابنته. كيف يربط الأماكن بحروف الصور، بألوانها؛ وحتى حينما قلَّت أعداد البطاقات، كان بمكر ودهاء وخفة يد يغيِّر مواقع البطاقات فلا تتمكن الأميرة الصغيرة من الفوز بزوج متطابق، وكان يضحك ويقهقه، والمسكينة لا تفقه ما يجري، ورفع يديه علامة الانتصار، وقال لها: غلبتك يا مغلوبة! مسحتك يا مهزومة، الله الله ما احلى الانتصار!!
طفح البيت والحارة بعويل متقطَّع جارف، وظهرت زوجته، وحضنت ابنتها. الأميرة الصغيرة لم تتوقف عن البكاء، فالتفتت الى زوجها لتفهم ما جرى.
قال: حرموقة!! غلبتها وحرمقت.
بعد السيطرة على انفعالها، قالت أميرة: انتَ غشيتني! غشني ماما..
قال: ما غشيت عليك، كنتِ ضعيفة وهزمتك، هههه.
قالت أميرة: غشّاش انت بابا.. ما بسمح لك تغشني، ما بسمح لك..
وقفت زوجته أمامه وهي تدير ظهرها لأبنتها الصغيرة أميرة، ويداها معقودتان على صدرها؛ قالت عيناها الصامتتان له كل ما تريد ان تقوله مع رشة قليلة من الاشمئزاز.
قالت أميرة: غشيتني، وغيَّرت مكان البطاقات!! كمان لعبة.. كمان لعبة.. 
سألته زوجته: غيَّرت مكان البطاقات!؟
فضحك وهزَّ رأسه بنعم، ثم سأل ابنته أميرة: ليش بدَّك تلعبي كمان لعبة!؟
قالت: عشان أسدها!!
قال: شوفي، غلبتك مرة وغلبتيني مرة؛ هلأ بنلعب كمان لعبة، اللي بفوز فيها بكون هو البطل، فوافقت.
خربش البطاقات، كانت لعبة حامية الوطيس. ووجدت الأم انها تساعد ابنتها في التحزير والتذكر، ولم تستطع الابنة ان تفسر عدائية أبيها المفاجئة ولماذا أصبحت لا تطيقه، ولم تفهم زوجته سبب تصرفه الوقح بل العدائي مع ابنته ولماذا أصبحت لا تطيق وقع الفاظه وكلامه وانفعالاته التنافسية المدمرة. وقد انزعجت ايما انزعاج وهو ينتصر عليها وعلى ابنته الصغيرة، ويرفع يديه علامة الانتصار وتتبادل معه التهم..
قالت الزوجة: انت تعرف البطاقات أكثر مني، كفاك غروراً..
قال الزوج: مسحتكما، هزمتكما، انا أقوى، أنا أفضل، ليمجدني التاريخ..
وفجأة انتبها إلى ان أميرة اختفت. واكتشفا انها خرجت من البيت وجلست وحدها في بيت الدرج تبكي حظها وهزيمتها. تكلمت معها أمها فقالت لها أنها لا تريد أباها، بل تريد أباً آخر، آبا لطيفاً لا يضحك عليها، ولا يغش عليها، ولا يكشّر في وجهها. حضنتها أمها وأبوها، واعتذر منها ووعدها انه سيتحسن قريباً، وسرعان ما نامت على صدره وهو يهدهدها ويلعب بشعرها.
قالت زوجته: كله منك. ما لك!؟ بتحط راسك براس البنت!؟ شو ذنبها!؟ شو صار لو جعلتها تفوز عليك؟ 
صمت للحظات وهو لا يدري ما يقول، ثم همس كأنه وجد ضالته: اريدها بهذا السن المبكر ان تعرف معنى الهزيمة، بلاش تعرفها متأخرة كتير بحياتها وتنصدم..
- يا سلام!! يا ريتك كان معك مراية تشوف وجهك.. ليمجدني التاريخ!!! ها!؟
ثم صمت للحظات وقال لزوجته: بتعرفي!؟ شعور الانتصار شعور رائع حتى لو شعرنا فيه متأخر كتير... رائع، رائع النصر.. غلبتك انت وبنتك، سحقتكم، هزمتكم..  
وحين وضع ابنته في سريرها والتفت، كانت زوجته واقفة خلفه فناولته مخدة وحراماً، وخرجت من غرفة النوم، فتبعها الى الصالة: ماذا!؟
قالت له: المنتصرون يقضون ثلاث ليال وهم يحتفلون في أرض المعركة يلمُّون الغنائم..
قال لها: بعلمي انت غنيمتي..
قالت له: بعلمي، انا غريمتك المهزومة، مش غنيمتك.. بتقدر تعتبرني اسيرتك وغرفة النوم زنزانتي، خليك برة منتشي بنصرك وهيك بتكون منتصر وسجَّان..
- فهمت الآن ليش بنتك حرمقت لهالدرجة.. حرموقة مثلك تماماً.. يا عيني، الهزيمة لها ثمن.
- صح يا حبيبي، والنصر له ثمن...   
 
29-2-2012 



#جمال_القواسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظلم- قصة ق جداً
- تلخيص - قصة قصيرة
- كاتب فاشل - قصة قصيرة جداً
- ملِك - قصة قصيرة
- حمَّام- أقصوصة
- بيتي- قصة قصيرة جداً
- مباراة- أقصوصة
- أخر الأخر- أقصوصة
- اللحظات الأخيرة- قصة قصيرة
- خبر اسرائيلي- أقصوصة
- أجمل رواية- قصة قصيرة جداً
- رسالة - أقصوصة
- عن قتل أحد الوالدين، الثورة والجنس
- فيلم - أقصوصة
- الرئيس في البيرنابو- نص
- قصة كتاب الأنساب - للكبار +18
- خزانة العطارين - قصة قصيرة
- ع اليوم - ثلاثة نصوص
- إفادة- قصة قصيرة جداً
- تائه - قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال القواسمي - أميرة تريد أن تلعب- قصة قصيرة