أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - غواية الرجل و فتنته في -رعشات- للقاصة سناء بلحور














المزيد.....

غواية الرجل و فتنته في -رعشات- للقاصة سناء بلحور


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 3657 - 2012 / 3 / 4 - 19:15
المحور: الادب والفن
    


"القصة القصيرة جدا جنس المستقبل" .. تكررت هذه العبارة على أكثر من لسان ، و لم يكن ترديدها بدافع التعصب لهذا الجنس الوليد ، بل بسبب نظرة متأنية، مؤطرة بمعطيات موضوعية أدبية و ثقافية على الخصوص ، أهلت و تؤهل القصة القصيرة جدا لتتبوأ مكانة متقدمة ضمن الأجناس الأدبية ، و منها الاهتمام المتزايد بها كتابة و نقدا و ملتقيات ، فضلا عن نزوع العالم نحو الاختزال و الدقة في كثير من مناحي الحياة ، و الأدب - بطبيعة الحال-في صلب هذه المناحي ، كما أن القصة القصيرة جدا برهنت عن مرونة ملفتة في التعاطي مع شتى الموضوعات و الثيمات.
تندرج المجموعة القصصية " رعشات " للقاصة سناء بلحور الصادرة سنة 2012 عن دار التنوخي ضمن الحركية المتميزة التي تعرفها القصة القصيرة ، فقد استطاعت قصصها السابعة و الخمسين المضمنة بين دفتي المجموعة أن تمنح فعل القص طعما مختلفا و فريدا ، بارتكازها على حساسية أنثوية مفرطة ، و اهتمام لامع بما يمكن للرجل ان يحدثه في نفسية الانثى و ما يبثه فيها من خلال تحريض العواطف و الأحاسيس ، و ما يمكن -بالتالي- أن يسم القصص نتيجة لذلك.
فالقصة القصيرة جدا عند سناء بلحور هي بحق رعشات ، يسببها التوق إلى الرجل و الانسحاق -على استحياء-في عالمه ،و الحذر
-أحيانا- من السقوط في فلكه ، تقول القاصة في قصة " فراشات":
أمس نامت في جسده.. استيقظت بلآلام مبرحة ، و كأنها حبلى بماء عينيه ..بعد أيام تكاثرت الشرانق حولها ، و خرجت منها فراشات بألوان الحب ، تتكلم لغة الحب و تبسبس س ، س ، س..
هذا الحضور المخاتل للرجل على امتداد القصص ، يتخذ في كثير من الأحيان بعدا رومانسيا قويا ، يولد صورا شعرية قوية ، تجعل من القصص مشاهد بصرية متميزة ، و ذات نكهة خاصة ، تقول بلحور في قصة "نجمة":
نجمة تنام في قلبه و لا يراها أحد سواه ..يبتسم لها كل يوم.. و يمنيها حبا..ذات صباح سافر ..و من شدة خوفها طارت النجمة في سمائه حيث حياتها ..ارتفعت و اخذت ترقبه من بعيد قريب بعينين دامعتين.
و تأبى القاصة أن تحدد لهذا الرجل هوية خاصة ، فلا تكاد تطلق عليه اسما أو تميزه بوظيفة أو سمة إلا فيما ندر ، ، و تفعل العكس حينما يكون هذا الرجل بعيدا عن الإغواء ، و لا يمكن أن يشكل خطرا على الذات ، حينذاك فقط تسجنه ضمن هوية خاصة ، كما فعلت مع "بلعيد" ، في القصة التي تحمل نفس الاسم:
هاته الليلة وصل رجل يحبه كل الناس ..خصوصا الأطفال..دخل البيت ، فأشعلت الأم شمعة بيضاء طويلة ، استدار حولها الأطفال ، و غنت اغنية الصباح ..نهرها الزوج ، و أطفأ الشمعة بدعوى أن الآخرين لا يملكون شموعا.. نكست المرأة رأسها بحزن..بكى الأطفال و تشردوا..و حل بلعيد في هدوء ثقيل ..و نزل الظلام.
أما حين يشكل هذا الرجل تهديدا ما، أو حين يكون مصدر ارتعاشات محتملة ، فإن القاصة تكتفي بأن تؤشر عليه بضمير زئبقي و مخاتل ، خوفا من أن يصبح حضوره قويا و مكشوفا و مضاعفا ، تقول سناء بلحور في قصتها "ماء":
تتصفح البوم الصور.. أناملها ترتعش ..داعبت ملامح وجهه ..شعرت بقشعريرة..ابتسمت الصورة ، فتوهج وجهها ، و شعرت بعطش شديد ..سال فيض من ريق طري عبر شفتيه.
رشفته بلهفة ..فكان ماء القلب..
و قد توغل القاصة في لعبة الإخفاء ، فتلجأ الى الرمز ، لتجعل منه معادلا للعبة"المحرمة " كما حدث في قصة "ماء و هواء":
التقى هواء بماء..تحول الماء هواء و طار..
تحول الهواء ماء فغرق ، واستحال البحر لؤلؤا منثورا ، يترنح في الأفق.
هذه العلاقة بالآخر / الرجل ، قد تتوتر أحيانا ، فتميل القاصة إلى الانتقام من نرجسية الرجل ، فتصوره بشكل ساخر ، لتؤكد لنفسها أنها هي - أقصد المرأة- من يتحكم في اللعبة ، و أنه هو - أعني الرجل- مجرد طارئ ، و بهلوان ، أو كركوز تحركه بخيوط ذكائها ، و إن بدا له غير ذلك..تقول في قصة "متهور":
مذ عرفته و هو يتحدث عن نفسه ..يصفها بكامل الأهمية.. قللت يوما من شأنه ، فسمعت أناه تصرخ بحماقة..
زادت يوما من شأنه ، فرأت أناه تعلو باتجاه ارتفاع أحدب..وضعته بين أناه الحمقاء و أناه المتنتفخة ..فصار متهورا.
و مما يثير الانتباه في هذه المجموعة القصصية الجميلة انعكاس ثيماتها و أجوائها الرومانسية على أسلوب كتابتها ، إذ استطاعت القاصة أن تحقق لنصوصها نوعا من الخفة و الدقة في الأسلوب. أهلها لتكتسب الكثير من الانسجام شكلا و مضمونا ، و من بين التقنيات التي ساهمت في تحقيق ذلك ، و منحت النصوص بعدا شاعريا لا يخفى على المتلقي نجد إيقاع التكرار ، الذي اتخذ في النصوص أشكالا مختلفة ، لفظية و معنوية ، مثل تكرار لفظة خريف الذي وظفتها القاصة بفعالية في بناء معنى القصة:
للخريف رائحة يعرفها.. هي الرائحة نفسها ، يشمها كلما سكنه الشجن ..للخريف رائحة التراب الخائن.. للخريف مرارة شجرة الدفلى ..للخريف برد مسموم يقصم الأطراف..للخريف نظرة مستكينة ..للخريف هجوم الصعاليك و أحزان الأرامل..و خريفه في القلب.
كما اختارت القاصة أن تكرر لفظة الضمير و جملته في قصة "عنف"، مما منح القصة بعدا شعريا ، تراكميا ، يجعل المعنى ينبني بشكل تدريجي حتى فاضت الدلالة في قلب و ذهن القارئ ، تقول القاصة:
هي تشعر بعنف الغياب بعد وفاة أمها..
هي تشعر بعنف الغياب بعد زواج أبيها..
هي تشعر بعنف الغياب رغم كل المحيطين بها..كلما نادتهم ما استداروا..أدركت آنذاك أنهم بأسماع صماء.
أما على مستوى تكرار الدلالة ، التي لجأت إليها القاصة في كثير من النصوص بأشكال مختلفة ظاهرة حينا و مضمرة حينا آخر.. و نأخذ كمثال على ذلك قصة "رسائل".
الكلمات تدغدغ جسدها ..تعضها ..ألم لذيذ يجتاحها ..يرتفع نبض قلبها ينخفض مرتفعا عند آخر نقطة تنهي الفكرة.. تدخل في جذبة ، و تتبعثر كل مشاعرها على حوافي البياض ترتاح..لا ترتاح .. في انتظار ساعي االبريد.
و تبقى في الأخير "رعشات " للقاصة المغربية سناء بلحورمن المجاميع القصصية القصيرة جدا المتميزة ، و التي تساهم بشكل كبير في تبويء جنس القصة القصيرة جدا المكانة التي يستحقها في مشهدنا الثقافي المغربي و العربي.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتفاء بالتفاصيل في المجموعة القصصية -مملكة القطار- للقاص ...
- شطحات صوفية في -طيف نبي- للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس ...
- الفصل الأول من رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.
- حماقات السلمون أو حينما يعانق الشعر ابتهاجه
- بلاغة الصورة الشعرية في عتبات العناوين عند الشاعرة رشيدة بوز ...
- وحي ذاكرة الليل إصدار جدد للأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ. ...
- متعة أدب الرحلة في -من القلعة إلى جنوة- للكاتب المغربي شكيب ...
- إصدار جديد للشاعرة رشيدة بوزفور ..تقديم مصطفى لغتيري
- القصيدة العربية بين البعد الشفوي و الكتابي
- شهادة مصطفى لغتيري ضمن ملف الرواية المغربية في مجلة سيسرا ال ...
- المبدعون المغاربة والنقد... أية علاقة؟
- مرور عشر سنوات على صدور مجموعتي القصصية الأولى -هواجس امرأة-
- حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها ...
- الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصي ...
- **هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
- المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
- لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
- مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
- لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
- أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا ...


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - غواية الرجل و فتنته في -رعشات- للقاصة سناء بلحور