أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سنان أحمد حقّي - تُرى ..هل أن إنسانا جديدا قادمٌ حقّا..؟















المزيد.....


تُرى ..هل أن إنسانا جديدا قادمٌ حقّا..؟


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3651 - 2012 / 2 / 27 - 21:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الستقبل ! شئ مُلهِم ويوحي بأفكار وتصورات كثيرة بعضها ممزوج بالخيال والبعض الآخر بالأحلام والتصورات البعيدة ومنها ما يتّصل بما يُدعى بالخيال العلمي أي أنه يستند وينطلق من المنجزات العلميّة ، منها ما يستند إلى الواقع ومنها مالا يستند إليه وبطبيعة الحال يوجد مناهج متعدّدة في محاولات وضع تصوّر مقبول يمكن للقارئ الكريم أن يطّلع على بعضها حتّى من خلال الموسوعات المتيسّرة ..
ولكن كيف تسنّى للإنسان قبل ألف سنة أو يزيد أن يضع تصوّرات عن أمور حصلت فعلا؟ تكّلموا عن البلّورة المسحورة وها هو التلفزيون وشبكة المعلومات وبرامج غوغل إرث وبرامج لا حد لها يمكننا أن نتطلّع إليها من خلال هذه الشاشة الصغيرة( البلورة المسحورة!) أليس كذلك؟ وتكلّموا عن بساط الريح وها نحن اليوم نركبه وبأشكال وأنواع كثيرة وهي الطائرة ، لم يتكلّم عن تلك الأفكار احد من الأنبياء أو المرسلين بل تكلّم عنها بعض رواة الحكايات الشعبيّة وبعض الكتّاب ومؤلفي القصص الشعبي، وكتب في بعض الإيحاءات المثيرة أناس كثيرون بعضهم تحدّث في تفسير الزقورات وبعض المعالم المعماريّة الكبيرة مثل الأهرامات وغيرها فقالوا إنهم كانوا يبنون صروحا لاستقبال مخلوقات ستأتي من الفضاء وتنزل على أعلى الزقورة ويخرج على الناس منها منحدرين عبر سلالم الزقورات إلى الأسفل ليلتقوا بالناس وربما ليحكموا الأرض أو ليُصبحوا سادةً عليها وحدّثني أحدهم عن الثور المجنّح الذي برأيه ليس سوى أفكار عن المستقبل إذ هو ليس سوى وصف للطائرة فهو ذو خوار كبير وله جناحان يطير بهما ويجلس في رأسه رجل أي في مقصورة القيادة ..وعلى هذا المنوال تم تأويل كثير من المعالم والآثار ومنها على ما بلغني نصب أسد بابل ففيه نجد أن الأسد يصرع الإنسان ويسيطر عليه أو يسود عليه وليس الوضع الذي يظهر به أسد بابل هو وضع افتراس أو نزاع فالإنسان الملقى أرضا مستسلمٌ والأسد في وضع سيطرة تامّة ولا يعبّر عن نزاع أو حالة تناول الطعام فهي إذاً السيطرة والهيمنة وإذا كان الأمر كذلك فهل أن الأسد يهيمن على الإنسان ؟ في النهاية؟ وهل هو أمرٌ من أمور الأفكار المستقبليّة وهل أن الأسد هو مجرّد رمز لمخلوق يتمتّع بالقوّة ؟ أم هو الأسد بعينه؟ أم إسم لشخص يُرمز له بالأسد؟
لا نستطيع أن نصفها بالتنبؤات فإن واضعي تلك الصروح الفنيّة والمعماريّة لا شكّ ليسوا من المرسلين ولا من الأنبياء على الأقل كما نعلم لحدّ الآن.
وفي الأدب الديني ولا شكّ نجد الكثير والكثير جدا من التنبؤات ليس أعلاها قوّة أن هناك عالم مابعد الموت وكل الكتب المقدّسة تتحدّث عن وصف لذلك العالم ومن سيدخل الجنّة ومن سيُلقى إلى النار بل أن هناك تفاصيل دقيقة عن ذلك العالم فيما ورد عن المرسلين والأنبياء من روايات رويت عنهم أو عن بعضهم.
وهكذا نجد أن محاولات وضع أو رسم صورة عن المستقبل هي محاولات أصيلة في الفكر الإنساني منذ بدء الخليقة، ولا نستطيع أن ننكر أن مجموعة التنبؤات والتصورات التي جاء بها الناس أو المرسلون جميعا مرّت عبر الفعاليات العقليّة أو الدماغيّة بالذات وهي لذلك جزء من الفعاليات الدماغيّة والعقليّة الطبيعيّة ولا يحقّ لأحد أن يستنكرها أو يعيب على أحدٍ ما تفاعله مع مثل تلك الفعاليات أو ما ينتج عنها.
واليوم ينتهي علماء النفس المعاصرون إلى وصف بعض تلك الفعاليات والعقل عموما بجزئين هما العقل الباطن والعقل الواعي أو الظاهر وأن العقل الباطن أكبر وأوسع كثيرا من العقل الظاهر أو الواعي وأنه يمكن تمثيله بحجم الجزء الطافي من قطعة الجليد إلى الجزء الغاطس وهوالذي يماثل العقل الباطن وأن الهيمنة والسيطرة هي للعقل الواعي ولكن المواهب والإتصالات الخفيّة وأنواع الفعاليات التي تفسّر عالم المجهول وجوهر العقل تكمن في الباطن وأن ظهورها ليس بالأمر اليسير إذ أن هيمنة العقل الواعي وقوّته إن صح التعبير تمنع ظهور الفعاليات الباطنة إلاّ من خلالها وبالتوافق معها ولكن تلك الفعاليات التابعة للعقل الواعي يمكن أن تتعرّض لبعض حالات تنشغل بها عن تعارضها مع العقل الباطن وإذا صح القول أيضا فإن الأفكار والفعاليات التي تتم في العقل الباطن يمكن في تلك الحال أن تظهر نتائجها ومن تلك الحالات أحوال الخوف الشديد او إشغال العقل الواعي بأمور وفعاليات تجعل تلك الأوضاع العقل الباطن يسمح بتسلل بعض الظواهر الباطنية دون وجود تعارض يمنع ذلك وهذا يُفسّر الوضع الذي تتسلل فيه بعض أفكار العقل الباطن ومنها التنبؤات والتصورات المستقبليّة حين الخوف وعند تعاظم الصواعق واشتداد الظروف الجويّة وغيرها أو عند ملاقاة بعض الوحوش أو الهرب منها أو عند مواجهة العدوّ .
وقد واصل الإنسان انشغاله بتلك الظواهر الذهنيّة وجرّب طرقا شتّى لاستنباط واستخراج الفعاليات الذهنيّة الباطنيّة بمختلف الشواغل التي يمكن أن تشغل العقل الواعي وآخر ما تعرّفنا عليه من اجتهاد علمي هو ما توصّل له العالم العراقي في علم فسلجة الدماغ وعلم النفس وعلم التشريح الدماغي الدكتور الراحل عمر جعفر حيث تكلّم عن ظاهرة دماغيّة وعقليّة اعتبرها من أرقى وظائف الدماغ الفسيولوجيّة وهي ظاهرة ( الكف)*والكفّ هنا ليس الكفّ التي نأكل بها أو نستعملها في أعمالنا اليوميّة بل هي ظاهرة تتعلّق بكفّ الشعور والإحساس بالفعاليات الإعتياديّة عند اشتداد الشعور والإحساس في شأن آخر فعند تباين الإحساسين فإن الدماغ ينصرف إلى الأشدّ إيلاما ولا يعود يشعر أو يُحسّ بالأخرى التي هي أدنى شأنا وعلّق أو عقّب على هذه الظاهرة يقول أن هذا الأمر يفسّر كيفيّة احتمال بعض الناس لأذى التعذيب الجسدي لأنه عندها يسترجع أفكارا تتعلّق بالأذى النفسي أو الشخصي والجماعي الذي قد يلحق به لو استجاب إلى التعذيب فعندها يحصل تباين بين الألمين ينصرف الدماغ إلى ما هو أشدّ إيلاما على النفس ويكفّ عن التفكير بمصدر الشعور بالألم الأقلّ مهما كان شديدا ولعلّ مثل هذه الآليّة تحصل بين العقلين الواعي والباطن فتحصل ظروف مواتية لتسلل بعض الأفكار والنتائج والتنبؤات .
وفي مباحث النقد الأدبي والفنّي نجد من يلوّح بمشاغلة العقل الواعي بقواعد الكتابة وخصوصا الشعر فوجود الأوزان والقوافي وقواعد اللغة المختلفة وأسس النقد الأدبي من بلاغة وبيان وبديع ومعاني وسواها تشغل العقل الواعي كثيرا مما يُتيح تسلل أفكار العقل الباطن إلى الخروج كمعطيات وعناصر للموهبة والملكة الشخصيّة وتتيح كثيرا من عناصر تصوير المستقبل والتنبّؤ أيضا.
كل هذا وبعض ٌ مما ورد فيه قد يُفسّر الحالات الطبيعيّة التي تصاحب لحظات الإبداع والإبتكار فتجد الشاعر أو المبدع في حال من الوجد أو الهيام أو الإنشغال عن كل شئ حتّى عن أقرب الناس إليه وعن مأكله ربما ومشربه وربما يتصرّف بعض التصرفات الغريبة والتي لا يقوم بها أثناء حالاته الإعتياديّة وهذا معروف لدى معظم المبدعين والمبتكرين والمفكرين.
حتّى المرسلين والأنبياء كانت تصاحب حالات نزول الآيات والتعاليم الألهيّة ظروف غير اعتياديّة كما هو معروف من حمّى أو تعرّق شديد أو شعور بانقطاع النفس لوهلة قصيرة وغير ذلك مما يُروى عن البعض منهم ومما رواه القرآن الكريم .
ومن ناحية أخرى لا توجد أفكار قديمة أو حديثة كوّنت لها دعوة لم تعتنِ وتصوّر كثيرا أو قليلا من التصورات المستقبليّة فجميعها تعد الناس بأوضاع وحالات ستكون فيها الأوضاع أفضل فحتّى أبسط الدعاة لأي فكر مهما كان محدودا لا بدّ أن يكون له تصوّر معلن أو غير معلن للوضع عند انتصار دعوته وهي كلها تصورات مستقبليّة معقولةً كانت( أي يمكن أن تخضع لأسس المنطق العقلي) أو غير معقولة .
ومن أكثر وآخر الدعوات النظريّة شيوعا هي ما تناوله الفكر الماركسي الحديث من تصوّرات للأوضاع الإجتماعيّة والإقتصاديّة في ظل النظام الرأسمالي وما سيؤول إليه الأمر عند أو بعد التطور إلى النظام الإشتراكي ومن ثمّ النظام الشيوعي وكلها تصورات وإن كانت تعتمد النموذج العلمي والواقعي ألاّ أنها تنتهي بتوقعات مستقبليّة يحيطها كثير من الضباب والخيال وبالرغم من أن أغلب من تناولوا مثل هذه الأمور لم ينصحوا بالخوض كثيرا فيها لأن معالم المعطيات اللاحقة أي في المجتمع الإشتراكي لم تتحقّق بعد وقد تظهر أو تختفي كثير من المعطيات التي سيترتب عليها حصول تغييرات جوهريّة على التصروّرات الحاليّة ، والذي أريد أن أؤكّد عليه أنه حتى مثل هذه النظريات والحركات العلميّة الصرفة والتي لا تؤمن إلاّ بالواقع والمعطيات الماديّة لم تستغن عن كثير من الصور التي وضعتها للمستقبل وكأنها تفعل ما فعله الذي أقام نصب الثور المجنّح أو البلورة المسحورة أو بساط الريح، وتصوير المستقبل أمرٌ جذّاب فعلا ويستقطب العقول والقلوب خصوصا عندمايشترك عدد من الناس في حدسهم وتأمّلهم فعندما يقول أحدهم أنّه سيحصل كذا وكذا من الأمور المرغوبة والتي يتمناها الناس كأن يقول سيكون العمل متوفرا للجميع وسيكون الإنسان لا يعمل من أجل قوته بل من أجل الإبداع وتأمين خدمات أرقى وسيعمل الناس يلا قسر أيّة ساعات يرغبون وسيكون العمل متعة كاللهو وسيحصل كل فرد على ما يشاء من الإحتياجات الشخصيّة الضروريّة وسيحصل على ما يحتاجه من الغذاء والماء وربما اللبن والخبز بدون ما يقابل ذلك شئ سوى التزامه بالعمل من أجل المجموع والإبتكار وبالإعتماد على المكننة والأتمتة والعلم المتطور سيحصل الإنسان على كل ما يحتاج وسيكون ذلك الإنسان لا تسيّره الحكومات بل بقيمه الراقية وبالعمل الذي تسيره ذاته المثقفة والمتعلمة تعليما عاليا وعندها ستبرز أخلاق جديدة راقية منزوعة منها الأنانيّة ولا يشينها الغش والسرقة ولا حبّ الذات بل نكران الذات والتضحية والشجاعة وحب البحث العلمي والإستزادة من العطاء الفردي والإجتماعي وكذا وكذ ..إلخ، فإن كل هذه التصورات والإستنتاجات التي ملأت خيال الإشتراكيين منذ عهد كومونة باريس وإلى اليوم هي وإن كانت من منتجات الفكر الماركسي الرصين والواقعي ألاّ أنها لا تختلف عن تصورات الذين صنعوا نصب أسد بابل وغيره وهي من قبيل وضع ملامح للمستقبل وإن كانت على أسس واقعية أو علميّة .
ولو تأملنا مثل تلك التصورات دون أن نمسّ علميتها أو واقعيّتها سنجد كما حصل دوما منذ عصر فجر السلالات وإلى يومنا هذا أن هناك من هو متحمّس لها ويدعو لها بشدّة وبين من هو متحمّس ضدّها ويحاول أن يهدّ ما يبنيه الأول .
ولكن دعونا نقف مع أصحاب الدعوة إلى ذلك المستقبل في كل تفاصيل دعواهم العلميّة والتاريخيّة ولكننا لا نعلم كيف سيتخلّص الناس من طبائعهم ونزواتهم في الغش والسرقة والتناحر من أجل حيازة ما لا يحتاجون فعلا ولا الأنانيّة وحب الذات ولا كيف ستُغرز فيهم روح التعاون وحبّ العلم والبحث العلمي والثقافة والنظر إلى المستقبل؟لا شكّ أن التاريخ مكّننا من أن نرى في القديم والحديث أن الإنسان لم يتغيّر كثيرا وأنه يتغيّر بصعوبة وبتسارع ضئيل أزاء تسارع مجريات التطور في مناحي الحياة الأخرى الكثيرة.
لنا هنا أن نسأل هل سيبقى ذلك الإنسان هو نفسه الذي سيتولى مراحل الحياة المتقدّمة اللاحقة الأخرى؟
لم يتطرّق أحد لمثل هذه الأسئلة ولا أحد أجاب بشكل مباشر ولكنّ طليعة المفكرين في القرن التاسع عشر أي في الوقت الذي ظهرت فيه النظرية الماركسيّة ونظريّة الماديّة الجدليّة وقيام كبريات الثورات التي دعت إلى تحولات اجتماعية كبرى مثل الثورة الفرنسيّة ثم ثورة 1848
وتفاقم الأحداث السياسيّة التي أدّت فيما بعد ألى ثورة 1905 في روسيا ثم ثورة أكتوبر الإشتراكيّة في نفس ذلك الوقت كان علماء الأجناس وعلماء الأحياء وخصوصا علماء التطور ومفكّرو النشوء والتطوّر يبحثون في سرّ ظهور الإنسان وسرّ النشوء والإرتقاء وبرز منهم لا مارك و تشارلس دارون كما ظهر أيضا علماء الوراثة مثل مندل وتبيّن لهم أن الإنسان نشأ وتطوّر في حقب طويلة وعبر سلسلة من الطفرات الوراثيّة الإيجابيّة من نوع إلى نوع حتّى وصل إلى ما هو عليه ولا نعتقد أن الإنسان القديم الذي ظهر في العصور القديمة كان قادرا على مواكبة و مواصلة التقدّم العلمي لو لم تحدث تغيّرات أصيلة في بنيته الأساسيّة تساعده على التكيّف مع ما يحصل في المحيط ، إذا حصلت تحولات في المحيط والبيئة إنعكست إيجابيا على تكوينه وبنائه مما ساعده فيما بعد على مواصلة التفاعل مع البيئة والمحيط سواء من الناحية الطبيعيّة أو الإجتماعيّة وهلمجرا..
وهذا جوهر ما ورد في الآيات القرآنية حول سفينة نوح حيث أن نوحا (ع) قد حمل معه معظم الحيوانات والمخلوقات ( بانتقاء واختيار) أي أنه حصلت عمليّة تم من خلالها تمحيص ما هو مفيد ومرغوب للمرحلة المقبلة واُهمل ما لم يكن كذلك ..
حسنا هذا يمكن أن يقودنا إلى أن تصوّر المستقبل يعني فيما يعنيه أن نأخذ بالإنسان الذي يؤدّي ويعالج عمليّة التصوّر بالحسبان وأنه لا بدّ أن تحصل له معالجات وعمليات مشابهة وتصورات متوافقة مع ما يحصل في المحيط ونعني أنه لا بدّ من أن نشمله أي الإنسان بالتصورات المستقبليّة ولا نبقى نفكّر به وكأنه نفس المخلوق الحالي لأنه لن يعود بإمكانه أن يلحق بما ستؤول له الوقائع المادّيّة في المستقبل ولا سيما المستقبل البعيد .
ماذا يعني هذا؟
إنّه يعني بكل بساطة أن الإنسان في التصورات المستقبليّة سيحدث له تغيير ولن يعود نفس الإنسان ولكن كيف؟
إن سنن الكون والطبيعة كما أسلفنا وكذلك سنن الماورائيات تتعامل مع المخلوقات على أسس تقوم على الإنتخاب وربما على نفس أو ما يماثل الإنتخاب الطبيعي بشكل متقدّم أي معنى هذا أنه سيجري انتخاب طبيعي للجنس البشري تتغلّب فيه صفات وبالتالي أجناس وتتنحّى فيه أجناس ولكن تاريخ البشريّة أطلعنا على صورة من تلك الصور التي يتم فيها الإنتخاب الطبيعي حسب نظرية لا مارك بيد أن هناك تقدّم علمي وتقني يحدث بتسارع فائق من شانه أن يجعل عمليّة تغيير وتسريع وتحسين عمليّة الإنتخاب ممكنة فما حصل في عصر فجر السلالات هو أن التزمت البشريّة بالأنساب والأجناس العليا والتي كانت تسمّيها أنصاف آلهة ثم تحكم تلك الأجناس المتفوّقة وأكبر ما يهمها هو الحفاظ على الجنس المتطوّر وتناسله وعدم اختلاطه بالأجناس المتدنية وبموجب قواعد ملكيّة محددة والتي هي تشابه القواعد الحاليّة للأسر الملكيّة فإن إبن الملك الأكبر يحتفظ بالحكم والباقي من الأمراء يمكن أن يتزوجوا مع بعضهم للأوّل فالأوّل وفي حالة التوسّع يمكن أن يتم تداخل عناصر جديدة مع العناصر الملكيّة على أساس شبه مسابقة أو على أساس العطاء المبرّز أو الشجاعة أو المزايا الخاصّة الأخرى وبعد طور طويل تختلط دماء الأسرة الحاكمة بالشعب ليتجانسوا في الدماء ويتقاربوا كثيرا في المزايا الوراثيّة أيضا ولكن في الوقت نفسه يستمر الملك أو أعلى أو رأس النسب في إنتخاب العناصر الملائمة لتظهر سلالة جديدة ذات مزايا أرقى وأعلى وهكذا دواليك.
إذا ما يحدث آنذاك في عصر فجر السلالات هو انتخاب طبيعي معزز بوسائل مبتكرة لتحسين النسل عبر التضريب الطبيعي..
أمّا اليوم فإنه بالإمكان الإستعانة بوسائل التضريب وعلم الوراثة وأبحاث (DNA )وعلوم الجينات والوسائل الحديثة للوصول إلى الإنسان الجديد والذي يستعين بوسائل الإنتخاب الطبيعي مع الإستعانة بالتقنيات الحديثة لاختصار الزمن، إن هذا الإنسان هو الذي سيتحلّى بالأخلاق والقيم والمزايا التي تمكّنه من تحويل الأفكار المستقبليّة من الصورة ذات الملامح الضبابيّة إلى واقع يمكن تحقيقه ..
منذ أواسط القرن الثاسع عشر ونحن نقرأ عن محاولات لوضع صورة مستقبليّة للإنسان وهناك في طيات نظريّة دارون كثير من التلميحات إلى ذلك ، ولكن بعض الدعاوى الدينيّة واجهت مثل تلك الدعاوى بشدّة وأخرجتها من ساحة البحث والحقيقة أن الأديان ولا سيما الدين الإسلامي لا يرفض فكرة التطوّر جملة تفصيلا إذ أن الطفرات التي أشرنا إليها من هو الذي يقوم بها أو يأمر بها؟ طبعا هي ليست من خلق المخلوق وإلاّ لاستكثر منها لنفسه ولكنّها لا تحصل بإرادة أحد إنها بإرادة قوّة خارقة عظيمة لا دخل للإنسان بها ولكنّه أي الإنسان يستطيع أن يساعد على إتمامها بسهولة ويُسر كما هي عمليّة الولادة فالقابلة لا تخلق الطفل بل تساعد على خروجه إلى الدنيا فقط وإن في الوجود كثير من الأعمال التي يقوم بها الإنسان تسهيلا لبعض العمليات مع أن الخلق تام ولا ينقصه شئ وإلاّ لماذا الختان للأولاد؟ أو لماذا تستمر الأظافر تنمو وفي ذلك أذى إن لم نقلمها والشعر كذلك فمع تمام الخلق وضع الخالق أشياء لا بدّ أن يسهم الإنسان في تسهيل أداءها وأوكل له أداء كثير من المهام مع الدواب والأنعام والمزروعات وغيرها .
لست أعدم تطوّر وتقدّم الإنسان عبر التثقيف والتحوّلات المتوقّعة عبر التعليم والتدريب ولكن تسارع التطور في الطبيعة والمجتمع جعل الأمر يتطلّب الرجوع إلى أسس التضريب والأنساب وبالتالي علوم الوراثة والجينات والهندسة الوراثيّة والأبحاث الحديثة للمساعدة وليس للتدخّل في ما هو ليس من شأن الإنسان ..ثم أن هناك حقيقة يجب أن نعيها وهي أن الإنسان عندما يتوصّل إلى حقيقة أو معلومة فإنه حتما سيستعملها لا ريب وإن العلم يتقدّم سريعا .
وإذا كان الإنتخاب الطبيعي في ما مضى يتحقق في التزاوج مع أنساب محددة لإنجاب أبناء ذوي خصائص حيث بلغني أن الإمام علي(ع) بعد وفاة فاطمة(ع) قال أريد إبنا يقف مع أخيه الحسين لما كان يعلمه من أمره كما أخبره النبي محمد(ص) فقالوا له أصحابه أين أنت من بني فلان وفلان وأظن ذكروا أيضا هوازنا ففيهم أشجع العرب ووصفوا له فتاة منهم فتزوّجها وكان له العبّاس (ع) والذي كان يوم الطفّ بطل الملحمة الكبرى حيث أظهر من الشجاعة والذبّ عن أخيه ما شهد به الأعداء، وهذا نوع من الإنتخاب وما زالت الناس تمارس هذه العمليّة عملا بقول النبي محمد : تخيّروا لنطفكم.وإلى يومنا هذا يتميّز كل قوم بمزايا دون الأقوام الأخرى وبهم تتم عمليّة من عمليات الإنتخاب الطبيعي والإختيار ولهذا لا يضير أن نعين هذه العمليّة بوسائل متطوّرة وجديدة ولنا بتضريب الخيل وأنسابها عبرٌ كثيرة.
لعلّها حياةُ جديدة علينا أن نلجها لا أن ننشغل بدنيانا هذه التي تكاد أن تصبح من الماضي وكما أن علينا أن نتابع التطوّر في الحياة وفي جوانبها المختلفة فإنه علينا أن نتابع ونغذّ السير بالخطو السريع نحو حياة جديدة من النوع الذي نذكره للقارئ الكريم لأننا مهما ملكنا من هذه الدنيا فإن القادمين من نمط ذلك الإنسان المتطوّر هم الذين سيرثون ما عليها
وأختم مقالي بقوله تعالى: بســم الله الرحمن الرحيم.الرحمن.علّم القرآن. خلق الإنسان . علّمه البيان .صدق الله العظيم.
وأدعو الناس جميعا أن يحذروا التعصّب ومعاداة أهل العلم والرأي والفكر الخلاّق وأن يُشيعوا المحبّة والتعاون وتجنّب التعالي وتقبّل الحوار بديلا عن الإحتراب فسيجدون أن الحياة يمكن أن تكون أحلى وأجمل بكثير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*-- جاء مضمونه في مقال كتبه الراحل على صفحات جريدة طريق الشعب في سبعينيات القرن الماضي وللأسف لا يتوفّر لي حاليا لا العدد ولا التاريخ
سنان أحمد حقّي
مهندس ومنشغل بالثقافة
دهوك/ 27شباط2012



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعلمانيّة ٌهي أم...؟
- صادقون مع شعبهم ..صادقون مع أنفسهم!
- فلسفة ماركس أم الفلسفة الماركسيّة ؟!
- عندما نقف أمام عمل تشكيلي..!
- تعضيدا لنداء الدكتور كاظم حبيب والأستاذ الدكتور إحسان فتحي . ...
- زائرٌ من المستقبل..!
- التصميم الحضري..تخصّصٌ مفقود ٌ تقريبا!
- إلى أنظار السادة المسؤولين عن موقع الحوار المتمدن الأفاضل!
- مهدي محمد علي.. شاعرٌ وليس كاتبُ جنّة البستان فقط !
- من هو الشاعر ؟
- مثقفون و مثقفون..!
- رسائل ..
- المنطق الجدلي والنظريّة الفلسفيّة..!
- تعقيبا على مقال لا أغلبيّة في العراق!
- حول بابل ومسار التاريخ ومقال الأستاذ وليد مهدي !
- النمو الحضري بين النظريات والدوافع..!
- عودة إلى الهزّات الأرضيّة !
- لمحات وتأملات مع مقال الأستاذ وليد مهدي في البحث عن ملكوت ال ...
- مهدي محمد علي..توأم روحي!
- هل تلعب الجامعة العربية دورا جديدا .. !؟


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سنان أحمد حقّي - تُرى ..هل أن إنسانا جديدا قادمٌ حقّا..؟