|
إمرأةٌ من بغداد
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3635 - 2012 / 2 / 11 - 23:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبلَ أسابيع أدَتْ عملية إرهابية قُرب مقر المفوضية العليا للنزاهة ، الى مَقتَل وجرح العشرات ، كانَ من بينهم العديد من المُنتسبين والعاملين في المفوضية .. وعلى مدى ثلاثة أيام اُقيمتْ مراسم العزاء على أرواح الشهداء ، في حُسينية الزِوية / كرادة داخل في العاصمة بغداد .. وحسب اليوميات البغدادية المأساوية في السنوات الماضية ، فأن الحدث هذا ( عادي ) ، بل هو مُمِل من كُثرة التكرار ، يحدث إنفجارٌ مُرّوِع في مكانٍ ما .. يتساقط القتلى والجرحى ، وتتناثر الأشلاء .. تتنافس الجهات الامنية المَعنِية ، على تزويد الإعلاميين والمحطات الفضائية ، ببعض التفاصيل .. فهذا يقول انها كانتْ سيارة مُفخخة ، وذاك يّدعي ان إنتحارياً عربي الجنسية فّجَر نفسه ، وآخر يؤكِد ان عبوة ناسفة كانتْ مزروعة هناك .. وتُشّكَل لِجان للتقصي ومعرفة الجُناة والمتواطئين والمُقصرين .. والبحث عن الحقيقة .. التي سوف تضيع بالتأكيد ! . [ قبلَ يومَين وردني إيميل ، من أحد الذين حضروا العزاء ، وكان شاهداً على ما يلي : من الطبيعي ، ان كبار المسؤولين وصِغارهم ، " يحرصون " على حضور العزاء ، لكي ( يستعرضوا ) أمام الحاضرين ويُظهِروا أنفسهم .. تسبقهم أرتال الحمايات المُدججة بالسلاح وقافلة من السيارات رُباعية الدفع .. وبالضرورة مجموعة من المُصورين حتى ينشروا كَرم ، والأخلاق الحميدة للمسؤول المحترم ! .. يتم قبلها إستدعاء ذّوي الضحايا .. فهنالك إحتمالٌ ان يُوّزِع المسؤول الكبير ، بعضاً من عطاياه عليهم ويَمُنَ عليهم بما يجود . من ضمن ذَوي الضحايا ، كانتْ هنالك إمرأة متلفعة بالسَواد ومعها خمسة أطفال ، أكبرهم لايتجاوز الخامسة عشرة .. قُتِلَ زوجها في تلك العملية الإرهابية ، وزوجها كانَ يُمارس عملاً بسيطاً في المفوضية ب ( أجور يومية ) ، أي لم يكن مُستشاراً او خبيراً او موظفاً كبيراً ، بل انه لم يكن حتى مُنتسباً رسمياً ، وانما يعمل منذ مدة بأجرٍ يومي ، وكان محبوباً من الجميع ... كان رئيس المفوضية وكِبار موظفيها ومجموعة من النواب ووكلاء الوزارات ، جالسين في العزاء .. حين نهضتْ هذه المرأة وتقدمتْ الى أمام لتواجههم ... طبعاً تَوّقعَ الجميع ان المرأة المنكوبة الفقيرة ، ستطالب بتعويضٍ ومساعدة ، لكي تستطيع مواجهة الحياة ، لاسيما وعندها خمسة أطفال تيتموا... إلا انها قالتْ : ان المرحوم زوجها ، كان قد إشتركَ مع بعض زملائهِ في " جمعية " ، وكان هو مَنْ إستلم الجمعية الاولى والبالغة مليون دينار " حوالي 850 دولار " ، قبلَ ثلاثة أيام فقط ، وهي تريد ان يرقد الفقيد في قبره بسلام ، وتُعيد المبلغ الى زملائه .. ثم أخرجتْ من تحت عبائتها ، كيساً صغيراً يحوي مليون دينار ووضعته على المنضدة الصغيرة .. وعادتْ الى مكانها بِكُل أباء ..] !!. ................................................ خّيبَتْ هذه المرأة العراقية الباسلة ، توقعات معظم المسؤولين الجالسين ، الذين كانوا جاهزين لإستعراض مكرماتهم أمام الكاميرات ، وإطلاق الوعود الرنانة... لم تطلب شيئاً على الإطلاق .. أهانَتْهُم في الصميم .. لم تتكلم كثيراً ، لم تُثَرثِر .. جملتَين قصيرتَين قالتهما ، وعادتْ الى مكانها .. لكنها في الحقيقة ، قالتْ الكثير الكثير ، بِصمْتِها الجميل ، بقامَتِها المنتصبة ، بكبريائها الطبيعية ، بأنَفَتِها غير المُصطنَعة ، برباطة جأشها .. قالتْ لهم : أنا أنظفُ مِنكُم ، أنا أصدقُ منكم ، انا لا أرضى ان أصرف على اطفالي ، نقوداً ليستْ لي !. أكاد أجزم ، بأنني أعرف هذه المرأة حق المعرفة ... فلم يبق مكانٌ في العراق ، لم أشاهده وأعيش فيه لفترة ، طيلة الأربعين سنة الماضية .. بِحُكم الوظيفة او الاعمال الحُرة او الخدمة العسكرية ... رأيتُ هذه المرأة في الفاو والعمارة ، رأيتها في الشامية والفلوجة ، في الشرقاط وبعقوبة ، كما في السليمانية وسامراء والنجف ... الخ . هذه المرأة الشامخة الباسلة القوية النزيهة ... هي القاعدة وليستْ الإستثناء .. ان الفقراء عموماً أكثر نزاهةً من الاغنياء .. لست بحاجة الى القول ، ان هنالك القليل من الفقراء النصابين السُراق ، وكذلك هنالك أثرياءٌ شُرفاء .. ولكن أعتقد ، عموماً ان الفقراء أكثر نزاهة وإستقامة ... والأغنياء أكثر جشعاً .. وأعتقد أيضاً ، ان النساء الفقيرات في العراق خاصةً ، أكثر قوةً وبسالة من الرجال عموماً !. سيدتي النبيلة .. العراقية الفقيرة النزيهة ، يا اُم اليتامى .. ان دمعتك الصافية ، جديرة ان تتحولَ الى سيلٍ عارم " في يومٍ قريب آتٍ ".. يُغرِق كُل هؤلاء الأوباش السارقين ، ناهبي أموال الشعب ، الفاسدين المُنافقين ... هذه الطبقة المُتحكمة على رِقاب الناس منذ سنين !.
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مُستشارون وخُبراء
-
الكِتاب .. والكَباب
-
جانبٌ من المشهد السياسي في الموصل
-
اُستاذ
-
الإمارات الكُردية المُتحدة !
-
التسويق
-
الحِذاء الضّيِق
-
البرلمانيون والشُقق الفاخرة
-
المُعاملة بالمِثل
-
ضرورة الهَدم ..وضرورة البناء
-
لا .. لقتلِ النساء بدوافع الشرَف
-
مّرة واحدة كُل شهرَين !
-
الحَيوان الذي يوقِظنا
-
العراق .. والحرب القادمة
-
-سمير جعجع - في أقليم كردستان
-
ممنوعٌ الدخول
-
تهاني .. وتبريكات
-
إطلالة على اللوحة الكُردية
-
إنطباعات 4
-
إنطباعات 3
المزيد.....
-
احتمال الصراع الأهلي في سوريا يزداد
-
الجالية الروسية بعمّان تحتفل بيوم العمال
-
نائب وزير الخارجية التركي لبي بي سي: -حرب غير مسبوقة تُشنّ ض
...
-
إقالة أم استقالة؟ مستشار الأمن القومي يغادر منصبه على وقع تس
...
-
قاضٍ أمريكي يفرج عن الطالب الفلسطيني محسن مهداوي ويؤكد حقه ا
...
-
سوريا: أنباء عن اتفاق بتسليم السلاح الثقيل ودخول الأمن إلى ا
...
-
مركبة فضاء سوفيتية ضلت طريقها وتعود إلى الأرض بعد نصف قرن
-
السودان.. الدعم السريع تقصف العاصمة وسط تحذيرات أممية
-
مفوض أممي: الرعب في السودان لا حدود له
-
سلطات رومانيا ترحل مراسل RT إلى تركيا
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|