أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم














المزيد.....

مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


لو تَعلَمُ كَمْ اعتَرتني قُشعَريرَةُ الرَهبَةِ وأنا أقِفُ قُبالَةَ مَدْفَنِكَ الرُخامي، لو تَدري كَمْ حاوَلتُ تَخفيفَ الوَطء، خَنقَ حَفيفِ الثيابِ، كَتمَ خَفقانِ القلَب المُتسارِعِ الوَجِلِ، استِحضارَ أبلغِ دَرجاتِ الوِقارِ والسَكينَةِ فيما راحَتْ قَدَماي الحافيتينِ تَدنوانِ مِنْ ضَريحِكَ المَهيب.
وكأنّي مَعَ كُلِ خُطوَةٍ أجتازُ الجِسرَ المُفضي إلى تاريخِ كُلّ الفُرسان، أقتَرِبُ مِنْ وَهَجِ شَمسٍ مُخبّأة، مِنْ فُتاتِ قَمَرٍ مُهشّم، أدنو مِنْ عالَمٍ يَضُجُّ بِمُفرَداتٍ لَمْ تَعُد - في مُجمَلِها – دارِجة معروفة.
لو تَعلَمُ فقط كَم كَلَّل هامَتي الخَجَلُ يومَ وَقفتُ بِحضرَتِك، لأنّكَ نِصفُنا الجَميلُ الراحِل، نِصفُنا الممنوعُ أبداً عَنْ التِكرارِ والعودة، صورَتُنا، بَلْ الأصل الأصيلُ الذي لَمْ نَكُنْ لَهُ سِوى انعِكاساتٍ مُشوّهةٍ ممجوجَةٍ، سِوى نُسَخٍ فاشِلةٍ سَخيفةٍ، سِوى صَدىً مبحوحٍ لِصَرخات الغَضبَةِ الحَقّة.
أقتَرِبُ، مُفتَرِضاً على وَجهٍ يُلامِسُ حُدودَ اليقينِ بأنّكَ سَتنهَضُ بِقوامِكَ السَمهَري الهَرقَلي نافِضاً عَنكَ غُبارَ القُرونِ، وهُناكَ عِندَ النُجومِ وَعلى مَفرَقِ رأس الكونِ أغمَدتَ سيفَ الحَربِ وغَرَزتَ رِمحَ الشَهامَة وألقيتَ بِكُنانَةِ النَبلِ، سَرّحتَ الحاجِبَ والخيلَ وكتيبةَ الحِراسة، دَلقتَ الحِبرَ وكَسَرتَ الدَواة وَقرّرتَ أخذَ إغفاءةٍ بِطولِ ذُلِنا وَهزيمَتِنا، سَيفُكَ الذي لَطالَما تَراقَصتْ على شَفرَتِهِ الأحداثُ وَرُسِمَتْ بِتلويحِهِ تَعاريجُ الأيام وَنُقِشتْ بِصَليلِهِ معاني البُطولَة، سيفٌ بَرَقتْ على بيضِ صفيحَتِهِ حُتوفُ القَراصِنة القادِمينَ - كالقيء العارِضِ – مِنْ شواطئِ أوروبا، مُعبأينَ بِسُلّهِم وجُذامِهِم وطاعونِهم وَتَعصُبِهِم، لِيُقيموا إماراتَ الَدمِ والمذابِحِ وليُطلِقوا قُطعانَ وُحوشِهُمُ الكاسِرةَ تَمضَغُ لَحمَ السَلامِ في بَلَدِ السَلام، يَطعَنونَ كَبِدَ العذراء وينْكأونَ جِراحَ يَسوع .
وكأنّي أقطَعُ المَسافَةَ الفاصِلَةَ بينَ غَصّةِ اليومِ وألقِ الأمسِ البَهيج، المَسافَةِ بينَ مُستَعمراتِ العَبيدِ وممالِكِ الأسياد، وَنفسي تُحدِثُني بأنّكَ لَمْ تَمُتْ، بَل إلى الخُلدِ مَضيتْ، لأنَّ أمثالَكَ لا يَنبَغي لَها أنْ تَموتَ كَما تَموتُ جَمهَرةُ الخَلائِق وَعوامُ البَشَرْ، تَموتُ حُتوفَ أنوفِها وأُنوفِ آبائِها، تَموتُ نَكِراتٍ تَتَعَلَّقُ بِبؤسِ الحَياةِ كالسوسَةِ بأسنانِها المنخورَةِ، تَموتُ دونَ أنْ يَزُرها طَيفُ البَسالَةِ ولو فيما يا يرى النائِمُ مِنْ رؤيا أو ما يَعتَرِضُ المَغشيَّ عَليهِ مِنْ أوهام، عُذراً، فوقفاتُ الكَرامَةِ ليسَتْ مُتاحَةً للجُبناءِ مِنْ أمثالِنا، ، لأنها عَروسٌ غاليةُ المَهر، وَبِضاعَةُ باهظة الثَمَنْ.
دَلَفتُ البَهو المؤدي إلى قَبرِكَ الذي تَشرّفَ باحتِضانِ جُثمانٍ مِنَ الرُجولَةِ الخالِصة والفَخر النَقي، اقتحمتُ عَليكَ خَلوةً هي أشبَهُ بِعُزلَةِ الحُكماء عَنْ سَفاسِف الدَهماء، اعتَزلتَنا في تُربةِ رَمسِكَ لأنَّ عالَمينا لا يلتَقيانِ قَطْ، وَهل يَلتَقي الشُموخُ والدَناءة؟ السُموُّ والوَضاعَة؟ الإذعانُ ومُطلَقُ الشَجاعة؟ اختَرتَ الغيابَ أو اخترنا لَكَ التغييب، لا فَرق، فالمَصَبُّ واحِد، فالمُهِمُّ أننا نَجحنا في عَزلِ ذؤابَةِ نورِكَ كيما نَهنأ بِعيشَةِ الخفافيش في بَلقَع الظُلمَةِ الحالِك، أزلنا وَسامَةَ مُحيّاكَ عَنْ أقفاصِ أوطانِنا كيلا يُنَغّصَ علينا أحدٌ قُبحَنا وَبشاعَتنا، فرضنا عَلى حُضورِكَ إقامَةً جَبريّةً ومنفىً قَسري، شَطبنا أسمَكَ مِنَ الأذهان والأزمانِ كي ننسى إخلادَنا للأرضِ كالديدان، أجل سيدي، نَمَطُ حياتِنا لَمْ يَعُد يَحتَمِلُ كُلَّ هذه الشيمِ العَتيقة والخِصال الأنيقة، نحنُ زاهِدونَ بِها سيدي، زاهِدونَ لأننا اخترنا جُحورَ الضَبّ وزرائِبَ الخِنزيرِ، عُلَبَ الليلِ وعُتمَةَ الماخورِ، والمُفارَقَةُ أنَّ ألدَّ أعدائِكَ فَشِلوا في تَجاهُلِكَ وَفَشِلنا في استِلهامِك، انحنوا لَكَ احتِراماً للنَبيلِ الذي أفعَمَ روحَ الحَربِ بِقُدُسيّةِ لَمْ تَعهدها بَربَريّةُ المعارِك وَجَحيمُ الحُروب، فأينَ جَورُهُمْ مِنْ عَدْلِك؟
وَنحنُ جَميعاً ودونَ استِثناء، نَقِفُ كالبراغيثِ خارِجَ حُدودِ نُصوصِكَ نَلهو بامتِصاصِ دِماءِ بَعضِنا وَتقتيلِ بَعضِنا وَتكفيرِ بَعضِنا، نُلطّخُ طَهارَةَ المَعبَدِ الذي تتوهَجُ فيه خوذَتُكَ وَتُرفرِفُ عليهِ رايَتُك، حَيٌّ أنتَ يا صَلاحَ الدينِ لَمْ تَمُتْ، وما آنَ للنِهايَةِ أنْ تُدرِكَ مَداراتِ حياتِكَ أو تَثلُمَ صارِمَكَ المُصلَتِ وأنْ تواريتَ بِموتِكَ خَلفَ سِتارَ الأقدار وَناموسِ الأعمار، حَيٌّ كما لَمْ يحيى أحدٌ مِنَ الموتى الأحياءِ الذينَ هُمْ نَحنُ، فَهَلْ تُراني حَقّاً جُثّةً أطرُقُ بابَ مَيّتٍ ضاجٍ بالحياة؟



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...
- الممثل عادل درويش ضيف حكايتي مع السويد
- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...
- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم