|
الليبرالي الوطني...والليبرالي المعدل وراثيا!
باتر محمد علي وردم
الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 12:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أصعب المهام في العالم العربي أن تكون مثقفا أو إعلاميا ليبراليا، ووطنيا في نفس الوقت! أن صفة "ليبرالي" نفسها تفتح هجمات النقد والتشكيك من قبل التيارات الثقافية العربية، والالتزام بالوطنية يعني أيضا المناعة أمام الضغوط والمغريات الغربية للإنضمام إلى جوقة "الليبراليين الجدد" الذين يروجون للسياسات الأميركية في المنطقة. يمكن القول بأن الكثير من الآليات الاجتماعية في الطبيعية وبين الكائنات الحية وعلاقتها مع البيئة المحيطة تنطبق على بني البشر في كل المجالات ومنها الثقافة. في الطبيعة تتعرض بعض الكائنات إلى خطر الانقراض نتيجة تمتع المنافسين بمزايا تتناسب مع البيئة المحيطة وتتأقلم معها، كما أن بعض التطورات الخارجية تعرض أنواع من الكائنات إلى خطر الانقراض في حال تم "تطوير طفرات وراثية" وكائنات معدلة منافسة لها. وفي البيئة الثقافية العربية، يبقى المثقف الليبرالي الوطني هو الأكثر تعرضا لتهديد الانقراض لأنه الأقل تكيفا مع البيئة المحيطة، مع أن هذا لا يعني وجود خطأ في الفكر، ولكن عدم التكيف مشكلة رئيسية. البيئة العربية لا تدعم الفكر الليبرالي، لأسباب جوهرية لها علاقة بالتاريخ والمعتقدات والطبيعة الاجتماعية التسلطية. والأنظمة السياسية والاجتماعية العربية لا تدعم الفكر الليبرالي إلا في حالات نادرة تشكل الاستثناء من القاعدة. المثقف الليبرالي العربي يحمل قناعات ليبرالية وأهمها الايمان بمبادئ الحرية الفردية ضمن سياق المجتمع، وسيادة القانون الإنساني، والفصل بين الدولة والدين، والتسامح مع المعتقدات الأخرى، ودعم حقوق الإنسان والمرأة والأقليات الدينية والعرقية، والالتزام بالحرية في التعبير والكرامة والديمقراطية والتعددية. وهو أيضا يرفض الاحتلال الأميركي والإسرائيلي وسياسات الهيمنة الرأسمالية الاقتصادية ولا يقبل الوصاية الأميركية على الثقافة العربية ويرفض كل أنواع الإرهاب والعنف السياسي وتعريض المدنيين للموت، حتى لو كانوا أميركيين وإسرائيليين، ويرفض التمييز بين الناس على أسس دينية وبالتالي يرفض الهجوم على اليهود بسبب ديانتهم إذا لم يكونوا من المؤيدين للصهيونية العنصرية. الكثير من هذه الأفكار الليبرالية يتناقض مع الأفكار السائدة في العالم العربي، ومنها الفكر الديني والقومي والسلطوي، وهي الأقوى تأثيرا والفكر اليساري الذي يواجه صعوبة أيضا في التكيف مع العالم العربي. ولكن أخطر ما يواجه الليبرالي العربي الوطني حاليا هم "الليبراليين المعدلين وراثيا" الذين أنتجتهم مختبرات البنتاجون والاستخبارات الأميركية للترويج للسياسات الأميركية في المنطقة باستخدام الشعارات الليبرالية. يواجه الليبرالي العربي الوطني هجوم الفكر الديني الذي يعتبر نفسه يمتلك الحقيقة المطلقة، ويرفض الكثير من مبادئ التعددية والتسامح ويتهم الليبراليين بتجاوز التقاليد الدينية والاجتماعية والدعوة إلى الانحلال والحريات الاجتماعية والثقافية المرفوضة من وجهة نظر دينية، وخاصة من قبل التنظيمات المتطرفة والأصولية، سواء كانت تستخدم السيف أو القلم. أما الفكر القومي فيعتبر أن الليبراليين عملاء للخارج يحاولون زرع مفاهيم دعم التعددية والحريات والتسامح بدلا عن مفاهيم الفكر القومي الذي يدعي الحق المطلق والدفاع عن مصالح عرق معين ورفض التعددية السياسية، ويمثل هذا التيار الأحزاب العربية القومية الداعمة للأنظمة التسلطية العسكرية. وترفض التيارات السلطوية أيضا الفكر الليبرالي باعتبار أنه يدعو إلى التعددية السياسية والفكرية داخل الدولة وتأييد المعارضة السلمية واحترام حرية الرأي، وهو ما تعتبره السلطات خروجا عن القانون الوطني. أما التيارات اليسارية فهي الأقرب فكريا إلى الليبرالية السياسية والثقافية في مجالات التعددية، ولكن اليسار العربي يربط الليبرالية السياسية مع الليبرالية الاقتصادية والرأسمالية الاستغلالية ويعتبر أن الليبرالي مهادن للرأسمالية والاستعمار ولا يضع حدودا فاصلة بين الليبرالية السياسية والاقتصادية. ولكن أخطر منافسي الليبراليين العرب الوطنيين هم وبلا شك الليبراليين المعدلين وراثيا الذين تم أنتاجهم وتعديل أدمغتهم في مختبرات وزارة الدفاع والاستخبارات الأميركية بعد 11 سبتمبر في مخطط مبرمج لنشر هذه الكائنات المعدلة في الوسط الثقافي العربي، والترويج للسياسات الأميركية الاستعمارية في المنطقة تحت شعارات ليبرالية. أن الليبرالي المعدل وراثيا يستخدم نفس مصطلحات ومبادئ الليبرالية عندما يدعو إلى الديمقراطية وحرية التعبير وفصل الدين عن الدولة والتعددية الثقافية والسياسية، ولكنه يصل في النهاية إلى مبتغاه من خلال الترويج للسياسات الأميركية خاصة في نشر فكرة أن السياسة الأميركية ترغب في دعم الديمقراطية في العالم العربي، والتغاضي التام عن انتقاد الجرائم الأميركية ضد العرب والمسلمين وتبرير دعم الاحتلال الإسرائيلي بحجة عدم وجود قيادات فلسطينية متعقلة، وأخيرا الترويج لفكرة أن الإرهاب "منتج ثقافي إسلامي وعربي" بمعزل عن أسبابه الحقيقية في الاحتلال والاستعمار والجرائم الأميركية- الإسرائيلية. سوف يفشل الليبراليون العرب المعدلون وراثيا في نشر هذه الأفكار البلهاء، ولكن المشكلة أنهم سيقضون على مصداقية الليبراليين العرب الوطنيين إلا إذا استجمع هؤلاء قوتهم في مواجهة الكائنات المعدلة وراثيا وحافظوا على أنفسهم من الانقراض!
#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خزعبلات الديجيتال: هل نحن بحاجة إلى - تسونامي- في العقل العر
...
-
الضحايا 80 ألف شخص وألف سائح!
-
البنتاجون يعترف أخيرا: العرب يكرهون سياساتنا، لا حريتنا!
-
ملاحظات -ليبرالية- حول بيان الليبراليين العرب
-
روسيا تنقذ كيوتو: التزام بيئي أم انتهازية اقتصادية- سياسية؟
-
عندما تصل المشاكل إلى هولندا..!!
-
ما هي -القيم الأخلاقية- في المجتمع الأميركي ؟
-
صورة للذكرى...من الإنتخابات الأميركية
-
-المستنقع العراقي- ليس بعيدا عن الأردن!
-
هل أصبح الجهاد...ضد النساء الآن؟
-
تركيا على أبواب النادي الأوروبي
-
تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال
-
أخلاق
-
الاستراتيجية العربية الموحدة للسخافة الإعلامية!
-
الإرهاب ومستقبل العرب والمسلمين في الغرب
-
الفقر برئ من الإرهاب!
-
-قراءة في نظرية -إبحث عن المستفيد
-
الثاني عشر من أيلول 2004: لا نزال ندافع ولكننا نخسر
-
كيف يتعامل الضمير العربي والإسلامي مع الجرائم بحق الآخرين؟
-
إختطاف أطفال: هل وصلنا قمة الإنحدار الأخلاقي؟
المزيد.....
-
شاهد كيف أوقعت الشرطة الأمريكية بالمشتبه به في محاولة اغتيال
...
-
-يوم مثير للاهتمام-.. ترامب يوجه كلمة شكر بعد محاولة اغتيالة
...
-
مصادر: رئيس الاستخبارات الأوكرانية على اتصال مع -الجولاني- ف
...
-
الصراعات المنسية: العراق وسوريا / دانييلا مائسان*
-
الشرطة الهندية تعتقل أكثر من 100 محتج من عمال مصنع -سامسونغ-
...
-
لقاح للإيدز يقلل من خطر الإصابة بالعدوى بنسبة 96%
-
البرهان إلى جوبا لحضور قمة ثلاثية بشأن تداعيات الحرب السودان
...
-
عاصفة -بوريس- تجتاح وسط أوروبا وتخلف ضحايا ومفقودين (فيديو)
...
-
-حماس- تكشف عن اتفاق لتشكيل -حكومة وفاق وطني- تدير قطاع غزة
...
-
استخبارات كييف تحضر لفبركة -قصف روسي لمشفى أطفال أو مدرسة-
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|