أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - تحليل قصيدة صفد لسالم جبران نحويًا ومنطقيًا ودلاليًا















المزيد.....

تحليل قصيدة صفد لسالم جبران نحويًا ومنطقيًا ودلاليًا


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 12:00
المحور: الادب والفن
    


غريب أنا يا صفد
وأنت غريبة
تقول البيوت: هلا!
ويأمرني سكانها: ابتعد
علام تجوب الشوارع
يا عربي، علاما؟
إذا ما طرحت السلام
فلا من يرد السلاما
لقد كان أهلك يومًا هنا
وراحوا
فلم يبق منهم أحد
على شفتي جنازة "صبح"
وفي مقلتي
مرارة ذل الأسد
فوداعاً.
وداعاً صفد!

التحليل النحوي

تبدأ القصيدة بالبيت "غريبٌ أنا يا صفد"، ويبدأ البيت بصفة مفردة "غريب" تسبق الموصوف "أنا" ضمير متكلم للمفرد يُكنى به عن الشاعر، وصفة الغريب للشاعر هنا ذات صفتين، صفة حقيقية وصفة مشبهة، تغلب الحقيقية على المشبهة في هذا السياق كيلا تظهر مطلقة غير مقيدة بزمان، وكذلك مدينة صفد كما جاء في البيت الثاني "وأنت غريبة"، لأن الشاعر لا يسعى إلى التعبير عن أزلية الغربة أو الغربة الأزلية، فالمعبر عنه غريب عابر في لحظة عابرة، سواء أكان الشاعر أم المدينة، وهذا ما يشير إليه البيت الثالث "تقول البيوت: هلا!" لأن البيوت كفاعل ليس جامدًا ترحب بقادم لم تره منذ مدة، وهي لهذا ترحب. وتبعًا للنهج الشعري الحقيقي الواقعي نقرأ في الأبيات الرابع والخامس والسادس: "ويأمرني سكانها: ابتعد / علام تجوب الشوارع / يا عربي، علاما؟" ما يهمنا في هذا التعبير المعبر عنه، سكان عكا اليهود (نستعمل المصطلح العلمي ليهود مقابل عربي في النص)، "سكانها" كتركيب تعبيري مناقض لتركيب تعبيري آخر "بيوتها"، فالبيوت هي البيوت التي بناها الفلسطينيون قبل أن يتم ترحيلهم، وهي لهذا السبب ترحب بالشاعر، بينما السكان، السكان اليهود لصفد في الوقت الحاضر، سكانها، يأمرونه بالابتعاد، وهاء الغيبة، الضمير المتصل المبني على الفتح في محل جر بالإضافة، تتصل بها ألفُ التأنيث، وهي ألفٌ للإطلاق، لا ألفٌ للمطلق، لنعود إلى النهج الشعري الحقيقي الواقعي، ونحن لهذا من الطبيعي أن نقرأ في البيتين السابع والثامن "إذا ما طرحت السلام / فلا من يرد السلاما"، فالتاء في "طرحت" فاعل مستتر وجوبًا تقديره أنا، أي الشاعر، وليس الغريب الأزلي، على الرغم من كونه مستترًا، فيسعى إلى الظهور كمعبر عنه عن طريق انعطاف لغوي يذهب بصفد إلى الماضي مخاطبًا في الأبيات التاسع والعاشر والحادي عشر "لقد كان أهلكِ يومًا هنا / وراحوا / فلم يبق منهم أحد"، الكاف في "أهلكِ" ضمير متصل يلحق بالفعل كان، أي أهل صفد القدامى، الغائبون، والهاء في "منهم" هي دائمًا هاء الغيبة والميم حرف دال على الجمع، أهل صفد القدامى، الغائبون دائمًا، فالشاعر يعقد عن طريق الضمائر مخاطبًا أو متكلمًا بضمير الغائب ما يخص ماضي صفد الفلسطيني، وبنبرة النهج الشعري الحقيقي الواقعي، البطريركي هذه المرة، يقول "راحوا"، فواو الجماعة والضمير هم يطلقان على العاقل من الذكور، لينهي بتركيب تعبيري، التعبير فيه والمعبر عنه واحد، لأنه يلجأ إلى صيغة ياء المتكلم في الأبيات الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وليربط بالتالي لغته نحويًا بعلاقاتها الحقيقية الواقعية وعباراتها التي هي صورية هنا عندما يقول "على شفتي جنازة "صبح" / وفي مقلتي / مرارة ذل الأسد / فوداعًا." "جنازة صبح" علاقة حقيقية واقعية لمضاف ومضاف إليه ماديين، وكذلك "مرارة ذل الأسد"، فلو اكتفى بقول "مرارة الذل" لعارض نهجه الحقيقي الواقعي بنهج نفسي، لكنه سياقيًا لا يمكنه ذلك. النقطة بعد "فوداعًا" من وضع الشاعر، وهي النهاية النحوية الأولى، والبيت السادس عشر والأخير "وداعًا صفد!" النهاية النحوية الثانية، وذلك لفك ما عقده الشاعر بين صفد وأهلها الفلسطينيين القدامى، وفي الوداع المركب مرتين تسليم بعدم عودتهم.

التحليل المنطقي

يوجد في القصيدة منطق حقيقي واقعي يقوم على العقد والفك بين ماضي المدينة الفلسطيني وحاضرها الإسرائيلي، وبكلام آخر واقع يقوم على النفي والإثبات، لكني أفضل شخصيًا مصطلح "التعارض" بين واقعين، كيف يدركان، وكيف يتم تخيلهما شعريًا، وخاصة كيف يتم ابتكارهما، دون أن يكون هذا التعارض غرضًا لذاته، وهكذا تطرح الهوية الكونية نفسها بقوة كعلاقات تعبيرية للغة. والعكس كل العكس ما نجده في القصيدة، إذ هناك، تبعًا لهذا المنطق الحقيقي الواقعي، تعارض كلاسيكي تقليدي بين غربة تقريرية، غربة لغوية "غريب أنا يا صفد / وأنت غريبة" وغربة عابرة ظرفية ارتبطت بذهاب الشاعر إلى صفد، وبسبب هذا الظرف، كان الشعور بالغربة، وهناك تعارض كلاسيكي تقليدي بين الترحاب "تقول البيوت: هلا!" وعدمه "يأمرني سكانها: ابتعد"، وهو بالأحرى تعارض بين تركيبين تعبيريين، وكذلك الأمر بين طرح السلام وعدم الرد على السلام "إذا ما طرحت السلام / فلا من يرد السلاما"، فنبقى عند المستوى التقريري لا التشعيري للغة، ويستمر هذا التعارض التقليدي على مستويين آخرين، تاريخي عندما نقرأ "لقد كان أهلكِ يومًا هنا / وراحوا"، وصوري عندما نقرأ "على شفتي جنازة "صبح" / وفي مقلتي / مرارة ذل الأسد". مما أدى إلى تعاقب للإشارات المعبر عنها، الإشارة تلو الأخرى، كنهج للمنطق الحقيقي الواقعي طبعًا، دون بناء جديد للواقعي الحقيقي، بناء يعتمد قوة الخلق التخيلي والإعجاز الشعري. وعندما اقترب الشاعر من عقله الباطن -من البيت الثاني عشر إلى البيت الخامس عشر- لم يستغل ذلك نفسيًا أو استعاريًا أو ترميزيًا، "كلامحدودية ممكنة" كما تقول جوليا كريستيفا.

التحليل الدلالي

لا يوجد تطابق دلالي بين الصفة والموصوف في "غريب أنا"، بداية القصيدة، بل نحوي، فصفة الغريب كما سبق لنا وقلنا مرهونة بالظرف –كل شعر المقاومة هو شعر ظرفي- ووعي الأنا ليس وعيًا دلاليًا –كل شعر المقاومة هو شعر مزبلة الوعي الوطني- لهذا السبب يقدم النص الأنا (والأنتِ، والهي، والهم) تحت أشكال عدة للضمير المتصل: يأمرني، سكانها، أهلكِ، منهم، شفتي، مقلتي، ليحد الضمير المتصل من مدى الأنا (والأنتِ، والهي، والهم) كضمير يتجاوز البعد الشخصي أو الوطني إلى البعد الكوني أو الميتافيزيقي، ويربطها بدلالة غيرها، ففي "يأمرني" هناك دلالة للتسلط الذي تتكبده الأنا، وفي "سكانها" دلالة لمن اغتصب مدينة صفد، وفي "أهلكِ" دلالة لسكان مدينة صفد القدامى، وفي "منهم" دلالة دائمًا لسكان صفد القدامى، وفي "شفتي" (على شفتي جنازة "صبح"، يضع الشاعر صبحًا بين قوسين لتفيد بالتالي صبح الصباح وصبح الرجل الميت الذي ذهب سالم جبران إلى صفد ربما لحضور جنازته) دلالة لموت الزمن بالنسبة للأنا، وفي "مقلتي" (وفي مقلتي / مرارة ذل الأسد) دلالة لهوان الأنا... من أجل الدلالة إذن لا بد من المضي بوسيط للأنا كمعبر عنها، وسيط كابح للأنا، ليس تحت دلالة القمع العام وإنما القمع الخاص، القمع الذاتي، وفي هذا معنى مضاد لكل الادعاءات النقدوية حول ما يدعى بشعر المقاومة، وعند ذلك تتحدد دلالة الغربة في النص التي هي بالأحرى غرابة: صفد غريبة بأهلها الجدد، وهي تعامل الشاعر لا كما كانت في الماضي، فأمرها غريب، وهو غريب عنها بصفته العربي الوحيد فيها، وقس على ذلك كل النص تحت دلالة الغرابة / الوداع، النفي / التأكيد، كلاهما قاطع، وكلاهما يدلل على عدم عودة صفد إلى ما كانت عليه، بمعنى الخروج عن السائد من شعر المقاومة، ومن هذه الناحية يحقق سالم جبران "قفزة نوعية". أضف إلى ذلك، يخرج سالم جبران، في هذا النص بالذات، عن دائرة "العلاقات بين النصوص"، لأن نصه هذا عند قراءته لا يقترح نصوصًا أخرى للقاسم مثلاً أو لزيّاد أو لدرويش، فيفك القارئ من عقدة هذه النصوص المفرقعة، ويحرره من تراث مجاني يطارد ذاكرته. لكن القارئ الموجب يفرض على الشاعر، أي شاعر، أول ما يفرض، المعقد / اللامعقد في آن، والدلالي / اللادلالي المجبولين معًا، بين صفد المدينة وصفد الأصفاد مثلاً، صفد شِكال الجواد.

باريس الجمعة 2012.01.06

[email protected]



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين الشر
- المواطئ المحرمة
- العاصيات
- غرب
- العودة
- وظائف الكلام في قصة الزكام لنبيل عودة
- الحجر
- نابلس
- شمس مراكش تحرق الأصابع
- بركات
- الأطفال يتكلمون لغة واحدة
- أفنان القاسم يجيب على أسئلة الحوار المتمدن
- الرسامة الصغيرة
- العاملة التي أحبت الكاتب
- الحزب والموسيقى
- السيدة التي لم تقرأ الجريدة
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - تحليل قصيدة صفد لسالم جبران نحويًا ومنطقيًا ودلاليًا