أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - المواطئ المحرمة















المزيد.....



المواطئ المحرمة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 11:41
المحور: الادب والفن
    




الأعمال الكاملة
الأعمال الشعرية (5)

د. أفنان القاسم

المواطئ المحرمة
TRACES DE PAS INTERDITES



مسرحية شعرية




إلى أختي المرحومة الأستاذة مها القاسم
شمس دائمة في ليلنا الدامس






شخصيتا المسرحية

عامي: إسرائيلي

عائشة: فلسطينية


المكان

حديقة في الأراضي المحتلة


الزمان

في أواخر الستينات












































عائشة: (تخرج من بين ألسنة اللهب)

سألتُ النار عن طريق الهالكين
فالنار أدرى بالنارِ
وبمن في النارِ من ضحايا العاشقين

عامي: (يخرج من بين أعمدة الرماد)

سألتُ الرماد عن طريق الغالبين
فالرماد أدرى بالرمادِ
وبمن في الرمادِ من بقايا العابرين

عائشة:

قالت النار أنا النار لكل قلب لعين
وأنا الغرام لمن في النارِ
ولمن يضيع على درب السعير
فلا تسألي النار عن طريقٍ يعرف الهالك أي باب يدخل منه إليها
واطرقي الأبواب تقل لك أي باب منها
باب النعيم
وعالم الحب الحزين

عامي:

قال الرماد أنا الرماد لكل جمر بعد حريق
وأنا الضغناء لمن في الرمادِ
ولمن يضيع على درب العقيق
فلا تسألِ الرماد عن طريقٍ يعرف الغالب أي باب يدخل منه إليها
واطرق الأبواب تقل لك أي باب منها
باب الجحيم
وعالم الحقد المكين

عائشة:

أعاند قدر الحرير
النار قدري
ولا تصطلي النار بالنار كما أصطلي
أعاند نهار الصرحِ
الضوء نهاري
ولا يبدي الضوء ما أبدي
أعاند ليل النسرِ
الظلام ليلي
ولا يخفي الظلام ما أخفي
لأن العناد من طبعي
والطبع يطبع الأشياء والأحلام والسنين
يقطعنا كالسيفِ
لأن حبي للخطر أقوى من كل الصور
أقوى من كل خيالات الظالم والظليم
لأن الموت فكرتي
التي ماتت منذ زمن بعيد
ولأني أختٌ للضربة الحاسمة
أعاند القدر الحزين

عامي:

ماذا تقولين؟
الأقدار مكتوبة لنا منذ مولدنا
إلى أن نموت موت الأبطال أو المجرمين
مذ قبل مولدنا
مذ كنا في الفضاء مَدىً مُنعدما
نعاند الأقدار ولا نلبث أن نتراجع صاغرين
الورود التي من حولنا
تعرف أن جمالها فان
لأن هذا قدرها
المياه التي في العين
تعرف أن النبع لا يسيل إلى أبد الآباد
لأن هذا قدرها
الدماء التي في الشجر
تعرف أن العواصف لا تتردد عن سفكها
لأن هذا قدرها
وشتان بين المصائر والرغبات

عائشة:

شتان بين الحقائق والرغبات
وبين الوقائع والأمنيات
شتان بين ما يَعتمل في قلبي وما يُعمل في عيني
الأقدار مصنوعة لنا منذ مولدنا
إلى أن نقوى على صنعها بأنفسنا
قدري ماذا كنت يا قدري؟
هل كنت وردةً بُنّية
أم قنبلة؟
هل كنت دمعةً فينيقية
أم سنبلة؟
قدري ماذا ستكون يا قدري؟
الورود تعرف أنها ستذبل
ولكنها لا تعرف أن عطرها سادر
الينابيع تعرف أنها ستجف
ولكنها لا تعرف أن عذبها نادر
الجراح تعرف أنها ستندمل
ولكنها لا تعرف أن لونها ساحر
آه يا جرحي أريدُ لك ما لا يراد للجراح
لتبقى حديقةً للتمرد
ونبعًا للفلسفة

عامي:

آه يا دمي أريدُ لك ما يراد للدماء
للعواصف قلبٌ
فلا تجردي العواصف من الحنان
وللعواصف عيون الأمهات
لهذا كان الصراع رؤوفا
والنبيذ خفيفا
والعدو ضعيفا
لهذا كان العواء
وكانت العودة
دق البرق في العراء
ودوى الرعد
وسقط المطر كثيرًا على قلبي
آه يا قلبي أريد لك ما يراد للقلوب
لبنات آوى صدرٌ
فلا تجردي بنات آوى من العهود
ولبنات آوى أنفاسُ العشاق
لهذا كان العناق طويلا
والهمس طليا
والنهد طريا
لهذا كانت الشهوة
وكانت المتعة
سال الشبق في علب الليل
عليكم
ولوثكم

عائشة:

هاج البحر علينا من كل مكانٍ وأغرقنا
لم يترك لنا الموتُ وقتًا
فتركْنا على الشاطئ زوارقنا
ومجدافًا لم نكسره
وبكانا السمك المخلص لصنارتنا
لم يكن قدرنا

عامي:

كان قدرنا
آه يا نفسي أريد لك ما يراد للنفوس
للمَزارِعِ فأسٌ
فلا تجردي العشب من إرادة الصخور
وللمزارعين صلف الآباء
لهذا كان التيه كبيرا
والشد شديدا
والخوف مخيفا
لهذا كان اللومُ
وكان العيبُ
نعقت الغربان في ماضينا
وصمتنا

عائشة:

إلى الجحيمِ كلُّ ماضٍ يصمت فيه المعذَّبون
إلى الجحيمِ كلُّ حاضرٍ يغض النظر عن خطأ دمرَنَا
إلى الجحيمِ كلُّ مستقبلٍ تُقتل فيه الياسَمينات الحُبلى
المعذَّبون للمعذَّبين يضاعفون عذابهم فينا
وعذابهم
والألوانَ المعتمةَ في لوحات الموتى
ويعارضون الأشياء فتفقد معانيها
تفقد معانيها الأشياء
يجردون الحياة من ثيابها
ليعيشوا كالحيوانات عرايا
ليقدروا على الحياة
انظر إلى ما في الحديقة من أضاليا
إنها أصابع أطفال لا ينامون
انظر إلى ما على الشجر من طيور
إنها قمصان أولاد لا يلعبون
انظر إلى ما في البركة من أسماك
إنها عيونُ آباءٍ لا يعرفون
شيئًا آخر غير النشيج

عامي: (يصيح بحدة)

القدر مجرم
ونحن كلنا لإجرام القدر كلف
القدر مهلك
الطير والسمك والزهر كلها لإهلاك القدر شغف
القدر لعنة الملعون
إرادتُهُ مطلقةٌ علينا
ونحن ما علينا
سوى الإذعانِ والتوسلِ

عائشة: (تضحك بهستيرية)

عندما تكون لنا يدٌ كيدك مجرمةٌ
نقول يد القدرِ
عندما نفجر الدم من أوردة وردة
نلقي باللوم على إرادة العقاربِ
عندما نخنق الضحك في حلوق الأجنة
نقول هم لا يعرفون سوى اللطمِ

عامي:

بكينا وبكت علينا الضباع
ولا أذكر أننا ضحكنا
تدفق دمنا وضاقت به أنفاس البقاع
ولم يجئ أحدٌ إلينا

عائشة: (تبكي بهستيرية)

وبكائي هذا ماذا يعني للصفصاف المتهدل
ودمعي المر هذا أهو دمعٌ لملوكٍ في زمن آخر
أهو خمرٌ لأفواهٍ وحدُهُ مسكر
أهو جوهرٌ للشيءِ الذي غرّه من غر
ستقول لي دموع المآسي ليست واحدة كلها
هناك الدموع الحلو منها
والمر
وهناك الأوجاع البسيط منها
والشديد
دمعي مرٌّ ووجعي شديد
دمعُ كلِّ إنسانٍ
يتقن النشيج
وفَتْحَ أبوابِ الأوجاع
على مصارعها

عامي: (يلتقطها بين ذراعيه)

دعيني أبكي معك على قدري

(يبكي وهو يحاول كسر ذراعيها)

اعتبريني وجعًا من أوجاعك
وارأفي بي
دغدغيني بقدمك
ارفعيني بظفرك
كلليني بشوكك

(يتوجع وهو يحاول فقأ عينيها)

فقدت مثلك أمي
بأمرك
وغدوت يتيما
من أمي وأبي
لحبك

(يتركها ويذهب إلى شجرة ينشرها)

هذه أمك وقد قبلتني ابنا

(يترك الشجرة المنشورة ويذهب إلى عمودٍ يهدمه)

وهذا أبوك وقد علمني
شرطَ الكونِ عليّ قبل أن أكون أميرا

(يترك العمود المتهدم ويذهب إلى نبع ماء يسده)

وهذا أخوك وقد شكرني على وضع حد لحياته خنقا

(يصرخ بها)

ألا يكفيك كل هذا كي أكون لك وجعا؟

عائشة: (تصرخ باكية من شدة الوجع)

يا وجعًا وقع في معركة صغيرة
أوجاعي تكفيني
ويا حقدًا تريده أن يكون كبيرا
أحقادي ترميني
أرضا
اتركني أذهب ضد مخالبك
من أجل استعادة مخالبي
الماضية
للعصافير مخالب
وليس لي
للقطط مخالب
وليس لي
وللعناكب مخالب
وليس لي
وللذئاب أنياب
وليس لي
وللحمائم أنصال
وليس لي
وللأسماك بنادق
تحميها من شباك الصيد
وليس لي
اتركني أقاتل أوهامك
من أجل أن تنتصر أوهامي
دعني أجتث أعشابك
من أجل أن تسعد أعشابي
خَلّني أطوي أذرعك
من أجل أن تمتد أذرعي

عامي:

الطريق إلى قلبك بعيد
أبعد من الطريق الواصل بين يافا والقمر
الطريق إلى موتي أقرب منه إلى ظلك ذي البياض الشديد
يا أيها الرمل الذي انتثر
اكشف لي كل أسرار الصحراء
يا أيها السد الذي تصدع
اكشف لي كل أسرار الماء

عائشة:

لا أسرار هناك وقد تجرد الشجر
وعتم الماس
لا أسرار هناك وقد دمي القمر
وأضرب الورد عن الطعام
لا أسرار هناك وقد جأر البقر
وبيع في الأسواق وفاء الكلاب
أنا هنا بندقيةٌ أينعت في جنة الوحل
كي أقتلك في وضح الليل
أنا هنا فكرةٌ تأججت في الفجر
كي أكنس الأخطاء في تاريخ النفايات
أنا هنا جرةٌ بين ذراعي فينوسَ من عندنا
كي أمنع اليأس يسيل بين الأفخاذ
أنا هنا لأجرم بالنوارس
أنا هنا لأهزم الألوان
أنا هنا لأسر النمل
والنحل على حدٍ سَواء
لأصنع الحب من ملح وعسل

عامي:

أشكرك أيها القدر
على كشفك لي مِنَ الطارئِ ما لا يحتمل
قلبُكَ أقسى من قلب الحجر
ولكنك أرحمُ لقلبي
من قلبٍ طفا بالحقد على ضفافِ السينَ
فأغرق المتنزهين
أشكرك أيها الجبار على تحذيري من التربصِ
بعد أن ضَرَبَ الهوى على البصيرة
وجاش في الصدر غيظ الثعابين
التي فقدت البصر
وصار الظلام عالمها
وعلامة أمة
بأكملها
غاب القمر
ولا أحد هنا غيرها
من أجل إنهاء المهمة

عائشة:

القمرُ قدرٌ عندما يغيب
لغير الذئابِ
وغير الأئمة
وعندما يبرح من غيبتَ
في ليلٍ بَرَقْ
أنا هنا لأُبكيك
بكاء كل الثكالى
التي أثكلتَ
وكل اليتامى
الذين أيتمتَ
أكثر مما سَبَقْ
أنا هنا لأُذيقك عذاب كل الزنابق
التي قطعتها
لي
وكل الورود
التي خنقها
ثغرُكَ بالقبلات
في بستانِ نهدٍ احتَرَقْ
أنا هنا لأجعلك تصرخ في الليلِ
صراخ جِرْمٍ نَفَقْ

عامي:

يا لك من مجرم
أيها القدر!
معاناتي لا حد لها
يا لك من مدمر
أيها القادر!
آفاقي لا حدود لها
كيف أحصد الشوك
وأنا في الشوك؟
كيف أجفف البحر
وأنا في البحر؟
كيف أهدم الجبل
وأنا في الصخر؟
يا لك من ظالم
لا تَعْدِل!

(لعائشة وقد أخرج سلاحًا كان يخفيه دفعه في صدرها)

سأدافع عن نفسي
الذئاب تدافع عن نفسها قبل أن تموت
والحياةُ لا تساوي قشةً
ولكننا نحب الحياة
سأحمي نفسي
الثعالب تحمي نفسها قبل أن تموت
والموتُ لا يرائي آفةً
ولكننا نكره الموت

عائشة: (تتراجع خائفة)

لن تخدع الموت بقتلي
أنا والموت شقيقان
والعالم لنا ساحُ وغى
ولِلُصوصِ الأثرياء
لن تربح الحياة بقتلي
أنا والحياة عمودان
أحدهما للضوء
وأحدهما للدجى
وبينهما أسرار الرمح

(تتراجع دوما تحت تهديد سلاحه)

سأقاوم كالمخلب الكاذب

(تخدشه بمخلبها وتجرحه في وجهه فيصرخ)

سأقاوم كالحافر الناكث
بوعوده

(ترفسه بحافرها وتوجعه بين فخذيه فيصرخ)

سأقاوم كالجناح الحارس
للمقابر

(تصفعه بجناحها وتسيل له الدم من فمه فيصرخ)

سأقاتلُ
وأقتلُ

عامي: (يقهقه)

سيكون العالم معي
أو سيكون مع السكوت
ولن تكون الأمم معك
أو لن تكون مع الصخب
فتعالي إلى حضن الرصاصة المصيبة لهدفها
إن أصابت
أو لم تصب
ولا تخضعي لمشيئةٍ أخرى
تعالي إلى شاطئ الدموع
ولا تَغرقي في بحرِ دمعِكِ
كل ما في الحكاية
أني أملك حكايتي
وحكايتكِ
لو كنتِ طائرًا لرأفتُ بكِ

(يطلق رصاصة فيقتل طائرًا يسقط من شجرة)

عائشة: (تصرخ خوفًا وتنادي...)

يا إخوة تفرقوا في الطرقات
ولا جواب غير الصدى الأصم
يا أبناء أعمام يتقنون الحلم
ولا شيء غير الوِردِ
الأحمق
يا أبناء أخوال يفضلون الرقصَ
في المآتم
والبكاء في عيد الفطرِ
ولا قلق لهم غير قلق اللقالق
والببغاوات
عاشقات تزوير الحقائق
يا أيتها العابثات بالقلوب
ويا أيها العابثون
بالشرف
تعالوا إلى دمي...
فيأتي بعضهم بأكفهم
الباحثة عن فمي

(تصرخ من جديد خوفًا وتحاول الهرب من سلاحه المصوب إلى قلبها...)

أين الوجار الذي غادره نزلاؤه فزعًا منك
أين العش الذي انهار بعد هبوب الريح
أين الغار الذي تحطم تحت ثقل الصخر
فلتأخذني العاصفة في حضنها الجريح
حتى أجساد العواصف نزفت في مخدعك

عامي: (يمسح الدم عن وجهه ويصرخ من الوجع)

العالم يصيخ إلى وجعي
مخالبك أقوى من كتيبة
النجدة
أنقذوني من المجرمة!
العالم يبكي على وجعي
حوافرك أعظم من جدارٍ في جهنم
النجدة
ارفعوا لي سعر العملة!
العالم يصرخ مع وجعي
أجنحتك أعتى من أجمل بطن
النجدة
افتحوا لي مخادع النوم!
اهدموا لي باقي الأسوار
التي مذ نابليونَ لم تنهدم!
اجعلوني سيدًا على صُواح الخونة
ممنِ استلقحتم!

(يقتل بعض الأرانب)

هذه الحيوانات الجبانة تريد قتلي

(يقتل بعض الزرازير)

هذه الطيور الطنانة تريد الإنهاء عليّ

(يقتل بعض الجراد)

هذه الحشرات النهمة تريد التهامي

عائشة:

استبد به الخوف فقتل الذي قتل قبل قتلي
أجبن من الأرانب هو
وأضعف من الزرازير
وأغبى من جرادٍ سُملت عيناه
زَحَفَ على بطني
وبطني حقلٌ أجردُ بأمر أبي
أجبن من الأرانب هو
وأضعف من نَفْسٍ تضيع
وأغبى من غمدٍ فضيّ
ترك صاحبه سيفه على نهدي
ونهدي تل رمل لم يعبث به أحد
أمْكَرُ من الثعالب هو
وأكْيَدُ من غصنٍ يميل
وأخْتَلُ من منقار طير
لم ينقرِ الموتَ من حلمتي
وحلمتي هيام كل عاشق لا يحفظ السر
ويموت رجاء

عامي:

الجبن والضعف والغباء خصالي الحميدة
معك يا لعبتي
الجبن شجاعة والضعف قوة والغباء ذكاء
معك يا لعبتي
والمكر صحن عسل

(يضع سلاحه جانبًا ويذهب بها إلى مقعد)

كل معاني الحياة تغدو غيرها
معك يا لعبتي

(يمسكها من يدها فتُبعد يدها)

كل مواقف الحياة تغدو غيرها
معك يا لعبتي

(يمسكها من كتفها فتُبعد كتفها)

كل أخطاء الحياة تغدو غيرها
معك يا لعبتي
وكل حُلْوٍ مُرّ

(يمسكها من شعرها فتُبعد شعرها)

لا ترفضي أقدار الحياة
فهي أقدارنا يا لعبتي
ولا تجعلي من العبث لي قدرا
فتحملين عني الذنبَ
ولا تتركين لذنبي أثرا

(يأخذها بين ذراعيه فتبعده عنها)

ماذا أنا بفاعلٍ يا إلهي؟
القبلة من ثغرها أغلى من كل الموت
والضياع على صدرها أمتع من كل الخطوب
والصعود على ساقها أروع من كل الجبال
المقدسة

(يدفعها من تحته ولا يمكنها إبعاده)

يا أيتها الذئاب المجرمة
تلين قناتك مع مرور يدي على قلبها
وتطير قلوبك فرحا
في غَمَراتِ الموت
فتغير منك كلُّ قلوبِ الأمم
وتصبح مخالبُكِ رمزًا ومثالا

يا أيتها الأحلام المُرَوِّعة
تطيب روائحك مع مرور شفتي على خدها
وتصفو أجواؤك القاتمة من شدة الكرب
فتحلو حتى الكوابيس التي بعمر الزمان
وتصبح مقاصلُكِ بيتًا ومتاعا

يا أيتها الوعود الشرسة
ترق بناتك مع مرور وجهي على نهدها
ويزداد جموحك من شدة التهيج
فتصهل الأحصنة من حناجر البشر
وتصبح ميادينُكِ كسرًا وانكسارا

(تقاوم فيغتصبها ثم يتركها وهي تتلوى فوق المقعد)

على هضابها بنيت بيتًا لا يتهدم
فدمرته الرياح
وعلى سفوحها حولت نهرًا لا يتحول
فجرفته الدماء
وعلى بحارها رميت شباكًا لا تتمزق
فقطّعتها الأسماك
والصدفُ بأسنانها

(يغني)

أردتُ الذهاب إلى بطنك من أجل الصلاة
قبل أن أسرق القبلات من ثغرك
وأدخل في الكهف بحثًا عن وَزْغَة
اللذة
فاكترى لي قائدي سريرًا لشخصين
في فندقٍ رخيص
وأخذني من بارٍ لبار
كي نشرب البيرة
ونحن نغني لشرف الجيش
والورع
وقُرط الجبين
الذهبي

عائشة: (تبكي)

آه يا قلبي الحزين!
كيف السبيل إلى محو ما فيك من مآسٍ يشرق بها الفجر
وقد فاض نهر الدمع وخيم الليل الوحشيّ الرغبة؟

آه يا جسدي الحزين!
كيف السبيل إلى غسل ما فيك من سوءاتٍ يَلَذُّ بها العمر
وقد طمع فيك القريبُ وعاث بك البعيدُ في صحارى الهلوسة؟

آه يا وطني الحزين!
كيف السبيل إلى هدم ما فيك من جحورٍ قضى في حفرها الليالي لصٌ
شريف
وقد غدرك الناحبُ وخانك الصاحبُ
خيانة فساتيني القصيرة لساقيّ؟

عامي: (يصيح بأعلى صوته من شدة الغضب)

للشقاء معنى لا يعرفه أحد آخر غير الشقيّ
للعذاب معنى لا يعرفه أحد آخر غير المعذب
وللجِنان معنى لا يعرفه أحد آخر غير الجهنميّ
كلانا شقيٌ ومعذبٌ وجهنميّ
وفي كل الممالك
ليس هناك من شقيٍ ومعذبٍ وجهنميٍّ سوانا
بعد أن اقتلعتُ كلَّ الورد
على حافة بطنك


عائشة: (تبكي دومًا)

النجوم واحدة في سمانا
لكنها غيرها على السقوف المائلة في الغرب
وعلى سرةٍ
تشكو الوَجْد!
من يسمعه يقول للندم عنادل
وهو أبٌ لطبلة
من يسمعه يظن للخطأ صنادل
البنات
وهو أمٌ لدبلة
من يسمعه يرى النجاة في كل شيء حتى في المُضرّ من الدواء
وهو ظِفْرٌ لهيكلٍ عظميّ
بصقه بردى!

عامي:

يا أيها الردى!
لماذا لا تجعلها تسمع ما يهدر في صدري
في رأسي
في جُنّتي
وفي الجحيم الذي لها؟
هل صوت الحمم
التي فجرتها في جسدها
يمنعها من سماع صوت عذاباتي
أم أنه الصمم؟

(يجثو بين يديها)

محاسنك تخضع لها الجبال
فكيف الجنديُّ؟
وأسرارك تنادي كل أجهزة التنصت
فكيف اللغويُّ؟
وآثارك يتبعها كل ضائع
فكيف المغامرُ؟
كان عليّ أن أقتلك
أو أحبك

عائشة: (تمسح دموعها وتعتدل في جلستها)

يا ليتك قتلتني
وأرحت هواك من عبء هواك
يا ليتك محوتني
من الوجودِ
وجعلتني آثارًا في الذكريات
يا ليتك صنعت مني جناحًا لغرابٍ برتقاليّ اللون
ينعق كلما حط الغسق
على نهدي

عامي: (دوما يجثو بين يديها)

هل أقتل نفسي من أجل هواكِ
كي تغفري لي ذنبًا لا يغتفر؟
هل أحرق الورد من أجل رضاكِ
كي يخطئ العشاق كالذي أبدًا لا يصيب؟
هل آتي بالبحر إلى حديقة الذكرياتِ
كي يُغرقَ البحرُ شوكَ أيامي
وتماثيلَ الوقت؟

عائشة: (ترق)

يا كل الكائنات المتصارعة اشهدي
لقد رق الزجاج
يا كل الأوهام الصادقة تعالي
لقد ارتعش الحديد
يا كل العاشقات الهالكات اهنأي
لقد التهب الثلج
وائتزر تاريخ عذابي بأحلام
العذارى
قبل أن يصبحن داعرات!

(تمسح بيدها على شعره)

كيف السلام على يدٍ طوحت بقلبي
ولم تعرف معنى السلام؟
كيف الكلام مع فمٍ عاث بجسدي
ولم يعرف طيب الكلام؟
كيف النوم مع طائرٍ جاء بليلِهِ
ولم يعرف أمنية النهار
لمنقارٍ منكسر؟

(تشده من شعره)

للغرام قلبٌ صادقٌ
فالصدق نبض الغرام
وللكلام فمٌ صديقٌ
فالصداقة سحر الكلام
ولليل قمرٌ حائرٌ
فالحيرة نهاية النهار
وبداية قصة لن تكتمل
أو أنها لن تبدأ
في عتمة الكتب

عامي:

اصنعيني قدرًا
من أقدارك
واتركي للغير أقداري
كل شيء في العالم ينهار
اصنعيني قمرًا
أسود في قلب النهار
أبيض في قلب الغابة
فللشرف ضوءٌ أحمرُ في الليل
وللمروءة ضوءٌ أزرقُ
وللغيرة ضوءٌ أحمقُ كلون المندلينا
اصنعيني إنسانًا جديدا
ها أنا بين يديك عقربٌ دون هوية
اصنعيني لك هوية
وهدنة
وهدية

(ينهض ويذهب ليقف قرب النافورة)

انهارت في رأسي الرؤيا
وتحطم كل الماضي
بعد قبلة
من سرتك
اطلبيني كل ما في الدنيا
أجلبه لك

عائشة: (تنهض وتذهب لتقف قرب النافورة)

الماء أبدًا لن ينسى
الدمَ الذي كانه في النبع
ولن ينسى اليدَ التي نحرته
بعد أن غدا جسدا
ستبقى لي جرحا
وسيبقى لك جبن القتلة
وسينكرك الشرف
والمجد
وقطرةُ دمِ ما بعد الزواج
يا إلهي!
لماذا يعاندني قدري؟
لماذا يهرب مني الإخلاص؟
لماذا يخذلني العزم؟

(تضربه على صدره)

لماذا أنت دوريّ اليوم
وصقر الأمس الرهيب؟
أيها الغريب
لا تَبْعُد عني

(ومع ذلك تدفعه عنها بعيدا)

لا تدعني
لا أريد أن أقضي المساء وحدي!

(ومع ذلك تستمر في دفعه)

عامي:

وحدك وتخافين
من القمر
ومن ذراعين باردتين

(يريد أن يأخذها بين ذراعيه فتدفعه)

وحدي
وأخاف من النوم
ومن حلمين جامحين:

(يصيح بأقصى غضب)

أن أزحف بسلاسلي على جسدك
طريقٌ قصيرٌ إلى قلبك!
أن أطوق بذراعيّ وردك
أسهلُ على نَفْسِ دبابتي!
أنا غصن الخريف
أمام حبك
أنا الورق الأصفر
أمام حدبك
أنا الوحل القويّ
أمام رفضك
أنا الزمهرير
أنا يأس المراهق
أنا هوس العانس
أنا الزنديق الكريم
أنا رغبة قنديل في الاشتعال في النهار
أنا سعار التيمز بعد أن عام فيه نهد
واستباح حرمة الجسد في مدريد
أنا شهوة الرمل
أنا حنان بيغال
أنا الآذان في الوول ستريت
أنا لوث الليالي
أنا كل ما لم تروه شهرزاد!

عائشة:

وأنا ما أنا
أنا الطائر المهيض
الجناح
أنا الهزيمة والظفر
ومودة تمساح
ونار المطر
أنا لعنةٌ لم تكتب في الأسفار
أنا الحلم الوحيد
أنا الجرم الوسيم
أنا الحب الأكيد
للناس
أنا الورد الدميم
ومبرر الوجود لِذَكَرِ النحل
على كرهٍ منه

عامي: (يمسكها من كتفيها ويهزها)

إذا كان الكره شديدا
فهو كرهي
وإذا كان الحب أكيدا
فهو حبي
وإذا كانت القوة إلى قلبك دربي
فلن أكون رحيما
كالبنفسجِ في حديقةِ كلِّ مكيدة

(يحاول أن يقطف من ثغرها قبلة عنيفة فتصده)

عائشة:

هذه هي المروءة
في زمن الصكوك
يا قلبي
هذه هي النخوة
في فضاءات الموائد
يا أمي
هذه هي سعادتي الأبدية
يا قدمي

عامي: (يهاجمها ويمزق ثوبها عن صدرها)

وهذه هي ردود فعلي
على من يرفض فعلَ
العاشقِ الذي فيّ
يا حبي!

عائشة: (تجلس على المقعد وتبكي)

يا أمي
نسيني الأمسُ
ولم أنس شمسَ أمسِكِ
نسيني الغدُ
ولم أنس قمرَ ليلِكِ
لم أنس طعمَ خبزِكِ
لم أنس رائحةَ ثوبِكِ
لم أنس لونَ ظلِكِ
الأخضرَ في النهار
الأزرقَ في البحار الدامسة
لم أنس لمساتك الناعمة
وها أنا أسمع صوتكِ
تنادينني وأنت صامتة
وها أنا أفهم الآن ما كنتِ ترددينه في الصباح والمساء
عن فراشةٍ شاحبة

عامي: (يقذف بنفسه عليها وهو يصرخ بأقصى غضب ويحاول اغتصابها من جديد
ولا ينجح فيبكي)

أبكي بكاء العاشق الذميم
ولأني لن أتوانى عن اغتصابك في حلمي
أنا الدميم
مثل كل مرة يمتنع فيها جسدك عن استقبالي
أنا الملاك الرجيم
أنا صوت العنادل التي لا تطرب أحدًا غيري
غادرتني الأمنيات على الطريق
إلى نهدك
فإلى الجحيم
إلى الضرام الشهيّ يا حبي
إلى العذاب المستطاب
إلى الانهيار بين فخذيكِ يا قلبي
إلى التفسخ المستساغ
إلى الصعود على ساقيكِ يا عمري
إلى الضياع
على بطنك
إلى ارتكاب كل الجرائم في العالم يا قدري
فهو الصراع
من أجل عينيك
إنه الصراع
يا ضغني ويا شجني
ولكني أقول لك الوداع

(يتركها مغادرًا الحديقة وهو يردد)

أقول لك الوداع...
أقول لك الوداع...
أقول لك الوداع...

عائشة: (محتارة مترددة تخف إلى اللحاق به، بضع خطوات، ثم تعود مضطربة)

قالوا الضياع غيره للطير
والطير لا يعرف الضياع
قالوا العناء غيره للبحر
والبحر لا يعرف العناء
قالوا الوداع غيره للرمل
والرمل لا يعرف الوداع

(أصوات بعض النساء وهن يتنادين ليقطفن الزيتون)

الزيتون أغلى على قلبي من هواه
ولكن للزيتون أصابعه

(أصوات بعض الصيادين وهم يتنادون ليصطادوا السمك)

السمك أغلى على قلبي من هواه
ولكن للسمك شباكه

(أصوات بعض الفدائيين وهم يتنادون ليقتحموا معاقل العدو)

الرصاص أغلى على قلبي من هواه
ولكن للرصاص رجاله

(تهز شجرة زيتون فيتساقط ثمرها وتجمعه)

من أجله أجمع الحياة
ومن أجل موتي
بعد أن ضاقت بي الحياة
ونكثت وعدي

(ترمي الشبكة في البركة وتصطاد سمكة ثم تعيدها إلى الماء)

من أجله أعطي الحرية
ومن أجل عبوديتي
بعد أن أخذوا مني الحرية
واعتدت وضعي

(تحمل الكلاشينكوف وتطلق الرصاص على معسكر إسرائيلي ونسمع
صرخاتهم قبل أن يموتوا)

من أجله أصنع من المجرم طيرا
ومن أجل براءتي
بعد أن حفروا لي قبرا
ورفضت موتي

(تُسمع آليات الجيش الإسرائيلي ومجنزراته تطوقها من كل جانب وبعد قليل يظهر
عامي في ثوب ضابط إسرائيلي يهدد عائشة بعوزيه وهو يتقدم منها)

عامي: (يصيح محذرا)

قفي
لا تتقدمي
ارم على الأرض سلاحك الغبي

(تقف ولا تتقدم وترمي على الأرض سلاحها فيدفع سلاحها بقدمه ثم يلقيها أرضًا)
اخضعي
استسلمي
امتثلي

(يفتشها بعنف وهمجية وهي ملقاة من تحته وعندما لا يجد شيئًا لديها يضع يديها في الأصفاد وراء ظهرها)

انهضي
اذهبي
نفذي

(تنهض وتذهب لكنه لا يلبث أن يسارع إلى إيقافها وهو يقف أمامها)

للمجرم عقابٌ تعرفه حتى صغار العصافير التي في أعشاشها
تنام دون مبالاة
إحساسها بالخطأ يجري في دمها
منذ مولدها
وهي لهذا عندما تكبر تقوم دون مغالاة
بتقدير قواها
كيف استطاعت يدك ارتكاب ما لا
تريده يدك
والهوى لها صلاة؟
يا إلهي!
إذا سلّمتُ يدها
قطعها لها السيف
وقلبي معها
واهولاه!

(يذهب بها من وراء جذع شجرة ويخبئها)

أيها القلب تمردْ
فالأمن ذريعة كل يوم
وأنت لن تهدد أحدًا
في أرضٍ كل ما فيها تهودْ

(يذهب إلى جنوده دون أن يراهم المشاهدون دومًا ويعطي أوامره
فيفكون طوقهم ولا يلبث أن يعود بعجلة لينزع الأصفاد ويحرر عائشة)

كاد التهور يودي بكلينا إلى ما لا تحمد عقباه
وكلانا الآن ارتكب ذنبًا لن يبرأ منه قلبانا
إلا إذا أخطأ صاحبُ السهم مرماه
فلا يصيب قمرنا
وتخضع لنا البراري والرعاه

(يمد لها يده فلا تأخذها)

عائشة:

يدي لا تريد ما تريده يدي
هي عادةُ من لا يشاء
مشيئةَ الأقدارِ
وقلبي لا يريد ما يريده قلبي
هو دأب من لا ينام
نومَ الأشرارِ
خذ يدي إن شئت وقلبي
فالعمر موتٌ أو حياة
خذني كلي إن شئت
أنا لن أعطيك إياي
هذا فمي
فالثمه
وهذا مرمري
فانحته
وهذا ثديي
فاعضضه
وهذا ساح وغاي
فادخله
وهذا سفح هزيمتي
فاصعده
وهذا كل كياني
الذي لن أعطيك إياه
فاستقلله

عامي:

(يبدأ بأخذها كما قالت برقة تارة وبعنف تارة)

هذا فمك الذي لي بعد أن لثمته
وهذا عنقك الذي لي بعد أن نحته
وهذا ثديك الذي لي بعد أن عضضته
وهذا فرجك الذي لي بعد أن دخلته
وهذا سفحك الذي لي بعد أن صعدته
وهذا كل جسدك الذي لي بعد أن استقللته
لم يبق لي شيء منك إلا وسلبته
ولكن يفلت مني ظلك
من أجل ظلك
ما وجدت شيئًا إلا وقتلته
قتلوني من قبل ظلك
وما أنا سوى ظلٍ يصارع ظلا
في سبيلك
كلانا ضحية الظل يا حبيبتي
لا كما قالوا عن الجلاد الذي أجرم فينا
كلانا ظل الضحية
لا أحد يمسسنا ولا حتى في المنام
نحلق فوق العالم كالجناح
ونُضيء فوق الأشياء المعتمة

عائشة:

يا لمعارك الظلال
المقيمة
لقد أصبح العالم وهما
بينما أنا كل الحقيقة

عامي:

أنت كل الحقيقة عندما أنام
وتحت الشمس
أنت أكاذيب الظلال
التي اختارتها لي
أساور من ذهب
قالوا اسمها الأقدار

عائشة:

بل أساور من لهب
اسمها الأدوار
أنت دور من غير قدر
وأنا النار اللاهثة في الصيف
اللاهبة في الشتاء
وأنا الهواء
وضباب الرماد في المساء
أنا ما لست أنا
فأنا مثلك دورٌ
من الأدوار
هذه هي أقدارنا اليوم وقد غدت
أدوارًا في أدوار

عامي:

أيها الإله!
لماذا جعلتني أنا
في ديارٍ
يهرب منها الحجر إلى الحجر والتراب إلى البحر؟
لماذا دفعتني إلى تحطيم الحجر
ومَنْ هُمْ في الحجر
وإلى تحويل الحجر إلى لؤلؤ ووهم؟

(عائشة تبكي فيمسح لها دمعها بحنو)

من أجل هذه الدموع أقتل
ومن أجلها أموت
هذه هي حالي معها
وهذه هي حال كل جنود
الأرض
قبل أن يغدوا ظلالاً
تقاتل الظلال

عائشة:

لكن القبرات
تعرف أني للمساء ملتقى
واللبؤات
تعرف أني للأشبال أمها القادمة
والفقمات
تعرف أني للثلج دمه الأبيض
والجنيات
تعرف أني للأحاجي عذابٌ كتبَهُ جنديٌ غريب
والحوريات
تعرف أني لفساتيني أسهمٌ نارية
قبل أن تطفئها بقدمك
أين الظلال قبل أن تموت الظلال
لأحميها منك؟

عامي:

(يخلع سترته العسكرية ويلقيها)

هذا هو البرهان
على أني كيانٌ يكره من يحب
ويحب من يكره
وأني لو كنت خطرًا للسناجب
لما أكَلَتِ السناجبُ البندقَ من يدي
وأني لو كنت خطرًا للحمام
لما عشش الحمامُ على كتفي
وأني لو كنت عدوًا للظباء
لما هجرت الظباءُ الرملَ
وجعلت من البحر ملاذًا قربي

(يحطم العوزي)

ما أفعله من أجلك خيانة
فافهمي
أن الخيانة من أجلك تفاحة
وأن كل الفراديس في ظلك
غاية
ونهاية

(يريد تحطيم الكلاشينكوف فتمنعه)

أيها الإله!
لماذا جعلتَها هي
في حديقةِ وردٍ أسودَ إلاها
وردتي الزرقاء؟
نعم الأزرق هو من الحذر الشيء الكثير
ومن الغضب
اسألي الأعاصير
تقل لك عن غضب الأزرق وحذر الأزرق وحسد الزنبق
وياقوت الحقد الدفين

عائشة:

الانتقام أزرق وأحمر وأصفر
ألوان كل برتقال سليب
بعد أن بدل البرتقال ألوانه
وخلع عنه ثوب يافا
بانتظار عودة الصواري

يا أيها القارب القريب
اتركني أمخر العباب معك فأتركك تمخرها معي
واجعل من الحق قبلة
اغتصبها بحارٌ لا يعرف كيف يندم على فعلته
ولا يترك للظل أن يقول للجسد
أنت جسدي

يا أيها القادم القديم
تحرر
من متاهتك فيّ بمتاهتي فيك
إذا كان استرداد الحق لديك اسمه متاهة؟
يا أيها العاشق العشيق
أنا الحبيبة
وأنا الحقيقة
فتعال أنت عندي
تعال إلى وعدي
أنا الرذيلة

عامي: (يعود إلى ارتداء سترته العسكرية بعصبية ويذهب إليها مهددًا بالكلاشينكوف)

ستكون نهايتي
عند منعطف الطريق
الواصل إلى قلبك
قبل انتهاء السباق
واحتراقِ محرك
كان سيد الريح والمتفرجين
عليه
من الشاشة الصغيرة
وهذا أنا
متفرج عابر
حاله من حال كل من لا يثق إلا بالمتعذر بلوغه
أو التأثير فيه
أو الحصول عليه
ولكني راسخ في الأرض
كناطحة غمام
تارةً
وتارةً كإعصار
آتٍ من فلوريدا

(يعيد وضع يديها في الأصفاد)

هاتان اليدان الحبيبتان لن ترتاحا أبدا
إلا بعيدًا عن السر الخفيّ

(يقودها من أمامه فتقاوم فيلطمها)

يا وحيي الذي لا أفهمه تماما
يا طقسي الديني
ويا لُغزي
ويا ضميري الأبيّ

(تثيره فيغتصبها)

من أجل سعادتك الدائمة كل هذا
من أجل دخول آلهة القرون القديمة والقديسين والشياطين
في أحجيةٍ حديثةٍ ستستمرّ
فأنا كاتم سرها

(يغني)

أردتُ الذهاب إلى بطنك من أجل الصلاة
قبل أن أسرق القبلات من ثغرك
وأدخل في الكهف بحثًا عن وَزْغَة
اللذة
فاكترى لي قائدي سريرًا لشخصين
في فندقٍ رخيص
وأخذني من بارٍ لبار
كي نشرب البيرة
ونحن نغني لشرف الجيش
والورع
وقُرط الجبين
الذهبي

(ينهار بعد أن يفقد كل قواه)

يا أيها الوله!
الدود أكثر مني شرفًا وأنفة
أنا الرديء
والعناكب أكثر مني عطفًا وحنوا
أنا القميء
أنا غثيان كل امرأة حبلى
أنا رغبة كل رجل مقموعة
أنا البذيء
يا أيها المستبد بقلبي السجين!
يثور الشوق
فيسأل الحنين
كل مساء
(يرتمي على صدرها ويبكي ويطلب منها أن تغفر له)

كيف العيش دون غفرانك يا حبيبتي؟
فقد أظلمت السماء

(تخفت الأضواء)

بعد فعلتي!
كيف الراحة دون سماحك يا حبيبتي؟
فقد أبرقت السماء

(تبرق السماء)

بعد إبراقي
فيك!

(تصرخ عائشة)

كيف المتعة دون أحضانك يا حبيبتي
فقد أظلمت النجمات
بعد موت نفسي!

(تظلم النجوم)

لماذا أنا؟
لماذا أنتِ بعد كل الذي جرى؟
لماذا السماء معكن أنت وبنات الليل؟
لماذا السلاح؟
لماذا الموت؟
لماذا الخنق لأنفاسِ النحل؟
لماذا الثدي مهزلةٌ وفاجعة؟
لماذا البطن فرقاطة؟
لماذا الأرض قرطاجة
لزرع المني؟
لماذا الشذوذُ موهبة؟
والطبيعةُ إجرام؟
لماذا العهدُ مُرٌّ
وأحلى العهدِ ما حَنِثَت به هوليود؟

عائشة:

لماذا هو؟
لماذا هم؟
هو وهم وبالأحرى هم؟
الذين يصنعون فسيفساء من المأساة
لزمن البطولة
للنعيب وللعواء
ولأغطية الأسرّة
في قصور قرطبة؟

آه يا قلبي الحزين
عليك بالحزن وطنا!

آه يا وطني الحزين
عليك بالحزن شعبا
من الوطاويط!

آه يا حلمي الحزين
عليك بالحزن فعلا
وبالمستحيل!

آه يا أمي الحزينة على ابنتكِ
يتوق الخصر إلى الموزِ
والثغر إلى قبلةٍ منكِ
قبل أن يحتفل الرمسُ
بقدومي
على إيقاع الأنين
يتوق الرِّجْسُ
إلى ثريا طُهْرِكِ
والقدسُ
إلى مواطئ يومِكِ
ومخالب إخوةٍ لبغيةٍ
طيبين

آه يا أمي الحيرى في أمرِكِ
نسيني الأمسُ
ولم أنس شمسَ أمسِكِ
نسيني الغدُ
ولم أنس قمرَ ليلِكِ
لم أنس طعمَ خبزِكِ
لم أنس رائحةَ ثوبِكِ
لم أنس لونَ ظلِكِ
الأخضرَ في النهار
الأزرقَ في البحار الدامسة
لم أنس لمساتك الناعمة
وها أنا أسمع صوتكِ
تنادينني وأنت صامتة
وها أنا أفهم الآن ما كنتِ ترددينه في الصباح والمساء
عن فراشةٍ شاحبة

عامي: (يرفعها بين يديه ويقف أمامها وهو يرتعش ثم يقدم إليها الكلاشينكوف لتقتله)

لننه الأكذوبة
قبل أن تنتهي الأكذوبة
لنخرج منها
إلى صدرٍ شقيٍّ لا يعرف كيف تكون البداية
لنمشِ إلى نجمةِ الصبحِ
بعد أن نلتقي
في نقطةِ تقاطعٍ معلقةٍ خارج الزمن
فاجترحي
معجزة الاندحار في السكون التام
بعد ليلةٍ في مرقص
اقتليني يا حبيبتي
كما تقتلين ظبيًا من ضوء
اقتليني
كما تقتلين طيرًا من عنب
اقطعيني
كما تقطعين وريدًا من استعارةٍ في القرآن
فأنا إشارة الزمان
بعد أن غدوت سهما

عائشة: (عائشة تسدد فوهة الكلاشينكوف إلى قلبه)

وأنا إشارة المكان
بعد أن غدوت وترا

آه يا قلبي الفَرِحْ
أتيتني أمرا

آه يا وطني المنتقمْ
جرفتني بحرا

آه يا أفقي المنسرحْ
حفرتني جناحا

كل الأماني تنتظر
طلقةً من يدي تَخضع لها الرياح العابثة

كل الأغاني تصاغ
على شفاه العشب

كل صبايا الجبال
تتعرى
لتعانق أنبياء الفضيلة

كل صبيان المدينة
يرتدون الرذائل
فتغدو رذائل لذيذة
وذنوبًا عظيمة
لا تُدان

سأرتكب فيك أعظم ذنب من أجل طروادة
فلطروادة باهظ الثمن
في هذا الزمن

سأسكب دمك غيرَ الآدميّ على شفاه الزنابق من أجل العناق فوق جسر
فللعناق شوارد اللغة
عند اختناق اللحظة

سأنهي حلمك المدمر بحلم مدمر
فللحلم جلال المنطق
وجدل الفعل لدى اللقالق

(تدفعه بفوهة الكلاشينكوف فيتراجع)

آن الأوان كي أُسْمِعَكَ صوتَ أحبابي
الذين همُ اليومَ طيورٌ تحلق في المرايا

آن الأوان كي أجعلك ترى في الماء صور نرجسهم ونرجسي
الذي هو غدًا شفاهٌ تروي ما يراد للقبلات في الحكايا

آن الأوان كي أجعلك تشعر شعور أُمٍّ في مخيمٍ أحبت أبناءها
الذين ماتوا ولم يحبوا أحدًا غيرها
وأحبتهم كل البنات المحجبات منهن والكاشفات عن بطونهن
فعِشْقُ الموتى هو الأغلى

عامي:

هو الأحلى
وهو الأرق سيفا
فعجلي
لقد طال الشوقُ
وهو الأعتى
دومًا ما كان الغرام عاتيا
كالريحِ العاشقةِ
للبراعم
من جنونها دم النساء
ومن حنانها كل الهزائم
آه يا من أنتِ أغلى على قلبي
من كل خزائن
الدولة
ومن كل التمائم
يا من أنتِ أغلى على قلبي من كل حرير
الوقت
ومن كل الجنائز
يريد المخمل أن يَغير
فعجلي
كي نُميتَ قلب المخمل

عائشة: (مترددة حزينة تبعد فوهة الكلاشينكوف عن قلبه)

قلب المخمل هو قلبي يا حبي
والمخمل عدوٌ للحرير
يا دربي
إلى غرامٍ مستحيل
أراده لي قدري

(ترمي الكلاشينكوف وتبكي فيأخذها بين ذراعيه)

عامي:

تقولين الآن قدري
أنت يا من أردتُ لي قدرًا غير قدري؟
أنت يا من طلبتُ لنفسي بعد أن غادرتني نفسي
وأتتني نفسي في ثوبِ إمبراطور لم يحكم الصين
أنت يا من رسمتُ لعمري مستقبلاً بعد أن خنتُ عمري
خيانة الدم لخنجرٍ يمنيّ
وللونه الأزرق
أنت يا أعمق
من بحر حيفا الغادر
يا أسخى من سكاكين
الجليل
يا أحلى من كوخ صياد أحمق
يتركه وحيدًا على أكف الريح
يا أغلى من ثوبِ جنديٍ أخرق

(يأخذ عامي بنزع سترته العسكرية وسترته الداخلية وسرواله العسكري وسرواله
الداخلي فتعطيه عائشة كوفية مرقطة بالبقع الحمراء يغطي بها جسده العاري)

عائشة:

يأتي بجسده من حضن رصاصة
إلى حضني
يقول لي ما يقول للبراءة

عامي:

سقط المخمل عليّ ودمر مزاميري التي لم تُنشد
وانقض المخمل عليّ بمخالبه
ومزقني إِرْبًا إِرْبًا

آه يا قلبي!
لم أكن أعرف أن المخمل بهذه الشراسة
الماحقة لصدري ضلعًا ضلعًا

آه يا عقلي!
لم أكن أفهم المعاني
التي فيها تعطف الأشياء عليّ
ولا الأسماء

عائشة: (حزينة)

أما أنا فكنت أعرفُ
كنت البناء
وكنت تساقط البناء
عورة التفاح كنت
والدم المهدور للأشياء
وكنت الثوب المثقوب
وخيط البكارة
كنت سكين الشرف
والقسم على القرآن
وكنت شك الرمان في العنب
كنت الخطوات
على درب الفحولة
كنت الرجولة
من عصر آدم
إلى عصر سوبرمان
وكنت الأنا
قبل أن تقتلها الأنا
في معارك كلها خاسرة
وكنت الخسارة التي ثمنها الجسد
والولد
والوطن
كنت الإمارة
في ماخور الشرف
وكنت الأمارة
في كتب التلاوة والفيزياء
كنت حرام الحلال
وحلال الحرام في لحظة خطأ
وكنت عيب الكمال
كنت ساحًا ووغى
كنت الأمام
وكنت الوراء
كنت اليمين
وكنت اليسار
وكنت الوسط
وكنت الحب المجرم دومًا دون ذنب
وكنت الغِمد
وكنت عبودية القضيب ومنفضة الرماد
وكنت ميناء المراكب
في بحور المني والانحراف

(تصرخ)

رغبات!
كنت الرغبات
الفاحشات
الممكنة منها وغير الممكنة
وكنت كل الصفات
التي لبدلي
أنا تاريخٌ لبدلي

عامي: (يحيطها من كتفيها)

كيف أخلصكِ من بدلكِ
فتكونين تاريخَكِ
وأكون قصب السكر لكوبا؟

عائشة:

سيقتلني أبي إن ذهبتُ معك
فاتركني لبدلي

عامي:

سأحميك من أبيك
ومن أبي

عائشة:

سيقتلني أخي إن تركتُ ظلي يعانق ظلك
فاتركني لظلي

عامي:

سأحميك من أخيك
ومن أخي

عائشة:

سيقتلني قائدي إن قطفتُ وردًا من حديقتك
فاتركني لإبَري

عامي:

سأحميك من قائدك
ومن قائدي

عائشة:

أعداؤنا أربعة يا حبيبي
والذئاب في السهوب أربعة أربعة
أقدارنا أربعة يا حبيبي
والسرابات في العقول أربعة أربعة

عامي:

في التوراة جدار هدمته من أجلك
لئلا يبنون فيه بابًا إلينا
وفي الهيكل حلم أحرقته من أجلك
لئلا يطلقون منه النار علينا

عائشة:

ولكنّ لهم قرون البَيْسون وأمريكا
وها هم يأتون بأجسادهم المتعددة الأثداء إلينا
ولكنّ لهم حرية الإقامة على الروابي وفي سراويل كاريوكا
وها هم ينشرون جذوع التين والزيتون من حولنا

عامي: (يصيح بأعلى صوته وهو يشدها من كتفيها بقوة)

يا أيتها الزلازل
شقي الجبال ما بيننا
هذه إرادة مسيح
كان عائدا
يا أيتها الصواعق
دكي السماء ما فوقنا
هذه شهوة امرأة من باريس
كانت مسالمة
يا أيتها القطعان من بني البشر
تصرفي كبشرٍ
مرةً واحدةً في العمر
واقطعي
كل أوتوسترادات الدنيا إلينا
مع عبء الإثبات والدليل
هذه رغبةُ ولدِ ظَبْيَةٍ
كان تائها
في مملكةٍ تسقط في الخراب
وتنام على جسد بغيّ مؤمنة
وتدعو إلى الموائد دمامة الصُّرّة
وجَمال البلاستيك وجِمال الماستيك والعقد الفراشية
بعد أن دخلت عالمَ صيادي الحيتان اليابان
وتركت على أبواب نسائها
الزمنَ من ورائها
يطرقها بقلم أحمر الشفاه
ووهم المتعة
وغرام الذين لا غرام لهم غير الدم والمال
من كرادلة ثياب النوم
تاه العالم في ضباب نهد
أهوج
ولم يعد وحده الآن غريبًا عن ظله
وعن ظلالنا نحن اليوم كلنا غرباء
على ضفاف ردف!

(يهدأ)

لنترك هذه البلاد لأهلها
ولنذهب إلى بلادٍ فيها الكلاب ناس
أو لنعش وحدنا في جزيرةٍ ليس فيها
غير جوز الزوج
ليكن الرمل الأصفر ذهبنا
ولتكن الطيور إخوتنا
ولنأتِ من عند
المحار بِصَدَفٍ
نبني منه بيتنا
ومن لغة المحار
نجعل لغتنا
ولا نريد
لا نريد للبحر المراكب
ولا للأرض الأسوار
ولا للسماء من غير النجوم ثوبا
ولن نقاوم
سطوة القمر علينا

عائشة:

جزيرة لنا وحدنا أيها المغامر
والفساتين لي من ورق الموز
والبيت لي من غمام مسافر
والسرير لي من أعواد النخيل
والرفيق لي عصفور ماكر
يلقي النظر على جسدي خلسة
وأنا أسبح في النهر عارية
عصفورٌ هاتك
يثير الحسدَ في قلوب خلانه

عامي:

وفي قلبي
عصفورٌ عاشق
يا ما أحب العصافير إلى قلبي
عندما تجعلني أحبك أكثر
يا ما أحب الأقمار إلى قلبي
عندما تغسل جسدك بالفضة
يا ما أحب الشموس إلى قلبي
عندما تحرق بياضك بالبرنز
يا ما أحب النمل
ومراكب النمل المبحرة
على خصرك
يا ما أحب النحل
ولدغ النحل الذي هو القبل
يا ما أعز النار
ومجامر الهوى
والغابات السوداء عندما تحترق

عائشة:

والأفكار الهمجية عندما تتهذب
والكلمات الشَّعْراء التي لا تعرف غير علاماتها
والأشياء البيضاء
التي تصبح حريقًا قِرمِزيّاً
حريرًا قِرمِزيّاً

عامي:

وإذا ما أردتِني فضاءً للندى
كنت الفضاء
وإذا ما أردتِني حصانًا للمدى
كنت الحصان
وجعلتُ لك من روحي حافرا

عائشة:

ومن نفسي لك مالاً وبنينَ
وحقلاً
لا سياج فيه
ولوزًا وحرية
ومن تاريخ النحل تاريخا

عامي:

وإذا أردتِني نداءً للزمان
كنت النداء
فتعيدين لي ما فقدته على بطنك
وما سلبته لغيري
ليس كما لو كان لي
بل لأنه لي ولك
ولكل كائنات الجزيرة
أخوتنا

عائشة: (حزينة تعيسة فجأة)

يا لتعاستنا
يبقى الحلم إضمارا
وتبقى لنا فَوْعَةُ الحُمّى
تبقى الجزيرة بعيدة
غائبة في ضباب
الأمنية
ويبقى النصل المتنبئ بوقوعِ
حادثة
سيخرجون من كل مكان
إلينا
سيخرجون حتى من الفكرة
ومن القمقم السحريّ
ويأتوننا زرافاتٍ ووحدانا
سيكسرون جرار العسل
في الجحيم الذي لهم
وسيهدمون الأعشاش التي لم يبنوها
على ضفاف النهر الأ ُخْرَوِيّ
سيعلون جدار الشرف
في الجحيم الذي لنا
وسيمحون العار عن شفرة الماضي
أنا الماضي المدمى

عامي:

وأنا الماضي المستبد
عندما أخون وعندما أخلص للهوى
أنا اليد
التي ستغدو سورًا من نارٍ بيننا وبينهم
أنا الكنف
الذي سيأخذهم تحته أعمدةً من غبار
وأنا النقع
الذي سيكون لهم عميقا
أنا الهوى المجنون

عائشة:

وأنا الجنون
الذي كان للهوى صفةْ
وللسلاح
بعد ارتكاب الخطيئةْ
خطيئة هواك
وغدا جريمةْ!
أهلُكَ لا يعرفون أن الهوى مقصلة 1948
وفضيلة 1789
وأهلي لا يعرفون
أن في قتلهم لي مأثرةً لغير المحبين
هم لا يدركون
غموض اللحظة
فهم يغرقون في الوضوح
قتلُهُم كان واضحا
طردُهُم كان واضحا
سلبُهُم كان واضحا
سحقُهُم كان واضحا
موتُهُم كان واضحا
وفقرُهُم وتيهُهُم وعذابُهُم
كل هذا كان واضحًا وضوح الجُمَل
الناهلةِ مِنَ الجروح
اسألِ الطيور عن أعشاشها التي غابت عنها إذا ما غمضت أزمانها
في ركابِ الرَّمَلْ
واسألِ الزواحفَ عن جحورها التي تركت إذا ما غمضت أماكنها
في اختلافِ المِلَلْ
واسألِ الأسماك عن حجارتها التي لونت إذا ما غمضت ألوانها
في بحورِ المَلَلْ
سيقتلني الوضوح
أنا الغموضُ الوفيُّ للأَمَلْ
أنا الإبهام

عامي:

وأنا الإذعان للإبهام
لئلا أكون الوداع
كنت الوداع لدهورٍ من البياض والحنطة
ولن أكون الوداع
وأنا الخضوع للالتباس
لئلا أقول الوداع
قلت الوداع لإرادات الوكالة عليّ والأنا
ولن أقول الوداع
كيف الوداع
واللقاء قد جرى فوقَ قنطرةِ الأمس؟
أتذكرين بكاء السوسن علينا؟
بكى علينا السوسن على ضفاف الأمس
وانفطرت قلوب السنابل
ولشدة ما احتكت على صخرة اليأس
نعمت للنسور المخالب
ولن أكون الأوجاع
كنت الأوجاع لأسرابٍ من النمل والنحل
ولن أكون الأوجاع

عائشة:

أنا الأوجاع فكني
الأوجاع مرحلة
رحلة اليأس الأخيرة
وشراع أرملة
فقدت زوجها في الحرب
أنا الذنب
ذنب بندقيةٍ لم تشأ وضعَ حدٍ للأوجاع
بعد أن كشفت لها وردة
في الحديقة عن سرها
أنا حق كل الموجعين في قتلي
وقانون الشهيد
الذي سنه أحبابي
دعني أدخل جحيمي بإرادتي
إذا كانت في جحيمي للأوجاع نهاية

عامي:

وأنا؟
لأي جحيم تتركينني
حرًا؟
هذه الدنيا جحيم من بعدك
فخذيني
معك
إلى جحيمك
جحيمك نعمة
والنار فيه فاكهة
وصراخ المعذبين شدو
وقبل أن نقضي نحبنا نحن الاثنين
دعيني أرفع السماء على كتفيّ
وأغدو جناحًا للسحاب
دعيني أقطع الصحارى بظِلفيّ
وأغدو ظبيًا للسراب
دعيني أجعل من العالم جزيرة كبيرة
فلا نشعر بالوحدة
ولا نشعر بالضياع
لنعش لحظتنا الأخيرة
قبل أن نموتَ معًا
ونقولَ الوداع
لغيرنا

عائشة:

ستبقى أنت حيًا من بعدي
لتنتقم للزنابق
بعد أن أغدو للزنابق الفكرة المهلكة
وللمشانق الجذوع
سيكون عصر المغول
ولن ينام البشر في الليل
بانتظار الدخول
في سعير عوالم الآلهة
وسأكون كما كان عليّ أن أكون
أمنيةً للبرابرة

(تسمع أصوات آتية لخيل وأناس وعربات وقعقعات كلاشينكوف وهناك صيحات:
الموت للخائنة! الموت للخائنة!)

آه يا موعدي القادم مع الخلاص!

عامي: (يشدها إلى صدره ويبكي)

آه يا موعدها القادم مع الجناية!
كيف الإخلاص؟
هل أخبئها في جذع شجرة؟
سيحرقون الأشجار
هل أعهد بها إلى حضن وردة؟
سيقصفون الورد
هل أطير بها على جناح قبرة؟
سيطلقون النار على القبرات

(تبعده عنها وتذهب باتجاه الأصوات)

ارحميني أيتها الأقدار الغبية
لا تعانديني أيتها الآلهة الصماء
ذات الحضارة الهمجية
على الأرض تبدأ أولى الخطوات إلى الأبدية
وعلى الأرض تنتهي
فاتركيها لي
أنا خادمك الوفي
اتركيها تقطع العمر مذنبةً كانت في أعين القضاة
أم مئذنة
حتى نهاية العمر
واجعليها في قلب الكذبة
صورةً
رمزًا أو مِحْبَرة
فقط اتركيها
ولا تتركيها للطلقات
حقلاً أو احتفالا
اجعليها السابق للجريمة
واللاحق لها

عائشة:

آه يا موعدي القادم مع الحرية!
أصبو إلى العناق مع جسدها
الملتهب
يوم تندك القلاع
وتصبح الحدود ذكرى من الذكريات القديمة
فتأتي أمواج البحر حتى قدميّ
أصبو إلى الغوص في أزرقها
المترامي
يوم تعيد عكا إلى بطنها سرتها
فيحلم أبي بالمراكب التي أبدًا لن يأخذها
أصبو إلى الرضوخ لعبوديتها
الحادبة كأم
يوم أَخْضَعُ كما خضعت أمي لذئبها العاشق
كانت المهمة أن أقتله على طريق الهوى لفلسطين
فوقعت في هواه
وعلى فلسطين أن تقتلني الآن
وتحررني
آه يا موعدي القادم مع اللا امتثالية
وهزيمة النهود
وانتصار الكهوف على الفهود
القميئة!
آه يا موعدي القادم مع عودة الأماني
لتثمل الأماني في خوابي جدي
العتيقة!
آه يا موعدي المغادر مع البرتقال الكاسف الوجه
على عاشقٍ من عندنا أحبته أمي
كولدها!
أنا في الطريق إليك يا حبيبي
لم أضل الطريق!
أنا القبلة التي لم تَنَلْها بسبب الريح يا حبيبي
لم أغلق النافذة!
أنا الجسد الشهي الذي تيبس بعيدًا عن أصابعك يا حبيبي
لم تلدني العاصفة!

(يكون عامي قد ارتدى قميصًا أبيض وسروالاً أسود)

هل أنتم هنا؟
أنا لا أجدكم من أجل تحقيق الأمنية

عامي:

ضلوا طريقهم إليكِ
أضلتهم الآلهة
بعد أن استجابت الآلهة لدعائي!
أسودٌ أنا وأبيض
اليومَ كالبارحة
ككلِّ آدميّ
البارحة كان أبيضي حلمًا
مهولا
وأسودي حلمًا مهولا
واليوم أسودي حلمٌ مهول
وأبيضي حلمٌ زهريّ اللون
لم يبدأ بعد كأسودي
ولن يكون أسودَ كأسودي الماضي
أسودَ من السواد كان أسودي الجهنميّ
وسعيره لم تعرفه الأديان
عرفه بعض البشر
ولم تعرفه الآلهة
فلم يكن من صنعها وهي القادرة
على النفخ في الرماد
وتحويل العالم إلى مَحْرقة
اسألي الطيور التي احترقت بسعيري من أين جاءت
تقل لك من دير ياسين
واسألي الظباء التي تفحمت بسعيري في أي بلد كانت
تقل لك في كفر قاسم
واسألي صغار الذئاب التي التهمها السعير قبل أن تغدو ذئابًا كبارًا
على أي طريقٍ تاهت
تقل لك على طريق نابلس-جنين
سقط المطر بعدها
وألسنة سعيري ما انطفأت
التهمت ألسنة سعيري كل أسماء العلم
أنا الأسود الخائن للأبيض يا حبيبتي
أنا من يستحق الموت أيتها الرصاصة
وما انطلقت الرصاصة في قلبي
بعد أن حماني الأبيض
حتى أبيضي لم يكن أبيض
تماما
أن آخذَ شوكولاطة بالحليب وقطعتي بسكوت بالمربى مع أمي في الصباح
وفي المساء كأس بيرة مع قائدي
كان أبيضي
وكان قائدي يحدثني دومًا عن طفلٍ له يحبه لم يعرفِ الأسودَ ولا الأبيضَ بعد
كان ذلك أبيضه الذي لم يكن أبيض
تماما
كان أبيضه ملطخا
بدمِ طفلٍ لغيرِهِ لم يعرف هو الآخر الأسودَ ولا الأبيضَ بعد
وكنت أسأل نفسي
في الليل قبل أن أنام
هل سأحب طفلي مثله؟

(تُسمع بعض الطلقات القريبة فتخاف عائشة وتعود بسرعة إلى ذراعي عامي
لتختبئ بينهما)

سأموت عنكِ
بجدارة
لأجلِ طفلٍ لن أنجبه
منكِ

عائشة:

بل سأموت أنا
لأني عدم الوفاء للأبيض
وأنت الوفاء
وفاء اليوم
وحقد اليوم على الأسود
ولأني الخيانة للشجاعة
بعد الخيانة للسلاح
ولأني الإخلاص للجبن
بعد الإخلاص للتقهقرِ من كوكبٍ لكوكب
انظر كيف أرتعش فزعًا بين ذراعيك
إلى درجةٍ لا تصدق!
وأنا كنت صغيرة كنت أخاف
من القطط والذباب الأبيض والأسود
وكنت أهرب منها إلى ذراعي أمي
فترفضني ذراعا أمي
وتضربني أمي
لأني كنت في ظنها بنتًا كبيرة
وعليّ ألا أخاف حتى من السباع
في النهار
وفي الليلِ من كائنات الليل الرهيبة
حتى من الضباع
حتى من كل عفاريت عالم الجن الأزرق
ولكني كنت أخاف من القطط والذباب
كان ذلك شيئًا أقوى مني
وكنت أخاف من الفراشات
السوداء والبيضاء
ومن ضوء القمر لما يكون بدرا
ومن البرتقال البرتقالي
ومن التين الباكي
ومن نظراتٍ للراعي كانت شبقة
كنت أخاف من كل فساتين أمي الطويلة
ومن جديلتيها
وكنت أخاف على سماعي لتنهداتها وقت القيلولة
وهي تنام إلى جانب أبي
وبقيت أخاف
عندما كبرت وكبر نهداي
وبدأت أحلم بعناق ابن جيراننا
الذي حاول مرة تقبيلي وتمانعت عنه
ثم عدت أحلم بعناقه
أصبح الخوف لي متعة ما بعد البراءة
وما قبل التوتر
في العزلة
مع الأصابع
وعندما جعلوا الهزيمة في كل مكان فينا وما بيننا
في الفراش وفي الطعام وفي الضمائر
بقوة خوفي القديم
امتطيت فرس الجبن
إلى التحرير
كان عليّ أن أقوم بفعلٍ ما
أن أثبت جدارة خوفي
أن أكون شيئًا شبيهًا بالشيء الذي أرادته لي أمي
يوم كنت أختًا لعصا الضرير
واليومَ
منذ قليل
والرصاص على مرمى حجر
من النهاية
يستعيدني خوفي من بين ذراعي أمي
ليلقيني بين ذراعيك

عامي:

ذراعاي لم يعودا كتيبةً شديدةً يا حبيبتي
ولا حصنًا منيعا
سأذهب إلى البداية
إلى ذنب الكبار
وأضع حدًا لخوفك
بتعريض نفسي للموت
غالبا ما كان هكذا الشفاء
أن يفتدي المرءُ المرءَ
وأن يكون الفدية
فتنتهي كل مخاوفك
مخاوف النفس من النفس وعلى النفس
وتغدو المخاوف على الجسد واحدة
والمخاوف على الأرض
من أجل أشجار الغُلْمَة

(تُسمع بعض الطلقات الأخرى القريبة فتختبئ بين ذراعيه من جديد لكنه يبعدها
ويذهب باتجاه الطلقات بينما هي تذرف الدمع)

إلى التنفيذ
وبسرعة
يقول الذئب الذي كنته
وها هي تبكي على الذئب
إلى القصاص العادل
يقول طفل قائدي الذي كان له
وها هي تبكي على طفلٍ من أطفالِ العدو
إلى البداية للنهاية الواضحة
يقول ماضيّ البعيدُ الذي كان لي
وها هي تبكي على ماضيّ المغتصِب
من أجل دمع ٍ كهذا أغزو العالم
وأجعلُ من كل النساء أرامل
وزوايا للنكاح
ومن أجل دمعٍ كهذا أسقط على الأرض
رجمًا عظيمًا مدمرًا مجرمًا ما لم
تجفف دمعها
وتطلب مني العدول عن الإفراط
في الاعتدادِ بنفسي
يا لروعة المأساةِ وكل هذا الدمع المفجر للحمم!
يا لجمال
الفاجعة!
من أجل دمعٍ كهذا أعِدُ كلَ الأمم
بغيرِ وعدٍ كان لإبراهيم من الإله
وبقبلةٍ من ثغرها
لم يحلم بها آدم

(يرى المشاهدون كلاشينكوف يخرج من الكواليس ومن الناحية المضادة
للناحية التي ذهب منها عامي دون أن يروا حامله)

عائشة: (تهمهم)

آه يا أمي
نسيني الأمسُ
ولم أنس شمسَ أمسِكِ
نسيني الغدُ
ولم أنس قمرَ ليلِكِ
لم أنس طعمَ خبزِكِ
لم أنس رائحةَ ثوبِكِ
لم أنس لونَ ظلِكِ
الأخضرَ في النهار
الأزرقَ في البحار الدامسة
لم أنس لمساتك الناعمة
وها أنا أسمع صوتَكِ
تنادينني وأنت صامتة
وها أنا أفهم الآن ما كنت ترددينه في الصباح والمساء
عن فراشةٍ شاحبة
ولا أفهم معنى الشحوب
ككلِّ حقيقة
حقيقية
تتطورُ معَ التاريخِ
وشتى الهموم
الجوهرية
فأسألُ الدروب
القصية
عن مدلول البعد
وعن مداه
على جناحِ بلواها
وأسأل الدروب
الأبية
عن مضمون القرب
وعن جدواه
على شراع سلواها
قبل أن أسأل روحي
فأنتِ شدوت في الليل شذاها
وعبقتِ نفسي
وأسأل نفسي
فأنتِ أرقت في الصيف نَداها
وسقيتِ قلبي
واسأل قلبي
فأنتِ أضرمت في الشوق لظاها
وأنرتِ عقلي
واسأل عقلي
فأنتِ أبصرت في القمح جواها
وتبرتِ كياني
وأسأل كياني...

(يطلق حامل الكلاشينكوف النار على عائشة ويصيبها في ظهرها برصاصة قاتلة ثم يختفي الكلاشينكوف بسرعة. يصرخ عامي على رؤية عائشة صريعة صراخًا يمزق نياط القلوب، وبعد بضع لحظات من الذهول يجرجر نفسه إليها، ينقل نصفها الأعلى في حضنه، ويبكي بكاءً مرًا)

عامي:

قتلوا كل الظباء بقتلها
وكل الطيور
وكل النسور العاشقة للقمم
في برلين قتلوها
مرة بأمرٍ غبيّ
ومرة بكلامِ الغزل
قبل هذا الوقت بكثير
يوم أحبتني
لتثبيط الهمم
ودَفْعِنا إلى الرحيل
وفي موسكو قتلوها
بمنجل
وفي نيويورك قتلوها
بدولار
ثمنًا لبرميلِ دمٍ لونه أخضر
قتلوها مراتٍ عدة
لتأكيد قتلها
ودائما لغاية
قتلوها وألبسوها في كل مرة
ثوبًا جديدا
وأعطوها هوية
للرقة
وامتلاك الثدي
واستغلال الفاكهة
كيف النسيان
وهي امتداد القتل للقتل
وثمرة العودة إلى الجنة؟
لم نعرف كيفَ
فوقعنا بين براثن الشارع الخامس
ودخلنا كلنا في القبعة
وغدا العم عمنا وسيدنا
ولم نعدِ النغمة
على الشفاه
تركَتْنا كل الألحان
إلى سيمفونيةٍ ذي إحدى عشرة زاوية
وكل الألوانِ تركتنا
وكل الأنوار
حط الظلام علينا
وبدت لنا حرية الدم
الحرية الوحيدة

(يشدها إلى قلبه ويبكي)

سأمارس هذه الحرية من أجلك
بإعلان الحرب على الذات
بعد أن جثم الزمان على كاهلي
وجرّد يدي من احتمال يدي
ونفسي من احتمال نفسي
وظلي من احتمال أبي
حتى ضاقت بيَ الأحلام
ومن أجلك
لن أهادن الغير حتى ولو كانت بالمقابل كل مانهاتن
سيكون بأمري غرابًا ينعق في النهار
سيكون قمرًا صناعيًا
سيكون فيلمًا إباحيًا
سيكون لحىً محنطة
وسآخذ من الأبيض حذري
فالحذر ضمان
لن أذعن للرمسِ قرب سنترال بارك
ولن أخضع إلا للمِزاج
النزفيّ
سأكون المِزاجَ وما فيهِ من خَدَرٍ أخضر
وخِدْرٍ للنساء
يوم يغدو كل الرجال نساءً وقنطرة
بين أنقرة وطهران
وبين طهران وتل حبيب
سأرفض كل تاريخي القديم وكل تاريخي الحديث
لن اقبل بيعقوب أبًا ولا بالمزامير
أ ُمّا
لن أقبل بالحائط أخًا ولا بكورنيشات يافا أختا
لن أ ُقَبِّلَ حذاء الأمير
سأجعل مني قدر هواك
ومنك تاريخي الوحيد
المهلك
وسأصنع للخرافة منك خرافةً جديدة
كي تنبت للنحل مناقيرٌ شرسة
وللقرنفل أسنانُ سمك الضار
كي يكون للتفاح أثرُ سُم الأفاعي
وللعنبِ مذاق الحَمْض
كي تثور العواصف في مهدها
ويزول من العالم عطف الأثير
بعد كل هذه الخَنازيريّات
لن يهنأ العالم من أجلك
سأكون ربًا للقنبلة
ومن أجلك لن أهادن أحدًا من الآلهة
سأقتل كل القتلة وغير القتلة
وسأدمر السفن الراسية منها والمبحرة
سأخرب كل الطرق المؤدية إلى روما
وسأفجر القطارات الذاهبة منها والآيبة
سأفلق القمر على حواف البحيرات
وسأدمي النجمات الوفية منها والخائنة
سأكون لنهدك متعة الجنرالات
فآخذ دورًا في مرحلة القتل والتدمير الآتية
الطريقةُ الوحيدةُ لإثباتِ تعددِ
الوِجدان
وللانتقام
من أجلك يا حبيبتي!

(يشدها من جديد إلى قلبه ويبكي ثم يجفف دمعه)

سأجعل من الأيام الستة ستين عامًا
عصيبا
تلد فيها الحبالى كائناتٍ غريبة
تكون لي جيشا
فلن يكون التأسيس الجديد سهلا
ولا اجتياح العالم
رغم تواطؤ الجميع
لن أكون أنا من أجلك يا حبيبتي
سأكون ما يراد مني أن أكون
لن أكون الحب الذي أردتِهْ
وسأكون حقد الثواكل
لن أكون الأمل الذي سعيتِ إليهْ
وسأكون يأس الأرامل
لن أكون الحدود المفتوحة
ولا العاصمة الواحدة
ولا حتى سقفًا يرفعون عليه علما
سأكون قرار الضفادع
سيدات العقل والمال
سأكون أداة قتل الجسد أو قتل النفس
عند امتداد الازدواج
وسأكون في قدم تمثال النحاس نعلا
ومسمارًا أسود وأبيض
وفي خاصرة نجد نصلا
وخمارًا أدهم وأسحم
وسأكون في حلق النيل إبرةً
وسكينًا على مائدة التماسيح
وسأكون في سرة السين عينا
وثغرًا للبائسين
وللبائسات من بنات الهوى
بناتنا اللواتي لم ننجب يا حبيبتي
لتبقى الأوضاع على ما هي عليه إلى الأبد
أبدنا
بعد أن دخلتِ عالم الخلود...

(تسمع أصوات آتية لشاحنات وأناس ودبابات وقعقعات عوزي وهناك صيحات: الموت للخائن! الموت للخائن!... ثم تسدل الستارة)


الجزائر 1968
باريس 2010





























أعمال أفنان القاسم

المجموعات القصصية

1) الأعشاش المهدومة 1969
2) الذئاب والزيتون 1974
3) الاغتراب 1976
4) حلمحقيقي 1981
5) كتب وأسفار 1988
6) الخيول حزينة دومًا 1995

الأعمال الروائية

7) الكناري 1967
8) القمر الهاتك 1969
9) اسكندر الجفناوي 1970
10) العجوز 1971
11) النقيض 1972
12) الباشا 1973
13) الشوارع 1974
14) المسار 1975
15) العصافير لا تموت من الجليد 1978
16) مدام حرب 1979
17) تراجيديات 1987
18) موسى وجولييت 1990
19) أربعون يوما بانتظار الرئيس 1991
20) لؤلؤة الاسكندرية 1993
21) شارع الغاردنز 1994
22) باريس 1994
23) مدام ميرابيل 1995
24) الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون 1995
25) أبو بكر الآشي 1996
26) ماري تذهب إلى حي بيلفيل 1999
27) بيروت تل أبيب 2000
28) بستان الشلالات 2001
29) فندق شارون 2003
30) عساكر 2003
31) وصول غودو 2010
32) الشيخ والحاسوب 2011

الأعمال المسرحية النثرية

33) مأساة الثريا 1976
34) سقوط جوبتر 1977
35) ابنة روما 1978

الأعمال الشعرية

36) أنفاس (مجموعة قصائد أولى – ثلاثة أجزاء) 1966
37) العاصيات (مسرحية شعرية) 1967
38) المواطئ المحرمة (مسرحية شعرية) 1968
39) فلسطين الشر (مسرحية شعرية) 2001
40) الأخرق (مسرحية شعرية) 2002
41) غرافيتي (مجموعة قصائد فرنسية) 2009
42) غرب (ملحمة فرنسية) 2010
43) البرابرة (مجموعة قصائد أخيرة) 2008 – 2010

الدراسات

44) البنية الروائية لمصير الشعب الفلسطيني عند غسان كنفاني 1975
45) البطل السلبي في القصة العربية المعاصرة عبد الرحمن مجيد الربيعي
نموذجًا (جزءان) 1983
46) موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح 1984
47) البنية الشعرية والبنية الملحمية عند محمود درويش 1984
48) نصوص خاضعة للبنيوية 1985 – 1995
49) دفاعًا عن الشعب الفلسطيني 2004
50) خطتي للسلام 2004

[email protected]
















المواطئ المحرمة تقلب النظام القائم رأسًا على عقب عندما اختار أفنان القاسم شخصيتين لهذه المسرحية الشعرية إحداهما فدائية فلسطينية والثانية ضابط إسرائيلي، وكل محاور البنية الدرامية تقوم على الصراع المتقلب بين حب وبغض، وقد أخذ هذا الصراع، لديمومته دون حل للمسألة الفلسطينية، مظهر الصراع "الأزلي"، الصراع الميتافيزيفي، لهذا بقيت هذه المسرحية التي كتبت لأول مرة في أواخر الستينات جديدة بحضورها، وبقيت فكرتها الرئيسية مبتكرة وجريئة بل ثورية، لأن ما عودتنا عليه النصوص التي تعرضت لنفس الموضوع كانت كلها تدور حول حب فلسطيني ليهودية وليس العكس، فنحن نلج إذن منذ قراءتنا للأبيات الأولى للمسرحية في عالم معقد نسعى إلى حله مع المؤلف والكشف عنه كلما توغلنا في أعماق النص ووقفنا على أشيائه السيميائة، والمدهش أن التوغل يظل دراميًا أولاً وقبل كل شيء، ومتعة القراءة هنا تماثل متعة المشاهدة.

لا توجد مسرحيات شعرية فلسطينية إطلاقًا ولا عربية إلا نادرًا، وأفنان القاسم هنا من أجل المسرحة يكسر القافية الشعرية ليتحاشى السجع ونهايات الأبيات التفخيمية التي استقاها محمود درويش من التراث وكرسها في الوعي العربي والأدب العربي لتُماشي الفكر السائد، ولسيطرة محمود درويش التامة على اللغة كان على أفنان القاسم أن يحطم كل شيء، ويبتكر لغة جديدة، وكذلك أن يحل الموسيقى الذهنية محل التفعيلة، مما أوجب النغمة الجديدة المموسقة للفظة الجديدة تحت استعمالات جديدة وبالتالي إبداع صورة جديدة واستعارة جديدة ودلالة جديدة.





* أفنان القاسم من مواليد يافا 1944 عائلته من برقة قضاء نابلس له خمسون عملاً بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ومجموعة شعرية ودراسة أدبية أو سياسية تم نشر معظمها في عواصم العالم العربي وتُرجم منها اثنان وثلاثون كتابًا إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والروسية والعبرية، دكتور دولة ودكتور حلقة ثالثة من جامعة السوربون ودكتور فخري من جامعة برلين، أستاذ متقاعد عمل سابقًا في جامعة السوربون ومعهد العلوم السياسية في باريس والمدرسة المركزية الفرنسية وجامعة مراكش وجامعة الزيتونة في عمان والجامعة الأردنية، تُدرّس بعض أعماله في إفريقيا السوداء وفي الكيبيك وفي إسبانيا وفي فرنسا...



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العاصيات
- غرب
- العودة
- وظائف الكلام في قصة الزكام لنبيل عودة
- الحجر
- نابلس
- شمس مراكش تحرق الأصابع
- بركات
- الأطفال يتكلمون لغة واحدة
- أفنان القاسم يجيب على أسئلة الحوار المتمدن
- الرسامة الصغيرة
- العاملة التي أحبت الكاتب
- الحزب والموسيقى
- السيدة التي لم تقرأ الجريدة
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - المواطئ المحرمة