أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - هكذا قضيت ليلة الميلاد في الناصرية














المزيد.....

هكذا قضيت ليلة الميلاد في الناصرية


محمد نوري قادر

الحوار المتمدن-العدد: 3599 - 2012 / 1 / 6 - 13:51
المحور: الادب والفن
    




هي ليلة كسواها بلا أقراط تتدلى ولا أزهار نتراشق فيها بموّدة ولا إشارة لرحيلها , ولا ما يميزها عن الأخرى , المقاهي كرهت مبكرا حضورها ,تتدثر بغفوة ثكلى وتهاني خَجلة وتصفع يومها القادم بالشك , وكما هي الليالي الأخرى التي مضت تنتحب خطانا وتنقرض بصمت وسكون مثلما انقرضت أحلامنا وتركت خلفها العويل , لم يوجد فيها ما يدعو إلى الفرح ويبعث الدفء , الدفء الذي هجرنا معظم الفصول , لا شيء أبدا من هذا القبيل , كأنها تعيش بمعزل عن محيطها , وكأنها أيضا نسيت ثيابها وما تتكئ عليه , تأكل شهوتها وتقف عند مفترق صاخب للطريق , تتلفت من يطاردها وخلفها البهاء وهي بحق تمسك المفاتيح . كم أنا مولع بها مثل أصحابي وأبنائها الطيبين , وكم أنا لا أقوى على فراق دفئها وان أصبحت كأنها من مدن الجحيم تزفر الآهات من جوفها كأنها حمم تقذف ونتلظى بها , ولا أحدا يرى ويعرف كم تدثرت بالوهم . كم أحببتها تعزف ما اشتهيه من النغم , وكما هي , رغم إنها الآن تجهش بالبكاء وهذا الهذيان اللامجدي , ورغم نسيانها لي وخطواتي التي أفنيت عمري لأجلها وما انشد , لأنها مسكونة في ظلي ومسكونة أيضا بالوعي , لأنها قلادة كتبت عليها اسمي , لأنها كل شيء تطرب أذني رغم التجني , لذلك كتمت هواجسي وقررت أن اخرج من عزلتي وأودع بصمت ليلة أخرى تمضي ويوم أخير من عام تلظت كل جوانبه وشجونه , وبي رغبة مجنونة أن أرى نهر الفرات واخبره ما يجري وما جرى , واني لم أزل عاشقا له وكما كنت فيما مضى وأشاركه همومه في مدينة منسية في قاع الكون تعثرت الطرب وزادت من صخبها وجع .
لم يوجد فيها ما يوحي إنها تستقبل عام آخر ,إنها شاحبة وتسكب دموعها وتترنح من الظمأ , كئيبة حد الثمالة من القدر والتوبيخ ومن القلوب المدماة , ترتعش رمادها والذكريات , تقرع الأجراس ولا أحدا يسمع , تلهث من الضجر , تبكي عشاقها الذين غادروها من الوجل , تتسول البسمة وتتعكز أحلامها في سماء غائمة ولم تعرف ألوان قوس قزح , غبارها طمر الحقول المترامية , وعكر دهشة القمر , هكذا هي , وهكذا تمطر شوارعها أسئلة وأنا أتجول فيها , كأن لا احد يهتم لأمرها , كما هي أحلامنا .
كم شعرت بالأسى على صمتي وعلى حالها وعلى انخفاض الأمل وانحراف شمسها ومن يطعن بلا هوادة خصرها , كأني أتجول في مدينة تسكنها الأشباح , معبأة بالصمت ,أبوابها موصدة بعلامات الاستفهام .
عند الجسر , في الضفة الأخرى , حيث كنت قادما من محلة الإسكان , وبعد أن ألقيت تحيتي على النهر , وقع نظري على بستان زامل الذي لم يبق منه سوى بعض شجيرات وبعض من أشجار النخيل تذكرت صديقي الراحل علوان الدسم فجأة لأنه كان يعشق البلابل التي سميت باسم البستان والتي لا يجني سواها لأنها عذبة كالفرات وشدوها يبهر الأنفاس وتنطق هياج الأرواح وسكونها , ومضيت أتعثر الذكرى وازفر غياب من رحلوا من اجل صباح بلا فخاخ وأغاني تملأ هذا الفراغ الشاسع الذي امتدت به أطراف الخريف طويلا , وسلكت طريقا بعيدا عن شارع ألحبوبي ,هو زقاق بالأحرى قرب المحكمة ونادي الجزائر سابقا لاني اكره رؤية المستشفى منذ طفولتي ومن رائحتها الكريهة التي تصيبني دائما بالدوار , أدمدم بكلمات لم افهمها ولم اعرف كيف خرجت من فمي , ربما شعرت بضيق ما لمسته وما يفزع المرء حين يرى ما لا يطيق أن يراه . كيف أصبح الأمر هكذا , وما جدوى من لا يعرف المرح ,ومم كل هذا الفزع ؟ وهل حقا من يعيش هنا يطربه الصباح ؟! وكيف يُختم على الأيام .. هذا اليوم لن يعود مرة أخرى , فوقفت ارثي من أحبها وأحبهم , ومن الخداع الذي طال أيامنا وأنا أتعكز الفرح واقبل المرآة التي يلفح هوائها وجهي , لم ينقصها شيء , الوهج ما يتعلل به البعض , وهو في عمقها يجري , حزنت لمن يدري ومن لا يدري ومن يفتعل العري ومضرجا بالحماقة ينشد للخاتمة , حزنت لاني لم أجد من يصغي ومن لا يود مصافحتي , ومن لا يعشق التنزه مثلي , ومضيت أحث الخطى أودع الأرصفة وظلي , ولم أر ما أحب رؤيته ولم أجد متسكعا يريد التحدث معي , بل لم يوجد في الشارع غيري حتى وقفت عند محل النافذة لصديقي حسون الشنون وهو يرتب قفص لببغاء اشتراه على ما يبدو حديثا فهو أيضا يعشق الطيور كما الألوان والغزل ,والخفق يلبسني ثوبه , ويعصف على العشب مرآته على عام آت يصرخ توتره ويشل تفكيري ,ولم يحرك في المدينة جناح . شعرت بالضجر الذي يلاحقني دائما وعدت مسرعا إلى كهفي كأن السأم قط يخدش بأظافره روحي ,هكذا قضيت ليلة الميلاد في الناصرية انتحب ظلها وظلي , والورم ارتفع أعلى من المفاصل ويأبى أن يفارق قدمي .




#محمد_نوري_قادر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكوى غريق
- أين تمضي ؟
- فم آخر للشكوى
- لص فوق العادة
- أسئلة رائحتها القلق
- أختام الرغبة
- محسن الخفاجي :طائر يخفق جناحاه ولَه
- القوارض لا تعرف الألفة
- عبد الرحمن مجيد الربيعي
- جسد ينطق الخوف
- القنديل ضاحكا
- همس ساخن
- هكذا أراكم
- ترنيمة مسافر
- أعمدة الخراب
- أغنية الفصول
- افواه خجله
- قارع الطبل
- طقس قلق
- ساعات ساخنة في اوراق مسافر / 5


المزيد.....




- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - هكذا قضيت ليلة الميلاد في الناصرية