أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر















المزيد.....

فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1064 - 2004 / 12 / 31 - 09:47
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


"السيادة هي أن تخاطب
الدولة أفرادها بلغة المواطنة
وان يخاطبها أفرادها بلغتها"

تكشف أحداث ومجريات المواجهة المسلحة من جانب مختلف "المدن" والفئات الاجتماعية والجهات السياسية والطائفية ضد الدولة الآخذة في التكون عن استمرار فقدان السيادة الفعلية. كما تعكس في الوقت نفسه فقدان الرؤية الوطنية وانعدام الذوق السياسي والاجتماعي، الذي يشير بدوره إلى نفسية تقترب من حيث نتائجها الفعلية من نفسية الخيانة السافرة للمصالح الوطنية العليا.
فالتجربة التاريخية لفقدان "السيادة" واسترجاعها في العراق تبرهن على انها مجرد نتاج طبيعي للعملية التي رافقت مد "الطوفان" وانحساره، أي النتيجة الملازمة لابتعاده عن مكوناته وحقائقه الكبرى، أي عن مرجعياته المتسامية، التي تتمثل فكرة الاستعراق مضمونها الفعلي. بمعنى الابتعاد عن تحسس وإدراك حقيقة الهوية الوطنية العراقية. إذ ليست حقيقة الهوية العراقية سوى المرجعية المبنية على إدراك أن العراق ليس تجمع أعراق، وانه هوية ثقافية سياسية، وانه غير معقول ولا مقبول خارج وحدة مكوناته الرافدينية والعربية والإسلامية، وان حقائق هذه المكونات هي جواهر ثقافية.
وبالتالي لا يعني مواجهة المساعي الفعلية لتأسيس نظام قادر على الفاعلية بمعايير الشرعية سوى الأسلوب النموذجي لحرف هذه المساعي عن محتواها المتراكم في ظل الشروط التاريخية الجديدة لبناء سيادة تقوم على فلسفة المواطنة الفعلية. إذ لم يكن "استرداد السيادة" الأولية من الاحتلال سوى البداية الأولية لمواجهة الإشكاليات الفعلية والأكثر تعقيدا لإيجاد النسبة الواقعية والعقلانية للتحرر من العبودية أيا كان شكلها ومضمونها. ولعل أهمها الآن هي أولوية التحرر من ثقل الزمن الهمجي للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية وما ترتب عليه من إشكاليات سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية وقومية وطائفية وأيديولوجية.. بمعنى ضرورة التحرر من تاريخ الملكية والجمهوريات الأربع من خلال إرساء أسس جديدة للدولة والنظام السياسي والمجتمع والثقافة.
وهو إرساء يفترض صياغة فلسفة سياسية جديدة للسيادة تعتمد مبدأ التحرر من تقاليد الراديكالية السياسية الدنيوية منها والدينية، القومية والاجتماعية، أي فلسفة مناهضة للعنف أيا كان شكله وشعاره ووسائله. وهي فلسفة تفترض الرجوع إلى ما ادعوه بحقائق تاريخه الكلي التي تشكل فكرة الاستعراق صيغتها العملية السياسية. وهي فكرة تفترض كحد أدنى شعور الانتماء الصادق إليه. وهو شعور لا يمكن تأسيسه على قيم وجدانية خالصة، لان مصيرها المحتوم هو التخريب الدائم. وذلك لان حقيقة السيادة تقوم في وحدة أبعادها الاجتماعية والسياسية والقانونية والأخلاقية. وهي أبعاد يستحيل تحقيقها دون سيادة الدولة القائمة على وحدة الشرعية والديمقراطية والمدنية والعقلانية.
ففي مجرى بناء هذه المكونات تتراكم حقيقة السيادة بوصفها النفي الشامل للنفسية والذهنية الراديكالية بمختلف أصنافها وأشكالها. بعبارة أخرى إن حقيقة البديل في فكرة سيادة الدولة هو سيادة كل من فكرة المؤسسات (النظام الديمقراطي) وفكرة الحقوق (الدولة الشرعية) وفكرة النشاط الاجتماعي الواعي (المجتمع المدني).
من هنا يتوقف إنجاز المهمة الكبرى لسيادة الدولة في ظروف العراق الحالية على كيفية تذليل ذهنية العنف. وهي مهمة يمكن تحقيقها عندما تستطيع الدولة مخاطبة أفرادها بلغة المواطنة وان تحصل بالمقابل على مخاطبة أفرادها إياها باللغة نفسها. حينذاك يمكن تذليل حالة الاغتراب التي ميزت تاريخ الدولة العراقية الحديثة عن المجتمع. فقد خرج العراق في بداية القرن الماضي من تحت الانتداب البريطاني، وها هو يخرج في بداية القرن الحالي من الاحتلال الأمريكي للحصول على سيادته "الكاملة". فبعد كل مائة عام يظهر له من يجدد له "دين" الاستقلال مرة و"دين" الديمقراطية مرة أخرى مع بقاء السيادة الحقيقة مبتورة أو منقوصة أو مشوهة أو مهدورة. وفي جميع الحالات يبدو هؤلاء "الغرباء" "محررين" و"مصلحين". وهي "رسالة" لها غرابتها وقيمتها التاريخية. فقد حرر الإنكليز العراق فعلا من شبح العثمانية الثقيل، كما حرر الأمريكيون العراق من همجية التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وأعطى ويعطي كل منهما "السيادة" للعراق. وما زال العراق بين السيادة الأولى والثانية يراوح في نفس المكان. إذ لا يعني الحصول على "السيادة الكاملة" الآن سوى بدايته من "الصفر" في تحسس وإدراك وتحقيق معنى كونه سيد نفسه ومستعدا للاتصاف بصفة السؤدد. وهي حالة فعلية لا تزويق فيها. فقد استعبدت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية العراق، وجعلت منه عبدا ذليلا وكسرت إرادته بطريقة ليس لها مثيل في تاريخه العريق. وكشفت عن إمكانية إزالته من الوجود! وبرهنت على أن احتمال اشتقاق اسمه من العرق ليست ضمانة لعدم اقتلاعه من جذوره الفعلية. وهو الأمر الذي يجعل من الغزو الأمريكي، الذي كان بمعنى ما النتيجة الطبيعية لاقتلاع العراق من عروقه، تحريرا بالمعنى التاريخي، قد يكون الأكثر رمزية ودلالة في وجوده المعاصر. وهو واقع يعطي لفكرة السيادة الحالية مغزاها المتميز ويجعل منها إشكالية متعددة المستويات بالنسبة للعراق وقواه السياسية والاجتماعية والفكرية. كما يجعل منها إشكالية متعددة الأوجه. والقضية لا تقوم فقط في ماهية ومستوى السيادة التي تمتع بها العراق في تاريخه المعاصر، بل وبحقيقة هذه السيادة بعد قرن من الوجود "المستقل".
أما في الظروف الحالية التي تميز مرحلة ما بعد انهيار الدولة ومحاولة استعادة بنائها على أسس جديدة، فان المسئولية الكبرى تقع على عاتق المجتمع وقواه السياسية وليس على السلطة فقط. فالأخيرة هي الجهاز العامل من اجل التصير. ومن ثم فان شكل ومحتوى وطبيعة مساره اللاحق يتوقف إلى درجة كبيرة على كيفية التعامل معها. من هنا فان الإرهاب والتخريب والمواجهة والعنف وما شابه ذلك من أفعال ونفسية وذهنية لا تعمل من حيث الجوهر الا على تفريخ الروح الراديكالي ومن ثم تخريب حقيقة السيادة الذي ميز تاريخ العراق المعاصر. ويفترض ذلك إيصال فكرة الإرادة الحرة إلى مداها السياسي والاجتماعي المعاصر من خلال نفي فكرة الولاية والولاة والملوكية ونفسية الارتباط العبودي بالسلطة أيا كان شكلها ومضمونها. ولا يعني هذا بدوره سوى التحرر من أية عبودية كانت. وهي غاية ممكنة التنفيذ من خلال إنجاز مهمة ولاية النفس، أي سيادة النظام الشرعي وحكم القانون. وهو المضمون الفعلي الوحيد "للقربان التاريخي" الذي قدمه العراق في تاريخه المعاصر من اجل السيادة. إذ لا يمكن تحقيق السيادة في ظروف العراق الحالية والمستقبلية دون التحرر من "تاريخ" التوتاليتارية والدكتاتورية وبقاياها في كل ما قامت به. بعبارة أخرى، إننا بحاجة إلى "تطهير" التاريخ السياسي للسلطة في العراق المعاصر من كل أفعالها الداخلية والخارجية من خلال تعليمها والتعلم منها لغة المخاطبة الوطنية وليست لغة العنف والإرهاب. إذ أن السيادة هي ليست مقولة جغرافية، بل حالة معبرة عن مستوى ولاية النفس والعمل بمعايير الشرعية والحق ومتطلبات الواجب الوطني، أي بمرجعيات الاستعراق.
فقد حطمت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مكونات الروح الوطني، وهشمت أسسه الضرورية، وجعلت منه مجرد أهواء خربة وذرات متناثرة في انتماءات تقليدية وتحزب لا عقلاني. وهو الأثر الذي نعثر عليه في التحزب السيئ والانتماء الضيق الذي يخرب حقيقة سيادة الدولة بوصفها سيادة المجتمع المدني وتحقيق حرياته في مختلف الميادين. وهي حرية لا يمكن تحقيقها بدون ثورة الروح، أي بدون العمل من اجل صنع روح معاصرة المستقبل في العراق. وهو روح ممكن بناءه على ثلاث أفكار كبرى وهي فكرة الاستعراق وفكرة الاعتدال العقلاني وفكرة المرجعية الثقافية. فهي الأفكار القادرة على صنع وحدة معقولة ومقبولة للعراق من خلال نفي التجزئة العميقة في الهوية الوطنية، وتذليل الذهنية الراديكالية ومختلف أصنام المرجعيات.

**



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
- تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر