أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق















المزيد.....

الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 12:58
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إن كل متتبع لوسائل الدعاية والإعلام يلاحظ الفيض الهائل من الأخبار التي تحاصر المرء بسيل من "المعلومات" ذات الصلة بالأعمال "الإرهابية". وأصبحت كلمة الإرهاب الأكثر انتشارا ورواجا في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، والأكثر تخريبا بالنسبة للوعي الاجتماعي والسياسي والأخلاقي. وبما أن "الإرهاب" يمس المستوى الوجودي لحياة الإنسان بصورة مباشرة، لذا فان لوقعه أبعادا سياسية مؤثرة وخطرة.
وفي الإطار العام يمكن القول، بان الدعاية المعاصرة تحاصر بإرهابها الإعلامي الفرد والمجتمع والسلطة أحيانا بخوض لعبة غاية في الخطورة في حالة عدم تحديد ماهية الإرهاب وكيفية مواجهته. والإرهاب في الإطار العام ظاهرة مترتبة أما على وجود حالة مرضية عميقة للمجتمع والدولة والأيديولوجية السائدة (كما هو الحال في "اسرائيل")، وأما لخلل طارئ في أوزان الوجود الدولتي والقومي والأيديولوجي (كما هو الحال في روسيا)، وأما لجمعه بينهما كما هو الحال في العراق الآن. وهو الأمر الذي يجعل من الإرهاب فيه ظاهرة مركبة وغاية في التعقيد.
فبوصفه ظاهرة اجتماعية سياسية وأيدلوجية، وثيق الارتباط بالتطرف والغلوّ. وبهذا المعنى فان لكل أمة وثقافة في مرحلة من مراحلها مستويات ونماذج من التطرف والغلو، ومن ثم نماذج ومستويات من "الإرهاب" المناسبة لهما. ذلك يعني أن للإرهاب مظاهرا على مستوى الدولة، وأحيانا على مستوى الأمم وأحيانا على مستوى الأحزاب والحركات والأفراد. ومن ثم فهناك تطرف وبالتالي إرهاب يناسبه في الشكل والمضمون مثل الإرهاب الثوري والرجعي، والديني والدنيوي. كما انه يتمظهر في مجالات متنوعة (سياسية واجتماعية وأيديولوجية)، وصيغ عملية مختلفة، لعل أكثرها تدميرا هو صيغة الإرهاب المسلح (بوصفه أحد أشكال العنف الهمجي). وهي صيغة تكشف عن طابعها الضيق وانغلاقها التاريخي وعجزها عن تقديم بدائل إيجابية. ولعل تجربة العراق الحالية والمخاض الذي يمر به حاليا هو أحد النماذج "الكلاسيكية" لظهور الإرهاب الذي يجمع في ذاته الحالة المرضية العميقة للمجتمع والدولة والأيديولوجية وكذلك خلل أوزان وجوده الدولتي والقومي والأيديولوجي.
فقد تعرض العراق إلى عملية سحق ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر للمجتمع والدولة والأيديولوجية أدت في الحصيلة إلى سريان "مرض مزمن" أشبه ما يكون بالسرطان، الذي يفترض "نموه" موت من يعتاش عليه. وفي الحالة المعنية لم تكن حياة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية سوى السرطان الذي كان لابد له من التهام كل ما هو موجود من اجل أن يندثر.
ليست هذه الصيغة الأدبية سوى الصيغة الرمزية للكشف عن واقع المرض المزمن للمجتمع والدولة والأيديولوجية الذي أصاب العراق، الذي أدى به في نهاية المطاف إلى أن يصبح صحراء قاحلة بالمعنى المادي والمعنوي. إذ لا وجود للمجتمع المدني، كما لا وجود لدولة بالمعنى الدقيق للكلمة، أما الأيديولوجيا فإنها مجرد شعارات لا همّ لها غير إثارة القرف والتقزز الشامل للروح والبدن. وهي الحالة التي أدت إلى أن يكون القانون الوحيد لوجود الأشياء هو خلخلة الأوزان التي تحكم الروح والجسد والفرد والجماعة والدولة والسلطة والفكر والثقافة. بمعنى الوجود عبر نقض الوجود الطبيعي للأشياء والمفاهيم والقيم!
فقد جسدت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية في ممارستها مختلف أصناف الإرهاب الشامل تحت شعارات لا تتمتع بأية رؤية واقعية وتاريخية، ومع ذلك حاولت أن تعطي لها أبعادا ما فوق تاريخية من خلال ربطها "برسالة خالدة" لامة لم تتكامل بعد! أما النتيجة فهي الإفساد الشامل لفكرة القومية العربية وتشويه محتواها وتخريبها الفعلي. وهي رؤية تشاطرها الكثير من الحركات الدينية والدنيوية، اليسارية واليمينية، القومية والاشتراكية في العراق. مما يعطي لنا إمكانية القول، بان ضعف الرؤية الواقعية والتاريخية يكمن في كثير من جوانبه وراء البحث عن صيغة أسطورية تلتهم كلمات "المقدس" من اجل تبرير الضعف البنيوي لها في ميدان العمل السياسي وبالأخص فيما يتعلق منه ببناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني.
وهو ضعف لازم في تاريخ العراق المعاصر كيفية تشكل الدولة الحديثة فيه، وابتعادها المتزايد عن مضمونها السياسي، وتفريغ مضمونها الاجتماعي. مما جعل منها في نهاية المطاف كيانا مغتربا اغترابا تاما ومناقضا لوظيفتها السياسية والاجتماعية، بوصفها أداة لإدارة شئون الحياة. وضمن هذا السياق يمكن فهم "الجرأة" التي تميز بها الفعل الإجرامي المتعمد في قتل المئات من الأبرياء في العراق المعاصر تحت شعار "محاربة الاحتلال"! وهي أفعال تفترض الإدراك الواعي والمحدد ضد من يجري تنفيذه، وبالتالي، يتضمن قدرا من "الوجدانية" و"الروحية" و"التاريخية" في تنفيذه. بمعنى انه يحتوي على تأسيس فكري وأيديولوجي وسياسي لقيمته الفعلية في الصراع الدائر في العراق عموما وفي الظروف الخاصة لمرحلة الانتقال من التوتاليتارية والدكتاتورية إلى النظام الشرعي والديمقراطي. وهي أفعال تشير من حيث مقدماتها ومجرياتها ومغزاها إلى انها جزء من المعترك السياسي والاجتماعي والثقافي في العراق. وفي بصماتها تشير إلى قوى تتصف بمستوى عال من التعصب العقائدي مميز للتيارات الإسلامية المعاصرة. ذلك يعني إن القتل العشوائي المظهر والمقصود من حيث التوقيت والفعل يحتوي على قدر من التوليف المفتعل لتقاليد اتسمت تاريخيا بالتعصب والجمود ونفسية الانتقام المتربية بأحضان الاستبداد والانعزال الثقافي، أي كل ما يمكن دعوته بالوثنية الهمجية، التي تشكل عقيدة الفعل السياسي لمن يمكن دعوتهم بالغلاة الجدد!
فما يجري في العراق من مظاهر الإرهاب المنفلت كما تجسد في مختلف أنواع وأصناف وأشكال وأوقات وأماكن المجاز الدموية ليس سوى الصيغة "المقدسة" لاستمرار تقاليد الإرهاب السياسي الشامل للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. بعبارة أخرى، إن ما جرى ويجري من انفلات إرهابي هو التعبير النموذجي عما يمكن دعوته بالاستظهار السياسي العابر للأمراض المزمنة الموروثة من بقايا التوتاليتارية والدكتاتورية وتقاليد الاستبداد.
كل ذلك يشير إلى نشوء وتبلور ظاهرة جديدة في تاريخ العراق السياسي المعاصر لا ينبغي البحث عن جذورها في "القوى الأجنبية" أيا كانت مثل "المحتل" و"القاعدة" وغيرها. فهي قوى "تشترك" من حيث وجودها السياسي وصراعها "العالمي" في العراق، الا انها لا تحدد مضمون ومسار الصراع فيه. وذلك لأن جوهر الصراع القائم في العراق اليوم يقوم بين ممثلي تقاليد الاستبداد والدكتاتورية والتوتاليتارية من جهة، وقوى الديمقراطية والدولة الشرعية والمجتمع المدني من جهة أخرى. وإذا كانت القوى البعثية - الصدامية التي كانت تمثل تاريخ الاستبداد والدكتاتورية والتوتاليتارية قد تعرضت إلى هزيمة سياسية ساحقة، فإن رصيدها الأيديولوجي والاجتماعي مازال يتمتع بقوة نسبية في العراق. وهو رصيد له موارده القوية على الصعيد المحلي والعربي والإسلامي المتمثل بالقوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية التي ارتبطت به سياسيا وتاريخيا طوال وجوده في سدة الحكم. وهي القوى التي أطلق عليها تسمية "الغلاة الجدد" في العراق. فهي القوى التي تحاول استلهام فكرة المقدس المزيفة من اجل تحويلها إلى غطاء سياسي لاستعادة بنية الاستبداد والدكتاتورية والتوتاليتارية المنحلة.
فقد كان العراق البعثي الصدامي "العتبة المقدسة" للغلاة الجدد، الذين اخذوا يتحسسون سقوطها التاريخي، باعتبارها خيانة من جانب العراق والشيعة لإحدى "مقدساتهم". وهي ظاهرة تعيد إلى الذاكرة التاريخية ما سبق للأتراك العثمانيين من تحسسهم لمواقف العرب منهم في الحرب العالمية الأولى، وتصويرهم إياها على انها "خيانة" للإسلام و"الدولة العلية". فقد كان المسار العام "للدولة العلية" والدكتاتورية الصدامية واحدا من حيث كونه نموذجا متشابها في تقاليد الاستبداد وغياب العقلانية.
طبعا كان من الأفضل لو جرى تطوير الإصلاحات الداخلية ضمن السلطنة العثمانية بالشكل الذي يحفظ للمنطقة عموما استقلالها الفعلي ودورها السياسي على النطاق العالمي ووحدتها الذاتية. وكان بإمكانه أن يلغي أية إمكانية لظهور"اسرائيل" والعواقب السياسية والقومية الهائلة المترتبة على ذلك. والشيء نفسه يمكن قوله عن حالة العراق ما قبل الغزو الأمريكي له. الا أن التاريخ لا يعرف كلمة "لو". وهو يبرهن على حقيقة تقول، بأن الاستبداد مصيره الزوال. وفي زواله يثير كميات هائلة من المشاكل والمعضلات التي تقع على الأجيال اللاحقة مهمة حلها. وليس ما يجرى في العراق من انفلات إرهابي سوى الاستمرار"الخفي" لتقاليد الاستبداد، التي جرى إعادة إنتاجها من خلال ملابسات تاريخية هائلة، مرتبطة بطبيعة الاحتلال الكولونيالي للعراق وتجزئة العالم العربي وبعثرة التراكم الفكري والاجتماعي والمؤسساتي فيه من خلال الانقلابات العسكرية وصعود الهامشية إلى السلطة وسيادة النزعة الراديكالية. وبمجموعه أدى ذلك إلى صنع توتاليتاريات دنيوية ودينية، ليس الغلاة الجدد سوى الصيغة الأكثر همجية لها. بمعنى انها الحالة التي تشير إلى تزاوج وتوليف التقاليد التوتاليتارية الدينية والدنيوية. وهي نزعة لم تكتمل بعد ولا تشبه في شئ تقاليد الحركات الإسلامية(السنية) بدءا بالوهابية وانتهاء بحركة طالبان والقاعدة. الا انها عرضة للزوال السريع مقارنة بأمثالها لأنها تجمع بين قوى متناقضة لا يجمعها سوى العداء العلني والمستتر لفكرة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني، أي ضد التيار الكاسح للتقدم والحرية.
وهو الأمر الذي يضع يدوره مهمة النقد العقلاني العميق لتقاليد الحركات والتيارات الإسلامية السياسية السنية بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. والقضية هنا ليست فقط في أن هذه المدارس اتسمت في التاريخ الحديث بنزوع حاد نحو التطرف والغلو، بل ولوقوفها السياسي الطويل إلى جانب القوى التقليدية في العالم العربي وأنظمتها الاستبدادية. وهي تقاليد ميزت تاريخيا الفكرة "السنية" منذ انحطاط المعالم الكبرى للحضارة الإسلامية، وبالأخص بعد سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر.
ولعل مهزلة المفارقة التاريخية الآن تقوم في محاولة هؤلاء الغلاة الجدد استعادة تقاليد المدارس الحنبلية الضيقة والوهابية بشكل خاص بعد ممازجتها بأفكار ونفسية الدكتاتورية الصدامية. وهي ممازجة يمكن فهم مقدماتها في ظروف العراق الحالية، التي شكلت الدكتاتورية البعثية نموذجها السياسي والاقتصادي والجهوي والطائفي. مما يضع هذه الحركة من حيث النية والغاية في تعارض تام ومطلق مع حقيقة التراث الإسلامي، الذي يبرهن على أن الإسلام في مجمل تاريخه الفكري والعملي هو تمثيل وتمثل لحقيقة العدل والاعتدال (الوسط). وهي فكرة جوهرية ابتداء من التوحيد وانتهاء بفكرة الأمة والجماعة. وكل مرجعياته المادية والروحية تعارض الإرهاب. وهو الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بأنه يستطيع أن يشكل أحد المصادر الإنسانية الكبرى في مواجهة الغلو. إذ لا نعثر فيه ولا يمكن أن تظهر فيه حروبا دينية ولا غزوات دينية ولا كولونيالية ولا أيديولوجيات قومية متطرفة ولا فاشية ولا عنصرية. ولكنه دين رجولي بالمعنى الجيد للكلمة، ودين الأحرار الذي لا يحب الخضوع والاستكانة.
كل ذلك يعطي لنا إمكانية القول، بأنه ليس هناك من صلة جوهرية بين مختلف "جيوش الإسلام" الإرهابية المعاصرة في العراق والقوى المساندة لها بما ادعوه بظاهرة المركزية الإسلامية العالمية المعاصرة، بوصفها العملية المعبرة عن الحقيقة القائلة، بان كل خطوة سياسية صحيحة تخطوها الأمم إلى الأمام سوف تؤدي بها بالضرورة إلى إدراك قيمة المرجعيات الثقافية الخاصة. والإسلام مرجعية روحية جوهرية بالنسبة للشعوب الإسلامية. حقيقة أن هذه المرجعية لم تتجسد بعد في أيديولوجيات سياسية متكاملة. ومن ثم لم تتحول بعد إلى جزء عضوي في الوعي الاجتماعي والسياسي. مما يجعل منها في الأفق القريب والبعيد، بما في ذلك في العراق جزءا من احتمالات متنوعة بوصفها النتيجة الطبيعية لضعف المكونات الثقافية للظاهرة الإسلامية نفسها في كل من العقائد والأفكار السياسية وتقاليدها العملية. الا انها ظاهرة سوف تجّذر أهمية وقيمة الحقيقة القائلة بان إشكالية الإسلام والسياسة هي أولاً وقبل كل شيء إشكالية الرؤية الأوربية، التي انعكست فيها حصيلة التصورات التاريخية السلبية المتراكمة في مجرى تجارب شعوب القارة عن علاقة الدين بالدنيا. بينما تفترض في ظروف العالم العربي ولعراق خصوصا إعادة تأسيسها بالشكل الذي يجعلها قوة ثقافية وسياسية عبر تحقيق مشروع الدولة الشرعية والنظام السياسي الديمقراطي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية الإنسانية البديلة.
والشيء نفسه يمكن قوله عن الحركات الإسلامية السياسية الشيعية، التي كشف "التيار الصدري" في الأحداث الأخيرة عن أحد نماذجه الراديكالية اللاعقلانية. وهو أمر يشير إلى أن تاريخ التشيع نفسه أيضا لم يخل من كثرة الغلاة. لكنه غلو عقائدي وفكري في جوهره، أي انه غلو وجداني. من هنا سموه وتسامح أفكاره الجوهرية وعنفوانها البطولي في مواجهة الاستبداد والدفاع عن الحق. بينما لا تجعل الحنبليات ومختلف "الاصوليات" الضيقة من الإسلام سوى تصورتها الفجة وتقليديتها المتحجرة عما تراه "مقدسا". وليس هذا المقدس في الواقع سوى الصيغة الأيديولوجية للتعصب والانعزال الثقافي شبه التام، والاغتراب عن قيم الحضارة الإنسانية وتاريخها الموحد. وهو غلوّ يقف من حيث الجوهر على هامش الحركة العامة للظاهرة الإسلامية الكبرى بوصفها مركزية إسلامية عالمية. كل ذلك يجعل من الضروري التصدي للغلاة الجدد ووثنية إرهابهم "المقدس" من جانب التيارات الإسلامية السياسية من خلال النقد العقلاني للغلو الإسلامي السلفي.
وهي مهمة يمكن تحقيقها من خلال الإسراع ببناء أسس ومرتكزات الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. فهو الثالوث القادر على حمل الوحدة الوطنية العراقية وعمرانه الشامل. والعمل في نفس الوقت على بناء أسس ما ادعوه بالإسلام الثقافي، أي الإسلام الذي تتحدد ماهيته بقيمة المرجعيات الثقافية العقلانية والإنسانية المتراكمة في تاريخه الكلي، وليس بمفاهيم وتصورات وأحكام فرقه المتنوعة والمختلفة.
فهي العملية القادرة على تقديم بديل إيجابي وفعال يولف بين التيار الديني والدنيوي في العراق في مواجهة سبيكة التوتاليتارية الدينية والدنيوية للغلاة الجدد ووثنية إرهابهم "المقدس". ولعل الصيغة الأكثر استجابة لتوليف الرؤية العقلانية والوجدانية من جانب الحركة الدينية (الإسلامية) والدنيوية (العلمانية) في العراق الآن، ورفعها إلى مصاف الحدس الثقافي، هي الفكرة القائلة، بان المقدس هو المتجرد عن الابتذال. وليس هناك مقدسا يرتقي في ظروف العراق الحالية والعقود القليلة القادمة اكثر من وحدة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الاجتماعي والمجتمع المدني. فهو الثالوث الوحيد القادر على صنع الحرية وتأسيسها قانونيا من اجل بلوغ ما كانت تدعوه المتصوفة بالتحرر من رق الاغيار، أي التحرر من عبودية الغير، أي من عبودية كل ما لا يمثل الحق في العراق.
فهي العملية التي تعطي للمخاض العراقي المعاصر قيمته بالنسبة للواقع والمستقبل، بوصفه مخاضا تاريخيا للحرية في الصراع ضد قوى الهامشية الاجتماعية والسياسية والثقافية. وهو الأمر الجلي في إرهابها الهمجي، الذي عادة ما يميز أساليب الحثالات الاجتماعية والهامشية السياسية والثقافية. فهي قوى بلا تاريخ، ولا قوة لها غير افتعال العنف السافر. من هنا عداءها للمستقبل. وهو عداء مميز للحرية في ظروف العراق الحالية. فأربعة عقود من التوتاليتارية والدكتاتورية التي لا مثيل لها في التاريخ العالمي المعاصر لا يمكنها أن تصنع شيئا اقل همجية وتخريبا في ردود فعلها المباشرة على عملية الاندثار الوشيكة. فهو الثمن الذي لابد أن يدفعه العراق مقابل الحرية الفعلية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
- تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
- خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
- أدب التصوف
- اسلام الشرق و الشرق الاسلامي


المزيد.....




- ما علاقته بمرض الجذام؟ الكشف عن سر داخل منتزه وطني في هاواي ...
- الدفاع المدني في غزة: مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إ ...
- بلينكن يبحث في السعودية اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق ...
- مراسل بي بي سي في غزة يوثق أصعب لحظات تغطيته للحرب
- الجهود تتكثف من أجل هدنة في غزة وترقب لرد حماس على مقترح مصر ...
- باريس تعلن عن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الصيني إلى فرنسا ...
- قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته
- اتساع رقعة الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية.. ...
- ماسك: مباحثات زيلينسكي وبايدن حول استمرار دعم كييف -ضرب من ا ...
- -شهداء الأقصى- تنشر مشاهد لقصف قاعدة -زيكيم- العسكرية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق