أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - المهمة التاريخية للمثقف العراقي















المزيد.....

المهمة التاريخية للمثقف العراقي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 07:20
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تبرهن التجارب التاريخية للأمم والثقافات جميعا على أن الثقافة الحقيقية تتجلى في تكامل مثقفيها وكذلك في منظومة الإبداع وتنوعه. وهي مهمة ممكنة التحقيق في ظروف العراق الحالية والمستقبلية عندما نجعل من تكامل السلطة بمعايير الحق، والحقيقة بمعاييرها الذاتية مرجعية متسامية للثقافة والمثقفين العراقيين.
فعندما ننظر إلى تاريخ العلاقة بين المفكر والسلطة بشكل عام وفي تاريخ العراق الحديث بشكل خاص، فإننا نقف أمام واقع يقول، بأن المفكرين الأحرار هم على الدوام ضحية المؤامرة والمغامرة والتشريد والتشرد، بينما كانت تنعم السلطة وتتلذذ بأنصاف "أهل العلم" في المعابد والمساجد ودور "العلم والمعرفة"، والدعاية والإعلام! وليس مصادفة أن تقرر الثقافة الإسلامية في إحدى مواقفها الحكيمة بهذا الصدد القول "اللهم نجينا من أنصاف المتفقهين والأطباء"! لقد عرفت بتجاربها أن الأول يفسد الروح والثاني يخرّب الجسد.
فالخلاف والصراع والتناقض بين المفكر الحقيقي والسلطة، واقع لا يمكن لأحد تجاهله أو التغاضي عنه، لاسيما وانه شكل وما يزال يشكل أحد مصادر الدراما التاريخية للوجود الإنساني. وبينها كما بين كل ثنويات الوجود الكبرى، تاريخ عريق من المواجهة والهدنة. وهو تاريخ معقول ومقبول ومرفوض. إلا أن القضية الأكثر جوهرية الآن تقوم في البحث عن بديل يتجاوز دراما الدماء والإماء إلى دراما العطاء والسخاء الحر. وبالتالي العمل من اجل تحويل الإبداع إلى كلمة الروح الفاعل، والروح الفاعل إلى الكلمة الفصل في معارك البحث عن الحقيقة وإقرار الحق. وهي معادلة ضرورية لتقويم وترسيخ تقاليد وعي الذات الثقافي الحر. لاسيما وان المسار العام والخاص للتاريخ سوف يضع الجميع بالضرورة أمام إشكاليات الحرية.
وسواء جرى وعي هذه الحرية على أساس أنها "المصير" الفردي للمفكرين والمبدعين أو مصير الدولة والأمة، فإنها تضع الجميع بالضرورة أمام امتحان تاريخي يصعب التحضير له بالمقاييس المدرسية أيا كانت تقاليدها ومستوى رقيها. وذلك لان الحرية وإشكالياتها بالنسبة للمفكرين والمبدعين هي أولا وقبل كل شئ إشكالية وعي الذات. مما يضع بالضرورة مهمة التعامل معها بوصفها العصارة المتراكمة لكيفية حل المعادلة الواقعية بين السلطة وأهل الفكر، وكذلك علاقة المؤسسة بالحقيقة. فإبداع الحقيقة والإخلاص لها هو منبع أرواح الثقافات والأمم، وما عداه مجرد أشباح!
إننا نقف أمام شروط جديدة لتطور الدولة والمجتمع بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وهو واقع أثار ويثير تضافر وتنافر مختلف المكونات الفاعلة في آفاق البدائل السياسية والاجتماعية. إذ يقف العراق اليوم أمام احتمالات متنوعة لتجسيد مختلف البدائل المتعلقة بالنظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وإذا كان هناك شبه إجماع خفي حول ما يمكن دعوته "بالبديل الديمقراطي" عند الأغلبية الساحقة من المجتمع، فإن ذلك لا يشكل بحد ذاته ضمانة لتحقيق الديمقراطية السياسية والاجتماعية بمعناها السليم. كما انه لا يحتوي بذاته على حلول عقلانية. أما الشيء الوحيد المؤكد فهو الإمكانية الواقعية لتحقيق هذه البدائل في حال صياغة فلسفة خاصة بمرحلة تأسيس الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني في العراق المعاصر.
وهي فلسفة تفترض الانطلاق من واقع العراق المعاصر وإشكاليات وجوده المشوه بعد خروجه من دهاليز العقود الأربعة المظلمة للتوتاليتارية والدكتاتورية. كما انها تستلزم وحدة مكوناتها النظرية والعملية بطريقة تؤسس لمنظومة البديل الواقعي والعقلاني. وهي فلسفة تفترض حسب نظري وحدة كل من
1. فكرة الاستعراق، بوصفها فلسفة بناء الهوية العراقية،
2. وفكرة الاعتدال العقلاني، بوصفها فلسفة تذليل الذهنية الراديكالية،
3. وفكرة المرجعية الثقافية، بوصفها فلسفة تذليل مختلف أصنام المرجعيات.
وإذا كانت الأولوية هنا "للتذليل"، فلأنه الشرط الضروري لتأسيس الرؤية النقدية والعقلانية في تجاوز الخلل التاريخي الهائل في البنية الاجتماعية والذهنية السياسية والمزاج الثقافي للعراق. كما انه الشرط التاريخي والواقعي لإرساء أسس ما ادعوه بمعاصرة المستقبل في العراق. وهي معاصرة لا يمكن تحقيقها دون تربية الرؤية والمواقف الاجتماعية العاملة على تعميق وترسيخ وعي الذات الاجتماعي والسياسي. فهو الأسلوب الوحيد القادر على بناء منظومة قادرة على تحصين المجتمع من إمكانية السقوط ثانية في أوحال الدكتاتورية والاستبداد، وتحفزه في نفس الوقت على صياغة وخوض تجارب البدائل الواقعية لتطوير المجتمع والدولة في كافة الميادين.
وتشكل الثقافة بهذا الصدد المكون الروحي لما ادعوه بمعاصرة المستقبل في العراق. إذ يستحيل تحقيق فكرة البديل الشامل من حيث كونه إمكانية واحتمال عقلاني وواقعي دون فلسفة للثقافة تناسب هذه الرؤية. وذلك لأن التحول التاريخي العاصف الذي مس ويمس بنية الدولة والمجتمع ويرافق مجرى إمكانياته الداخلية، يعطي للثقافة أهمية جوهرية بالنسبة للبدائل واحتمالاتها المتنوعة. والقضية هنا ليست فقط في أن الثقافة هي المكون الروحي الضروري للدولة والمجتمع، بل ولأنها الأسلوب الذي لابد منه لترتيب البنية الاجتماعية والذهنية السياسية في منظومة معقولة ومقبولة للأغلبية، ومستجيبة لمتطلبات المعاصرة. وليس هناك من صيغة فعلية قادرة على الاستجابة لمكونات المعقول والمقبول التاريخية في ظروف العراق الحالية، اكثر مما يمكن دعوته بفلسفة الالتزام الثقافي.
طبعا، هناك التزامات متنوعة. ومن الصعب حصر أنواعها. لاسيما وأن عملا كهذا لا يضفي على حقيقة الالتزام أبعادا اكثر مما هو موجود في الفكرة القائلة، بأن الالتزام موقف علمي وعملي يتحدد مضمونه وقيمته بمدى اقترابه من الحق والحقيقة وابتعاده عنهما. وهو تمسك لا يمكن فصله عن ماهية الحق والعمل من اجل بلوغ حدوده في كل شئ. وهو الأمر الذي يضع أمام المشروع الثقافي المعاصر في العراق أولوية رفع مبدأ الالتزام إلى مصاف المرجعية العملية الدائمة. والمقصود بالالتزام هنا ليس التأييد الجزئي أيا كان شكله ومحتواه وميدانه وأسلوبه، بل الإبداع الحر المقيد بمنطق ومعايير الحق والحقيقة، أي بمنطق الرؤية المتجردة عن كل شكل من أشكال الحزبية الضيقة.
فمن الناحية الواقعية هو منطق الالتزام الحر بقيمة الاستعراق بوصفه أسلوب بناء الهوية الوطنية العراقية المعاصرة،
ومن الناحية العملية هو التمسك الدائم بقيم الاعتدال العقلاني بوصفه أسلوب بناء الدولة الشرعية والمجتمع المدني.
ومن الناحية المجردة هو منطق الالتزام الحر النابع من رؤية متسامية عن النفس والآخرين (المرجعية الثقافية).
وهو التزام يستحيل تحقيقه دون استكماله بما يمكن دعوته بثقافة الواجب. إذ أن تحويل الالتزام إلى فعل ذاتي متجرد من مختلف أشكال الضيق السياسي والحزبي يفترض بالضرورة ارتقاءه إلى مصاف العمل بمعايير وقيم الواجب.
والواجب هو الصيغة الأكثر رقيا وسموا لوحدة الفضيلة والجمال. وهي صيغة مجردة لا تفقد قيمتها مع مرور الزمن، لكنها تفترض في ظروف العراق الحالية تجسيدها وتحقيقها ضمن حلقات الانتقال الديناميكي من الأخلاق إلى السياسة ومن السياسة إلى الثقافة، بوصفها سلسلة الالتزام العملي للثقافة تجاه الإشكاليات الكبرى التي تواجه العراق بعد مرحلة التوتاليتارية والدكتاتورية.
ويمكن تجسيد هذه الحلقات من خلال تحقيق ثلاث مهمات كبرى على مستوى الأفكار والأعمال وهي:
أولا: ألا تتحول الثقافة إلى أداة لسحق الحقائق وتحويلها إلى مساحيق لتغطية تجاعيد السلطة وتجميلها. وفي ذلك تتجلى حقيقة المهمة الأخلاقية للثقافة.
ثانيا: نقد "قدسية" الواقع والقيم والأفكار أيا كان مصدرها وشكلها. وفي ذلك تتجلى حقيقة المهمة السياسية للثقافة.
ثالثا: التأسيس النظري والعملي للبدائل والالتزام الشخصي بالاستنتاجات المترتبة عليه. وفي ذلك تتجلى حقيقة المهمة الثقافية للمبدعين.
إن تحقيق هذه المهمات هو الأسلوب الكفيل بصنع أسس ما يمكن دعوته بثقافة الخيال المبدع، بوصفها الغاية الفعلية من مشروع فلسفة الثقافة البديلة. وفيها ومن خلالها فقط يمكن بناء "القاسم المشترك" في الثقافة وفي إبداع المثقفين. من هنا فإن المهمة التاريخية للمثقف العراقي الآن تقوم في إنقاذ الفكر من أن يكون ميدانا لتدخل رجل السياسة، ورفع رجل السياسة إلى مصاف الإدراك المتزايد لقيمة الحقيقة. والعمل على تقليص قيمة وأهمية رجل السياسة وجعله في افضل الأحوال موظفا عاديا في بنية مرنة وفعالة لمؤسسات حقوقية. فهي المهمة التي تجنب في حال تنفيذها المجتمع والدول من تكرار المآسي التاريخية الهائلة التي تعرضوا لها في مجرى القرن العشرين.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
- تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
- خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
- أدب التصوف
- اسلام الشرق و الشرق الاسلامي


المزيد.....




- -صور الحرب تثير هتافاتهم-.. مؤيدون للفلسطينيين يخيمون خارج ح ...
- فرنسا.. شرطة باريس تفض احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في جامعة ا ...
- مصر تسابق الزمن لمنع اجتياح رفح وتستضيف حماس وإسرائيل للتفاو ...
- استقالة رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف من منصبه
- قتلى وجرحى في هجوم مسلح على نقطة تفتيش في شمال القوقاز بروسي ...
- مصر.. هل تراجع حلم المركز الإقليمي للطاقة؟
- ما هي ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة المق ...
- بعد عام من تحقيق الجزيرة.. دعوى في النمسا ضد شات جي بي تي -ا ...
- وجبة إفطار طفلك تحدد مستواه الدراسي.. وأنواع الطعام ليست سوا ...
- صحيح أم خطأ: هل الإفراط في غسل شعرك يؤدي إلى تساقطه؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - المهمة التاريخية للمثقف العراقي