أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - العراق وعقدة الطائفية السياسية















المزيد.....

العراق وعقدة الطائفية السياسية


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1055 - 2004 / 12 / 22 - 10:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إن الأحداث المتنوعة في العراق المعاصر، وبالأخص في مجرى العقدين الأخيرين تشير إلى واقع استفحال مختلف أشكال التجزئة في العراق وبين العراقيين. وهي قضية ينبغي مواجهتها كما هي من اجل تلافي إشكالياتها المقبلة. وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة لها. وهي حلول ينبغي أن تنبع من إدراك الواقع كما هو، وبالتالي إدراك حقيقة الجذور الفعلية لهذه المشاكل وحجمها الواقعي وتأثيراتها المتنوعة والممكنة على مجريات وآفاق التطور المقبل في العراق. ومن بين هذه المشاكل والنماذج السيئة للتجزئة تجدر الإشارة إلى واقع التجزئة الطائفية واحتمالات توسعها وترسخها.
فالعراق يواجه من الناحية الواقعية مشاكل طائفية. وهي مشاكل توسع حجمها في مجرى التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي رافقت حجم الخراب الذي أحدثته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية في مختلف نواحي ومستويات الحياة في العراق. وهو الأمر الذي أعطى لهذه لمشاكل أبعادا مركبة ومتشابكة في الاجتماع والاقتصاد والسياسية والفكر والأيديولوجيا ونمط الحياة والنفسية الاجتماعية. ذلك يعني انها مشاكل مركبة وشاملة، يمكن إدراك طابعها المأساوي والمدمر من خلال الدراسات السوسيولوجية والإحصائية الدقيقة. الا أن مجرد إلقاء نظرة عامة وسريعة على سطح الأحداث والوقائع في العراق تكشف عن الطابع المريع والمعقد والشامل لهذا المشاكل. مما يفترض بدوره البحث عن حلول مركبة وشاملة أيضا. بمعنى ضرورة التفكير حولها بمعايير الرؤية الاستراتيجية. والمقصود بذلك ضرورة وضع الحلول لها حسب معايير البدائل الكبرى المتعلقة ببنية الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. فهو الثالوث الوحيد القادر على حل هذه المشاكل، كما انه الثالوث الواقعي في قدرته على تقديم الحلول الفعلية لها.
طبعا، إن الانقسام والتجزئة الطائفية في العراق ظاهرة لها جذورها ومقدماتها التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وهي تجزئة كانت وما تزال تتعارض مع حقيقة هويته، بوصفها هوية ثقافية وليست طائفية. وهي حقيقة قائمة في كونه عراقً وليس تجمع طوائف. وهي هوية تبلورت في مجرى صيرورته التاريخية وكينونته الثقافية. الا انها تعرضت تاريخيا للانحلال النسبي بعد سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر حتى بداية ظهوره الجزئي الجديد في بداية القرن العشرين، أي بعد سبعة قرون من الغيبوبة والخمول. وفي هذه المقدمة التاريخية يكمن دون شك أحد الأسباب الجوهرية لملامح الطائفية في العراق.
فالطائفية من حيث مكوناتها التاريخية وتقاليدها الخاصة في إنتاج وإعادة إنتاج آلية فعلها في العوام هي الصيغة الملازمة للانحطاط والتخلف الاجتماعي. مع ما يرافق ذلك من تمسك عنيد بها من اجل استمرار التمايز الاجتماعي والاقتصادي. فهي الشروط الملازمة لبعث نفسية الانغلاق من اجل استثمارها السياسي. وهي ظاهرة متشابهة في كل المراحل التاريخية وعند جميع الأقوام والأديان دون استثناء.
وفي ظروف العراق الخاصة، فإنها ليست الا النتاج غير المباشر لعدم تكامل الهوية العراقية المعاصرة. إذ لم يعرف العراق في مراحل ازدهار الثقافي والحضاري أي شكل مستفحل من أشكال الطائفية، مع انه كان موطن ومصدر الخلافات الفكرية والدينية والفقهية والسياسية. بل يمكن توكيد العكس. فقد كان حاله بوصفه مصدر ومرتع الخلافات الشديدة أسلوب وضمان القضاء على الطائفية. وهي حقيقة يمكن التعبير عنها بلغة السياسة المعاصرة بفكرة الحرية. فقد كانت الحرية الفكرية في مراحل الازدهار لا تسمح فقط بالخلاف والاختلاف، بل وتؤكد فاعليته في البحث العقلي. وفي هذا كانت تكمن آلية الإقرار الدائم بإمكانية الاحتمال في البدائل. وهي الصيغة التي تهشم جذور النفسية الطائفية، بوصفها نفسية الانغلاق والأحكام الجازمة والغرور المطلق بتميز "الأنا" الضيقة. وهي حقيقة يمكننا العثور عليها في كل الإبداع النظري والعملي لتاريخ العراق الثقافي. ولم يغير من هذه الحقيقة حقبة القرون السبعة المظلمة من تاريخه التي أنهكت قواه الذاتية، واستثارت شأن كل مراحل الانحطاط، نفسية التجزئة والخلاف والشقاق.
غير أن تضافر الانحطاط الثقافي والسيطرة العثمانية الطويلة على العراق، مع ما رافق ذلك من غياب فعلي لتاريخ الدولة واستقلال الوعي الاجتماعي والسياسي، أديا إلى تفتيت البنية الداخلية للهوية العراقية. فقد اعتمد الأتراك العثمانيون على "العرب السنة" في العسكر، بينما جرى محاربة واضطهاد "الشيعة". ولم يكن ذلك معزولا عن مستوى وطبيعة الصراع القائم آنذاك بين تركيا "السنية" وإيران "الشيعية". وهو تقسيم "طائفي" تحول إلى كيان بنيوي في مجرى صيرورة الدولة العراقية الحديثة من خلال إعادة إنتاجه في المؤسسات العسكرية. وهو واقع بلغ ذروته القصوى بعد عام 1963 وصعود العسكر البعثي "السني" إلى السلطة. فقد استثمر وأستمر هذا الكيان الجزئي والمتخلف ثقافيا للعرب، بنفس سياسة وممارسات الأتراك العثمانيين في الموقف من "شيعة العراق"، من خلال تقديم أنفسهم بوصفهم ممثلي "القومية العربية". وهي نفسية وممارسة وجدت تعبيرها "الخالص" في المرحلة التوتاليتارية والدكتاتورية، التي حاولت أن تستثني "الشيعة" من "العرب". وهي ممارسة ونفسية لا تمت للعروبة والعراقية بصلة، انطلاقا مما ادعوه بالهوية الثقافية للقومية العربية بشكل عام ونموج تجليها الخاص في الهوية العراقية. إضافة لذلك، إن محاولة "إخراج" الشيعة من صف العرب لا يعني في الواقع سوى إخراج العراق من هويته التاريخية العربية الإسلامية الثقافية. إذ لم يكن التشيع في العراق سوى الصيغة الأخلاقية للعروبة المتسامية ومبدأ الدفاع عن الحق والعدالة المميزين للفكرة الإسلامية الأولى. وليس مصادفة أن يتحول العراق إلى "مرتع" التشيع ومدارسه الأولى، كما انه ليس مصادفة أن يكون محل الكراهية الشديدة والانتقام الدائم للأموية، بوصفها النموذج الكلاسيكي للاستبداد والغدر والخيانة.
ونفس الشيء يمكن قوله عن محاولات إفراز وتشخيص وتوصيف المناطق الجغرافية من العراق التي أسندت سياسيا وتنظيميا التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية بعبارة "المثلث السنّي". فهو وصف غير دقيق ومخرب في نفس الوقت. وذلك لان فكرة السنة والشيعة في العراق هي ليست طائفية بالمعنى التقليدي، كما انها ليست جغرافية على الإطلاق.
إن عرب العراق هم هوية واحدة في الجوهر. وهم اصل العراق وجذره، كما انهم كينونته التاريخية والثقافية ومظهر وجوده الفعلي. وهي حقيقة تشكل صلب الهوية العراقية التي جرى انتهاكها وخلخلتها سياسيا من جانب التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. فقد أدت سياسة هذا المسخ إلى تجزئة مفتعلة في الكينونة العراقية، وجدت انعكاسها في المزاوجة الفجة والموازاة المسطحة للجغرافي والديني في التقييم والتصنيف. بحيث أخذنا بسماع ما يسمى "بالمثلث الشيعي" و"المثلث السنّي". وهو "تقسيم" يشير إلى مستوى الانحطاط والتخلف الذي أصاب البنية الاجتماعية للعراق من جهة، والى تصدع الفكرة الوطنية العراقية من جهة أخرى. إذ لا يوجد في العراق "مثلثا" "سنيّا" لا بالمعنى الجغرافي ولا بالمعنى الثقافي ولا بالمعنى الطائفي، ، كما لا يوجد "مثلثا" "شيعيا" فيه لا بالمعنى الجغرافي ولا بالمعنى الثقافي ولا بالمعنى الطائفي. فهما كلاهما "مثلثا" التخلف والانحطاط.
إذ لم يكن "المثلث السني" في الواقع سوى أسلوب نقل التجزئة المميزة لمرحلة الانحطاط إلى مصاف الجغرافيا السياسية للعراق. وهو أسلوب ابرز أبعاد هذا "المثلث" بعد سقوط الدكتاتورية. أما مضمونه السياسي فقد ظهر بصورة ناتئة للمرة الأولى بعد ما يسمى بالانتفاضة الشعبانية. حيث ظهرت وتبلورت للمرة الأولى بصريح العبارة مفاهيم مثل "محافظات الغدر والخيانة" و"محافظات الوفاء". ومفاهيم "الغوغاء" و"الأبطال". حيث تجسدت هنا للمرة الأولى في تاريخ العراق السياسي نفسية وذهنية الانتقام، التي وجدت انعكاسها في تخريب المدن والقرى والأرياف وتجفيف الأراضي والأنهار والاهوار والمقابر الجماعية والتهجير والترحيل والتشريد والقتل والتعسف والإعدام والاستخفاف الكامل بكل شئ. وهي ممارسة كانت النتاج الملازم لمفاهيم تجزئة العراق جغرافيا وسياسيا وأخلاقيا. وهي تجزئة ليس لها مثال في تاريخ العراق قبل ذلك.
والخطورة الكبرى لهذا "التقسيم" تقوم في إمكانية توليده "نقيضه" المباشر والمكمل. حينذاك يكون العراق فريسة للتركية العثمانية والإيرانية الفارسية، أي "للأعداء التاريخيين". وهو عداء مفتعل أيضا لأنه لا يمت من حيث الجوهر لحقيقة الإسلام ولا لحقيقة المصالح الفعلية القومية للإيرانيين والأتراك. كل ذلك يضع أمامنا مهمة إدراك الحقيقة التالية، وهي أن الإشكالية الفعلية في العراق لا تقوم في "طائفية" الخلاف والصراع، مع انه واقع له أثره الجزئي والنسبي في السياسة والاقتصاد والتاريخ والثقافة، بل في نوعية الخلاف المتعلق ببنية الدولة والمجتمع والثقافة وآفاق التطور الاجتماعي والاقتصادي. وبالتالي، فان المهمة الكبرى القائمة أمام القوى السياسية العراقية، والعربية منها بالأخص، تقوم في تحويل هذا الخلاف الواقعي إلى جزء من معترك المجتمع المدني وقواه السياسية. أي جعله جزء من صناعة المجتمع المدني وبالتالي تذليل عقدة الطائفية المفتعلة في المواقف من اجل جعل العراق "طائفة" موحدة، الخلاف الجوهري الممكن فيها بين قوى الانقسام والاستبداد من جهة وبين القوى الممثلة للنظام الشرعي والديمقراطية والمجتمع المدني من جهة أخرى. وذلك لان المصير المحتوم لانحدار الرؤية السياسية إلى مستوى "الطائفية" هو الصنع الدائم لمختلف أنواع وأنماط وأصناف الهمجية.
ذلك يعني، إن المشكلة الفعلية القائمة أمام العراق تقوم في بنية الدولة ومؤسساتها. ومن ثم فان الأسلوب الوحيد الواقعي والعقلاني لتذليل "الطائفية" هو تذليل جميع أشكال وأنواع وأنماط الانقسام المفتعل والتجزئة الضيقة في العراق. وفي هذا الإطار ليس هناك من أدوات واقعية وعقلانية غير إقامة دولة الحقوق والمؤسسات والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني.

*** *** ***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
- تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
- خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
- أدب التصوف
- اسلام الشرق و الشرق الاسلامي


المزيد.....




- زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي بعد إحباط مؤامرة اغتيال مزعوم ...
- شوّهت عنزة وأحدثت فجوة.. سقوط قطعة جليدية غامضة في حظيرة تثي ...
- ساعة -الكأس المقدسة- لسيلفستر ستالون تُعرض في مزاد.. بكم يُق ...
- ماذا بحث شكري ونظيره الأمريكي بأول اتصال منذ سيطرة إسرائيل ع ...
- -حماس- توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائي ...
- آبل تطور معالجات للذكاء الاصطناعي
- نتنياهو يتحدى تهديدات بايدن ويقول إنها لن تمنع إسرائيل من اج ...
- طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !
- حتى لا يفقد جودته.. يجب تجنب هذه الأخطاء عند تجميد الخبز
- -أكسيوس-: تقرير بلينكن سينتقد إسرائيل دون أن يتهمها بانتهاك ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - العراق وعقدة الطائفية السياسية