أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المصطفى المغربي - أنا الحكاية،،،،















المزيد.....

أنا الحكاية،،،،


المصطفى المغربي

الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


أنا الحكاية

لاتنتظروا مني أن أمتعكم بقصة مشوقة ،فيها من الخيال و كثافة الأحاسيس الرخوة ما يشبع جوعكم الأبدي للإنبطاح و الكسل و اللذة و الوهم ،فأنا رجل ضعيف الخيال وقلبي قد من حديد صدئ ، و عاجز عن تصور أحداث لم أعشها،،ربما هو الواقع نفسه يتكلم و يحمل في أحشائه كل القصص المبهرة و المحزنة،الساذجة و المتعالية، المستفزة و الممتعة، الغبية و الساقطة ،الثائرة والمتحمسة، حتى القصص المغالية في الفردانية و التوحش و الموغلة في الذات كالهلوسة، و لدرجة اقترابها من الشعر و الهيام ،حتى هذه لا تفعل سوى تحويل الواقع لرموز محنطة في غالب الأحيان،بهذا المعنى نحن لا نحكي سوى سيرتنا ،فلماذا أتعب حالي و أرتمي في الخيال ؟.لأحك سيرتي كما هي مع شيء من التحايل و اللؤم و الاستفزاز،و التخفي أحيانا،لأروي دحرجتي اليومية و دوراني وسط الخذاريف، لأروي كيف تتحرك قواعد اللعبة بلباس الأخلاق، وكيف يتم استنزاف الإنسان و الحياة من أجل لاشيء. و كيف يولج العقل المتحكم قضيبه في إستنا.
منذ ولادتنا الأولى و نحن نُستنزَف،و نسير رغم كل شيء. يكفي أن أروي قصة جارتي التي تجلس مع زوجتي الآن، لتعرفوا كم نحن نُستنزَف و نُستهلَك كالطحين، انفصلت عن زوجها منذ زمن، تمتلك غرفة واحدة في الطابق الأول مع ثلاثة أسر أخرى مثلها، لكل أسرة غرفة،جاءت مع أولادها الثلاثة الصغارقبل سنوات،تعمل فلاحة عند الملاكين الكبار،تستيقظ مع الفجر لتحملها عربة الجرار مع زميلاتها الكثيرات ممن يُسْتنزفون على الدوام، تحملهم العربة مكدسات كالنعاج،و تعود بهن بعد المغرب أو قبل العشاء على الأصح.
في غالب الأحيان لما تعود جارتي تجدني أدخن سيجارتي الأخيرة أو ما قبل الأخيرة،جالسا على كرسي أطفال بلاستيكي صغير أما باب البيت.تأتي مسرعة كالمتخفية ،تحييني بحشمة من بعيد، و تصعد مسرعة في الدرج المتسخ إلى غرفتها، لتغير ملابسها و تغتسل، فهي تعود مكسوة بالتراب و الوحل، عملها في الأرض مباشرة،عندما أراها أتذكر فكرة اختراع الزراعة،فأقول مع نفسي: المسكينة اخترعت الزراعة لتؤسس لهزيمتها، فبقيت أيقونة ملتصقة بالأرض ،تُسْتنزف كما تُسْتنزف الأرض بينما هواحتل السماء.
ههههههههه ها أنت رجعت للخيال و الفلسفة ،(خليك في الواقع يا واقعي انت)،أووووووووووووف ،عندما أحكي سيرتي التي هي الواقع ،أورط معي الكثيرين ،لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا تحت شباك أوهامي،فجعلت منهم مدارجا لأركب على الحكاية و أصير البطل،دائما الراوي هو البطل، حتى و هو مهزوم يجهد نفسه كي يكون هو من يحرك البيادق على الرقعة، و أحيانا يسخر من الكل، لكن الأخطر و الذي يدفعني أحكي قصص الأموات أكثر من الأحياء، هو خوفي أن أتحول إلى مخبر، يحكي أسرار الناس، لذلك لن أكمل لكم حكاية جارتي و أبناءها الثلاثة و كيف يُسْتنزفون كلهم ،كقطع ثلج و سط كأس ويسكي في جلسة اللصوص الكبار،سأحكي لكم عني ،أنا الذي أضغط الآن على هذه الحروف البلاستيكية مباشرة كأنني أكلمكم و أنتم تحفون بي، أنا المهزوم الحالم كالغراب ،
كم أنت أهبل، تستدعيهم كلهم و أنت لا تملك حتى غرفة خاصة بك تخزن فيها أسرارك، من حسن حظك أن لا أسرار لك سوى فيضا من الحب توزعه عليهم بمقدار.
ما علينا ،أنا الآن أكتب و أسمع العيطة، وهي كما يقولون أو كما عشته، ثراث منطقتي الغنائي ،ثراث قبائل عرب السهول الغربية، هذا الفن الذي يكاد يسيطر بشكله العصري على جل الفنون الشعبية الأخرى، التي اقتسبت منه كثيرا من ايقاعاته و رقصاته الخفيفة و البسيطة الحروف الموسيقية ، و التي تصلح للأعراس و الحفلات، و مواسم الأضرحة، و جلسات الخمر و المجون، هكذا تشكلت العيطة في أذهان الجيل الجديد، بفعل وسائل الاعلام و الاتصال،هكذا يقدمونها في التلفزة و في الاذاعة ،و هكذا تنتجها استوديوهات صغيرة لا تعد و لاتحصى، تطبع يوميا آلاف الأشرطة ،كل شاب له صوت و بعض من وسامة أو يثقن العزف على آلة موسيقية، يجندونه . الايقاعات جاهزة و الكلام أيضا ،ويكفي فقط بعض الغنج لجعله خفيفا عصريا راقصا .حتى المثقفون و الباحثون في فن العيطة، انحازوا لنوع من العيطة نمت و ترعرعت وسط الإقطاع، ملاكي الأراضي و الفلاحين الكبار، عيطة (البَرْكات و القْصايَر) الفخمة، حيث العدد محدود جدا، خمسة أو ستة أو حتى عشرة من علية القوم ، في مكان فخم و فسيح قد يكون قصرا ، فرقة من نساء العيطة برئاسة شيخ ،و الشيخ هو عازف آلة الموسيقى التي غالبا ما تكون كمنجة أو( وتار) و يصاحبه عازف ايقاع يسمى طعارجي لعزفه على آلة الايقاع المحلية المصنوعة من الطين و الجلد والمعروفة بالطعريجة،
يحضر اللحم المشوي و الخمور و الفواكه بكل أنواعها الطازجة و الجافة، و يؤثث المشهد الخماسة و العبيد الذين يشرفون على الخدمة،هنا كانت تغنى عيطة تتغنى بالجاه و الكرم و الرفاه المتجسد في وصف القصور و الخيل و التبوريدة ورحلات الصيد و النساء وغيرها من مواضيع تمجد أصحاب النعمة،و غفلوا العيطة الحقيقية التي خرجت من عمق هم الفلاحين الفقراء و الخماسة و الرباعة، و هم أغلبية الشعب في ذلك الزمن الغابر.حتى أواخر السبعيينيات من القرن الماضي ،عشت و أنا طفل و سط العيطة الشعبية المنبثقة من بلدتي التي ليست سوى تجمع بدوي للفقراء، فلاحين صغار تستنزفهم الديون و خماسة يستنزفهم الملاكون الكبار، هنا عشت العيطة التي تتكلم باسم الفقراء،،هنا سمعت الفتيات يتغنين بعشاقهن، و الأمهات يتغنين بأولادهن و بناتهن خصوصا الناضجون و الناضجات للزواج كنوع من الدعاية، هنا عشت مع ولد صالح البياض ( ابن بائع بيض وبائع البيض هذا وحده حكاية لو بدأتها فلن أتوقف )،كيف كان بآلته الوترية و قدرته على النظم ،يؤرخ لكل واقعة تهز القبيلة بقصيدة مغناة، أذكر كيف غنى قصة أبناء بلدتي الستة، كانوا أولى طلائع جيل قرر أن ينتفض و يهرب من البلدة حتى و لو إلى المجهول، ظنا منهم أنهم سيتجنبون الاستنزاف،سيرحلون إلى مدينة بعيدة ،الزراعة السقوية رائجة فيها ،و الطلب على العمال قد يكون منتعشا، فالعمل اليومي أحسن من الارتهان طول السنة لإقطاعي يستنزفك حتى و هو يجعلك ديكورا لسهراته الماجنة ، و يوهمك أنك محظوظ لأنك تحضر فقط كشاهد صامت و مطيع على البَرْكة(القعدة بتعبير الشرقيين )،قصدوا مرتع استنزاف من نوع آخر، لكنه يمنحهم شيئا من الحرية على الأقل ، لم يكن معهم حتى مبلغ ثمن العودة ، عاكسهم الحظ ، لم يجدوا ما ذهبوا من أجله، ذهبوا جماعة و عادوا فرادى ، البعض باع شيئا مما زاد عليه، جلبابه أو معطفه ، و البعض جمع الصدقات و البعض لأنفته (أمسكها كعيبي)، عادوا هزيلين كأنهم كانوا في السجن،هكذا كان سيفسرها أهل الدوار لو تأخر وصول أولهم إلى البلدة إلى شهر ،والذي وصل بعد أربعة أيام في حين لم يصل الأخير إلا بعد أسبوع.
كذلك أرخ (ولد البياض) لمقتل محمد في جلسة خمرية تحت أشجار التين ،حين نشب شجار بين اثنين انتهي بضربة حجر تلقاها محمد في رأسه ، حملوه إلى المستشفى في غيبوبة، استعاد وعيه بعدها ، و عاش عاديا في البلدة شهرا، ثم مات و دفن بدون ضجيج ، هكذا كان أهلي لا يكثرثون للموت ، تعايشوا معها و صارت كأي شيء، لذلك لم يفتح تحقيق و لا متابعة و لا شيء من هذا القبيل ،اعتبرت كحادتة سير ،وحده (ولد صالح البياض) وثق اللحظة و غنى:
سولوا(اسألوا) و لد بلعباس
كان واحد من الناس
ماهي لا قرعة(قنينة) ولا كاس(كأس)
هي حجرة زندية،
ياه.....ها أنا أورط معي أشخاصا آخرين، ها انا أصير مخبرا من جديد، ماذا لو تحركت الظابطة القضائية و أعادت التحقيق ؟ ألن أكون شاهدا؟ و ربما ضمن النيابة العامة دون أن أشعر؟ فأنا غالبا ما أضخم الأمور لأنني الراوي ،لأنني البطل ، و أدعي أنها من مستلزمات فن الحكي،النيابة العامة ينعتها أهلي بالغَرَّاق،،و يستعملونها حتى في شتائمهم و يدعون عليك: الله يغرقها ليك، و عندما يريد أحدهم أن يبرز قمة تحديه لك فإنه يقول لك: و الله حتى نغرق معاك،أو يقول: الله يعطيني أنا وياك شي غرقة، و المقصود هو الغرق معك في السجن ،،،
ها أنا أصير كالغَرٌاق، أُعيد النبش في الأوراق الراشية، ما قيمة هذه السيرة البوليسية؟ و لد البياض طلق و الغناء و النظم و انتقل لمدينة كبيرة ليصير مصلحا للدراجات، هكذا يقولون لي، لما أسأل عنه أبناء البلدة الآن. القصة ماتت منذ زمن ،فما الجدوى من ثرثرثي الزائدة؟ لأرجع للحبيبة، و لأحك لها و عنها،وحدها تعرفني عندما أبدأ الحكاية،ووحدها اختارت أن تكون مستأمنة على الحكاية، ووحدها استحقت كل أشيائي الصغيرة ،هي من تجيد إعادة تركيب أشيائي لترسمني جميلا،هل حقا أنا جميل؟ المهم هذا ما تقوله، و هذا ما يسعدني كثيرا، و لتذهبوا أنتم للجحيم ،لكن ماذا أقول لها؟
أحبك،سأقول لها فقط
هي بداية الحكاية،
و هي نهاية الحكاية،
ها أنا الآن صرت بين فكي حقيقتي التي لها وجهان : امرأة ووطن،
امرأة هي كل النساء،
ترعى أحلامي بفرح
كما ترعى لعبها
عندما كانت طفلة.
و أرعى الفرح في عينيها
كما أرعى قصائدي و حكاياتي،
ووطن يطعم كل أبنائه
سمكه و قمحه و فواكهه،
ويهبُّ نسيمه على كل النوافذ،
و تشرق شمسه في كل القلوب.
بالمختصر أنا الحكاية،
أنا البسيط كالتين و الزبيب،
أنا فيض من الحب
أوزعه بمقدار،
أنا السؤال المر
حين تتوسد عزلتك
و تدرك أن العالم
يرفض أحلامك
يصدك
يطردك
و يتقفى أثرك حتى في الفراش.
أنا الحب الممزوج برائحة الدم
و ابتسامة الاندهاش
فكن مستعدا معي دائما للشهادة

لا أدري ما تصنيف هذا النص؟ و لا أدري إن كان يستحق أن يكون نصا؟؟
لكم أحبتي في الحوار المتمدن كامل الصلاحية في تصنيفه أو تسفيهه،،،
تحياتي
المصطفى المغربي



#المصطفى_المغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورتريه(وجه يبتسم للشمس)
- أشواق أبدية
- كؤوس أيار
- جردان
- في حضرة الحياة2
- قف!!
- أحاديث لحقن الدماء و ارتشاف الحب
- عاصفة و منفى
- الرجل الحمار 2
- في حضرة الحياة
- نشيد للعمة أمريكا
- الرجل الحمار
- بعدك يا مصر،،،
- هنيئا له،،
- السنونو و الملك
- يا تونس،،
- إدماج
- أنت دائما،،
- كذب حبي،،،،،
- لا أقول شيئا


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المصطفى المغربي - أنا الحكاية،،،،