أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمود فنون - صرخات مؤلمة في التحقيق















المزيد.....

صرخات مؤلمة في التحقيق


محمود فنون

الحوار المتمدن-العدد: 3582 - 2011 / 12 / 20 - 15:42
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    



في مثل هذا اليوم سنة 1985م تم اعتقتالي واقتيادي للمسكوبية حيث قضيت فترة التحقيق هناك
في ليلة باردة وبينما انا مربوط هذه المرة الى عمود استنادي الى مربط في اسفل هذا العامود.. مربط على شكل مستطيل مثبت في العامود ,بحيث تكون نقاط اتصاله بالعامود ضلعه الرابع ..
ياتون بالمعتقل مقيد اليدين والرجلين ورأسه مغطى بكيس من الشادر يصل حتى اسفل الرقبة ,يجرونه ولا يدري اين يسير والى اين يذهبون به ..
يطلب منه السجان ان يجلس وهو يحاول توجيه الجلسة لتكون في المكان المخصص ,ثم يفك قيد احدى يديه ويعيد ربطه ثانية ليكتشف المرء انه اصبح مربوطا (ربما في مرابط خيل او أي حيوانات اخرى)
هكذا اصبحت مثل كل الذين سبقوني مربوطا في عامود في احدى جدران المسكوبية وكما علمت تحت مظلة من القرميد تمتد حوالي المتر من فوقي ومن خلفي ساحة مسقوفة ..
اتكأت بظهري فكان الامر قاسيا
-اه ..هكذا اعذب نفسي بنفسي ..لا يجوز ان اتكيء اذا ولكنني تحسست المكان ببضع حركات ووزنت الامر
وجدت انني اجلس فوق ثلاث بلاطات ترفعني قليلا عن الارض ومربوط الى مربط يمنعني من الاتكاء على الحائط من خلفي بل ان محاولة الاتكاء الواحدة قد جعلتني من اعداء الجلوس المعتدل ومن انصار الجلوس على بلاطة منحني الظهر باستمرار قبل ان يعض القيد القصير معصمي ويدميهما
القيد يشد باستمرار يبعد يدي عن بعضهما بشكل دائم وكأن اقتراب اليد من اليد يسبب زلازلا للاحتلال وبالنسبة لي وكأنه يولد تماسا كهربائيا او شيئا ما يتآمر من اجل تفسيخ جسدي .
ان جسدي اكبر قليلا من ترتيبات مثل هذه الجلسة وما ان ترتد يداي حول جسدي لتتناسبا مع الربط في الموضع حتى يصبحا مشدودتين بطريقة يستهدفها السجان لتكون وسيلة التعذيب الوحشية التي يتبعها في هذه المرحلة من التحقيق كي ينتزع ما يستطيع من الاعترافات التي يستخدمها في تدمير الثورة وبنى الثورة ويجهز على امكانيات استمرار المقاومة وتطورها ..
اسمع اصوات وهمهمات ..هناك آخرين يجلسون بالمكان ..صوت السجان يصرخ طالبا الصمت ..شيكت(بالعبرية )
ان المصطلحات التي يستخدمها السجانون معروفة تماما للمعتقلين ..شيكت..بيت شاموش..اوخل..تعمود..شيف..شمور عل شيكت ..لو روتسي لشموعتخا..اختك...امك..
المحقق : ..لن تصمد طيولا على هذا الحال ..تحمل يا اسد..ميت ام تبكي ولا امي تبكي...الف جبان ولا الله يرحمو..ولك انت تيس شو جابرك كلهم حكوا وروحوا غير انت يا حمار..يعني لازم تستنى لما ايدك تنشل وبعدين تحكي شو الفايدة احكي وايدك سليمة..ولا واحد هان صمد هنا الكل يعترف ..عندما تريد ان تتكلم نادي الشوتير(الشرطي السجان)وقل له: أني روتسي لدبير"
..لسه هذا اول يوم وشوف حالك بالمراية...اكثر واحد صمد خمسة ايام وحكى ..انت شو بدك تصمد... تخيل انك صمدت ست ايام وبعدها تحكي... لشو العذاب ..احكي من اول أحسن.
أجلس واستحضر ملف حياتي الكفاحية واتسلى عن ما حولي وعن ما بي واتمعن في تفاصيل التجربة واتجاهاتها الرئيسية ,واتخيل لو انني استمريت في مكاني قبل الاعتقال واتسائل :هل ممكن ان ننتصر؟هل نمتلك مقومات الانتصار بفعل ثورة من الداخل ؟
كان الخارج قد تلقى ضربة 1982 التي أخرجته إلى المنافي البعيدة والتي جعلت ركيزة الخارج بعيدة عن الفعل النضالي المباشر وهي سابقا كانت قد تلقت ضربة ايلول 1970 التي أفقدتها كل الزخم والاتساع والجدوى الموجودة في الساحة الاردنية .
لقد توصلت الى اجابة عميقة على السؤال :نعم بمقدورنا أن ننتصر.وحال دخولي سجن المسكوبية بعد انتهاء التحقيق معي ونقلي الى الاقسام شرعت ومن اللحظة الأولى بالتفاعل مع المعتقلين وأقدم لهم إجابة تفيد انه بمقدورنا ان ننتصر.وأثير فيهم هذا التفاؤل الجميل واقدم لهم اجابات وانا وافق انها شافية حول صيرورة النضال الفلسطيني وكنت اعتقد انه بوجودي بين المعتقلين سأنقل ايماني بحتمية الانتصار الى عشرات من المعتقلين الذين بدورهم سيلهبون الارض نضالا وكفاحا حال خروجهم مسلحين بالعقلية الثوية والفكر النظري والتجارب العملية .
يوم على يوم في ذات المكان او في مكان يعرف بالماسورة حيث الربط الى ماسورة مياه تمتد عمودية في مكان من جنبات المسكوبية او على الكرسي الصغير يبدو انه كرسي اطفال يجلس عليه المعتقل ويمر القيد من تحت المسند ويد من فوق المسند ويد من تحتها .وعلى الكرسي العادي قرب المجاري التي تفوح رائحتها النتنة ,واحيانا عندما يكون المطر غزيرا يجمعوننا في ساحة مسقوفة.
هذه المرة ...ربطني السجان الى العامود وذهب وبينما انا مستغرق في اخيلتي وافكاري وكانني في عالم آخر واذ بصرا..صراخ فظيع .صراخ.بكر في اوج مخاض مولدها الاول تكاد لا تصرخ بهذا الصراخ الممزوج بمقادير هائلة من الالم والعذاب ..الصراخ يتزايد بعد كل هنيه صراخا باكيا ..من يافع يبدو انه في السادسة عشرة او السابعة عشرة ..لم يعد يستطيع كظم المه قلت في نفسي .
.ولكن الصراخ يتزايد ويستمر انه ليس الصراخ الناجم عن الضيق من الربط وآلام القيد في المعصمين ..تصورت ان السجان يضع قدمه على احدى ساعدي الشاب المربوط الى الحائط مثلي ويضغط بما لا يستطيع الشاب تحمله من شدة الالم ثم يزيد الضغط ثم يزيده وصراخ الشاب المنفلت عن سيطرته يزداد كلما ازداد الضغط على يديه
لا عيب ان يصرخ الشاب من شدة الالم.. الالم الذي افقده السيطرة.. ان العيب في ان يهون على نفسه وتهون عليه نفسه فيقع في مستنقع الاعتراف والتعاون مع الاعداء ضد نفسه وروحه وفكره وثقافته وثوريته... ليتحول في لحظة التحقيق هذه الى جبان متواطيء مع العدو ...ويتعاون معه ويقدم له الاسرار الدفينة والثمينة التي يستخدمها العدو في ضرب الثورة وضرب التنظيم وضرب التجربة ومن ثم يستخدمها لضرب روح الشعب وروح الثورة في الشعب .. ان الأمر جد خطير... ان الاعترافات جد خطيرة ولها السبق في ضرب وتدمير الكثير من التجارب الكفاحية في تاريخ التجربة الفلسطينية الكفاحية .
الشاب يصرخ ..يصرخ..يصرخ..ثم بدأ صوته يخفت قليلا قليلا الى ان هدأ
تفجرت كل عواطفي ألما وفرحا
ألما على هذا الشاب حديث التجربة في الحياة وفي الاعتقال كما تصورته .انه مناضل فلسطيني ..لم يرتكب ذنبا انه ربما سار في مظاهرة او وزع منشورا او رفع العلم الفلسطيني وهذا مشروع في بلاد الدنيا كلها (ما عدا الدول العبية)
تخيلته وهو يصرخ .تخيلت تقاطيع وجههه .تخيلته مغمض العينين تحت الكيسي يصرهما بقوة ..تخيلت دموعه تنهمر ولكن السجان لا يراهما لأن وجهه مغطى وعل اية حال السجان لا يكترث للدموع انه يريد التعذيب والاعترافات ..انه لا يبحث عن شيء آخر ولا يقبل ان تعترض الاخلاق او القيم او التحريمات الدولية او اية موانع قد تحول دونه ودون التعذيب من اجل الحصول على الاعترافات .
تخيلت عضلات صدره وهو يئن من شدة الالم تخيلته يرفع جزءا من جسمه عن البلاطة ليميل على الجزء الآخر عل هذا يخفف شيئا من آلامه المبرحة ..لا يشعر بقسوة وشدة هذا الالم الذي يعتقد المرؤ ان لا نهاية له سوى من جربه.. انه اشد من آلام مخاض البكر في اوج مخاضها لحظة الولادة .
وفرحا: فهو لم يقل له كفى سأعترف.. ربما سقطت بعضا من دموعي ربما تلوى جسدي بصورة عفوية متفاعلا مع الصبي الذي لا استطيع ان افعل له شيئا سوى التضامن بالقلب ..لم يقل له كفى وسأعترف ,وعلى ما يبدو فان السجان اكتفى بهذه الوجبة وانصرف .
الذي اعرفه انني فكرت كيف سأتضامن مع هذا الشاب انا لا اعرفه .ولا اعرف الى أي فصيل ينتمي ولكنه لو تكلم فانه سؤذيني انه سؤذي التجربة التي ارى نفسي بعضا من ارواحها. ان صموده يعززني ويعزز التجربة الفلسطينية الكفاحية التي ارى نفسي جزءا فيها وربما جزءا فاعلا وموجها.. وحينما يضربها" من أي ثغر"...يمس روحي بمقدار ما يدمر في مبنى التجربة الوطنية
لقد صمد في التجربة فناصرته بتركيم مزيد من الحقد عليهم ... هؤلاء الاوغاد القتلة الذين يعذبون الاطفال بمساعدة الامريكان المجرمين
فلنتحد جميعا بتركيم مزيد من الحقد على كل المجرمين المستبدين الظالمين للشعوب والذين يقفون في وجه حريتهم والذين يصرون على استمرار الاحتلال في أي ارض ولأي شعب .
ياتي لاحقا



#محمود_فنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من التحقيق
- من فكرتي 1
- عن اليسار رفيقي غازي الصوراني
- قوانين الثورات الاجتماعية والوطنية
- تعليق ورد على تعليق على مقالاتي عن الاسلاميين
- وجه الحويني وفرج المرأة
- الحزب: القيادة .القاعدة
- القرضاوي يضل السبيل
- الذكرى الرابعة والاربعون الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
- رد على تعليق ابراهيم احمد
- امريكا ترعى كامب ديفد والربيع العربي في مصر
- حوار حول تعليقات على موضوع -سوريا والفتاوى الكافرة-
- سوريا والفتاوى الكافرة
- الذاتي والموضوعي في المعرفة الانسانية
- يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني
- اين تصنع طرابيش الثورة العربية؟
- الوضع الطبقي والاحزاب الطبقية
- سوريا الآن ما العمل؟
- اسماعيل هنية والهدنة
- سوريا الى اين؟ يقتلون انفسهم بأيديهم!!


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمود فنون - صرخات مؤلمة في التحقيق