أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد أبازيد - احترق ليحرق الطغاة















المزيد.....

احترق ليحرق الطغاة


إياد أبازيد

الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 10:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طارق الطيب محمد البوعزيزي ، هو شاب تونسي قام يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 م بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ وقالت له: Dégage أي ارحل (فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة). أدى ذلك لانتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، أما محمد البوعزيزي فقد توفي بعد 18 يوماً من إشعاله النار في جسده. أضرم على الأقل 27 مواطناً عربياً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة تقليدا لاحتجاج البوعزيزي. أقيم تمثال تذكاري تخليداً له في العاصمة الفرنسية باريس.
محمد البوعزيزي (و يكنّى ببسبوسة) هو شاب تونسي من عائلة تتكون من تسعة أفراد[ أحدهم معاق. كان والده عاملا في ليبيا وتوفي عندما كان يبلغ محمد من العمر ثلاث سنوات. تزوجت بعدها والدته من عمه. تلقى محمد تعليمه في مدرسة مكونة من غرفة واحدة في قرية سيدي صالح. واضطر لأن يعمل منذ العاشرة من عمره لأن عمه كان مريضاً ولا يستطيع العمل. تقول والدة محمد أنه حاول التقدم للجيش ولكنه لم يوفق وتقدّم لعدة وظائف أخرى دون أن يوفق بها أيضاً. كان محمد يعيل عائلته ويقبض حوالي 140$ شهرياً أغلبها من بيع الخضار والفاكهة في شوارع سيدي بوزيد. تقول أخته سامية أنه كان ينوي شراء عربة لتساعده في عمله.
اعترض عناصر من الشرطة في فجر الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 عربة الفاكهة التي كان يجرها محمد البوعزيزي في الأزقة محاولا شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته. عم البوعزيزي رأى الواقعة فهرع لنجدة ابن أخيه وحاول إقناع عناصر الشرطة بأن يدعوا الرجل يكمل طريقه إلى السوق طلبا للرزق. ثم ذهب العم إلى مأمور الشرطة وطلب مساعدته، واستجاب المأمور وطلب من الشرطية فادية حمدي التي استوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه. الشرطية استجابت ولكنها استشاطت غضبا لاتصال عم البوعزيزي بالمأمور.
ذهبت الشرطية فادية حمدي إلى السوق مرة أخرى في وقت لاحق، وبدأت مصادرة بضاعة البوعزيزي ووضعت أول سلة فاكهة في سيارتها وعندما شرعت في حمل السلة الثانية اعترضها البوعزيزي، فدفعته وضربته بهراوتها. ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول مرة أخرى منعها، عندها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا وأخذوا الميزان. بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة للبوعزيزي على وجهه أمام حوالي 50 شاهدا. عندها عزّت على البوعزيزي نفسه وانفجر يبكي من شدة الخجل. وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلا: "لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل".
حاول أن يلتقى البوعزيزي بأحد المسؤولين لكن دون جدوى. ثم عاد إلى السوق وأخبر زملاءه الباعة بأنه سوف يشعل النار في نفسه ولكنهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد. وقف البوعزي أمام مبنى البلدية وسكب على نفسه مخفف الأصباغ (ثنر) وأضرم النار في جسده. اشتعلت النيران، وأسرع الناس وأحضروا طفايات الحريق ولكنها كانت فارغة. اتصلوا بالشرطة، لكن لم يأت أحد. ولم تصل سيارة الإسعاف إلا بعد ساعة ونصف من إشعال البوعزيزي النار في نفسه.
لم يشعل البوعزيزى النار فى نفسه وضحى بحياته فى مواجهة الظلم فقط، وإنما أشعل شرارة الغضب، فتحولت إلى نيران التهمت نيرانها السلطة الحاكمة فى تونس، ودفعت الرئيس زين العابدين بن على إلى الهروب تحت جنح الظلام متخليا عن السلطة بعد 23 عاما قضاها فى حكم تونس .
لم يكن محمد البوعزيزي، في المجمل، كائناً فريداً. كان كمثل غيره من مئات آلاف متخرجي الجامعات العربيّة المحرومين من فرصة عمل... ومن احتمال حياة. فرادة محمد تأتي، ربما، من مكان آخر، من الجواب الذي قدّمه لنا: حين تغلق الحياة احتمالاتها كافة، سيكون السبيل الوحيد أمامك كي تنير ظلمة الإغلاق تلك بأن تحرق نفسك. سبحة الانتحار التي كرّت بعد حادثة محمد، والمواجهات العنيفة التي كان مقدّراً لها أن تشهد ضحايا بالعشرات كما حدث في ما بعد، لا تؤشر فقط على مستوى العجز الحكومي في معالجة الأزمة، بل وأيضاً على ما هو أكثر أهمية: ما زال التونسيون، بمجتمعهم المدني ومنظماتهم النقابيّة قادرون على أن يقولوا «لا».
المشاريع التي أعلنها الرئيس بن علي لم تنجح في تخفيف الاحتقان، جاء الردّ عفوياً وعميقاً في الوقت نفسه: «الشغل استحقاق يا عصابة السراق»، إذ ليست القضية بالنسبة للأكثرية الساحقة من التونسيين قضية عطايا موسميّة من الحاكم، بل هي، في الجوهر، قضيّة نظام الحكم.
«الشغل استحقاق يا عصابة السراق»، شعار ضد الفساد التي ينخر جسد الدولة والمجتمع، وضد القمع الذي تمارسه السلطة لمن يحاول فضحه، وضد التعتيم الإعلامي الذي لم ير الرئيس التونسي أنّه يسيء إلى صورة تونس. الإساءة بالنسبة له، وفق ما جاء في خطابه، تأتي من «لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع كوسيلة للتعبير.. مظهر سلبي وغير حضاري يعطي صورة مشوّهة على بلادنا». هل محامو تونس متطرفون ومحرضون؟ هل من يمثلهم محمد البوعزيزي أقليّة ومتطرفون؟ ثمّ هل إنه انتحر فعلاً؟ ليس تماماً. الأجدى للفهم والأقرب إلى الحقيقة، هو القول بأنّ محمداً نُحر.
كان لمحمد احتمالات للحياة أو للعيش. كان له احتمال بدء رحلة البحث عن عمل، بعد أن أنهى دراسته الجامعيّة. رحلة كان سياقها سيبدو طبيعيّاً حين يتوّج بإيجاد عمل، يعود على محمد بالقليل من النقود والكثير الكثير من الكرامة واحترام الذات.. وحب الحياة. ولكن لا عمل. المدينة المنسيّة في تونس الخضراء لا تجذب سياحاً، ليست على الشريط الساحلي للدولة الصغيرة، حيث الكثافة السكانية الأعلى وفرص العمل الأكثر. تترك، إذاً، السلطة التونسيّة أبناء المنطقة يهيمون في الفقر والتهميش. لكن محمداً يحبّ الحياة.. وأمّه. هذا ما تشهد به كلماته الأخيرة التي خطها على ذمّة الـ«فايسبوك».
وهو في احتماله الثاني للعيش لا يسعى إلى الحياة، حسبه أن يلبي متطلبات العيش في حدها الأدنى؛ يرتجل إذاً عربة لبيع الخضار والفواكه. والسلطة التي تحيا بلا قانون منذ 1987 تأتي لعند محمد كي تطبّق القانون، فتصادر العربة والبضاعة. القانون في بلد الانقلاب الطبي (هكذا يسمى انقلاب زين العابدين على بورقيبة)، يختزل في شخص الحاكم، إذ لا قانون فوقه؛ القانون يطبّق على من هم تحت، ليس لأنّ من هم فوق هم فوق القانون، بل لأنّهم القانون بذاته!
محمدُ يقلّب الاحتمالات، ويفكر في احتمال أخير للحياة، ربما ليبعد الشبح الذي سيكونه وهو يحترق. يقترب من حاسوبه ويكتب الكلمات الموجّهة لأمّه، علّها تحوّل النيّة إلى لعب أطفال لا أكثر. يطلب محمد من أمّه، في تلك اللحظة، أن تسامحه لا على ما سيقوم به بل على مجرد التفكير بذلك. الاحتمال الثالث لا يأتي.. يأتي.. لا يأتي.. وأخيراً ها هو يطلّ، لكنه هزيل ضعيف؛ ثلاث كلمات تختصره، تختزله: الاحتجاج والمطالبة بالحق. يضحك محمد، ثم يرتجف، هذا احتماله الأخير، وعليه التمسك به. يهدأ. يفكر أنّ المطالبة بالحق تحتاج إلى ديموقراطية، تحتاج إلى حزب ربما، يجسّد الرغبة في التغيير وفي إعادة الحقوق. محمد يتنهّد تنهيدته ما قبل الأخيرة، ثم يردد لنفسه: لا ديموقراطية في تونس. لا أحزاب. قمع وتنكيل.
قضي الأمر، محمد يعقد العزم، خياره الأوّل على الضفة الأخرى جاهز، سهل، بسيط، مقنع وممكن، الموت ممكن، في كل لحظة هو ممكن، وارد، محتمل، الأنكى من كل هذا أنّ الموت «معيوش»!
ليس لمحمد أن يجرّب أو أن يبحث أو أن يفكر، الموت بسيط كبساطة الألم الصريح الذي يعتصره. محمد يحرق جسده، ليس بأية مادة قابلة للاشتعال، روح محمد وعقله الملتهب تفيان بغرض الاحتراق، محمد مات؟ لا لم يمت. محمد أنار، محمد أضاء!
ثورة البوعزيزي لم تنته بعد بل مازالت في البداية وامام الشباب طريق طويل وعروش كثيرة يجب ان تسقط ان ياتي الصيف.هنا وهناك وفي كل مكان لقد انتشر جذورالاستبداد والقمع في كل بقاع العالم ولم ينجوا شعب من هذا الاضطهاد والاستغلال حتى أطفالنا دفعوا ثمنا باجسادهم لهذا الاستغلال والقمع الازلي ولهذا يجب عليكم ان تتوحدوا جيمعا فعدونا واحد لكن رؤوسه عديدة.
المجد والخلود للشهيد التونسي محمد البوعزيزي
المجد والخلود لشهداء مصروتونس والمغرب وليبيا واليمن والبحرين والعراق والسعودية وسوريا وفي كل بقاع العالم ...

الدكتور إياد أبازيد



#إياد_أبازيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غموض و حيرة و تخبط ...
- صَرْخَة فيْ ضَميْر الإنْسَانِيّة .....
- الإنسان السوري ... أين حقوقه ...!!؟؟
- سورية .... إلى أين؟
- جوزيف ستالين خالد بكداش وحافظ الاسد اولاد القومية العدمي
- السوري ... أنا
- السلمية والحرب الأهلية
- سندان الثورة السورية بين المطرقة و المطارق
- أولاد حارتي ... أزاهير الرياحين
- صباح الخير سورية
- حسن الخيِّر .... قطعوا لسانه و أعدموه
- البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سورية
- القِدر لا يركب إلا على ثلاث
- مساء الخير يا وطني ..
- حوار .. تفاوض ..جدل ..
- أربع كلمات أسقطت الديكتاتور
- مبروك ها قد بانت بشائر النصر ...
- أيديولوجيا الربيع العربي


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد أبازيد - احترق ليحرق الطغاة