أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد القادر أنيس - فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟ 3















المزيد.....


فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟ 3


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 3575 - 2011 / 12 / 13 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟ 3
أواصل، في هذه الحلقة الأخيرة، قراءة المقال الذي كتبه السيد عبد الخالق حسين تحت عنوان " فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=285493
قال: "قبل أعوام نشرت مقالاً على حلقتين، بعنوان: (خوف الديمقراطيين من الديمقراطية) "بينت فيه خوف الديمقراطيين من فوز الإسلاميين إذا ما جرت انتخابات حرة ونزيهة في البلاد العربية، وأن هذا الخوف استغلته الحكومات المستبدة لصالحها، لتقول لشعوبها، أبقونا نحكمكم رغم سيئاتنا، لأن البديل أسوأ، أي حكم إسلامي قروسطي سيفرض عليكم حكم الشريعة، ويفرض الحجاب والنقاب على المرأة ويعيدها إلى عهد الجواري والحريم، سجينات البيوت (وقرن في بيوتكن). ولكن بعد ثورات الربيع العربي تغير الموقف، فصارت الانتخابات حتمية لا مناص منها، وبالتالي تحققت مخاوف العلمانيين الديمقراطيين بفوز الإسلاميين".
شخصيا أرى، من حيث المبدأ، أن فوز الإسلاميين هو نقمة قبل أن يتحول إلى نعمة. هو نقمة فعلية عندما تصل شعوبنا إلى هذا الحد من الانحطاط الفكري والسياسي، فتنتخب حَمَلَة أفكار عتيقة ظل المسلمون يعلكونها دون جدوى بعد أن استنفدت زخمها في القرون الإسلامية الأولى وتوقفت عن العطاء منذ ألف عام.
وهو نقمة فعلية عندما ينتخب الشعب أحزابا ظلت دائما تكفر الديمقراطية والحرية ثم ها هي وبين عشية وضحاياها تنتهز الفرص التي أتاحتها لها ثورات الشباب العربي وإسقاط الاستبداد، وتتحول، بقدرة قادر، إلى أحزاب ديمقراطية.
هي نقمة حقيقية أيضا لأنه سوف يتوجب على هذه الأوطان البائسة أن تتحمل لسنوات طويلة هؤلاء القوم المتخلفين وتضيع وقتا ثمينا في وقت تحتاج فيه مجتمعاتنا إلى حلول سريعة وإلى حرق المراحل للخروج من نفق التخلف الذي تسبب فيه حكام الاستبداد والإسلاميين وغيرهم من القوى التقليدية الدينية والقبلية والطائفية والقومية بعد أن حاربوا الديمقراطية والحريات وحاربوا الفكر المستنير وشجعوا الناس على هذا التكاثر المجنون حتى رهنوا أي إمكانية للتنمية ووضعوا مجتمعاتنا على فوهة بركان قد ينفجر فلا يبقي ولا يذر.
هي نقمة حقيقية لأن العودة من مغامرة الإسلاميين نحو الحكم الحداثي العقلاني سوف تتطلب وقتا طويلا وتضحيات كبيرة حتى يدرك الناس الخطأ الذي ارتكبوه مثلما نلاحظه في إيران وما يعانيه شعبها ويكابده في سبيل التخلص من النظام الإسلامي القائم الذي لن يفك قبضته على البلد بسهولة إلا عندما يصحو الناس صحوة حقيقية من أفيون الدين ورجاله. وهذا في حد ذاته ترف من الصعب أن نتقبله بله نبرره مهما كانت الحجة.
لكن (ما كل ما يتمنى المرء يدركه++ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن).
وبما أن الناس تصرفوا بهذه الصورة فلا بد أن هناك ظروفا موضوعية اقتضت ذلك ولا يمكن القفز فوقها مثلما فعل حكام الاستبداد دائما دون أن يتجاوزوها، ومن السذاجة أن نتوقع غير ذلك بعد سنين طويلة من الاستبداد الغبي الذي أضر بالبلاد وبالعباد وعطل التنمية كما عطل العقول وهيأ أجيالا لهذا المآل البائس. ولهذا فإن فوز الإسلاميين من منظور آخر هو نعمة حقيقية أو هو بتعبير أصح شر لا بد منه ودواء مر يتوجب علينا تجرعه كسبيل وحيد للشفاء. وعلى العلمانيين أن يفصلوا نهائيا في الخيار الصعب الذي وضعهم أمامه حكام الاستبداد: إما أن تقبلوا بالاستبداد وتناصروه ضد الإسلاميين أو تناصروا الإسلاميين وسوف تتحملون عواقب حكم أسوأ. على العلمانيين أن يختاروا الديمقراطية حتى لو وصل الإسلاميون عن طريق الانتخابات إلى السلطة، بشرط أن يلتزم الجميع بميثاق شرف أهم بنوده الاعتراف بمبدأ التداول على السلطة وحق الأقلية الخاسرة في مواصلة الوجود والنضال السياسي بدون تضييق وعليهم أن يعترفوا بحق المواطنة للجميع دون تمييز، وعلى العلمانيين أن يُشْهِدوا شعبهم على ذلك كما يشهدوا العالم من حولهم بما في ذلك إبقاء الجيش محايدا لا يتدخل في الصراعات السياسية مادامت تتم بصورة سلمية.
الإسلاميون اليوم صاروا يتبنون خطابا متواضعا (ولو أنه مخاتل) ويعترفون ببعض هذه المبادئ، لكن قواعد اللعبة مازالت لم تحدد بشكل دقيق. لهذا فعندما يقول الكاتب بعد هذا الكلام السابق: "إذا كنا نؤمن بالديمقراطية حقاً، فيجب أن نقبل بنتائجها حتى ولو كانت ضد طموحاتنا، ولذلك، لا أرى في فوز الإسلاميين مبرراً للخوف والتشاؤم. أعتقد أن حقبة ما بعد الاستبداد هي للإسلاميين. فلو درسنا تاريخ الشعوب الغربية التي سبقتنا في الديمقراطية لوجدنا أنه من المستحيل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة بسهولة وسلاسة. وبنفس المنطق، فمن المستحيل انتقال الشعوب العربية بكل ما عرف من تاريخها الدموي المعقد، إلى الديمقراطية الناضجة بخطوة واحدة أو بين عشية وضحاها. لذلك نعتقد أن صعود الإسلاميين إلى السلطة مسألة حتمية، وربما مفيدة. مفيدة لأنها توفر الفرصة الذهبية لوضع الإسلاميين على المحك، واختبار إمكانياتهم وادعاءاتهم في حل مشاكل شعوبهم. فطالما ردد الإسلاميون شعارهم المعروف (الإسلام هو الحل)، وراحوا يمجدون السلف الصالح، وينكرون ما في التاريخ العربي-الإسلامي من جرائم ومظالم وعبث وجور الخلفاء والسلاطين، بل وحتى الأمجاد معظمها مختلقة وزائفة".
فإن قوله "إذا كنا نؤمن بالديمقراطية حقاً، فيجب أن نقبل بنتائجها حتى ولو كانت ضد طموحاتنا..."، يدعونا إلى طرح تساؤلات هامة: هل الديمقراطية تنحصر فقط في آلية الانتخاب؟ هل من قبيل الديمقراطية أن نقبل المشاركة كديمقراطيين علمانيين إلى جانب أحزاب تكفر الديمقراطية أو على الأقل لا تعترف بأهم ركائزها عدا الانتخابات مثلما كان حالهم في الجزائر التي ضرب الكاتب بها المثل عدة مرات متمنيا لو تم تمكين الإسلاميين من فوزهم؟ ألا تكون هذه المشاركة إلى جانب الإسلاميين بمثابة استفتاء غريب الأطوار على الديمقراطية التي يفترض أنها غير قابلة للاستفتاء؟ ألا تمثل مشاركة أحزاب دينية إخلالا بالديمقراطية نفسها؟ هل طموحاتنا كديمقراطيين تنحصر فقط في رغبتنا في الوصول إلى السلطة أم الهدف الأسمى هو إقامة دول ديمقراطية تلتزم بكل مقومات الديمقراطية التي تعتبر الانتخابات فيها آخر مرحلة والتي أثبتت التجربة الإنسانية الحديثة أنها، إلى حد الآن، أفضل طريقة لإدارة أنانيات الناس بطرق سلمية مجدية؟
وعندما يقول الكاتب: "فلو درسنا تاريخ الشعوب الغربية التي سبقتنا في الديمقراطية لوجدنا أنه من المستحيل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة بسهولة وسلاسة"، فهو محق، ولكن ما فائدة معرفة هذا التاريخ الغربي إذا لم نستفد منه اليوم ونعمل على تجنب انحرافاته المأساوية؟ هل علينا أن نحذو حذو الغرب في كل عثراته وسقطاته وحماقاته؟ هل للتاريخ عِبَر يمكن أن نستثمرها في حياتنا أم علينا أن نتصرف وكأن لكل شعب طريقا خاصا به لم يطرقه أحد؟ أليس من حقنا، على الأقل، أن نستفيد من التجربة التركية القريبة منا تاريخا وجغرافيا؟ ألم يخضع الإسلاميون فيها لغربلة طويلة وتشذيب حتى اضطروا إلى مراجعة مواقفهم وإعادة النظر في أفكارهم وفي مواقفهم من الديمقراطية والعلمانية والتداول على الحكم؟ ألا نرى الغرب كيف يقف يمينه ويساره صفا واحدا في وجه التطرف حتى اليوم؟
طبعا لا بد أن نلاحظ أن الإسلاميين في الآونة الأخيرة قد عبروا عن مواقف تتناقض كثيرا مع مواقفهم السابقة من الديمقراطية والحريات والتداول على السلطة، ولكن مقدار الانتهازية فيه كبير، ولا نعدم عندهم تصريحات أخرى تتراجع عن مواقفهم الجديدة، فمن شب على شيء شاب عليه، ومع ذلك فهي مواقف تمثل بداية النهاية لهم بحيث لم يعودوا يتحلون بالشجاعة الكافية لعرض أفكارهم القديمة المعادية للديمقراطية.
يقول الكاتب : "فإذا نجح الإسلاميون في حل مشاكل شعوبهم، وحكموا بالعدل، وتمسكوا بالديمقراطية والدولة المدنية، ودون أن يفرضوا قوانين الشريعة على الناس، كما وعدوا شعوبهم والعالم، ففي هذه الحالة يجب أن نرحب بهم، لأن الغاية تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية". وطبعا، إذا بلغوا هذه المرحلة فقد تخلوا نهائيا عن إسلاميتهم وتكون بلادنا قد تخطت مرحلة هامة في تاريخها الحديث، وهذا ما نتمناه. ولكن، هل يمكن أن يحدث هذا لهم من تلقاء أنفسهم؟ مثال تركيا يقول: كلا. وهو ما يجب أن يتواصل عندنا وعلى القوى الديمقراطية العلمانية أن تطالب بكل الضمانات وإشهاد كل الأطراف المحلية والدولية وخاصة الشعب والجيش والمجتمع الدولي، وإلا فإن مشاركتها إلى جانب الإسلاميين تعتبر بمثابة إعطائهم صكا على بياض يتصرفون كما يحلو لهم في مصير البلاد.
لعل بعض القوى العلمانية، كما هو الحال في مصر، شعرت بهذا التقصير، كما شعر به العسكر، وهو ما يفسر محاولتهم التصدي للإسلاميين واستدراك ما فات من خلال تشكيل مجلس استشاري يحاول الالتفاف على انتصار الإسلاميين. هذه الخطوة التي أقدم عليها المجلس العسكري في مصر جاءت متأخرة، كما أن معارضة الإسلاميين جاءت متأخرة أيضا. إنهما كمن حفر حفرة ثم غفل عنها فوقع فيها. العسكر كان يجب أن يدفع التطورات في مصر إلى سن دستور فيه كل الضمانات التي تقف في وجه أي قوة تحاول الاستبداد بالسلطة والتصرف بها كما يحلو لها، ولكنه تحالف مع الإسلاميين ولم ينصت لصوت القوى العلمانية ودفع الناس إلى التصويت على دستور يعطيه صلاحيات كبيرة تجرد الإسلاميين من التمتع بانتصارهم. والإسلاميون انطلقوا بغباوة لدفع الناس للتصويت على الدستور بعد أن أعمت مادة (الإسلام دين الدولة، الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع) عيونهم. وها هم اليوم يقعون ضحية هذا الدستور الذي لا يعطيهم الحق في تشكيل الحكومة ولو فازوا بأغلبية المقاعد.
طبعا يجب أن يقتنع الإسلاميون أن سن دستور للبلاد ليس مسألة أغلبية، بل هو مسألة توافق عام يحفظ للديمقراطية المبادئ التي جئنا عليها آنفا وإلا صار من حق الأغلبية أن تسن ما تشاء من القوانين ولو على حساب الديمقراطية نفسها.
إذا التزم الإسلاميون بهذا فمن واجب الديمقراطيين العلمانيين أن يناصروهم ضد العسكر الذي هو أصلا من مخلفات الاستبداد السابق ويجب العمل على انسحابه من الحياة السياسية نهائيا في أسرع وقت ممكن.
أما قول الكاتب: "أما إذا فشلوا، وهو الاحتمال الغالب، فعندئذ، سيواجهون انتفاضات شعوبهم مرة أخرى كما واجهت الحكومات العلمانية المستبدة من قبل". فمثال إيران واضح تماما عندما يستفرد الإسلاميون بالسلطة. الإسلاميون في هذا البلد وصلوا إلى السلطة ضمن حركة جماهيرية أطاحت بالشاه وساهمت فيها كل شرائح المجتمع ولكن الإسلاميين لجئوا في تلك الظروف إلى استغفال العامة وقمع فضيع للعلمانيين لا يختلف عن قمع الأنظمة الاستبدادية (العلمانية) تجاه المعارضين، بل يفوقه، بالإضافة إلى فاشيتهم في الحكم التي لا تكتفي باحتكار السلطة وقمع المعارضة السياسية فقط بل يمتد قمعها إلى الحريات الفردية فيتدخلون في حياة الناس ولباسهم ومركبهم ومشربهم وفي حياتهم الروحية فيقمعون ما استطاعوا عبر فرق الحسبة وما يشبهها من الأجهزة البوليسية والمخابراتية. فهل من العدل أن نطالب العلمانيين بهذه التضحية القصوى التي سوف تكون نتائجها تقتيلا ومنافي وملاحقات؟
وموقف الكاتب، هناك، فيه ظلم مزدوج: فهو ظلم في حق الديمقراطية لأنه من جهة فهو يطالب العلمانيين بقبول نتائج (ديمقراطية) ليست ديمقراطية في شيء (مثال الجزائر سنة 1992، والذي كان من رأي الكاتب تمكين الإسلاميين من السلطة رغم أنه كفروها واعتبروها بيعة والبيعة في شريعتهم مرة واحدة الخروج عنها كفر بواح)، لأن الديمقراطية ليست انتخابات فقط ثم يكون من حق الفائز أن يفعل ما يشاء. وهو ظلم في حق العلمانيين لأنه يطالبهم بالقبول بنتائج مؤلمة: إما مواصلة المعارضة في ظروف مستحيلة وعداء عام من طرف الأغلبية وتقديم رقابهم للإسلاميين ليجزوها أو التزام صمت القبور أو الهجرة المرة. هذا على المستوى الفردي أما على المستوى الوطني فقد عبر عن ذلك الكاتب بقوله: "وعلى الأغلب، فالإسلاميون سيفشلون في حل مشاكل شعوبهم، لأنهم يريدون فرض حلول وقوانين القرون الغابرة لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، وإعادة شعوبهم إلى الوراء لـ 1500 سنة بدلاً من دفعها إلى الأمام لمواكبة الشعوب المتطورة". ولا أخال الكاتب يجهل، هنا أيضا، معنى هذا الكلام وعواقبه؛ لا أخاله يجهل (حلول وقوانين القرون الغابرة لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، وإعادة شعوبهم إلى الوراء لـ 1500"، وهي حلول وقوانين معروفة بما سادها من عبودية وإقطاع وقمع للشعوب وتأليه للحكام وقبلية وعشائرية وطائفية، وجز لرقاب المعارضين وإبادة المختلفين وتطبيق لشريعة قروسطية تكفيرية دموية. ولهذا فليس من السهل أن نرضى لشعوبنا، وإن كنا لا نوافقها على انسياقها وراء الإسلاميين، أن نرضى لها هذه العودة المشئومة إلى الماضي وكأننا نَتَشَفَّى فيها.
ولهذا فأنا لا أتفق مع الكاتب في هذا الكلام كما لا أتفق معه حين يستنتج منه بعد ذلك: "وفي ظل ما يشهده عالمنا اليوم في عصر العولمة من تحولات حضارية سريعة وتداخل المصالح في مختلف المجالات، وبروز مشاكل جديدة تحتاج إلى حلول علمية جديدة، فإن سياسة الإسلاميين الرجعية محكوم عليها بالفشل الذريع. ومن هنا سيقدم الإسلاميون للجماهير الدليل العملي على فشل حلولهم الخيالية الطوباوية، وشعاراتهم البراقة التي تمسكوا بها طويلاً، وسيسقطون كما سقط من قبل الأنظمة ذات الأيديولوجيات الاشتراكية، والشيوعية، والقومية العربية، والبعثية الفاشية".
اعتراضي على هذا الكلام يستند إلى رفضي لتحميل الجماهير كامل المسؤولية على انتخابها للإسلاميين، بينما الواجب على العلمانيين وكل القوى الديمقراطية أن تحذر منهم الناس قبل فوات الأوان وتكشف عن خواء أطروحاتهم ومعارضة دخولهم في اللعبة الديمقراطية قبل أن يقبلوا بمقومات الديمقراطية الأخرى، غير الانتخابات، كما تعيشها المجتمعات المتمدنة. وحتى في بلد عريق في الديمقراطية مثل فرنسا مازلنا نقرأ لسياسي مثل فرانسوا بايرو مرشح الانتخابات الرئاسية السابقة قوله: (( La démocratie, c’est bien davantage la protection des minorités que la toute-puissance des majorités. )) أي: أن الديمقراطية هي قبل كل شيء حماية الأقليات أكثر مما هي طغيان الأغلبيات.
أما أهم وَهْم نقع فيه عندما نتبنى هذا الطرح (ترك الجماهير تجرب الإسلاميين لتكتشف فشلهم) فهو التصديق بهذا الزعم. الجماهير، أينما وجدت، وليس فقط الجماهير الإسلامية، لن تكتشف فشل الإسلاميين وانحطاط أفكارهم ولو عاشت تحت حكمهم ألف سنة. والدليل أن جماهيرنا تعيش منذ مئات السنين خاضعة للفكر الديني العبودي الإقطاعي العنصري، ورغم جهود مفكري النهضة المتواصلة منذ ما يقرب من قرنين فإنها مازالت تصدق خرافات رجال الدين وتنساق وراءهم بالملايين: المتعلمون منها قبل الجهلة. وعليه، فإذا كان العلمانيون يعرفون حقيقة الأمر فلماذا لا يتحركون في الوقت المناسب؟
مأساتنا لا تكمن فقط في جماهير غافلة، بل في غياب أو حتى خيانة النخب القادرة على تأطيرها وتوعيتها وتذكيرها المتواصل بماضيها وبما يقتضيه حاضرها ومستقبلها. وهذا ما لم يتح للناس عندنا. فقليلة هي النخب التي صارحت مجتمعاتها بمكامن البؤس والانسداد. النخب تعاملت دائما مع الناس باعتبارهم قصرا لا يجوز مصارحتهم بالحقيقة تماما كما رأى أبو حامد الغزالي (إلجام العوام على الاشتغال بعلم الكلام). وأنا شخصيا ناضلت في صفوف يسار كان يقول للناس (ولو تملقا) بأن الإسلام حاشاه لا عيب فيه، إنما العيب في فهمه وفي رجال الدين وفي الإقطاع والبرجوازية. ولهذا كان من الطبيعي أن ينساق الناس وراء (الصحوة) الإسلامية التي جاءتهم بالدين الصحيح.
يختم الكاتب مقاله: "هناك من يعتقد من العلمانيين الديمقراطيين، أن هذا التحليل هو الآخر خيالي ومجرد تمنيات وأفكار رغبوية، ويرون أنه إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة فإنهم سيتمسكون بها، ويعملون على أسلمة المجتمع، ولن يتخلوا عن السلطة إلا على أسنة الحراب، ويستدلون على ذلك بالأنظمة الإسلامية المستبدة في السعودية، وإيران، والسودان، وأفغانستان في عهد طالبان. وجوابنا على هذا الاعتراض رغم وجاهته، أن الأوضاع في البلاد العربية قد تغيرت، فحاجز الخوف عند الشعوب قد انهار، ومعظم الذين ثاروا هم من جيل الشباب الذين يشكلون نحو 70% من الشعب، وهم دون الثلاثين من العمر، وإذا ما فشلت الأحزاب الإسلامية في تحقيق طموحات الشباب فلن يتردد هؤلاء في العودة إلى ميادين التحرير، وإعلان الثورة والعصيان مرة أخرى على الحكومات الإسلامية التي تنكرت لوعودها وعهودها، وسيتم إسقاطها عبر صناديق الاقتراع. وهكذا تتطور المجتمعات باختيار البديل الأفضل وفق القاعدة الداروينية الاجتماعية: البقاء للأصلح".
وتقديري أن مصادر فشل الإسلاميين المتوقع لا يأتي فقط من إمكانية فشلهم في حل مشاكل الناس ومن ثمة إمكانية اصطدامهم بالجماهير، لأننا نعرف براعتهم في أساليب التلهية وتحريف الوعي وجر الناس نحو قضايا هامشية لتزيد من إغراقهم في المذهبية والطائفية وخلق قرابين من المارقين والزنادقة والخونة والنصارى واليهود وكل أعداء الإسلام تضحي بهم للجماهير الهائجة، بل تأتي أصلا من الظروف العالمية والمحلية المستجدة التي أثرت على مواقفهم السابقة والتي يبدو أن الأنظمة الحاكمة ومختلف دوائر صنع القرار الغربية ترى اليوم أن العالم الثالث وخاصة الإسلامي منه صار بؤرة توترات خطيرة على السلام والأمن والاستقرار في العالم ويتوجب تشجيع تلك الشعوب على الخروج من مآزقها، وتأتي أيضا مما طرأ على الإسلاميين من تغيرات أهمها اقتناعهم باستحالة الإطاحة بالاستبداد وحدهم عن طريق الجهاد والانقلابات، وتأتي أيضا من كون فوزهم الحالي مشروخا بالنظر إلى أنهم لم يكونوا المبادرين بهذه الثورات وليس من السهل عليهم خداعها واستبدال ثوب الضحية بثوب الجلاد، دون أن يتعرضوا للنقد والكشف والفضح، كما كان شأن حكام الاستبداد القومي وكما هو شأن حكام البلدان التي تحكم باسم الإسلام رغم ثرواتها الطائلة، وتأتي أخيرا من عولمة الاتصالات وتعدد منابر التعبير والإعلام والوصول إلى الجماهير خلافا لما كان عليه الحال سابقا، وليس من السهل على الإسلاميين الوقوف في وجه هذا الإعلام لإخفاء الحقائق أو مراقبتها، بله منعها والتصرف هكذا في عالم صار قرية صغيرة.
لهذا يبدو لي أن على القوى الديمقراطية أن تعبر بقوة عن معارضتها لمحاولات العسكر (مثال مصر وغيرها) للتحايل على نتائج الانتخابات وخلق عراقيل في وجهها، بل حتى التواطؤ ليفوز الإسلاميون. العسكر يقوم بلعبة قذرة سبق أن جربتها الأنظمة الاستبدادية السابقة كنوع من الوصاية على الشعب الذي اختار الإسلاميين نكاية فيهم. إذا كان العسكر مقتنعا بأن الإسلاميين يشكلون خطرا حقيقيا على مصر وعلى ديمقراطيتها الفتية وعلى السلم الاجتماعي وعلى التنمية الاقتصادية المعتمدة على السياحة وعلى التفتح وعلى الاقتصاد الحديث، فلماذا لم يعملوا قبل الانتخابات على إصدار دستور يتضمن كل الضمانات الديمقراطية ومن بينها توقيع كل المترشحين على ميثاق شرف يتعهدون فيه باحترام التعددية السياسية وإبعاد الدين عن السياسة والتداول على السلطة واحترام حق الأقليات السياسية في الوجود والعمل السياسي، وإعطاء الجيش الحق في التدخل، ولو لمدة معينة، لمنع أي انقلاب على الديمقراطية؟



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوز الإسلاميين، نعمة أم نقمة؟ 2
- فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟
- الإسلام السياسي في الجزائر: مراجعة أم تراجع؟
- دفاعا عن علياء ماجدة المهدي
- أيها العرب أرجوكم صنّعوا القنبلة الذرية
- أين الإسلام في برنامج حزب النهضة؟
- هل هي بداية النهاية للإسلام السياسي؟
- لماذا لا يتعظ الحكام العرب؟
- هل كان يجب أن تعتذر قناة نسمة؟
- مقاربة حول حق الأكراد والأمازيغ والصحراء الغربية في تقرير ال ...
- حق تقرير المصير في العالم العربي: 2
- حق تقرير المصير في العالم العربي: 1
- لهذا يجب إبعاد الإسلام عن السياسة
- من ذكرياتي مع الأسماء
- هل يتغير الإسلاميون؟
- أردوغان علماني رغم أنفه
- مقالة وُلِدَت على شاطئ البحر
- أيهما سقط: الجزيرة أم نظرية دارون؟
- الجزيرة تسخّر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتجهيل 4
- الجزيرة تسخر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتخلف 3


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد القادر أنيس - فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟ 3