أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عفيفى - الله .. وأبى ... وأنا














المزيد.....

الله .. وأبى ... وأنا


أحمد عفيفى

الحوار المتمدن-العدد: 3570 - 2011 / 12 / 8 - 19:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الله وأنا، ليست مقارنة.
الله وأنا، تاريخ من القرب والحميمية والصدق واليقين والثقة.
أنا لم أولد لا دينى، وكنت أحرص على لقاء الله يوميا، ربما أكثر وأسرع من أبى الطيب الجميل التقى، الذى أصبح يتندر بتلك العلاقة الحميمة التي نشأت بينى وبين الله ويردد أحيانا على مسامعى بصوته الهادئ الرخيم الرصين الضحوك : " علمناه الصلاة، فلما شب، سابقنا إلى المساجد ".
أنا كنت أؤمن بالله، ولكن ليس ذلك الله الذى أرسله محمد، ذلك الله الذى له يد وكرسى ويغضب ويلعن، وتطفئ الصدقة غضبه، الله لا يغضب، ولا ينبغى أن يفعل، وليس بحاجة لصدقات، لتطفىء ما لا ينبغى.
أنا كنت دائما أتصور الله كأبى، وربما تصورت أحيانا أن الله هو أبى، ورعا تقيا نقيا، وربما كنت أحب الله فى شخص أبى، ذلك الرجل القوى الذكى الحليم، الذى حرص على تعليمى وكنت لا أحب العلم وأهرب من الدراسة، فيصر على تعليمى رغما عنى، ويصاحبنى للمدرسة كل صباح، ليتأكد من ذهابى ودخولى.
ذلك الرجل الذى كنت أحبه وأرغب بتقبيل قدمه كل صباح، فيرفض حتى أن أقبل يده، ويخبرنى أن لا فضل لمخلوق على آخر.
ذلك الرجل الذى لم يكن يقنط من اسألتى اللحوحة الكثيرة ويجيب عنها كلها بأناة وسعة صدر، رغم أنها كانت لا تنتهى، ذلك الرجل الذى يعرف كل الإجابات رغم أن لا أحد يعرف كل الإجابات، حتى أننى ظننت أن الله يوحى له.
ذلك الرجل الذى كان يستوقفنى برفق، فيرفعنى عن الأرض ويضع يده على فمى حتى أتوقف عن الأسئلة ويضحك ويشترى لى حلوى حتى انشغل بها بعض الوقت، فأضحك فرحا بالحلوى واصمت من اجل ذكائه وطيبته.
أبى لم يؤدبنى فى حياتى سوى مرتين، ولأسباب تربوية بحته، وأحيانا أتمنى أن يعود، ويؤدبنى لأسباب دينية بحته.
أبى عندما كان يموت أخبرني ألا أبكى فهو لن يموت، هو فقط سوف ينام طويلا حتى نلتقى ثانية فى مكان آخر، انا كنت لا أقتنع بحرف واحد مما يقول، وأخفى عنه ذلك، وأومئ بالموافقة والاقتناع كرامة وإرضاء له، وأرغب أن أخبره أن يوم موته، ربما يكون يوم موت الله بالنسبة لى، فأنا دون العاشرة ودونه، وحاجة الله له لن تفوق حاجتى بالقطع، وأنا أستمد يقينى من وجوده وليس من قصص القرآن وسنة نبيه، فأنا لم أقتنع بهما يوما سوى لأنه هو من كان يؤمن ويقتنع بهما.
كنت استلقى بصدره العريض الطيب الساكن وهو نائم نومة الموت وأرغب أن أرحل معه، فلا حاجة لبقائى بأرض ليس بها أبى و إلهي ، ومصدر وجودى وسر يقينى.
بعد رحيل أبى، رحل الله أيضا، أو اختفى، أو صمت، لم يعد يكترث لصلاتى أو دعائى أو دموعى، وكأننى كنت أصلى للقمر وأدعو للنجوم وأبكى للسماء.
أبى كان حائط الصد القوى المتين، ذلك الذى يمنع عنى طوفان الشك والأسئلة الكثيرة، وغياب الله المتكرر عن حياتنا ومدينتنا.
أبى كان قلعتى الأخيرة التى كنت أتحصن بها من منجنيق قلب الأسد، وأبراج الصليبيين.
أبى كان ظل الله فى الأرض، ذلك الظل الذى يحمى ويتواجد ويهتم، ذلك الظل الذى يجيب على الأسئلة الكثيرة ولا يلتزم الصمت.
أبى كان يحب أمى فقط، تلك المرأة الهادئة الجميلة الذكية، أبى تزوج أمى فقط، ولم يتزوج عليها مثنى وثلاث، أبى كان يحترم ويكتفى بأمي، وكنت ومازلت مؤمن بأسوته وسنته فى الزواج بامرأة واحدة فقط وحبها واحترامها.
أبى كان قويا وذكيا ومتينا وبشوشا، وكان للنساء ميل له، كنت ألحظه بعينى رغم صغر سنى، ولم يكن يكترث له مطلقا.
أبى كان يعرف ماذا يريد من الحياة، وماذا يريد من المرأة، وماذا تعنى رابطة الزواج المقدسة، ومسئولية الإنجاب والتربية الأكثر قداسة.
أبى لم يكن موسرا، وأنجب ثمانية، أصر إصرار المقاتلين، على تعليمهم أجمعين، فخرج من جعبة ذلك الرجل الصادق الأمين، ثمانية أبناء للجامعة، ما بين طبيب ومهندس ومحاسب وضابط.
أبى كان حريصا على إرضاء أمى، زوجته وصاحبته وحبيبته الوحيدة، فتهرع الى صدره حين يعود من العمل، فيبتسم ويحتويها، ولا يزيحها أبدا حتى تكتفى وتطمئن.
أبى كان يقسط علينا فى الحب والمال والحلوى واللعب، فلا يميز أحدا لمهارته، ولا يزجر أحدا على طبيعته وجبلته.
أبى كان يطعمنا كما تطعم الصقور صغارها، وكان طعامه قليلا، لا ليوفر لنا، كما كنت اعتقد، ولكن لأنه لم يكن رجلا بطونا، تماما كما أصبحت أنا.
أبى كان يهذب لحيته، ويطيل جلبابه، ويعطر جسده كمن يذهب لعرس وهو ذاهب لقاء الله.
أبى كان يصادق قسا، وهو إمام المسجد، فيتحير العامة والمصلون، فلا يكترث ويجيب بهدوء: هم أهل كتاب.
أبى كان يسير بصحبه ذلك القس، فيتبادلان الحديث ويضحكان، فيختلط على الأمر، أيهما المؤمن وأيهما الصادق، أيهما المسلم وأيهما القبطى، أيهما أبى وأيهما القس!
أبى عندما مات، كنت أود لو أحتفظ بجسمانه، كما كان يحتفظ الأقدمون برموزهم، فالأقدمون لم يكونوا يعبدون رموزهم، كانوا يجسدونها ويحفظونها ويحبونها فقط ، ويتقربون منها وبها، وكأنها ذلك القارب الذى يصلهم بالبر الآخر، بر الأمان، بر الإله.
أبى كان صديقى وحبيبى وخليلى، وصوت الله وعقله وحكمته فى الأرض وفى حياتى.
أبى يزورنى وأنا اكتب، ويشاركنى فنجانا من الشاى، ويرحل مبتسما مردفا: تبا لك من زنديق.
أبى يدعو لى كل يوم، ولا ييأس ولا يقنط، ولا يرجم ولا يسخط.
أبى مطمئن، فقد ترك فرسان المائدة المستديرة، ويدرك أنهم فرسان أقوياء مخلصون، عن الحق باحثون، عن العقل باحثون، فقط أحيانا ثابتون، وأحيانا جامحون، كعادة كل الفرسان الجيدون.
أبى يقرؤني السلام، ويرسل لى السلام، ويرقد فى سلام.



#أحمد_عفيفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغونان وشاهر وشومان
- لو كنت الله
- الله ... لا يكترث
- أتخلق فيها .. من يقتل فيها ... ويسفك الدماء
- الحجاج .. المستبد المستنير ... المُفترى عليه 2
- إنما بعثت لأدمر مكارم الأخلاق
- النكاح .. وملك اليمين ... كبت وشبق مقننين
- الحجاج .. المستبد المستنير ... المُفترى عليه
- المسلمون كالديناصورات .. وربما أقوى قليلا ... فلم ينقرضوا حت ...
- الجنة .. إغواء ضحل ... وسراب ممجوج
- الفاتيكان .. تاريخ باباوى ... دموى ومأساوى 3
- الفاتيكان .. تاريخ باباوى ... دموى ومأساوى 2
- الفاتيكان .. تاريخ باباوى ... دموى ومأساوى
- الله .. وفى رواية ... الشيطان
- الله .. لحسن الحظ ... لم يعرف اليابان
- الله ... أكبر كاذب فى تاريخ الشرق
- لعنة اللاوعى
- الله ... بعيدا عن الأنبياء والفقهاء والوسطاء
- إما أن الله أحمق ... أو أن محمدا ميكيافيللى
- الله ... أحمق كذبة عبر التاريخ


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عفيفى - الله .. وأبى ... وأنا