أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - رهان














المزيد.....

رهان


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 20:08
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
رهان


كنت آنذاك في زيارة للوطن بعد إنقطاع دام عدة سنوات، تصاعدت خلالها درجة الحنين من كلا الجانبين، جانب الأهل وجانبي، إلى درجة لا تحتمل. كنت قد قررت أن أبقى في الوطن لمدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، قابلة للزيادة والنقصان على أن أبلغ شركة الطيران عند حصول أي تغيير في موعد العودة. كنت أتصور أنني أتمكن من زيارة كافة ألآقارب والأصدقاء والاطلاع على معالم العديد من القصبات والمدن في فترة الأسابيع الثلاثة التي تكفي لتنفيذ برنامجي الاستطلاعي.
بدا لي إن حساباتي خاطئة، بل وخاطئه جدا، إذ إنني لم أحسب حساب إرتباطي بأهل كبير وعشيرة واسعة، تتلهف لزيارة أبنها البار ورؤيته وتبادل الحديث معه والجلوس بمعيته لساعات غير قصيرة، والاستفسار عن حياته ومعيشته ومعيشة السكان في بلاد الغربة التي يسمونها ألمانيا. كانت الزيارات تبدأ في التاسعة صباحا وتنتهي حوالي الحادية عشرة مساء، لتتكرر على نفس المنوال في اليوم الثاني. كنت ملتصقا بمكاني لا يمكنني مغادرته إلا لقضاء حاجة ضرورية. ذات يوم حلت الفرصة السانحة لمغادرة البيت والتمشي بعض الشئ باتجاه المقبرة لقراءة الفاتحة على قبر الوالد واستعادة الذكريات. كان ذلك في الساعة العاشرة والنصف قبل الظهر، حين خلى البيت بقدرة قادر من الضيوف. عندما أحست والدتي بنيتي، راحت تعاتبني لقلة ذوقي بعدم استقبال الضيوف الذين يمكن أن يظهروا في أية لحظة:
"عيب يا بني. كيف تدير ظهرك للضيوف. إنهم يأتون لزيارتك إحتراما للعائلة ولك شخصياً. لا تخذلهم يا بني. يمكنك أن تتمشى في باحة البيت"
" أنا لا أدير ظهري للضيوف يا أمي. أنا بحاجة إلى حركة. ألا يحق لي أن أزور قبر المرحوم والدي وأقرأ عليه الفاتحة؟"
قالت وهي مشغولة بالطبخ في الهواء الطلق للضيوف:
" هيا تحرك إذاً بسرعة، سأبلغ الضيوف بأنك في زيارة قصيرة للمقبرة. وعليهم أن ينتظروك"
في فترة غيابي التي لم تستغرق نصف الساعة، حضر بعض الضيوف الذين لم يعجبهم خلو البيت من المضيف أو الضيف القادم من بلاد الغربة. وراحوا يتندرون بسلوك الولد الذي لم يسر على نهج أبيه وفقدانه لتقاليد العشيرة في بلاد الغربة. ولولا تدخل الأم وإعلامهم بموضوع زيارة القبر وقراءة الفاتحة لما أتخذوا أماكنهم في غرفة الضيوف، بل رجعوا إلى حيث أتوا بخفي حنين. هكذا تظاهروا بالأمر، بيد أن الصبي أبن أختي المكلف بخدمة الضيوف مثل تقديم السيكاير والقهوة لهم، قال شيئاً آخر. قال أنهم جاؤا كي يلقوا الأنكر ولن يتركوا المكان حتى لو طردتهم وأشبعتهم بالركلات على مؤخراتهم.
قلت له وأنا أهدئه للتخلص من الغضب الذي ساوره بسبب تعليقاتهم علي:
" كن هادئاً يا بني. إنهم ضيوف وأقارب"
كانت الأسئلة تلقى جزافاً، ولكنني أحسست أن أجوبتي غير مقنعة وأنهم لا يصدقون ما أقول:
" هل هناك مهنة الفلاحة؟"
" نعم"
" هل عندهم أبقار وأغنام؟"
" طبعاً"
" ما كمية الحليب التي تدرها البقرة الواحدة؟"
" كمية الحليب تختلف من بقرة إلى أخرى. البقرة الخاصة لانتاج الحليب مثلا تدر أربعين لترا في اليوم الواحد.."
نزل عليهم جوابي كصاعقة خيالية. رفع أحدهم كلتا يديه إلى أعلى ولطم بهما رأسه وهو يقول:
" هذه ليست بقرة يا قوم، بل نهر الزاب"
وقبل أن يكمل الرجل كلامه، بادر أحدهم قائلا:
" يا عزيزي يا ملا صالح، هل يمكنك أن تخبرنا عن حجم هذه البقرة التي لابد أنها أكبر من الفيل؟"
استنتجت من طرح السؤالين أنهم لا يصدقون كلامي وأنهم بدأوا يتندرون به. قررت في داخلي أن اقنعهم بحقيقة مظاهر الحياة المتطورة في بلاد الغربة قلت:
" أن البقرة ليست بحجم الفيل، ولكن هناك أشياء، إذا ذكرتها لكم، لن تصدقوني ولذلك أحتفظ بها لنفسي"
ارتفعت أصوات المطالبة بالكلام. قلت في نفسي أنهم في كل الأحوال سوف لا يصدقون كلامي، ولذلك قررت أن أذكر لهم حقائق من الوزن الثقيل الذي لا يتحمله خيالهم المرتبط بواقعهم المتخلف فليعلقوا كما يشاؤون:
" هناك سفينة تحمل ثمانين سيارة وقطار مع مئات المسافرين"
أطبق عليهم الصمت وهم يشدون عيونهم إلى السقف بسخرية ملحوظة. وتعني هذه الحركة عندهم، كذبة كبرى قد تؤدي إلى انهيار السقف. عندها انتبهت في زحام الضيوف إلى أبن عمي وهو يناقش جاره بصوت خافت وحالة عصبية وتصورت أن سؤالا أو تعليقاً ما يهزهما، ولكنهما يخجلان من طرحهما. وحين حركتهما لطرح السؤال أو التعليق، أنبرى حميد قائلا:
" الحقيقة يا ملا صالح، أنا وهذا الشخص الجالس إلى جنبي قد تراهنا منذ صبيحة اليوم على موضوع، إذا وافقت سنطرحه عليك كي تحسمه لنا. ظننت أن الموضوع عبارة عن مقلب، بيد أن اسلوب النقاش الخافت والجاد بين الأثنين قد أوحى إلي أنهما صادقان، قلت:
" تفضلا. أنا أسمعكما"
قال حميد:
" أحدنا يصر على أن أهل بلاد الغربة التي تعيش فيها أنت كلهم عرب والآخر يصر على أنهم عرب وأكراد، فماهي الحقيقة؟"
اعتقدت في باديء الأمر أن هذا مقلب آخر من مقالب حميد، ولذلك قررت أن أشترك في اللعبة، قلت:
" إنهم بالطبع عرب وأكراد"
وحين قفز حميد فرحا ومعلنا عن فوزه وموجهاً كلامه إلى صاحبه:
" يا أبن ال... ألم أقل لك أينما وجدت العرب، وجد الأكراد؟"
تبين لي أن المسألة أبعد بكثير من مقلب برئ.



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاط الانفتاح
- اليسار واليمين
- مواهب مخفية في -عودة الشمس-
- نشوء الوعي القومي وتطوره عند الكورد
- ما زلنا عجولاً
- فقهاء المسجد والملا
- دولتى عليئه ى عثمانية
- الأواني المستطرقة
- الحاج طرشي و الفأرة
- قسم
- معطف الشقيق الأكبر
- إلى روح الشهيد جالاك سعيد مجيد
- رجاء، أوجدوا هذا المخطوف
- ذكريات مع مظفر النواب
- أسطورة أسمها عرفة
- تحولات من نوع آخر
- حركة الشباب: قوة محركة جديدة
- الزمن الرديء
- إلى الصديق ييلماز جاويد
- بين الديمقراطية والفوضى يسقط الظل


المزيد.....




- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - رهان