أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية محمود - مطالب الجماهير في الدول الراسمالية الانتاجية ، و الراسمالية الريعية















المزيد.....


مطالب الجماهير في الدول الراسمالية الانتاجية ، و الراسمالية الريعية


نادية محمود

الحوار المتمدن-العدد: 3561 - 2011 / 11 / 29 - 07:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حديث في الندوة التي نظمتها منظمة بغداد للحزب الشيوعي العمالي العراقي حول الوضع السياسي في العراق تحت عنوان "في اي نظام رأسمالي نعيش، و ما هي التحديات التي يخلقها هذا النظام امام نضال الجماهير في سبيل حياة مرفهة".

ايام استثنائية:

يسعدني ان اكون معكم و ان نتحدث معا، ارى ان لقاءنا هنا اليوم في بغداد هو جزء من حركة تسود العالم، جزء من سعي الملايين من اجل التغيير، جزء من النضال الذي يتصاعد في كل مكان، هو مشاركة مع تلك الملايين التي تتظاهر مطالبة باسقاط الانظمة الرأسمالية، اولئك الذين يحتلون وول ستريت ولندن، انه جزء من التظاهرات التي تسير في اسبانيا و اليونان، انه امتداد لميادين التحرير، انا سعيدة بهذا اللقاء اليوم، لانه قطرة ماء في بحر هذه الحركة.

منذ سنوات و ازمة الرأسمالية العالمية تتفاقم و يراد حلها و تصريفها على حساب الملايين، الهجمة شنت وتشن على حقوق الرفاه و فرص العمل، و زيادة سن التقاعد، واحالة العمال الى البطالة في الدول التي تسمى بدول الرعاية الاجتماعية، فما بال الدول التي لا تقدم هذه الرعاية، ان الملايين تدفع الى مصير مجهول في كل مكان في العالم.

الا انها ايضا ايام تحد، ايام خروج الجماهير في كل مكان في عالمنا المعولم للتعبير عن نفسه ، ايام التظاهرات المليونية، و احتلال الجامعات و المدن، ايام ابتكرت بها الناس طرائق جديدة و جديدة للتعبير عن نفسها، عن تدخلها. اننا نعيش ايام استثنائية و مهمة بكل معنى الكلمة ، انها ايام العودة الى ماركس، و رفع راية الماركسية مجددا.

لماذا يتظاهر المتظاهرون؟ الحاجة و المطالبة باشباع الحاجة.

كل التظاهرات التي تشهدها العديد من المدن في العالم، بما فيها مدينة بغداد، تدور حول قضية واحدة لا غير. قضية صراع البشرية هي لامر واحد لا غير، اشباع حاجات الانسان. حاجات يريد البشر اشباعها، يريدون سدها، و تلبيتها. هذه الحاجات حين لا تلبى، تلح على الانسان، تشعره بالالم، تشعره بالغضب، تشعره بالاهانة، مما تفرض عليه ان يفعل شيء ما ليسدها، تدفعه لان يطالب بسدها، حين يبدأ بالمطالبة، يدخل ميدان السياسة، يدخل حلبة السياسة، يخوض صراع سياسي، كفرد يريد ان يشبع حاجاته، و بين اولئك الذي يمنعونه عنه ذلك.

كل صراع البشرية، في الشرق او في الغرب يدور حول قضية واحدة، كيف توزع الثروات؟ وفق اي مبدأ يجري التوزيع، و من الذي يقرر شروط هذا التوزيع، و حقانية هذا التوزيع.

اذن في كل مجتمع هنالك حاجتان، الاولى هي الحاجة الى الطعام، و المسكن، و الصحة، الامان، التعليم، الرعاية الاجتماعية، و احترام كرامة البشر، اي الحاجات الاقتصادية. و هنالك حاجة اخرى و مطلب اخر، هو الحاجة الى الاقرار بحق بالمطالبة، بحق بالتعبير، حق خوض مضمار العمل السياسي، اي الحاجات السياسية.

ان الاقرار بهذا الحق هو حاجة بحد ذاته، هو مطلب بحد ذاته. يقولون الحاجة ام الاختراع، اضيف لهذا بان الحاجة ام الحق، حيث هنالك حاجة، هنالك الحق في اشباع هذه الحاجة. تتحول الحاجة في هذا الاطار الى حق، الى مطلب، الى حق، تتحول الى سياسة.

ان كل ما يدور في عالم اليوم، هو النضال من اجل اشباع الحاجات. و لكن اذا كان النضال في الغرب هو من اشباع الحاجات الاقتصادية، فان النضال في الشرق الاوسط، و في العراق تحديدا، هو من اجل حقين، الحق الاول، اشباع ذات الحاجات التي يتظاهر من اجلها المواطن في الغرب اي الامان الاقتصادي و الرفاه، و يناضل على صعيد ثان، انتزاع الاقرار بان لديه الحق في المطالبة، لديه الحق في خوض السياسة، لديه الحق في التعبير. اي يناضل من اجل الحقوق السياسية.

في الدول الرأسمالية الصناعية، تقر الحكومات بحق المطالبة وحق التعبير السياسي، و لكنها لا تجد نفسها ملزمة على الاستجابة على حاجات البشر الاساسية من قبيل تامين فرص عمل للجميع، ضمان اجتماعي او امان اقتصادي للجميع، و هذا ما يفسر سبب التظاهرات التي تجري في تلك البلدان اليوم.
ساومت الرأسمالية في الغرب على عدم ايفائها باشباع الحاجات الاقتصادية، باقرارها الحقوق السياسية، حيث انها موجودة لا لخدمة الاغلبية، انها موجودة لخدمة الاقلية القليلة المالكة. اما الملايين فهي متروكة تصارع من اجل مصيرها في اقتصاد السوق.

الى اي حد ستستجيب الحكومات الى تلك المطالبات، امر يحسمه ميزان القوى في كل لحظة. لنلقي نظرة على كيفية تنظيم هذه الحاجات و العلاقة في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، و الدول التي يسودها الرأسمال الريعي.

في الدول الرأسمالية تتكون الثروة و تتشكل ميزانية الدولة من ناتج عمل الطبقة العاملة المليونية و من الضرائب التي يدفعها العاملون الى خزينة الدولة. تحكم الطبقة الحاكمة قبضتها على هذه المصادر، تمول الحروب، و تمول مصاريف حكومتها، و ايضا تدفع كلفة الرعاية الاجتماعية لذوي الحاجة و الخدمات للمواطنين من نظافة و مرور و تعبيد طرق و الخ، ولكن مسالة تضمين فرص عمل للجميع ليست مهمتها و لا وظفيتها، فهي متروكة لقوانين السوق. ان مفهوم" No taxation without representation " اي لا ضرائب بدون تمثيل" تنظم العلاقة بين دافعي الضرائب و حقهم في التمثيل، اي التمثيل السياسي، اي الحق في الانتخاب والتصويت. هكذا ارادوا في الغرب صياغة العلاقة بين الحكام و المحكومين، كعلاقة "حق و واجب" بين المواطن و الدولة.
الا ان العلاقة ليست بهذا القدر من البراءة، العلاقة بين الطبقة الحاكمة و الطبقة المحكومة، بين الطبقة التي تملك و الطبقة التي لا تملك. انها قائمة على اساس سيطرة الطبقة الحاكمة، و سلب اكبر ما يمكن من دافعي الضرائب، و رمي اوزار ازماتها على عاتقهم. كلنا يتذكر كيف اخذت الحكومات اموال الضرائب لتحولها الى البنوك، اموال تلك الضرائب كان مقرر لها ان تعود للناس على شكل خدمات و رعاية اجتماعية، الا ان الحكومات اخذت تلك الاموال سلمتها لاصحاب البنوك، ثم بدأت تنادي بسياسات التقشف، لذلك نزلت الملايين الى الشوارع محتجة.

العلاقة في الدول الرأسمالية علاقة طبقية، علاقة صراع. الحكومات موجودة لخدمة الرأسمالية، لحمايتها و للدفاع عنها. و ما اقرارها بحقوق و الخدمات، و بعض من خدمات الرعاية الاجتماعية للمجتمع الا لمنع تلك المجتمعات من الانفجار.

في الدول الرأسمالية الريعية، و حديثي هنا سيدور عن الدول التي يشكل النفط المصدر الرئيسي لدخلها، فالعلاقة بين الحكام و المجتمع في الدولة الريعية هي كالتالي: الدولة تسيطر عليها طبقة حاكمة طفيلية غير منتجة متحكمة بمصادر و مداخيل النفط. تمتلك الفئة الحاكمة الجيش، الميلشيات و الفرق القمعية لادامة هذه السيطرة. تؤسس احزابا تربطها صلة الولاء المطلق للفئة الحاكمة، صلات القربى و العشائرية. في هذه الدول، النفط يمول الدولة و مشاريعها، لا يشكل عمل الناس ولا الضرائب مصدرا ماليا للدولة، فما ان الضرائب لا تدفع، و المواطن ياخذ حاجته من فضلة النفط التي تمنحه اياها الفئة المسلطة على مصادر النفط، لا تجد الدولة نفسها اولا على انها مجبرة او ملزمة على الاستجابة على حاجات الناس، و ثانيا، ترى ان ما تعطية للناس هو منحة من قبلها لهم. فهي التي تستاثر بالنفط، و هي لديها القدرة على الضرب على ايدي كل من يمسه، فكل ما يقدم من خدمات، يقدم باعتباره" منحة" من رئيس الحكومة، " منة" تمن بها على الناس، انها "مكارم" و " هبات". يصبح بناء المدارس و المستشفيات، هي "هدايا" من المسؤوليين. اذا افتتح جسر، يقولون انه افتتح برعاية فلان ،انه يقترن باسمه، لا ينظر له على ان بناء البنى التحتية هي مسؤولية الدولة، ينظر الى الحصول على الخدمات انها منح من قبل المسؤولين. و جرت وراثة هذه العادة و هذا التصور من النظام السابق الى المسؤوليين الحاليين.

الذين يحصلون على افضل الخدمات و افضل العطايا هم فقط اولئك الذين يرتبطون و تلك السلطة، باحزابها، و بجيشها و بميليشياتها. الفئة الحاكمة تجد نفسها مضطرة لتكريم فقط الافراد و ألجماعات و العصابات و الفرق التي تحميها، لذلك تغدق عليها بالعطايا. ليست هنالك خدمات عامة لكل الناس على اساس المواطنة، بل خدمات خاصة و ببذخ للمقربين و المدافعين فقط عن تلك الفئة الحاكمة.

لذا تقوي الحكومة دور العشائر والميلشيات المرتبطة معها، و ليس حكم دولة، تقوي حكم الافراد و ليس حكم مؤسسات. تقوي نزعة الانتهازية لدى الافراد والجماعات كوسيلة لتأمين اوضاعها المعاشية. ينتشر الفساد المتاتي من السيطرة على الموارد المالية. توزع الثروات لا على اساس الحاجة او اشباع الحاجات، بل على اساس المحسوبيات و الولاءات، و الزبائنية و شراء الناس، تشهد هذه البلدان اضطهادا لحقوق الانسان، واضطهادا لحقوق المرأة، و تعتمد الحكومة في تنظيمها للمجتمع لمنعه من الانفجار باسلوبين: الاول تقوية العشيرة و الاقارب و الواسطات، و شراء الولاءات، شراء الاحزاب، شراء المواطنين، شراء الاصوات، شراء منظمات المجتمع المدني، شراء المعارضين. والاسلوب الثاني: استخدام القمع.اما اذا كانت هنالك اكثر من فئة تتحكم و تشترك في الحكم، فان الصراعات تشتد و يجري التنظيم على اساس المحاصصات، و فيما اذا اختل هذا التوازن بين الجماعات يصار الى حسمة بالاقتتال، يحسم عسكريا. تصل الصراعات بين تلك الجماعات المتحكمة، لحد رمي البلاد برمتها في اتون حرب اهلية.

كما كانت العلاقة بين نظام حزب البعث مع المجتمع، حيث الاعضاء في حزب البعث يحصلون على افضل الامتيازات، يعاد انتاج نفس النظام، فالتوظيف الان يعتمد على الصلات بالاحزاب الحاكمة، الحصول على قطع اراضي، او توزيع الدور، او فرص السفر للخارج، او الحضور في مؤتمرات دولية، فان العناية تشمل اولئك المرتبطين بالسلطة. كما كان يفعل صدام حسين في اغناء ابناء قريته و مدينة صلاح الدين من اجل ان يكون له حزاما و امانا، هكذا تفعل الجماعات الاخرى، انها تثبت استخدام دخول النفط من اجل اغناء الطبقة المحيطة بها، طبقة لها مصلحة في الحفاظ على الوضع القائم. لقد حدث هذا السيناريو في افغانستان، اعطيت للحكومة الافغانية بعد حرب افغانستان مساعدات مالية هائلة، استخدم الجزء الاكبر من تلك المساعدات التي كان من المفترض ان تذهب الى تمويل بناء مدارس ومستشفيات، الى جيوب افراد في الحكومة، لم يثروا من هذه المساعدات فحسب، بل راحوا الى تشكيل حمايات لهم من قوة عسكرية لتحمي تلك المصالح. هذه الفئة الجديدة ستهتز مصالحها و مواقعها في السلطة، جراء اي اهتزاز في الوضع السياسي، لذلك من مصلحتهم حماية هذا النظام. ان اثراء طبقة سياسية، تتكون من الحكومة بوزائها، و اعضاء البرلمان و المقربين الى السلطة تتطلب امكانيات مالية هائلة، النفط يوفر هذه الامكانية.


ان ما يجري اليوم هو امتداد لما كان يجري بالامس. اذا كان في السابق هنالك حزب واحد، فاليوم عدة احزاب باسم دولة مركزية، الان اقر دستوريا النظام الفيدرالي و اللامركزية. هذا النظام القائم على اساس توزيع السيطرة بين الجماعات الرئيسية المتالفة في السلطة، الاحزاب الاسلامية و القومية بميلشياتها، او بالتعبير الذي استخدموه نظام المحاصصة. المحاصصة و التقسيم و توزيع استخدام القوة فيما بينهم. في الدولة الريعية الاسئثار بالثروات واحكام القبضة عليها و توزيعها حسب الولاءات، هو ديدن الحكومة قبل السقوط و بعد السقوط، قبل الفيدرالية وبعد الفيدرالية، في الدولة المركزية و في الدولة اللامركزية. استخدام الموارد النفطية الهائلة لتقوية الموالين و الميلشيات والعشائر مقابل اعطاء فتات للجماهير، و استخدام الة القمع لاسكات المتبقية الباقية من الملايين.

في هذا التوجه، يتخذ من الاسلام السياسي و المحاصصة و اسلمة المجتمع و بشكل رسمي سلاحا لفرض هذا النظام الاقتصادي و السياسي و المعاشي على المواطنين. لا شيء اكثر ارهابا للناس من ان يعتبر الاعتراض على الحكومة هو مخالفة للتعاليم الالهية. و الحكومة هي تجسيد لتلك التعاليم، ان العراق ينتقل الان من دولة " ديمقراطية" الى دولة " التعاليم الالهية"، الحكومة في العراق الان تسير و بشكل رسمي نحو الاسلمة، انها تنتقل و مع مغادرة القوى الاميركية الى " دولة اسلامية" ان البرلمان العراقي يناقش هذه الايام قانون "حرية التعبير"، ان فقرات هذا القانون تناقش حجم العقوبات لاولئك الذين ينتقدون " الشعائر الدينية" فيما اذا كانت غرامة بمليون او عشر ملايين دينار، و فيما اذا كانت العقوبة سنة واحدة، اكثر، او اقل.

الجماهير خرجت الى الشارع في 25 شباط تطالب بالخدمات و القضاء على البطالة، فرص العمل، و انهاء الفساد. الا ان الحكومة واجهتها باطلاق النار و السجون و التعذيب. الجماهير في العراق، كما في دول المنطقة الاخرى، تتظاهر من اجل انتزاع الاقرار من الحكومة بحقها في التعبير السياسي، حقها في التظاهر، حقها في الاضراب. لهذين المطلبين خرجت الجماهير الى الشارع، امتدادا لكل التظاهرات و الثورات التي شهدتها المنطقة.

المركزية و اللامركزية مطلب من؟

المعيار الوحيد للتفضيل بين المركزية و اللامركزية بالنسبة لنا كشيوعيين يستند الى قياس واحد وهو: اي من النظامين بامكانه الاستجابة الى حاجات الناس، احقاق حقوق اكثر، يؤمن حياة افضل، و شروط حياة افضل للجماهير.

غني عن القول ان الرأسمالية بكل اشكالها الصناعية و المالية و الريعية، تثبت بما لا يقبل السؤال مدى عجزها عن الاستجابة و الرد على تلك الحاجات. و ما تفننها بطرح اشكال مختلفة الا لخدمة مصالحها. انظروا اية من التظاهرات ظهرت للشوارع في العالم تناقش "شكل ادارة" الدولة، او شكل تنظيم الدولة. الذين خرجوا للشوارع من نيويورك الى القاهرة الى بغداد، يطالبون بشروط اقتصادية و معاشية، غير ابهين باي شكل اداري تتبناه الحكومة.

يطرحون اللامركزية، و يدعون ان اللامركزية ستقرب مجالس المحافظات من الجمهور، و بامكان المواطن مراقبتها عن قرب، و بان الدولة المركزية تحرم المواطن من هكذا نوع من الرقابة. و لكن اليست الاحزاب المؤتلفة في الحكومة اليوم هي نفسها التي تدير و ستدير المحافظات غدا؟ لن يتمكن الناس من اختيار افراد اخيار مستقلين، لان الميلشيات لن تترك لافراد مستقلين نزيهين الفرصة لخدمة الشعب. ان الاحزاب التي ستمسك بالسلطة في المدن هي ذات الاحزاب في الحكومة المركزية، سيكون و لديهم الان حصصهم من النفط، و سيستخدموا تلك الموارد الهائلة لا لاشباع حاجات الناس، بل لاثرائهم و توزيع اجزاء منه على الموالين لهم و على حماياتهم.

انظروا كيف تغيرت التموقعات من اعوام 2003 كان السنة بـ"المعني السياسي الحزبي" يقفون ضد الفيدرالية. الان من كان يدافع عن الوحدة، بدأ يعمل على تكريس اللامركزية. بالنسبة للجماهير قضيتها لا تكمن في المركزية او اللامركزية، فيما اذا تعطى الصلاحيات الوزراية و الوزارات الامنية الى المحافظات. ان مشكلة جماهير العراق لم تكن النظام المركزي او الفيدرالي، ان مشكلة الجماهير تكمن في انعدام الخدمات، عدم وجود فرص عمل، عدم توفر الكهرباء، بؤس التعليم، تكاليف الصحة، اللاامن، الفساد الذي يروه، الانتخابات التي خدعوا بوعودها، قلة الحقوق، تردي وضع المرأة، امتهان الحريات الثقافية و التضييق عليها، العنف بمواجهة الاعتراضات، التمويل الذاتي، المحسوبيات، هذه تشكل مطاليب الناس، و ليست المركزية او اللامركزية.
ماذا تعني الفيدرالية؟ هل تعني تمتع السكان المحليين ببعض الثروات كما يقول المجلس الاعلى في دعوته الى اقامة اقليم يتمتع بحكم ذاتي في الجنوب؟ كلا. المحافظات العراقية لديها ميزانيات خاصة من الحكومة، يعيدون المتبقي من ميزانياتهم الى وزارة المالية في الاعوام الماضية. علما ان المدن بحاجة الى كل شيء من النظافة الى الكهرباء. بعد ان يصل الحكام في المدن الى درجة التشبع بتوزيع العقود، يعيدون المتبقي الى وزارة المالية.
يتحدثون عن مظلومية الشيعة، يقولون بان اهل الجنوب عانوا كثيرا في ظل الحكم المركزي، الجماهير عانت من حكم صدام حسين، و هي تعاني ايضا الان. لقد ارتبط اسم الاحزاب الاسلامية المؤتلفة في السلطة بالنهب و الفساد في وسط العراق و جنوبه، و جماهير كردستان التي ترفل بحكم فيدرالي، عمتها التظاهرات اسوة بدول المنطقة، و لعدة اسابيع، سكبت دماء من اجل حقوقها. لقد تظاهرت الجماهير لا من اجل الفيدرالية و اللامركزية، بل من اجل حياتها المعيشية اليوم، و الفيدرالية و اللامركزية لايضمان و بشكل اوتوماتيكي حياة افضل.
الحكومات في المنطقة ومن ضمنها العراق سواء في دولة فيدرالية او غير فيدرالية لا تستجيب الا تحت الضغط من الشارع. استخدام الجماهير لقوة التظاهر و الاحتجاج يرغم تلك الحكومات على الانصات و على الاستجابة. انظروا الى كم من القرارات اقرت في عام 2011 في كردستان فقط: قانون منظمات المجتمع المدني، قانون الجمعيات، قانون العنف ضد المرأة، و زيادة المدفوعات الشهرية لليتامى من 40 الف الى 150 الف دينار شهريا، ايجاد 25 الف فرصة عمل في كردستان، دفع ضمان اجتماعي لكل الخريجين العاطلين عن العمل و لمدة ستة اشهر بدفع مبلغ قدره 150 الف دينار، ان استصدار كل هذه القرارات التي كانت تعاني من السبات على رفوف البرلمان، خرجت الى النور لسبب واحد لا غير انه الضغط من الشارع.
في ايران، التي يحكمها الاسلام الشيعي، هنالك الاكراد، و العرب و البلوش، و الافغان، و لم يجري طرح الفيدرالية. بل هنالك دولة مركزية و الجماهير هنالك تجمعها على اختلاف تلك القوميات مطلبين، الحياة الاقتصادية المرفهة و الحقوق السياسية، وخرجت الجماهير في ايران في تظاهرات مليونية، و لا تزال و رأينا ذلك على شاشات التلفزة.
المسالة ليست دولة مركزية ام لا مركزية، و لكنه صراع لتقسيم المجتمع في العراق، ان التعداد السكاني لم يحصل لحد الان في العراق رغم استحقاقه من الناحية الادارية، لان هنالك صراعات و تقسيمات حول اي هي "مدن العرب" و اي هي "مدن الاكراد"، اعضاء المحكمة الفيدرالية العليا لم تقرر لحد الان، لانها تخضع لقانون المحاصصة، ان كل قانون يجب ان يخضع و يشرع وفق قانون المحاصصة، المحاصصة في اقتسام الحصص و المواقع و السلطات و الثروات.لاتمت الفدرالية ليست باية صلة بتامين وتوسيع الحقوق والحريات السياسية والمدنية لجماهير العراق بل تمت الى توزيع الحصص. لم تطالب اية من المظاهرات في العراق بالفيدرالية و لا بالمركزية او اللامركزية ، ان كلا النموذجين في المطاف الاخير تطالب بهما التيارات الدينية والقومية وليس لها ادنى صلة بتحسين اوضاع الجماهير الناشدة للحريات والرفاه والمساواة.
الاحزاب الاسلامية المؤتلفة لا تمتلك رؤية مغايرة و النظام الاقتصادي الذي يراد تثبيته في العراق و هو النظام الاقتصادي الليبرالي الجديد، نقل الاقتصاد الى اقتصاد السوق الحر، تقليص دور الدولة الى ابعد حد، بل ابعاد الدولة، واخلاء مسؤوليتها عن قضية الاجابة على حاجات الانسان، و ترك المواطن للسوق ليتواجه مع القطاع الخاص ان كان بامكانه بيع قوة عمله، سواء كان هذا النظام مركزيا او لا مركزيا، فيدراليا او دولة موحدة.

ان نظام "توزيع الثروات" ليس قائم على اساس اشباع حاجات الناس في الانظمة الرأسمالية الانتاجية منها و الريعية، فهذا ينقض جوهرها القائم على اساس الملكية الخاصة و على اساس حكم الاقلية المالكة. و الا، فان بالامكان خاصة في عالم اليوم و مع التطور التكنولوجي احصاء حاجات الناس و بالامكان العمل على اشباعها في اطار مجتمع قائم على اساس حكم الاغلبية، حكم الجماهير الممثلة تمثيلا مباشرا.

نظام اللامركزية الذي يطرح الان مصمما لانتفاع و هيمنة و اثراء فئات طفيلية، غير منتجة، و ليس لها دور في الاقتصاد غير قدرتها العسكرية واداتها الايديولوجية المتمثلة اليوم و المرفوعة من قبل الاسلام الشيعي الان، ايديولوجية يفرض تحت رايتها هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي.

طالبت الجماهير سواء في تظاهراتها في ساحة التحرير و في المدن الاخرى، بالخدمات و فرص العمل، و نددت بالفساد، و طالبت بحقوقها. في هذا تشترك الجماهير مع كل التظاهرات في العالم بمطالبتها بحقوقها الاقتصادية و و حقوقها السياسية.

اننا نرى ان حاجات الانسان تتمحور حول فرص عمل لكل قادر عليه و مستعد و راغب فيه، للرجال والنساء بشكل متساوي، سكن ملائم و صحي للجميع، الصحة و التعليم و الرعاية الاجتماعية، واحترام كرامته الشخصية، احترام حقه في التعبير، حقه في الشعور بالامان احترام ارادة الانسان.

للوصول الى هذه الوضع يعمل الحزب على التنظيم لتامين تدخل الجماهير من الاسفل الى الاعلى انه يعمل على ان تتدخل الجماهير وان تحدد مصيرها، يرفض الحرب بالنيابة، يرفض التمثيل بالنيابة، يرفض سلب الارادة، بل يعمل على التدخل الواعي للجماهير. ان برنامج الحزب و مطاليبه و اعماله موجودة لكل من يريد الاطلاع عليها على صفحة الحزب.

ادعو الحضور الى التعرف عن قرب على هذا التنظيم. ادعو الاصدقاء الى الانخراط و العمل المنظم في صفوفه. لقد جربت الجماهير القومية العربية و حزب البعث في العقود الاخيرة، منذ عام 1968- وحتى عام 2003، ثم اتيحت لها فرصة العيش تحت سلطة الاحزاب الاسلامية، و تعرفون كيف ظهرت الجماهير مطالبة بالخبز و الحرية. ندعو الجماهير الى ان تنظم نفسها، وتاخذ و تمسك مصيرها بايديها، عبر اشكال و اشكال جديدة ومبتكرة من الاعتراض من اجل نيل الحقوق. ان تجربة الثورات في المنطقة قد كشفت و في منتهى الوضوح، ان القوى الشيوعية ان لم تكن منظمة، سيركب موجة الثورات القوى الاكثر تنظيما، ان الاحزاب الاسلامية تسعى الى ركوب هذه الموجات الثورية، و تعمل على ابعادهاعن الاهداف التي شنت من اجلها تلك الثورات، ان للتنظيم اهمية حاسمة، في المسعى التاريخي للاجابة على حاجات الانسان.

26-11- 2011 - بغداد.



#نادية_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علياء ماجدة المهدي: امرأة تتحدى!
- من انتصر في ليبيا؟ ومن المنتصر في الثورات في المنطقة؟
- بيان حول اجتماع ممثلي عدد من الاحزاب و المنظمات المشاركة على ...
- عالم و احد و طبقتان*
- حول ضرورة ألعمل المشترك لتقوية الاحتجاجات الجماهيرية في العر ...
- حركة طبقية جديدة تعلن عن ولادتها في تونس و مصر
- سياسة -اللاتسييس-... سياسة مغرضة!
- الهجوم على دولة الرفاه في اوربا و ضرورة تشكيل أحزاب شيوعية ع ...
- التحزب، ضرورة ملحة تطرح نفسها امام الطبقة العاملة في العراق!
- كيف جسدت منى علي( ليلى محمد) فحوى الشيوعية العمالية بالكلمة ...
- الى موون.. الحديث الاخير ...
- ما هي وظيفة منظمات المجتمع المدني في الوضع الراهن في العراق- ...
- أسترح ايها الرب، بامكاننا ان نقوم بعملك الان!
- النضال من اجل اعادة الخيار للانسان ...مهمة عاجلة!
- لن تبقى كردستان بعد مقتل سردشت ، كما كانت قبله!
- كلمة حول نداء منتسبي شركة مصافي الجنوب للحصول على مطالبهم..
- حول قرارات الحكومة الاخيرة حول المحارم و الفصل الجنسي
- اليكم جميعا ..ليكن عاما سعيد لكم.. عام لتحريك الجبال!
- الشيوعية العمالية و الانتخابات البرلمانية في العراق لعام 201 ...
- يكفي ما في قوانينكم من كوارث لتضيفوا له مآسي جديدة- حول قانو ...


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية محمود - مطالب الجماهير في الدول الراسمالية الانتاجية ، و الراسمالية الريعية