رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3549 - 2011 / 11 / 17 - 08:57
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الحلقة السورية
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، تلك مقولة معيارية ، لاخلاف عليها ، ولو طبقناها على الخط العروبي الشوفيني والشمولي ، إذن لميزنا ووقفنا على حقائق .. وليس أوهام .
- ماحصل من سقوط مريع لنظم الممانعة والمقاومة العربية ، يشبه ماحصل لبلدان المعسكر الاشتراكي
- المعسكر الاشتراكي المرحوم هو الأب غير الشرعي لنظم الممانعة والمقاومة والعروبية العنصرية الشوفينية ، والراعي الأول لها طيلة الحقبة الماضية .
- النظريات والفلسفة والمناهج التي تبنتها العروبية الشوفينية .. مستقاة ومستوحاة من تجارب المعسكر الاشتراكي ، وهي مجرد غطاء أيديولوجي جذاب القصد منه " المكيجة " من أجل إغراء الجمهور وكسبه .. وليس له أي مضمون فعلي واقعي ، مثله في ذلك مثل سائر الشعارات التي رفعها مراوغة وليس صدقا كالمقاومة والممانعة والصمود والتصدي والتضامن العربي , وعلى هذه القاعدة الإيديولوجية التضليلية بنت النظم العروبية ديكتاتورياتها الحديدية الإرهابية ، التي يمكن وضعها في خانة واحدة مع القاعدة وطالبان وسائر الحركات الأصولية الإقصائية الإرهابية في العالم ، ولكن تلك النظم تمتاز على الحركات الإرهابية كالقاعدة وطالبان وغيرهما بأنها تشكل نظاما سياسيا مخادعا وذو وجهين ، بل ذو أكثر من ألف وجه ، والمصيبة أن العالم ينظر لتلك الأنظمة ويعتبرها شرعية ، ويعترف بها ، ويتعامل معها ، ويجلس معها في قاعة واحدة داخل الأمم المتحدة ومنظماتها المتنوعة .
- إن التاريخ والواقع والتجربة هي التي أسقطت وتسقط هذه الأنظمة تباعا لعدم صلاحيتها للبقاء ، وعجزها عن إدارة الحياة السياسية ، وفشلها في التعبير عن إرادة الشعوب ، وإدارة الظهر لمتطلبات العصر واستحقاقات التعبير الديمقراطي المدني الحداثي .
- إن الاستبداد كان عبر التاريخ مصدرا للصراع والمنازعات الأهلية والقومية والدولية ، ومدرسة للكراهية والعنصرية ونشر ثقافتهما ، وثقافة الإرهاب المادي والمعنوي ضد كل شيء ، وضد كل مظهر من مظاهر الحرية والحياة والاجتماع والوفاق ، والاستبداد يقف تماما في الخندق المعادي للحقوق الأساسية للإنسان ، لأنها تفضي إلى موته وإزالته عن الخارطة وبكل صوره المادية والمعنوية ، وبكل نتائجه وآثاره الضارة على الحياة الاجتماعية والفردية . والاستبداد مخالف للطبيعة البشرية ، ولهذا يقاومه الناس بكل السبل حتى يزول . والأنظمة العروبية الديكتاتورية هي من هذا النوع الذي لايمكن لأي عاقل تحمل استبداده وجنونه وهوسه ودمويته وشذوذه عن الناموس البشري الطبيعي . والمصيبة أن الاستبداد يتبنى الأوهام والأكاذيب أيديولوجية له ، وسلاحها هذا يتناقض مع الموضوعية والعلمية والعقلانية والواقعية ، أي أنها أيدولوجية الغباء والجهل والحماقة التي لاتفهم لغة أخرى غير لغة القوة ، وهو ماحصل مع القذافي مؤخرا . حيث كل العالم في جهة ، والقذافي وحده في الجهة المقابلة ، وكان الأحرى به أن يودع في مصح عقلي .
الجهل والعقل لايلتقيان ، ولابد من أن ينفي أحدهما الآخر ، والمشكلة أن بعض النظم الاستبدادية تتمسك ببقائها حتى آخر نفس ، وحتى وهي تحتضر لاتعي مايجب عليها فعله ، ولاتصغي إلى نصائح أقرب المقربين إليها ، هذا إن تجرأ على مصارحتها بمصيرها الوشيك والمحتوم والتراجيدي ، والسبب هو أن النظام الاستبدادي غالبا مايتحول إلى جسم مشوه وممسوخ سياسيا، له رأس متضخم جدا ، يعطل عمل بقية وظائف الأعضاء التابعة له ، ويمضي سريعا نحو حتفه المحتم ، ولايستسلم حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة . مايترتب عليه تكلفة دموية باهظة كما حدث في ليبيا .
- قلنا أنه : عند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، والامتحان راهن ومشهود في عدد من البلدان ، ومع ذلك لاتتعظ ولا تعتبر بقية الأنظمة الديكتاتورية من تجارب الجيران ، وهذه حماقة مابعدها حماقة . وبالتالي فإن المشهد التراجيدي سوف يتكرر ، وهو مالاتدركه الأنظمة الديكتاتورية التي جاءها الدور ، وهي تصطف على طريق السقوط إلى الهاوية التاريخية المقررة ، بل هي تتمسك وتتشبث بالبقاء عبثا ، ولاترى في المشهد سوى القشة التي ستنقذه من الغرق ، وترى القشة بحجم الكرة الأرضية ، بينما ترى الكرة الأرضية بحجم الناموسة .
- أيضا درجت النظم الاستبدادية واعتادت على قاعدة سياسية خاطئة حتى خلال التاريخ القديم ، هذه القاعدة التي تخالف حتى الرؤية الميكافيللية السياسية التي تؤكد ضرورة استخدام السياسة قبل العصا أو معها على الأقل ، أما أن ترمي السياسة جانبا ، وتكتفي بالعصا وسيلة للسياسة ، فهذا خطأ نظري واستراتيجي سياسي فادح ، ويفضي إلى التهلكة المؤكدة ، وهو مانشهده على الساحة السورية ، حيث اختار النظام العصا منذ البداية ، بل ماقبلها ومنذ بداية هذا العقد ، وكان أن بدأ يحصد نتائجه المأساوية المريعة ، لأنه ببساطة يتناقض مع المنطق العام للبشرية ، وللخط العام للتطور الحاصل داخليا وعربيا وإقليميا ودوليا ، وكان أن خسر النظام أوراقه تباعا ، حتى لم يبق لديه منها ماينفعه لمواجهة المصير الأسود . اختار النظام مخالفة القاعدة منذ زمن بعيد ، وقرر الخروج على الخط العربي العام جملة وتفصيلا ، وحشر نفسه في تحالف يظنه قويا وقادرا على حمايته من الأخطار المحدقة به ، غير أنه أخطأ الحساب تماما . وإيران عاجزة عن حماية نفسها ، فكيف بحماية النظام ، وإن الرهان السوري الرسمي خاسر بكل المقاييس السياسية منذ البداية ، وهو مايدفعنا إلى الاعتقاد أن النظام السوري لايشتغل سياسة ، بل عول على العصا وحدها ، واعتبرها الأداة الوحيدة لفرض الأمر الواقع والبقاء في سدة السلطة . وبالإضافة للعصا ، استخدم النظام السوري أسلحة النفاق السياسي باعتباره تطبيقا لمبدأ الحرب خدعة ، ولكنه فشل حتى في هذا ، لأننا في عصر مختلف . والنظام عاجز عن استخدام الأدوات الديمقراطية في الممارسة السياسية ، وهي الآقوى والأكثر ثباتا وفعالية ، ولكن لايعقل أن يستعمل ا لنظام تلك الأدوات المعادية له ، والتي ستفضي إلى إزاحته وزواله كنظام استبدادي متوحش ، بل وإلى وضعه في القفص .
- الآن بدأ الخناق يضيق ويضيق ، والنظام فاقد الوعي تماما ، تقوده غرائزه العمياء إلى حتفه دون أن يدري ، وهو يرفض أن يدري أصلا . والعصا التي يستخدمها بدأت تهوي على رأسه ونافوخه ، وستقضي عليه ، وإن طبيعة التركيبة العسكرية التي زجها في مواجهة الشعب ، ستدمر المؤسسة العسكرية وتقسمها بشدة ، لأنها لايمكن أن تقف على الحياد حيال مايجري ضد الأهل في كل أنحاء سورية . والحبل على الجرار ، والآتي أعظم .
- إن التعويل على الروس وغيرهم لن يجدي نفعا ، وإن السياسة الروسية ليست أكثر حكمة وبعد نظر من السياسة الرسمية للنظام السوري ، في رؤيتها ومقارباتها للمشهد السياسي الجاري ، ولذلك نجد أن رهانا ت الروس خاسرة استرا تيجيا ، وهو مايتناقض مع مقولة أن الروس ينظرون من خلال مصالحم ، إذ أين مصالحم من زوال نظام استبدادي لايستطيعون إيقافه ؟
- إن سقوط الخط العروبي الشوفيني القومي الاشتراكي تباعا ، يعني سقوط التيارات السياسية والثقافية الشمولية كلها ، لأنها الرصيد والمنطلق للاستبداد المقيت الذي عانت منه المنطقة عقودا ، والشارع العربي أخذ المبادرة ، وحسم أمره ، وأدارت ظهرها للإيديولوجية الشمولية الإقصائية والعنصرية ، وقطعت معها تماما ، فباتت الأحزاب الشمولية التقليدية منعزلة ومفصولة عن الواقع والشعب والحراك الشارعي . ومن الأفضل لتلك الحركات والتيارات الشمولية أن تتكيف مع الجديد ، وتعيد النظر في برامجها ورؤيتها ومقارباتها للواقع المحلي والدولي ، وكيفية التعاطي بطريقة مختلفة ومثمرة .
- لقد فقد النظام مصداقيته في الداخل والخارج ، واستدرج الجميع إلى معركة هو الخاسر الوحيد فيها ، وليس من المتوقع أن تقف هذه المعركة قبل الإجهاز على النظام السوري في وقت لم يعد بعيدا ، وسنرى في هذا الامتحان الصعب الذي لامثيل له إن كان النظام سيكرم أم يهان ؟
#رياض_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟