أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي















المزيد.....

مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3546 - 2011 / 11 / 14 - 16:25
المحور: سيرة ذاتية
    



كان الاستاذ الشاعر المخضرم مكي عزيز (البرزنجي) أحد رواد مقهى الزهاوي البغدادية في بداية شارع الرشيد المطلة على ساحة الميدان. كان يحضر للمقهى صباحا ويبقى حتى منتصف الظهيرة أي الثانية عشرة أو ما يضاهيها قبل أن تشتدّ حرارة القيظ فيقوم ويعود إلى بيبت أخيه في المأمون حيث كان يقيم منذ عودته من منفاه، حيث لم يكن له بيت أو زوجة أو عائلة خاصة.
كان الاستاذ مكي عزيز في أواخر الثمانينيات وأول تسعينيات القرن العشرين هزيل القوام ضعيف البنية يقارب طوله (1.75سم)، ذا شعر خفيف وجحوظ في عينيه. كان جميل المنظر حسن الهندام، حنطيّ اللون، ذا وقار ومهابة، قليل الكلام والحركة، خفيض الصوت، حتى يكاد لا يسمع. وكان على الدوام يهتمّ بأناقة مظهره، حسب الهندام التقليدي الرسمي، يرتدي بدلة أنيقة من قطعتين، يميل لونها للأزرق الفاتح. لا يضع نظارة على عينيه في العادة. وكان مجلسه المعتاد إلى جانب الاستاذ الشاعر المحامي محمد حسين فرج الله والأستاذ المترجم سليم طه التكريتي. وكان مجلس هؤلاء في زاوية المقهى المقابلة لمدخل (الأوجاغ) حيث تصطف ثلاث (قنفات) تحتلان أول الواجهة الزجاجية التي تربطها بمدخل شارع الرشيد. (قنفتان) تصطفان مع الجدار الخلفي والثالثة تقابلهما. وفي تلك الزاوية كان يجتمع على الدوام جملة من عينة أدباء العراق وأعلامه المخضرَمين، منهم الدكتور الشاعر محمد عزة العبيدي والأستاذ المحامي الشاعر أنور عبد الحميد السامرائي والأستاذ الشاعر صاحب ياسين والأستاذ الأديب عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي والأستاذ يعقوب شعبان الفلسطيني وأسماء أخرى عديدة أرجو أن تحضر الذهن مع الاستطراد في الموضوع.
ذات يوم دار حوار داخل المجموعة حول تقدير عمر الأستاذ مكي عزيز، وقدّره البعض ما بين السبعين والثمانين والبعض قدّره في حدود التسعين، واستشهد أحدهم بكتاب معجم شعراء العراق الذي أورده ضمن مواليد (1912). ينحدر أصل عائلته من منطقة برزنجة التي يرجع نسبها إلى أحد أئمة الشيعة الأثني عشرية، المتعارف عليهم في الأوساط الشعبية بـ(السادة). ويبدو أن شعوره بهذا الانتماء الديني الاجتماعي طبع شعره بميسم خاص، فوقف شعره في مجال التصوف ومديح بني هاشم. وعلى الصعيد السياسي انعكس هذا في تأييد الحكم الهاشمي الملكي، قريبا من الفكر السعيدي السياسي. ولكنه بالمقابل لم يشغل أية وظيفة رسمية في الدولة، منصرفا للعمل الصحفي السياسي عبر جريدتين أصدرهما على التوالي هما (النذير) و (الأمة). وقد عانى إسوة بغيره جراء تضييق الحريات وقرارات تجميد أو اغلاق الصحف في كلّ من جريدتيه فكان يلجأ لتغيير اسمها عند إتاحة الحريات التعبيرية، ضمن اضطرابات الحياة السياسية العراقية.
وعند سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية كان يجلس في مقهى الزهاوي يراقب حمام الاضطرابات، ويومها بدأت حملة ملاحقات للمحسوبين على الحكم الملكي، فسرّب إليه أحد رجال الأمن من معارفه ورود اسمه ضمن القوائم السوداء.. يروي الأستاذ مكي عزيز وهو في مقهى الزهاوي.. "فاستوقفت سيارة تاكسي من هنا (من أمام المقهى) ودفعت له ثمانين ديناراً (في أواخر الخميسنيات) لينقلني إلى العاصمة عمّان". وقد أقام في العاصمة الأردنية في ضيافة البلاط الملكي.
أعتقد أنه ذكر أنه أحد أربعة أخوة في عائلته. واحد من أخوته عمل لاحقا في التجارة وارتبط بعلاقة عمل مع خيرالله طلفاح الذي كانت له أعمال تجارية واسعة، فطلب هذا منه دعوة أخيه للعودة للوطن. وقد تكررت زيارة أخيه له في عمان محملا بدعوات وضمانات، للعودة إلى الوطن، ناهيك عن ظروف التقدم في السنّ. وقد رضخ أخيراً وعاد. ولكنه على عكس الضمانات والتعهدات، وبعد وصوله إلى بغداد. اقتيد إلى دهاليز الأمن وتعرض لصنوف وحشية من التعذيب والارهاب وهو في شيخوخته، بما فيها استخدام الكهرباء وقلع الأظافر، وبعد ستة أشهر من ذلك لم يطلق سراحه إلا بعد توقيع تعهد بعدم التكلم ومنعه من التعبير عن الرأي أو النشر، رغم كونه صحفيا وأديبا شاعرا.
ورغم كون رواد مقهى الزهاوي من جيل المتقاعدين وكبار السنّ ممن انقطعت علاقتهم بعالم الوظيفة والحياة الثقافية، حيث البعض يطلق عليهم (جسيل المغضوب عليهم)، لم تكن المقهى عموما – أسوة بسواها- تخلو من وكلاء الأمن وآذانهم الصاغية لكل شاردة وواردة. ولكن ذلك لم يمنع فرصة همسات مشفرة أو تبادل إشارات رمزية مؤطرة بنكات عامة. وفي ظلّ تلك الظروف الخانقة، سيما مع التباسات النظام في أواخر حرب الثمانينيات، جرت حوارات وتبادل رأي في موضوعات فكرية وسياسية راهنية. وفي إطار علاقتي مع الأستاذ الشاعر مكي عزيز تمكنت من الحصول على قصاصات ورق صغيرة تتضمن بضعة أبيات شعرية من باب التأملات أو نقد الأوضاع، وذلك بأساليب وطرق سرّية، وذلك في إطار مشروعي لدراسة رواد الفكر والثقافة العراقية في القرن العشرين*. وفي الذهن من تلك القصاصات النادرة والعزيزة جدا هذان البيتان للأستاذ الراحل مكي عزيز (1912- 1997)..
كرهْتُ بغدادَ وَأمجادَها .. كما كرهْتُ اليومَ عبَّادَها
لو كانَ للمنصورِ علمٌ بأنْ .. يحكمَها الأنذالُ ما شادَها
وللشاعر مكي عزيز عديد مجاميع شعرية يمكن تقسيمها تحت ثلاثة عناوين رئيسة:
- مديح نبوي اسلامي
- مديح البيت الهاشمي في العراق
- مديح البيت الهاشمي في الأردن
ينضوي كل نتاج الشاعر في باب الشعر الموزون التقليدي الذي يعنى بالفكرة أساسا، وهو شاعر مطبوع شعره جزل الألفاظ حسن الصنعة. ويمكن قراءة الموضوع السياسي والخطاب الراهن في ثنيات شعره التصوفي الذي يصوّر موقفا في الحياة والوجود والفكر. فالموضوع لديه ليس معنيا بذاته بقدر ما هو كناية فكرية تترجم موقفه وفلسفته الحياتية. فالبيت النبوي وامتداه في المثال الهاشمي تجسيد لنوع من أفلاطونية دينية تتلخص فيها الفضيلة والنبل والسمو في الغاية والوسيلة. والاستاذ مكي عزيز في شخصه وشخصيته اليومية لا يقدم صورة شائعة لفكرة التدين، بقدر ما يقدم صورة الحكيم الفيلسوف الأكثر انحيازا لمنظومة قيمية سامية. وقد أتاحت له حياته في مجال التأليف والنشر الارتفاع عن المعاملات السوقية الشائعة في اليوميات. وقد نذر حياته للوحدة والعزوبية والتأليف رغم تجاوزه الثمانين وقسوة تكاليف الحياة، مما يساعد في تكوين صورة بورتريه الشاعر وفهم أبعاد عالمه الفكري.
لندن
الرابع عشر من نوفمبر 2011
وديع العبيدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
• صدر من مشروعي في دراسة رواد الفكر والثقافة العراقية كتاب واحد عن الدكتور الشاعر يوسف عزالدين.. حياته وشعره، الذي وضعته قبل مغادرة العراق عام (1991) وتعثر اكمال بقية المشروع حتى اليوم وكان يضم نخبة طيبة من الأدباء والأعلام، -مع شديد أسفي!-.
• كان مقهى الزهاوي ملتقى ثقافيا عصاميا، أحاول استذكار بعض رموزه في هذه المحاولة.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
- صورة جانبية لهشام شرابي /2
- صورة جانبية لهشام شرابي /1
- المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
- وردة أوغست..
- كلّ عام وأنت..!
- استقبال....
- لامُن ياؤن سين
- ((حضارة عكسية))
- منفيون من جنة الشيطان 40
- منفيّون من جنَّة الشيطان 39
- منفيون من جنة الشيطان38
- الاتجاه الاجتماعي في أدب يوسف عزالدين
- منفيون من جنة الشيطان37
- منفيون من جنة الشيطان 36
- منفيون من جنة الشيطان35
- منفيون من جنة الشيطان34
- منفيون من جنة الشيطان33
- منفيون من جنة الشيطان32
- منفيون من جنة الشيطان31


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي