منفيون من جنة الشيطان 36

وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3388 - 2011 / 6 / 6 - 18:56
المحور: الادب والفن
    

منفيون من جنة الشيطان 36
"للزميل هنري النمساوي من ذكريات العمل"

في التواليت أدْفَـأُ..
في التواليت أدْفَأُ
تقولُ.. كُلَّمَا افتَقدْتكَ
تبْسُطُ رَاحَتيكَ عَلى حَافَةِ المَدْفَأَةِ
وَوَجْهُكَ مُلْتصِقٌ بِالجِدَارِ
مُولِياً دُبُرَكَ لِلآخرينَ
مؤمناً أنَّ "الآخرينَ هم الجحيمُ"..
هَا..
Da bist du wieder
Hier ist wärmer
تقولُ لي..
هُنا أدْفَأُ
فَالشُغْلُ قليلٌ هَذِهِ السَّاعَةَ
وَالرّأسُ خالٍ
وَالقلْبُ بَارِدٌ
وَالفِرَاشُ.. خالٍ
هُنا أدْفَأُ
مِنَ الدّرَجَاتِ السّالِبةِ في كُوخِكَ الجَبَليِّ
تنتظِرُ الأربَعينَ بَقَرَةً
أو الأربَعينَ نَعْجَةً
أو الأربَعينَ لَيلَةً
أو الأربَعينَ عَامَاً
هُنا أدْفَأُ
حَيثُ لا يُحيطُ بِكَ ثلجٌ
وَلا تنقطِعُ الطّرُقُ حَوَالَيكَ
تَختزِلُ سَأَمَكَ
وَخُصُومَاتِ الأصْدِقاءِ
وَتلْعَبُ البُوكرَ عَلى غَسْلِ الصُّحُونِ
أوْ اعْدادِ العَشاءِ
هُنا أدْفَأُ
حيثُ تَسْتمرّ دَورَةُ الحَيَاةِ
عَبرَ دَورَةِ المياهِ
وَتدُورُ
بِدونِ تَوقّفٍ
وَجْهُكَ يَزدَادُ احْمِرَاراً
وَخدُودُكَ تَتَهَطّلُ قليلاً
وَأنتَ تَتَحَدّثُ
عن ابْتِكارَاتِكَ الفَريدَةِ
الأرْبَعينَ بَقَرَةً
لا تأتي
وَرُغْمَ ذَلِكَ
أضعُ مَرْفَقي عَلى حَافَةِ النّافِذةِ
وَأرَاقِبُ الطّريقَ
في الصّبَاحِ
تلْتمِعُ
قَطَرَاتُ النّدى عَلى الحَشائِشِ
رُغمَ أنَّ لا حَشيشَ هَذِهِ الأيّامَ
لِهَذا لا تأتي الأبْقارُ
هُناكَ فَلّاحَةٌ تقيمُ في ذلِكَ الكوخِ
بَعضَ الوَقتِ
تبيعُ الحَليبَ
وَتصنَعُ الأجْبَانَ
وَلَهَا أرْبَعُونَ بَقَرَةً
لَيْسَتْ شَهْبَاءَ أوْ رَقْطاءَ أوْ سَوْدَاءَ
وَلا حَائِلٌ لَوْنُها
لِوَحْدِهَا تَتَسَلّقُ الجَّبَلَ
ثلاثَ مَرَّاتٍ في العَامِّ
تَرْعَى الكَلَأ
وَتَعُودُ قبلَ المَسَاءِ
لِسَاعَاتٍ
أكونُ مُنشغِلاً مَعَهَا
مُراقِباً خُطُواتِها
في رَتْلٍ وَاحِدٍ طَويلٍ
مُتّبعَةُ آثارَ الأقدَامِ
وَهيَ تسيرُ عَلَى حَافَّةِ الجَّادَّةِ
لا تنحَرِفُ نَحْوَ الوَسَطِ
من الحَيَوانِ
نَتَعَلَّمُ أشيَاءً كثيرَةً
لم يَحْدُثْ أنْ زَلَقَتْ بَقَرَةٌ
في الوَادي
وَلَكِنَّ بَشَراً كثيرينَ
زَلَقُوا
في قاعِ الوَادي
أكثرَ مِنْ مَرّةٍ
رَبَطْتُ وَسْطي بِحَبْلٍ
وَتَدلّيتُ حَتّى مَسَافةٍ مَعْقولَةٍ
مُمْسِكاً بِالنّاظورِ
وَلَكِنْ وَلا مَرّةً
رَأيتُ جُثةَ الشّرْطيِّ
وَلا المَرأة الّتي كانَ يًلاحِقُها
حَقاً
لَمْ أحَدّثْكَ عن الشّرْطِيِّ
وَالشّابَّينِ وَالْمَرْأةِ
انّهَا قِصَّةٌ طَريفَةٌ
سَوْفَ أرْويها لَكَ
وَأشْعَلْتَ سيجارَةً جَديدَةً
سَوفَ اقولُ لَكَ ذَلِكَ فيما بَعْدُ
لَمْ أخْبِرْكَ عن النّمْلِ
لا يُوجَدُ نَمْلٌ في الكُوخِ
وإذَا رَأيتُ نَمْلَةً
أحَاوِلُ مُدَاعَبَتَهَا
بِجَمْرَةِ السّيجَارَةِ
سَاعَاتٍ وَهيَ تُمَارِسُ الهُرُوبَ
أخيراً
أحْصِرُهَا في عُلْبَةِ كبريتٍ
وَألْقيها في المَوْقِدِ
ذَلِكَ أفضَلُ لَهَا مِنَ الثّلْجِ
الْنَمْلُ لا يُحِبُّ الشِتاءَ
أقولُ لَكَ
هُنا أدْفَأُ
نَسْتَطيعُ التَصَرُّفَ بِدَرَجَةِ حَرَارَةِ المَدْفَأةِ
أمّا بَقيّةُ المَعْمَلِ
فَالتّدْفِئةُ مَرْكَزيَّةُ
وَدَرَجةُ الحَرارَةِ وَاطِئةٌ جِدّاً
حَسْبَ تَعْليمَاتِ التَقَشّفِ
لِيَتَقَشّفوا كمَا يُريدُونَ
نَحْنُ لَدَينا البَديلُ.
الثلاثاء 22/1/02

#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل