أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - الأسماء المكروهة !















المزيد.....

الأسماء المكروهة !


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 17:41
المحور: الادب والفن
    


الأسماء المكروهة ! سهر العامري

لا أحد يعلم التاريخ الأكيد الذي نزلت به أسرة كوكز ضفاف الهور ، وسكنت في عشيرة من عشائره يقطن الكثير من أفراها في مدينة النجف التي تبعد عن ضفاف ذلك الهور مئات الكيلومترات ، ويبدو أن أحدا ما قد أشار على تلك الأسرة أن تتخذ لها بيتا من القصب بين بيوت تلك العشيرة قبل مجيئها للعيش على تلك الضفاف التي فتح هو عينيه فيها على الدنيا.
لم يهتم أحد باسمه الغريب ، فالأسماء الغريبة يحملها أهل تلك العشائر ، وهي ترد الى مفردات عربية ، وليس الى مفردات لغة أخرى كما كان يظن البعض ، إلا إن اسم كوكز شذ عن هذه القاعدة ، فهو لم يمت بصلة الى المفردة العربية ، مثلما لا يمت الى مفردات لغات قديمة سادت في مناطق الأهوار التي استوطنها السومريون ، ومرّ بها الاسكندر المقدوني وهو عائد من الهند في طريقه الى مدينة بابل التي مات فيها ، بعد أن قتلته بعوضة من بعوض تلك الأهوار ، وهو الرجل الذي أخاف الشجعان من الرجال ، وتهاوت أمامه أسوار المدن الحصينة الواحدة تلو الأخرى.
كانت صورة كوكز تبدو وكأنها نتاج أعراق مختلفة اتحدت في العراق ، فالمعروف أن العراقيين كثير ما غزوا بلدانا أخرى ، وعادوا بالسبي الكثير من النساء التي تزوجوا منها فيما بعد ، أو كثير ما استوطنت معهم أقوام أخرى حين تحولت دولتهم الى إمبراطوريات عظيمة تمتد من مشارق الأرض الى مغاربها ، أو حين سقطت دولتهم كذلك أكثر من مرة بيد فاتحين قساة تزاوجوا معهم كرها أو طوعا. ولهذا شبّ في مدن العراق أطفال هم ثمرة إتحاد الأعراق ذاك الذي يبدو بشكل جلي في مدن معينة مثل كربلاء والنجف وبغداد وسامراء ، تلك المدن التياتحد فيها العرق العربي بالتركي و بالفارسي كذلك .
ولد الطفل كوكز ملون العينين بلون يميل الى الخضرة، أحمر الوجه ، ذا شعر يخالطه شيء من الشقرة ، وحين شبّ عرفته عشيرته رجلا انطوت نفسه على طيبة جمة ، مثلما نمّت عن دعابة تثير ضحك الناس ، وتسهم في حل مشاكله هو ، وتخلصه من مواقف تكاد تقوده الى السجن أحيانا ، وقد ظل هو على هذه السجية حتى في الظروف الصعبة التي تطبق على العراق ، وتنزل ويلاتها في كل شارع وبيت منه .
في انقلاب 8 شباط الأسود هبّ الحرس القومي ، الذي تشكل في كل مدن العراق على إثر ذاك الانقلاب ، لاعتقال كل من كان يُعتقد أنه شيوعي ، أو أنه على علاقة بالشيوعيين الذين زج بالعشرات منهم في سجن المنطقة تقع على مقربة منها بيوت عشيرة كوكز ، وبستان نخيل له.
جلس آمر الحرس القومي في اجتماع ضم أفرادا من تشكيل الحرس ذاك ، ودار في مقره الواقع على شاطئ نهر صغير ينحدر بمائه نحو الجنوب ومن ثم يصب في الهور . وفي شاطئ هذا النهر ، وعلى بعد مسافة خمسة كيلومترات منه يقع بستان نخيل كوكز الذي اعتاد العمل فيه صبيحة بعض الأيام ، تاركا نعاجا قليلة له لترعى بعضا من نباتات ذاك الشاطئ التي تنمو بشكل طبيعي.
- هل هناك أحد من الشيوعيين لم نلق ِعليه القبض بعد ؟ سأل آمر الحرس بصوت مسموع ، ثم أضاف : تذكروا ذلك جيدا !
ظل أفراد الحرس يلتفت بعضهم لبعض ، أو يحدق بعضهم بوجه الآخر ، وكل واحد منهم يحاول أن يبحث في عقله عن صورة رجل شيوعي من أهل المنطقة لم يدخل السجن بعد .
لم يمر وقت طويل حتى جاء صوت من آخر قاعة الاجتماع يقول : كوكز ! نعم كوكز !
التفت الجميع نحو صاحب الصوت ، أثنى البعض عليه ، مثلما أيد البعض الآخر ذلك بحرارة يضاف الى ذلك أن صاحب الصوت ، ولكي يقنع الجميع بشيوعية كوكز سرد لهم قصته معها قائلا :
- بعد أن قامت ثورة 14 تموز ، وتشكلت منظمة الشبيبة الديمقراطية في المنطقة ، وفي مدن العراق الأخرى ، جاء كوكز في يوم من الأيام الى مقر تلك المنظمة شاكيا لها سرقة نعجة من نعاجه من قبل اللصوص اعتادوا على سرقة الأغنام من بعض القرويين .
قدر كوكز أن تقديم الشكوى الى مركز شرطة المدينة لا ينفعه في شيء ، فسلطة الشرطة ضعفت بعد قيام تلك الثورة ، وصارت الناس تتجه في شكاواهم لمنظمة الشبيبة الديمقراطية التي اتخذت من إحدى مقاهي سوق صغير مقرا لها ، ولهذا حمل أعضاؤها علامات تميزهم عن الآخرين ، وذلك بوضع رباط من القماش الأبيض على الزند الأيسر من يد كل واحد منهم ، مكتوب عليه حرفان هما : ق . و ، وهذا الحرفان يرمزان الى كلمتين هما : قوة وطنية .!
صدر بيان على عجل من قيادة تلك المنظمة ، تدعو فيه جميع أعضائها الى التجمع أمام مقرها حالا . ولم تمرّ دقائق قليلة حتى تجمع عدد كبير الأعضاء ، مثلما تجمع معهم الكثير من الناس ، ومنهم ومن غيرهم انطلقت مظاهرة كبيرة طافت شوارع المدينة ، وهي تندد بتلك السرقة المخزية ، ثم اتجهت صوب عشيرة كوكز لإعلان التضامن معه ، وتطالب باسترداد نعجته التي سرقت منه في وضح النهار .
صدق جميع الحاضرين رواية صاحب الصوت التي كانت دليلا بينا على شيوعية كوكز ، وعلل بعضهم ذلك بالإجراء المهم الذي اتخذته تلك المنظمة ، فلو لم يكن كوكز عضوا مهما في الحزب الشيوعي لما قامت تلك المظاهرة من أجله . وعلى إثر هذا الاستنتاج شكل آمر الحرس على الفور مفرزة من اثني عشر مقاتلا ، وأعطى قيادتها لنائبه الذي علم عن طريق بعض المخبرين أن كوكز يعمل في بستانه على عادته ، ولهذا قرر النائب مباغتته عن طريق توجه المفرزة التي يقودها عبر النهر الذي يقع عليه ذلك البستان ، ولهذه الغاية أحضرت المفرزة تلك زورقا متوسط الحجم ، ولكنه يسع للجميع الذين ركبوه ، وهم مدججين بالسلاح ، ثم ساروا على عجل نحوه .
كان آمر المفرزة متشككا بكل ما قيل عن كوكز داخل الاجتماع ، ولكنه كان مضطرا لتنفيذ إلقاء القبض عليه ، ولهذا كان أول الناهضين من عناصر المفرزة حينما اقتربوا من البستان ، ولم يدر في خلده أن كوكز سيقوم بتلك المسرحية الهزلية على عادته ، وفي أي ظرف كان هو ، فحين رأى كوكز الزورق وركابه من بعيد ، وشعر أنهم قادمون لاعتقاله ، امتطى هو سور بستانه من الجهة المطلة على ذلك النهر بعد أن صنع له سماعة تلفون من الطين ، وضع طرفها عند أذنه ، بينما وضع الطرف الثاني أمام فمه ، وراح يهتف :
- هلو خروشوف !.. هلو خروشوف !... تسمعني ... إليك .
انفجر قائد المفرزة بالضحك ، وتبعه الآخرون ، وبعد فترة من الضحك المتواصل صاح بهم آمرهم : عودوا من حيث أتيتم !
كان خروشوف وقتها هو رئيس وزراء الإتحاد السوفيتي ، وسكرتير الحزب الشيوعي فيه ، ولهذا أراد كوكز أن يثبت للحرس القومي هزأ أنه ليس شيوعيا فقط وإنما هو على صلة وثيقة برأس الشيوعية في الإتحاد السوفيتي ، خروشوف ! وهذه النكتة هي التي فجرت ضحك المفرزة وقائدها ، وهي التي أبطلت خطتهم في اعتقاله.
رغم اتهام كوكز بالشيوعية ، ذاك الاتهام الذي ظل يطارده لسنوات عدة ، حتى أن واحدا من شرطة المدنية يدعى موسى كان ينادي عليه في كل مرة يراه فيها في أحد شارعي ذلك السوق : أحمر ! أحمر ! إشارة للون الأحمر الذي يتخذه شيوعيو العالم شعارا لهم .
ظل كوكز رغم تهمة الشيوعية التي التصقت به يحمل مع ذلك اسم القائد العسكري الانجليزي ، بيرسي كوكس (Percy Cox‏) ، إبان الحرب العالمية الثانية ، والذي شغل مناصب سياسيه مهمة في الخليج العربي وفي إيران ، وصار مندوبا ساميا في العراق فيما بعد ، هو الذي شكل أول حكومة عراقية فيه بالتعاون مع الجنرال مود قائد القوات البريطانية التي زحفت على بغداد من مدينة الكوت ، ولكن الشعب العراقي كان يكره الإنجليز ، وينظر لهم على أنهم مستعمرون لبلدهم ، وهذا الكره قد استولى على نفوس الرجال والنساء في العراق على حد سواء ، ولما كانت النسوة على إيمان راسخ يقول : إن المرأة إذا أرادت أن تبقي وليدها حيا على قيد الحياة فلتمنحه اسما مكروها ، كأن يكون اسم حيوان قبيح مثلا ، لكن أمه أصرت للكره ذاك أن يحمل وليدها اسم المندوب السامي البريطاني ، كوكز ، كرها للإنجليز ، ولذات العلة هذه حمل غير كوكز من العراقيين نساء ورجالا اسم دكسن ، قائد القوات البريطانية التي اندحرت عند مدينة الكوت أمام القوات العثمانية.



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغرفة رقم 400
- مقابر تتسع باطراد !
- البلاد العظيمة (5)
- البلاد العظيمة (4)
- البلاد العظيمة ( 3 )
- البلاد العظيمة ( 2 )
- البلاد العظيمة ( 1 )
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (4 )
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (3)
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة ( 2 )
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (1)
- حسين السراج*
- الحكومة تتظاهر ضد المعارضة !
- مقلب غوار الطوشي يرتد عليه !
- غبش الليل !
- مماليك بغداد وطغاة طهران
- حديث الفكة ونبوءة موسى النداف!
- امرأة سمراء
- شارع المتنبي : المظاهرة والقمع !
- إيران : الثورة والبطيخ ( 2 )


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - الأسماء المكروهة !