أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - الغرفة رقم 400















المزيد.....

الغرفة رقم 400


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 3510 - 2011 / 10 / 8 - 17:27
المحور: الادب والفن
    


هبطت الطائرة في مساء ربيعي اخذ من الصيف بعضا من حرارته ، كان هناك شخص بانتظاره هو صديقه الذي اعتاد على استقباله في المطار كلما يزور مدينة أثينا ، وذلك بعد ان انعقدت إلفة حميمة بينهما تمخضت عن ثقة مطلقة قل نظيرها بين الناس في هذا الزمان الذي ما عاد فيه احترام لقول يقوله أحدهم ، أو عهد يفي به صاحبه . هكذا صار أحمد ينظر لكل علاقة يفكر أن يقيمها مع رجل أو امرأة ، خاصة بعد تلك العلاقة التي نشأت بينه ، وبين فتاة تدعى أمل كان قد تعرف عليها منذ سنوات طويلة ، تلك العلاقة التي ظن هو أن أمل تريد من ورائها الصداقة لا غير ، ولكنه تفاجئ ذات يوم حين جمعهم لقاء دار فيه حديث عابر طالما مرّ مثله في السالف من الأيام .
- تأخرت أنت عن الزواج !؟ لدي صديق يمكن أن يكون زوجا لك، فهو يتطلع الى امرأة مثلك.
- كلا . أريدك أنت !

ردت أمل على استحياء ، وبلغة أرادت أن تظهر من خلالها أنها إنسانة على قدر جيد من التعليم ، ولكنها مع ذلك ، ومثلما صرحت لأحمد من قبل ، إنها تملك تجربة فاشلة في الحب ، ويبدو أن فشل هذه التجربة سبب لها عدم استقرار نفسي ، فهي اليوم في رأي ، وغدا في رأي آخر ، وهذه الحالة انعكست حتى على علاقتها بأحمد الإنسان الذي أخلص لها بكل جوارحه ، خاصة حين انقلبت العلاقة بينهما من علاقة صداقة الى علاقة حب مثلما أرادت هي ، ولكنه اكتشف بقناعة تامة ، وبعد مكالمة هاتفية معها ، أنها تتسلى به لا أكثر ولا أقل ، وأنها على ما يبدو صرفت عقلها وقلبها عنه ، ولهذا كانت اللغة التي استخدمتها معه في تلك المكالمة اتسمت بشيء من الخشونة ما اعتاد أن يسمعها منها من قبل. ليس ذاك فقط ، وإنما لم يجد منها اكتراث به حين جمعهما لقاء في فندق من فنادق العاصمة اليونانية ، مطل على شواطئ البحر المتوسط الشمالية ، وفي منطقة تكاد منعزلة عن مناطق العاصمة تلك ، فقد سكن هو في الغرفة رقم 400 من الطابق الرابع من ذلك الفندق ، بينما سكنت هي مع مرافقات لها في الطابق الخامس ومع أن المسافة تكاد تكون منعدمة بينهما إلا أنه لم يسعد بلقاء طويل معها ، فقد كان اللقاء بينهما يتم على عجل ، لا يدوم غير دقائق معدودة ، ثم تولي هاربة لا تلوي على شيء ، حتى أنه كان يعتقد أنه سيضمها الى صدره في أول لقاء لهما إلا أنها لم تحقق تلك الأمنية له حين ثارت بوجهه ، وانزوت بعيدا عنه تريد الفرار .

حاول أن يذكرها بالعهد الذي قطعته على نفسها قبل أن يلتقيا وهو أنها ستمنحه بطيبة خاطر قبلة حارة طويلة تختلط بها الأنفاس ، وتذوب معها النفوس ، ولكنها لم تفِ بوعدها كذلك ، وكانت تقول له مازحة ، تريد الخلاص منه فقط ، ألم تسمع بقول الشاعر :

دَعْ ذكرهنّ فما لهنّ وفاءُ .... ريحُ الصَبا وعهودهنّ سواءُ.

رددت ذاك البيت على مسامعه من خلال حديث جرى بينهما عبر الهاتف ، وعلى الرغم من أنها تعلم علم اليقين أن أحمد لن يتفق معها ، ولا مع الشاعر في انعدام الوفاء عند النساء ، ووجوده لدى الرجال ، فهذا المفهوم ، مثلما تعلم هي ، لا يلقى قبولا من لدن أحمد ، ولكنها ظلت تصر على ترديد ذلك أكثر من مرة من أجل أن تتخلص هي مما وعدت به.

اقتنع أحمد قناعة تامة أن أمل لم تكن صادقة في علاقته معه ، حتى ولم تكن تريد الزواج الذي طلبته منه ، وكان كل همها هو التسلي به ، فقد كانت هي على علاقة برجل تركها ، وارتبط بأخرى غيرها ، وربما كانت على علاقة بآخر غيره ، فهي وفقا لقناعة أحمد تلك لا تستقر على حال ، قلقة ، تغلي في داخلها عوامل الفشل من تجربة حب مريرة ، انتهت بها الى هذا القلق والاضطراب . يضاف الى ذلك أنها قد تكون تلقت تربية تقوم على الخوف ، وحالة الخوف حين تستبد بالأسرة تؤدي بها الى عدم الاستقرار والطمأنينة ، وهذا بدوره ينعكس على الأبناء فيصيبهم بأضرار طوال حياتهم ، ومن نواحي مختلفة ، فمن الناحية العاطفية يؤدي الخوف الى الاضطراب ويظهر ذلك على الوجه ، مثلما يؤدي الى البكاء والأنين وهما من سمات اهتزاز الشخصية ، كما أنه يقترن بحدة المزاج ، وخجل شديد ، وشعور باليأس ، وضجر من الشخص نفسه ومن الآخرين ، وكما إنه يزيد القلق والشعور بقلة الأمان .

أما من الناحية الإخلاقية فالخوف يعد من عوامل السقوط والانحراف الإخلاقي ، فكثير من الناس استسلموا للذلة والمهانة بسبب الخوف الذي يسلب السجايا الإخلاقية ، مثلما يسلب سجية الإنفاق والإيثار والرغبة في النزوع الى الحقيقة . يضاف الى ذلك أضرار الخوف من الناحية السياسية ، فهو يفقد الإنسان حريته ، ويفرض عليه الذلة والرهبة ، ويدفعه الى نسيان الحق وصلابة الموقف ، وكذلك يدفعه الى الرضوخ والإذعان لكل من هبّ ودبّ ، فالإنسان الذي تعتريه المخاوف الشديدة يصبح تبعا لأي شخص لديه قوة أكثر حتى وإن كان ظالما ، ويسهل عليه أن يضحي بشرفه وعزته وكرامته .

كان أحمد قد درس علم النفس دراسة أكاديمية ، مثلما درس الفلسفة ، وكان هذان الدرسان قد أعاناه على تلمس أسباب أية مشكلة تعترضه في حياته ، فهو قبل أن يباشر في العثور على حل لتلك المشكلة ينظر طويلا في أسباب حدوثها ، وكذلك ينظر لخلفيتها التاريخية ، بعدها يحاول أن يصدر حكما يقوده لحل يراه ناجعا في علاج تلك المشكلة.

وعلى العكس من أحمد وأمل كان مازن وسلوى قد ارتبطا بعلاقة إيجابية منذ اللحظات الأولى التي جمعت بينهما ، وهما في مقتبل العمر ، فكان كل واحد منهما قد تربيا في بيتين لا يسيطر عليهما خوف فيهما ، ولا ريبة ، وهذا ما انعكس على علاقتهما ، حتى صارت الثقة بالنفس تنمو معهما رغم كل التقاليد البالية ، فمازن لازال يتذكر كيف أن سلوى كانت تقطع نحو بيتهم الأزقة المظلمة في ليل حندس ، معتم ، بهيم ، ومن دون مصباح يشع ، أو نور يضئ ، وذلك حين يصل لها خبر وصوله من بغداد في عطلة دراسية بعد أن يمضي فصلا دراسيا في الجامعة منها .

من أجل ذلك اللقاء كانت لا تخشى شيئا ، ولن يقف في طريقها ظلام ، أو وحشة درب ، وأحيانا من دون سابق موعد ، وحين يكون هو يغط بنوم عميق ، ولكن طرقها القوي على باب دارهم الذي كثير ما كان يثير نباح الكلاب في هدوء الليل هو الذي يجبره على النهوض ، فيهب نحو الباب مسرعا من دون أن يعرف هوية الطارق، ولكن سرعان ما يتبين أنها سلوى .
- من ذا الذي جاء بك في هذا الظلام الموحش ؟ وكيف قطعت تلك الأزقة المعتمة والملتوية التي تدخل الخوف في قلوب الرجال دون النساء ؟
- سمعت من أنك وصلت من بغداد مساء ، فحملتني أرجلي إليك .
- لكن قدومك في هذه الساعة يشكل خطرا كبيرا عليك ، وربما عليّ كذلك .
- دعنا من هذا وذاك ، تعال نتقاسم فراشك لساعة وساعتين .
- أ ستعودين بعد ذلك ؟
- نعم . سأعود .
- لكنني لن أتركك تعودين وحدك في هذا الليل البهيم ، سأرافقك أنا حتى داركم ومن ثم أعود أنا.

كان كل ما تريد سلمى هو أن تخلد في أحضان مازن لساعة أو ساعتين ، وليأتي الطوفان بعد ذلك ، أو لتنقلب الدنيا ، فهي تجد في حرارة أنفاسه ما يبعث على انشراح في كل جزء من أجزاء جسدها المتعطش لهذا اللقاء الذي تظل تنتظره ساعة بعد ساعة ، ولذلك تندفع هي بكل كيانها نحوه ، فلا توجد قوة في هذا الكون يمكن أن تصدها عنه ، لقد كانت على ثقة مطلقة بنفسها، ثقة يخشاها خوف الأخريات فيهب هاربا من نفسها التي جبلت على الإقدام والشجاعة .

في خلد أحمد كانت تسرح قصة مازن وسلوى حية دوما ، ولهذا كان يجد أن هناك فرقا كبيرا بين أمل وبين سلوى في السلوك والتصرف ، وصار على قناعة من أن هذا الاختلاف بينهما مرده بالدرجة الأولى الى الخوف ، وفقدان الثقة بالنفس ، وما يتولد عنهما من قلق وشك ، ليس في مسألة حب ما ، ولكن حتى في ساعة رفقة تمناها أن تنقضي مع أمل التي كانت تسكن على أمتار قريبة منه ، ولكنها كانت نافرة أبدا ، تتلمس الحجة تلو الحجة ، والعذر بعد الآخر .

في الأيام الأخيرة قرر أحمد أن يتجول في شوارع وحارات تلك المدينة من دون رفقة أحد ، فهو على معرفة تامة بها ، فقد عرفها منذ سنوات طويلة ، وكان ينهي كل جولة من تلك الجولات بالوقوف أمام البحر المتوسط ، ذلك الوقوف الذي كان يستهويه كثيرا ، فزرقته مشرقة دائما ، تختلف عن زرقة البحار الأخرى المعتمة ، كانت رائعة لا تتبدل طوال أيام السنة ، تخالطها أحيانا ألوان خيوط أشعة شمس صباح بهي ، فتبعث في نفسه نشوة يسرح معها بفكره نحو تاريخ الأقوام التي استوطنت سواحله ، والمدن التي بنيت على شواطئه ، هكذا أمضى هو الساعات الأخيرة قبل أن يحمل حقيبته ويرحل ، فهو ليس أول العاشقين المفلسين ، ولن يكون أخرهم حتما.



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابر تتسع باطراد !
- البلاد العظيمة (5)
- البلاد العظيمة (4)
- البلاد العظيمة ( 3 )
- البلاد العظيمة ( 2 )
- البلاد العظيمة ( 1 )
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (4 )
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (3)
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة ( 2 )
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (1)
- حسين السراج*
- الحكومة تتظاهر ضد المعارضة !
- مقلب غوار الطوشي يرتد عليه !
- غبش الليل !
- مماليك بغداد وطغاة طهران
- حديث الفكة ونبوءة موسى النداف!
- امرأة سمراء
- شارع المتنبي : المظاهرة والقمع !
- إيران : الثورة والبطيخ ( 2 )
- إيران : الثورة والبطيخ


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - الغرفة رقم 400