أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة ( 2 )















المزيد.....

العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة ( 2 )


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 3354 - 2011 / 5 / 3 - 11:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بعد أن مضت علينا ليلة في بغداد الحبيبة عدت وصديقي الهزوء الى مدينة كربلاء . كانت تلك الليلة قد جمعتنا في دار صديقي أمين قاسم الموسوي( أبو أوفى ) من حي التجار في بغداد الجديدة بعد سنوات طويلة فرقت بيننا ، وكنا قبلها طلابا في كلية التربية من جامعة بغداد نذود فيها عن الفكر الماركسي عند احتدام النقاش خلال دروس الفلسفة التي كان يلقيها علينا الدكتور أحمد حقي الحلي العائد من أمريكا لتوه ، والمدافع العنيد عن الفلسفة البراغماتية ، فلسفة النظام الرأسمالي ، مثلما كنا - فيما بعد - مدرسين مساهمين بجد في الأماسي الأدبية والفكرية التي كانت تقام في قاعة الموقار من الجزائر العاصمة وفي مساء كل يوم أربعاء من كل أسبوع ، وكنا على دفاعنا المستميت ذاك عن الفكر الماركسي حين يحتدم النقاش في تلك القاعة ، وقد كان ذاك الدفاع يثير حفيظة أيتام السفارة العراقية في الجزائر ويضاعف حقدهم علينا ... مضت تلك الليلة بعد أن أغدقت علينا أم أوفى أطيب الأكل وألذه بين ساعة وأختها ، حتى أن قسما من ذلك الطعام الذي قدمته لنا لم نتناوله منذ الستينيات من القرن المنصرم ، وهذا ما حدا بصديقي الهزوء أن يقول لها بعد أن سره الطعام ذاك : نحن مقيمون غدا عندكم !
قبل أن تحملنا سيارة إجرة الى مدينة كربلاء كنا قد تناولنا طعام الغداء في يومنا الثاني في مطعم السلطان الواقع في الباب الشرقي ، وفي بداية شارع السعدون منه . أثناء الأكل هب صديقي الهزوء نحو باب المطعم مندفعا الى خارجه ، ثم عاد بعد دقائق ، سألته عن سبب خروجه المفاجئ من المطعم ، فرد قائلا : شاهدت فتاة عراقية يافعة تحدثت مع صاحب المطعم الجالس على كرسيه عند الباب بكلام لم أسمعه ، فما كان من صاحب المطعم إلا القيام بنهرها وطردها باسلوب فظ ، وهذا ما حملني – يتابع صديقي كلامه – على اللحاق بها وسؤالها عن سبب طرد صاحب المطعم لها ، فردت قائلة : قلت له سأقوم بتنظيف مرافق مطعمك ومغاسله لقاء خمسة آلاف دينار ، لكنه رفض ونهرني . وهنا أخرج صديقي الهزوء من جيبه خمسة آلاف دينار ثم سلمها للفتاة وعاد منصرفا لي ، هذا في الوقت الذي شاهدت فيه أكثر من عامل أجنبي يعمل في ذلك المطعم ، بينما يتعرض شابات وشباب العراق لذلك الإذلال الذي تعرضت لبعض منه قبل قليل حينما تحدثت عن حال تلك الفتاة التي تفتش عن لقمة عيش من خلال بحثها عن فرصة عمل .
كان سائق السيارة التي حملتنا الى كربلاء من أهل المدينة ، ويبدو أنه كان يخشى من فوضى الطريق الخلاقة ، فالعراقيون يموت على الطرق الداخلية والخارجية كل يوم ، لا يوجد قانون مرور ينظم السير في العراق ، وربما لا يعرف الكثير من السواق القانون الدولي الذي يتمسك به الكثير من دول العالم ، وعدم معرفة السائق لهذا القانون هو واحد من بين أسباب هذه الكوارث المفجعة التي تحدث كل ساعة مثلما شاهدت ذاك أنا بعيني ، ففي الطريق الى كربلاء تجاوزنا شاب يقود سيارته مع أخيه وأخته ، وعلى معرفة بسائق السيارة التي تحملنا ، تجاوزنا من جهة سيارتنا اليمنى مؤديا التحية لنا ، ثم بعد ربع ساعة تقريبا ، ويبدو أنه تأخر عنا لسبب ما ، عاد وتجاوزنا من الجهة اليسرى لسيارتنا هذه المرة ، وتجاوزه لنا في هذه الحالة صحيح ، بينما كان تجاوزه الأول خطأ واضحا . لم يمض ثلث ساعة على ذلك ، وكنا نقترب من مدينة المسيب ، حتى رأينا الثلاثة جثثا هامدة قامت الشرطة بنقلهم الى مستشفى المسيب القريب بعد أن اصطدموا بسيارة حمل كبيرة ، وهذا ما أدخل الفزع والخوف الى نفس سائق السيارة التي تحملنا ، فالأخوان والأخت هم من بين جيرانه ، ولكننا طلبنا منه أن يتماسك ، ويترك الجزع ، فالطريق غارق في الفوضى الخلاقة ، ويمكن أن نموت نحن لأي خطأ يرتكبه هو .
ليست هي تلك حادثة الموت الوحيدة التي شاهدتها ، فقد شاهدت قبلها حادثتين على الطريق الرابط بين محافظة الديوانية ومحافظة النجف ، واحدة ونحن نقترب من قضاء الشامية ، والأخرى ونحن نمر بعيدا قليلا من قضاء غماس في طريقنا الى الكوفة التي وصلناها بعد دقائق معدودة فوجدنا أغلب الشوارع فيها محطمة .
أهم العوامل المؤدية الى هذا الموت المتصل ، وتلك الحوادث المريعة هو بالدرجة الأولى جهل سواق السيارات بقوانين المرور التي يجب على كل سائق أن يتعلمها ، وأن يؤدي امتحانا نظريا وعمليا فيها ، ولكن في عراق اليوم لا توجد هذه الإمكانية ، فقد أخبرت أنك تستطيع الحصول على إجازة سوق وأنت جالس في دارك لقاء مبلغ لا يزيد عن ثلاثة ورقات باللغة السائدة في العراق اليوم ، والتي هي عبارة عن ثلاثمئة دولار ، هذا الفساد هو سبب آخر في تلك الكوارث المفزعة بالإضافة الى عوامل أخرى منها كثرة السيارات ، رداءة الطرق وضيقها ، وتقادمها ، وعدم صيانتها ، فقد رأيت الكثير من تلك الطرق قد سلبت منها أسيجة الحديد التي تحيط الانحناءات منها ، أو المنحدرات النازلة من بعض الجسور في التقاطعات التي تتخللها دون أن تمتد لها يد الصيانة.
الملفت للنظر هو أن جميع الطرق في العراق على ما رأيت تخلو من العلامات المرورية التي تشكل عاملا مهما في سلامة السير ، والسواق والركاب على حد سواء في الطريق التي يودون السيرة عليها ، أو المدن التي يمرون بها ، ولي هنا أن أطرح هذا المثال فأقول : خرجت على طريق الأهوار من الناصرية قاصدا البصرة ، شاهدت هور الحمّار الجميل وقد حطمته طرق وسدود عديدة بعد أن جف ماؤه ، ومات نباته ، وقل زرعه وضرعه رغم أن الأهوار كانت حائط مبكى بكت عندها المعارضة العراقية على مختلف مشاربها ناشرة دموع الزيف تلك أمام أنظار دول العالم على ما فعل صدام الساقط بالأهوار تلك . وحين وصلت المعارضة هذه الى الحكم في العراق نست دموع الزيف تلك ، وتركت الأهوار وأهلها للمرض والجوع وقلة الرزق والحرمان من أبسط مقومات الحياة ، فقد التقيت أنا ببعض الأسر هناك ، وهي لا تملك قوت يومها ، فعلام خصوا الأهوار بوزارة ووزير ؟ ما نفع ذلك ؟ وأين أصبح برنامج إنعاش الأهوار الذي دوخنا بها علام العراق اليوم ؟
أقول سرت من الناصرية الى سوق الشيوخ مرورا بنواحي كرمة بني سعيد والعكيكة والطار وناحية الفهود ثم ناحية الحمّار ثم قضاء الجبايش بعده دخلنا قضاء المدينة فالقرنة مباشرة ، وبعد خروجي من القرنة جاءني تلفون من أخي في البصرة يطلب مني أن أقول له في أي مكان حللنا !؟
قلت له لا أدري ! كل ما أعرف أننا تركنا مدينة القرنة خلف ظهورنا ، بعدها أغلق التلفون ليعاود الاتصال مرة أخرى معيدا ذات السؤال : أين وصلتم ؟ كيف تريدني أن أجيبك ولا توجد أمامي أية علامة مرورية تشير الى مدينة أو قرية ! أغلق التلفون ثانية ليعاود الكرة ثالثة بعد عشر دقائق أخرى ، وبذات السؤال : أين وصلتم ؟
قلت لك يا أخي لا توجد علامة تقول لنا : إنكم في المكان أو المدينة الفلانية ، ولكنني يمكنني أن أقول لك : إننا وصلنا الى حسينة الرضيع !!! ضحك أخي كثيرا من إجابتي الأخيرة على سؤاله ، فهو مثلي يعلم إن الحسينيات على امتداد الطرق في وسط وجنوب العراق صارت أكثر من علامات المرور .



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (1)
- حسين السراج*
- الحكومة تتظاهر ضد المعارضة !
- مقلب غوار الطوشي يرتد عليه !
- غبش الليل !
- مماليك بغداد وطغاة طهران
- حديث الفكة ونبوءة موسى النداف!
- امرأة سمراء
- شارع المتنبي : المظاهرة والقمع !
- إيران : الثورة والبطيخ ( 2 )
- إيران : الثورة والبطيخ
- دونما حب*
- الوحدة اليمنية : الوقت والظرف الخطأ(3)
- الوحدة اليمنية : الوقت والظرف الخطأ ( 2 )
- الوحدة اليمنية : الوقت والظرف الخطأ (1)
- الدينار
- رحلة في السياسة والأدب ( 4 )
- رحلة في السياسة والأدب (3)
- قصيدتان من زمن الصبا
- على أطراف المتوسط *


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة ( 2 )