أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - شارع المتنبي : المظاهرة والقمع !















المزيد.....

شارع المتنبي : المظاهرة والقمع !


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 2740 - 2009 / 8 / 16 - 10:12
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أخذتني المظاهرة التي انطلقت أمس ِ في شارع المتنبي الى ساعات أيام السنوات الأخيرة من ستينيات القرن المنصرم ، فقد كنت أنا وقتها واحدا من سكنة ذلك الشارع حين كنت طالبا في كلية التربية من جامعة بغداد ، وحيث كانت تلك الساعات قد شهدت أكثر من مظاهرة تنطلق بين الحين والآخر مرورا بذلك الشارع ، وذلك حين يطفح الكيل بالناس ، ويستبد بها الظلم والقمع ، فالمظاهرة هي ابنة القمع والظلم في العراق .
أضخم مظاهرتين شاركت أنا بهما في ذلك الزمان هما تلك المظاهرة التي انطلقت من أمام رئاسة جامعة بغداد ( البلاط الملكي القديم ) في الوزيرية من الرصافة ، وكان سببها هو الهجوم الوحشي الذي شنه الجيش على كلية التربية ، ذلك الهجوم الذي سقط فيه أربعة من الطلاب جرحى ، نقلوا على إثرها الى مستشفى الطورائ في شارع الكفاح ، وعلى أثره استقال خمسة وزراء من حكومة طاهر يحيى الذي قام بعيادة الجرحى مساء ذات اليوم الذي حدث فيه ذاك الهجوم .
في تلك المظاهرة ألقيت أنا قصيدة من أمام البناية التي كان يشغلها رئيس الجامعة عبد العزيز الدوري الذي هرب وقتها من بابها الخلفي وذلك بعد أن احتشد آلاف من الطلاب أمام مبنى رئاسة الجامعة مطالبين باستقالته ، فهو لم ينتصر لحرمة الجامعة التي يرأسها حين انتهكها بشر متوحشون ومدججون بالسلاح يقودهم المجرم العميد صعب الحردان آمر الانضباط العسكري ، والذي أعدمه أحمد حسن البكر بعد نجاح انقلاب 17 تموز عام 1968م مباشرة، وفي هذا تذكرة لقاسم عطا وأمثاله من العاملين في قيادة عمليات بغداد التي بناها الأمريكيون مثلما بنوا حكومات في العراق من قبل .
لقد هاجمت في قصيدتي تلك المرحوم عبد الرحمن عارف رغم أن الرجل هو الذي أمر بفك الحصار الذي فرضه الجيش علينا في مباني كلية التربية بعد أن اتصل به طالب من الطلاب هاتفيا من البناية ( ج ) من تلك الكلية ، وذلك بعد أن اشتد رمي الرصاص عليهم وهم محاصرون في تلك البناية وفي غيرها من البنايات الأخرى .
ورغم أنني فقدت جميع ما كتبت من شعر بعد خروجي الغير طبيعي من العراق لكن أبياتا من تلك القصيدة لا زالت عالقة في الذهن ، ومنها هذا البيت والخطاب فيه موجه لعبد الرحمن عارف :
لا خير في هذا الشجاع وسيفهِ....إذ راح يقتل في بنيه ِ ويعقرُ
حمدا يريد وما جنينا منهمُ......... إلا الشقاءَ ولا شقاءً يُشكرُ
أما المظاهرة الثانية فهي التي انطلقت من طرف شارع الرشيد حيث ساحة الميدان ، وذلك حين عزمت بعض القوى والأحزاب العراقية تنظيم مظاهرات بمناسبة مرور سنة على نكسة حزيران ، وساعتها خرجت أنا مع مجموعة تتكون من اثني عشر طالبا من كلية التربية متوجهين الى ساحة الميدان ، وكان بعض من أفراد تلك المجموعة يحمل لافتات مطوية على نفسها ، وحال وصولنا الى بداية شارع الرشيد من جهة ساحة الميدان نزل شخص الى وسط الشارع هاتفا : فيتنام وفلسطين مقبرة للغادرين ! فما كان منا إلا الاندفاع الى وسط الشارع ثم قمنا بنشر اللافتات ورفعها ، ولم تمض ِ دقائق معدودة على ذلك حتى تضخمت المظاهرة وصار عدد المشاركين فيها يعدون بالآلاف .
لهذه الذكريات أخذتني مظاهرة المتنبي أمس ، تلك المظاهرة التي قام بها مثقفو العراق وصحفيوه نتيجة للقمع الذي حل بهم من أناس كانوا للأمس القريب يشكون من قمع صدام ويئنون من ظلمه ، وإذا كان جلال الصغير قد هدد الصحفي البطل أحمد عبد الحسين لمقالة كتبها يفضح بها سرقة وقعت على المال العام وذلك بقوله : (سنقاضيهم بطريقتنا الخاصة) فقد سبقه الى لغة الوعيد هذه ضابط أمن اقتحم علي داري في ساعة متأخرة من الليل زمن صدام ، هو وشخصان آخران ، وقد قال لي هذا الضابط في آخر حديث جرى بيني وبينهم ما نصه : ( أنت لم تقتنع بكل ما قلناه لك ، لكننا نملك أساليب خاصة تجعلك تقتنع ) لغة ضابط أمن صدام هذا تتطابق مع لغة معمم جامع براثا .
الليلة البارحة كنت أصغي لشاب صحفي عراقي متحمس يدلي بحديث من على شاشة فضائية الشرقية يصف به ما نزل بالمتظاهرين من مضايقات من قبل ضباط وجنود قوات عمليات بغداد ، ومن تلك المضايقات هو طلبها من منظمي تلك المظاهرة أن يعرضوا البيانات التي سيذيعونها على الناس خلال تلك المظاهرة ، وهذا الأسلوب هو أسلوب منظمات حزب البعث وأجهزة أمن النظام السابق ، فما زلت أتذكر أن أحد أعضاء حزب الدعوة جاءني الى داري طالبا مشاركتي بقصيدة في حفل سيقام في جامع المدينة بمناسبة ميلاد الإمام الحسين عليه السلام تلك المناسبة التي تصادف في اليوم الثالث من شهر شعبان من كل عام .
لبيت طلبه على الفور وشرعت بكتابة القصيدة من لحظة مفارقته لي ، وذلك بسبب من ضيق الوقت ، فبيني وبين ساعة الاحتفال ذاك يومان ، ولكن صاحبي هذا عاد لي في اليوم الثاني قائلا : إنه قدم جميع المواد التي ستقال في ذلك الحفل الى مسؤول منظمة حزب البعث في المدينة ، فهم يريدون الإطلاع عليها قبل إذاعتها على الناس وهو لهذا السبب يريد قصيدتي ليطلع عليها مسؤول المنظمة المذكور ! قلت له : لتقل لمسؤول المنظمة أن فلان لن يطلب إجازة من أحد على ما يكتب من شعر ، وهو لهذا السبب يرفض أن يعطيك قصيدته للتطلع عليها قبل إلقائها .
رفضي هذا أجبر مسؤول منظمة الحزب وأعضاء تلك المنظمة على التوجه الى مكان الاحتفال من أجل إرهابي ، ومنعي من أن أقول كلمة واحدة ضد حكومتهم وحزبهم ولكنني تلوت ما كتبت ولم أبدل حرفا واحدا منه ، وقد طار من تلك القصيدة بيت واحد ظلت أجهزت الأمن تطاردني عليه حتى بعد أن ارتحلت من تلك المدينة ، وهذه القصيدة هي من القصائد المضاعة كذلك ، لكن ابياتا منها لا زالت متعلقة بالذاكرة والخطاب فيها موجها للامام الحسين :
أبا عليّ وذاك الظلم تعرفهُ..............فقد رمتك بأصناف له زمرُ
وقسّمتنا فهذا سيدٌ ألقٌ................وآخر من صعاليك بهم خورُ
وفاتهم أننا من معدن ٍ فرد ٍ.............وأننا باختلاف ٍ كلنا بشرُ
رداءة ُ الفكر لاْفلاطون خالقة ٌ...رداءة َ الحرب حين اجتاحنا التترُ
أسلوب مسؤول منظمة حزب البعث في وجوب الإطلاع على النصوص التي ستقال بمناسبة ذكرى ميلاد الحسين هو ذات الأسلوب الذي يسير عليه جنود قاسم عطا الآن ولكنهم معذورون فهم لا يملكون تجربة في حكم العراق غير تلك التي خلفها لهم البعثيون خاصة طرق البعثيين في القمع والكذب .
وخلاصة القول إنه يتوجب على رجل مثل الصغير وآخر مثل عطا أن يتعظوا بمصير المجرمين الذين مروا على الحكم في العراق ، وكيف انتهوا لنهايات غير محمودة مثلما يتوجب عليهم أن يدركوا أن أمريكا التي أتت بهم الى الحكم قد أتت هي نفسها بصدام من قبل وهي نفسها التي كانت تسمي صدام وقت ذاك : بوغدنا .
كما يتوجب عليهما معرفة القيمة العظيمة للإنسان المثقف والصحفي ، هذه القيمة التي يتفرد بها المثقفون عن أقرانهم في البلدان المتطورة كالسويد مثلا ، فحين ماتت الكاتبة السويدية المعروفة ، أستريد ليندكرين (Astrid Lindgren) نكست الدولة السويدية أعلامها على موتها لمدة ثلاثة أيام صحاح ، لكنها لم تنكس راية واحدة حين مات وزير الهجرة بعدها ، وقد اكتفى التلفزيون السويدي بإذاعة خبر وفاته فقط .
ويمكنني أن أقول أخيرا : لا خير في حكم يحترمُ معمما جاهلا ، ويحتقرُ مثقفا عالما .!




#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران : الثورة والبطيخ ( 2 )
- إيران : الثورة والبطيخ
- دونما حب*
- الوحدة اليمنية : الوقت والظرف الخطأ(3)
- الوحدة اليمنية : الوقت والظرف الخطأ ( 2 )
- الوحدة اليمنية : الوقت والظرف الخطأ (1)
- الدينار
- رحلة في السياسة والأدب ( 4 )
- رحلة في السياسة والأدب (3)
- قصيدتان من زمن الصبا
- على أطراف المتوسط *
- الحريق الأمريكي – الإيراني للعراق
- المنهج الدراسي في العراق : تاريخنا وتاريخهم !
- مات آشي !*
- السود سيسودون في العالم !
- ورطة يا صولاغ !
- جنون شاعرة*
- الدولة في خدمة الطبقة الرأسمالية
- بعد حرب الطوائف حرب العشائر !
- مقهى البوهة وحلزونية أزمات الرأسمالية !


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - شارع المتنبي : المظاهرة والقمع !