أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جهاد علاونه - التاريخ مثل العروس المتعجرفة















المزيد.....

التاريخ مثل العروس المتعجرفة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3502 - 2011 / 9 / 30 - 16:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ترفع الستارة على مشهد ليلي-نضال وكفاح وبطولات- حب من طرفين-فارق كبير بينهما-البحر يقذف الأموات على الشاطئ-مغارة وفيها 70 هيكلا عظميا- المكتشف لا أحد يذكر اسمه-التاريخ يتجاهله-لفائف مكتوبٌ عليها آيات من الإنجيل- أشخاص أموات من 1900سنة وهياكلهم عظمية-مكتشف اللفائف يموت من شدة الجوع – الفن والثقافة غواية المهابيل -لوحات تذكارية لتخليد ذكرى الانتهازيين-التاريخ يرفض تسجيل اسمه-التاريخ عروس متعجرفة جدا- القدس القديمة- البحر الميت- من أريحا إلى قرية قمران – الفصل الثاني من المسرحية-ايطاليا , باريس-لوحات فنية في كوخ قديم ومهجور تسكنه الفئران- ثمن اللوحة ربع دولار سنة1919م -التوفئيد أو السحايا تقضي على الساعات الأخيرة من حياته-التاريخ يرفض تسجيل أسماء العظام- التاريخ إنسان مُتكبر وأناني وحقود-ثمن كل لوحة بعد مماته آلاف الدولارات-تهمتان ترافقان المثقف أولا الثقافة وثانيا الفقر- ذنبه الوحيد أنه عاش فنانا و فقيرا-رجل يمشي بقميص ممزق وببنطلون مشقوق- الحياة ترفض الأحياء-الحياة تقبل الأموات-الشهرة مجال غير متسع لبعض العظماء-التاريخ يتجاهل أو ينسى-التاريخ عروس متعجرفة-زجاجة نبيذ على طاولة خشبية-المطبخ يخلو من الحشرات لعدم وجود أي نوع من أنواع الطعام- وريشة فنان عظيم صنعها من شعر رأسه- الستارة تنزل بعد فوات الأوان –العروس تستذكر عصرها الذهبي-الفنان والمثقف لا يعرفان مهنة أخرى والنتيجة فن فاحش وغنى فاحش وفقر فاحش-الطمع في الميراث بدل الطمع في الفن- ونحن نطمع بالدين ولا نطمع بالثقافة-عاش على مساعدات إنسانية من الأصدقاء-فنان يمشي مكتئبا في موسكو وآخر في شوارع باريس-عائلة ثرية تطرد البنت العاشقة- حرمان من الميراث- فنانا فقيرا وعاشقة برجوازية-الحب لا يطعم أصحابه خبزا- والثقافة لا تطعم خيزا-عائلة قلبها من حجر-التاريخ لا يرحم أحدا- نهايته ونهايتها عبارة عن مأساة شكسبيرية والجميع ماتوا في الفصل الأخير من المسرحية-العمر يتوقف فجأة في ريعان الشباب- التاريخ لا يعجبه العجب.

قرأتُ ذات مرة مقولة تقول: فعلت كل ما فعله المسيح ولكن لم يصلبنِ أحد, وقرأت مقولة تقول:(التاريخ مثل العروس المتعجرفة) من الصعب جدا أن ينال أحد رضاها وليس من السهل أيضاً أن تقبل بتسجيل أسم أي إنسان في السجلات المدنية والدينية, والتاريخ فعلا كالعروس التي ترفض أي زوج لها, العروس هذه المرة مقتنعة بالفن ولكن البرجوازية لا تعرف قيمة الثقافة والفن أو قيمة الإنسان المثقف, وعلى فكرة أينما يوجد فن رفيع وثقافة رفيعة المستوى تجد أصحابها فقراء لا يملكون ثمن رغيف الخبز, وكذلك هو التاريخ من الصعب جدا أن يقبل بتخليد أسم أي إنسان مهما كان طوله أو وزنه ومهما ناضل وكافح ومهما فعل لكي ينال رضا التاريخ والتاريخ كما قلنا يدير ظهره للكثير من العظماء ولا يمكن أن يلتفت بسهولة إلى الذين يطلبون الشهرة ويركضون وراءها في الوقت الذي لا تركض فيه الشهرة خلف الذي يركض وراءها, وبعض الأدباء والكتاب يتفقون على قواعد لعبة التشهير ببعضهم البعض وذلك لكي يلفتوا انتباه الناس والتاريخ إليهم, فيسبون بعضهم لكي يكثر الحديث عنهم وليجعلوا أنفسهم نجوما تلمع في السماء ومع ذلك يلعبون اللعبة بكل ذكاء ويهلكون وهم يركضون في أرض الملعب دون أن يمسكوا بالطابة أي دون أن ينتبه التاريخ إليهم.

وقرأت ذات مرة عن فنان لا أذكر اسمه بأنه كان فقيرا جدا ومعدما جدا من أسرة معدمة وفقيرة جدا وكان فقره بالغ الأثر وكان يقص من شعر رأسه ليصنع منه ريشة فنية, ووصل ببعض الفنانين حداً لدرجة أنهم عاشوا وماتوا وهم لا يملكون ثمن شفرة الحلاقة.

وقرأتُ ذات مرة عن حياة الفنان موديلياني الذي رفض التاريخ أن يدخله في سجلاته الثقافية لا من أوسع الأبواب ولا حتى من أصغرها حجما , وكذلك رفض أن يعطيه بعض البريق ولو كان للحظة وهو حيٌ على قدمٍ وساق إلا بعد مماته لتستفيد من موهبته العظيمة ابنته طوال حياتها التي استمرت ل 66 سنة.. وأكثر شيء كان يعجبني ويحز في نفسي هي قصة حب وزواج (مودلياني )التي مانع عليها أهل معشوقته ولكن رغم ذلك تزوجت منه معشوقته وأحبته وأحبت فنه وثقافته كما أحبها وأحب فيها عشقها للثقافة وللفن وجراء ذلك حرمتها الأسرة الثرية من الميراث عامدا متعمدا عقابا لها على تغريدها خارج سرب الطيور لظنهم بأن قصة الحب تلك كانت عبارة عن قصة مفذلكة من هامل أزعر متشرداً طمعا في الثروة , فعاش متسكعا بالشوارع مفلسا ومتيماً من ابنة عائلة ثرية,في الوقت الذي لا يؤمن به الأثرياء بالحب بل بالمال الذي يستطيعون به أن يشتروا كل شيء حتى الحب, ولم تكن العائلة تؤمن لا بالفن ولا بالثقافة وأشاروا إلى القصة على أنها قصة حب بالفن وبالثقافة من ناحية ابنتهم أما من ناحية الفنان فقد كانت طمعا وجشعا لقد كانت وميضا يجعل مودلياني ومعشوقته يلمعان من الداخل في وضح النهار كلما التقيا ببعضهم .وطبعا أهل الفتاة لايعرفون إلا المال والجاه والسلطان وكانوا ينبذون الثقافة وكانوا يحاولون إقناع ابنتهم بأنها تستحق أن تتزوج من أحد النبلاء أو البارونات وهم لا يعرفون بأنهما عاشقان لبعضهم حتى النخاع الشوكي وماتت زوجته المعشوقة والعاشقة منتحرة عليه بعد يومين من وفاته عندما سيقت إلى بيت أهلها كما تساق النعجة المريضة, وأيضاً عاش (مودلياني) الإيطالي الأصل والفصل حياة قصيرة (36) سنة كلها فقر ومعاناة مع المرض وقد أصيب في حياته بالتيفوئيد وبمرض التدرن الرئوي وعاش في باريس متسكعاً في الشوارع كئيباً وحزيناً, وكان كثير الاعتماد على أصحابة ألميسوري الحال الذين كانوا يمدونه في أغلب الأحيان بالمال الكافي للطعام وللشراب , وبيعت لوحاته وهو ما زال على قيد الحياة بأقل من ثمن شراء شفرة حلاقة ويقال عنه بأنه رسم ذات مرة لتاجر بولندي رسمات كصور تذكارية لكافة أفراد عائلة التاجر النجس والخبيث لقاء ربع دولار لكل لوحة وورثة وأحفاد التاجر باعوها بعد سنوات عديدة بآلاف الدولارات,وهنا لا توجد بشاعة أكثر من تلك البشاعة , وبعد زواجه بثلاث 3 سنوات مات موديلياني بمرض ذات السحايا عام 1920 وأصيبت زوجته بأمراض نفسية مزمنة كان أهمها الاكتئاب ,واقتيدت إلى بيت أهلها , وانتحرت بعد يومين من موته حبيبها عن عمر يناهز 21 سنة تاركةًً طفلة رضيعة يتيمة خلفتها لعمتها لم يتجاوز عمرها العام الواحد, وانتهت قصتهم مثل نهاية أي مسرحية رومانسية وأسدل الستار عليها., كان الفنان بؤمن بأنه فقير ولكنه كان مؤمنا بفنه الأعظم.عد عمرٍ طويل...وانتهى الموضوع.

وقرأت ذات مرة مرة عن مكتشف(لفائف البحر الميت)وهي أوراق أصلية من الإنجيل مدفونة في مغارة (الأسينيين) الذين تعرضوا سنة70م لمذبحة رومانية جماعية على يد قادة الرومان من أجل السيطرة على العصيان المدني الذي قادوه..إلخ, ومما زاد غضبي وألمي هو أن مكتشفها مات في القدس القديمة وعاش طوال حياته فقيرا يتألم من شدة الفقر والعازة, وعاش ومات أيضاً دون أن يذكر أحد اسمه إلا ما ندر على صفحات التاريخ الذي نشبهه بعروس متعجرفة على الإطلاق حيث رفض التاريخ بأن يخلد اسمه وكذلك رفضت الحياة بأن تعطيه حقه وقيمته الحقيقية, وكم من الأدباء الذين كتبوا كتابات جميلة دون أن يذكرهم أحد!!, وكم من الفنانين الذين ندفنهم كل يوم تاركين فنهم وأدبهم دون أن يأخذوا فرصتهم في الحياة, وهنالك مكتشفون للعقاقير ومكتشفون للفلزات و...و...تناسى وتجاهل التاريخ ذكر أسمائهم, وهنالك مناضلون مثلهم مثل الجندي المجهول يتعبون أنفسهم في سبيل أن يخلّد ويسجل التاريخ أسمائهم ولكن هيهات أن يفعل التاريخ المتعجرف ذلك, وأيضا هنالك الكثير من أشباه موديليني ولكن التاريخ لم يخلد إلا مودليني تاركا مئات الفنانين دون أن يفتح عليهم قبورهم لإخراجهم للحياة مرة أخرى, فالتاريخ أحيانا هو وعظمته يفتح على الأموات قبورهم ويخرجهم للناس ليعيشوا مجددا حياة أبدية أطول من تلك التي عاشوها أولا.

وبعض العلماء والمناضلين والمفكرين لا يذكر التاريخ أسماءهم إلا بعد أن يكونوا قد رحلوا عن الحياة فيتذكرهم التاريخ ويتحسر عليهم مثل العروس المتعجرفة التي تتذكر بعض الرجال بعد أن يفوت بها قيطار العمر وبعد أن يتراجع عدد المعجبين فيها فتجلس كئيبة نادمة باكية متحسرة تحيي يومياً ذكرى بعض المعجبين بعد أن تكون أجسامهم قد أصبحت هيكلا عظمياً وترابا ومكاحل للعيون ,نادمة تأكل أظافر يديها وأصابعها بالكامل ندما على تعجرفها وعلى تكبرها, وهكذا هو التاريخ يشبه الإنسان في كل شيء ذلك أن سلوك الأفراد والجماعات هو الذي يحرك التاريخ فيتأثر التاريخ بطباع البشر وعاداتهم وسلوكياتهم ,وكثيرة هي الأسماء النجومية التي لم تلمع إلا بعد مماتها وبالمثال على ذلك الشاعر الكبير (بدر شاكر السياب) الذي طور شكل القصيدة العربية وجعلها من تفعيلة واحدة متحررا أيضا من شكل القصيدة القديمة العمودية كأنها شارع من صايدين ومما يؤلم عن حياته بأن جنازته لم يسمح لها مالك بيته الأصلي بأن تدخل البيت نظرا لأنه كمستأجر مكسور عليه أجرة 3 ثلاثة أشهر متأخرة الدفع فدخلت الجنازة بيت الجيران, وبعد قصة مماته تربع على عرش النجومية.





#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنس مع الكتابة
- إلى التي قالت لي كن جميلا
- المصاري مش كلشي
- دفتر مذكراتي
- اللعب مع الذئاب
- على الساكت
- لماذا أبكي؟
- الدنيا معكوسة
- الطرق الملتوية
- طباعة القرآن والمحافظة على البيئة
- سائق فرشة
- إلى الدكتورة وفاء سلطان
- المدينة الفاضلة
- لكي لا ننسى
- خيانة زوجية أم زواج بالسر!
- كلب متشرد وكلب بوليسي
- اقرأ واستمتع
- كلمات عربية أصلها رومانية ولاتينية
- نظام الشورى الاسلامي
- آخر الصرعات الفلسفية


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جهاد علاونه - التاريخ مثل العروس المتعجرفة