أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - دفتر مذكراتي















المزيد.....

دفتر مذكراتي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 20:32
المحور: سيرة ذاتية
    


قررتُ ذات يوم أن أكتب مذكراتي فاشتريت دفترا كبير الحجم لتسجيل سيآتي وحسناتي عليه وسيآت من أعرف وحسنات من لا أعرف , واليوم قررت أن أحرقه وأن أعيد كتابة مذكراتي بشكل آخر لأن في الذكريات الحالية كثيرا من الغش والخداع ...وأول شيء فعلته صباح هذا اليوم هو أنني أمسكتُ بدفتر مذكراتي وبكيت قليلا على بعض الشخصيات التي هربت من مجاورتي وعلى الذين ماتوا ورحلوا دون أن يشعر برحيلهم أحد غيري, وتأسفت على كثير من الناس الذين كنتُ أعتبرهم أصدقائي وبدأت أقطع بدفتر المذكرات ورقة ورقة دون أي رحمة ودون أي شفقة ومن ثم دست عليه برجلي أكثر من عشرين مرة وسكبت عليه لترا كاملا من الكاز ومن ثم أطعمته للنار فأكلته النار بنهم حتى ارتفعت ألسنتها اللهبية وكنت أراقبه وهو يحترق وبداخلي النار تشتعل وقوة حرارتها أكثر من النار التي خارج جسمي تأكل بمذكراتي يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ..وهل تدرون لماذا أحرقت دفتر مذكراتي الذي أكتب عليه منذ 15 خمس عشر سنة ؟.

السبب هو أنني اكتشفت حقيقة نفسي وحقيقة الآخرين خصوصا الذين كنت أعتبرهم أوفياء لا يخونونني حتى عرفت بأنهم خانوني مع الطبقة البرجوازية ومع الطبقة المتعفنة وأخص بالذكر أولئك الذين خانوني مع الطبقة النتنة لذلك سأعيد كتابة مذكراتي من جديد بعد أن كشفت الحقيقة الكاملة هذا إذا كنت أمتلك الوقت أو الشجاعة لارتكب حماقة أخرى أكثر غباء من المذكرات الأولى فمن المحتمل أن أكتب مذكراتي من جديد ومن ثم يتبين لي بأنها ليست صحيحة وبأن فلان لم يكن عدوا بل كان صديقا حميماً, وأنا بين كل تلك الأمور محتار فعلا ماذا أفعلُ هل أكتب مذكراتي من جديد أم أُأجل الموضوع للسنين القادمة عندما تنكشف أمامي حقائق مساحتها أكثر من مساحة دفتر مذكراتي فريما يظهر في حياتي أصدقاء جدد ولربما يتبين لي موضوعا جديدا للكتابة أو تظهر بحياتي إنسانة عظيمة أحبها وتحبني, لقد كنتُ مغشوشا بنفسي ومتوهماً على نفسي بأنني ديناصورا كبير ورجل لا يمكن خداعه للأبد ...آه ٍ لو تعرفوا كم كنتُ مغشوشا في نفسي وفي الناس الذين يعيشون من حولي؟ أنا لست مغشوشا فقط في حذائي وملابسي الخارجية التي قيل لي بأنها أصلية وفي النهاية اكتشفت بأنها من أردى الصناعات العالمية فلو يتوقف الغش عند هذا الحد فإنني لن أضطر للتأسف أو للبكاء ولا حتى بدمعة واحدة ولكنني مصر على أنني كنتُ وما زلتُ مغشوشا في كل الذين يعيشون من حولي, فأنا مغشوش في المصانع وفي ثروة بلادي وفي التين وفي الزيتون ومغشوش في عواطفي وفي مشاعري وفي وجداني والمصيبة الأعظم هي أنني مغشوشٌ في القصيدة التي أكتبها وفي المقال الذي أكتبه من نزف دمي فحقيقتي تقول لي صح النوم يا مغشوش أفق من نومك , وآهٍ منكم لو تحبونني وتعشقونني بقدر عشقكم للمواد السامة وبالذات لثاني أكسيد الكربون أو بقدر حبكم للمواد المعدنية والبلاستيكية المعادة للتدوير...وآه من حبيبتي لو تحبني بقدر حبها لآخر الموديلات والصرعات والتنا نير القصيرة وبناطيل الجينز وآهٍ منها لو تعتبرني إحدى الصرعات فتلبسني على أكتافها شالا أو تتخذ مني بشكيرا تمسح به وجهها كل صباح أو تضعني مشطاً عاجيا أو أسود اللون في رأسها...وأعترفُ بأنني كنت شخصية نرجسيةً حين كنت أنظر إلى نفسي بإعجابٍ شديد كأنه لا يوجد أحدٌ في هذا الكون يفكر بمثل أفكاري!! وأعترف بأنني كنت جاهلا بنفسي ولم أكن أعلم بأن غروري كان غمامة تحجب عني حقيقة نفسي وحقيقة الآخرين إن الغرور أعمى بصيرتي فكتبت عن أناس في دفتر مذكراتي كلمات لا يستحقونها ولم تكن حياتي تجري بالمجرى الصحيح بل كانت على الأغلب تمشي وفق رغبات الغش وطبيعة المجتمع المنافق وكنت متخذا من بعض الناس إخوة لي واكتشفت بأن إخوتي الأصليون هم سبب كل أحزاني ومصائبي لذلك انتقمتُ من دفتر مذكراتي وأحرقته وجعلته رمادا بعد أن كان عبارة عن مشاعر وأحاسيس وأناس عاشوا به وكأنهم إخوتي, وفعلا كانوا كذلك, ولكن المفاجأة في دفتر مذكراتي هم أهلي الذين كانوا وما زالوا عبارة عن أناس أفديهم بروحي وبدمي وهم يطعنون بي من الخلف وكلما أتاحت لهم الفرصة لخيانتي كانوا يخونوني بدون أي تقصير في الخيانة, وكلما سهوتُ بعيني كانوا يسرقونني.. وأعترف بأنني كنت على مفترق عدة طرق متفرعة وأنا الذي اخترت الطريق التي من المستحيل العودة منها... أعترفُ بأنني ضحية مشاعري وأحاسيسي وعواطفي الجياشة حين كنت أفكر بعواطفي وإخوتي يفكرون بعقولهم وبالمنطق , وأعترفُ بأنني أفطر مشاعر وأتغذى إلهاما ربانياً وأتعشى من وحي إلهامي ومن وحي أحاسيسي الضائعة فكم كنتُ موهوماً ومخدوعاً في نفسي,,وكم كنت مخدوعا بجمال كلماتي التي تبين لي في النهاية بأنها كانت مُزيفة مثلها مثل أي عملة نقدية مزورة ومزيفة لا تساوي شيئا! وكم كنت معتوها حين اخترت درب القراءة والكتابة! كان من الأفضل أن أعيش كغيري على أكياس القمامة والنفايات التاريخية كان الواجب أن أرفع كل كيس قمامة للأعلى وأقدسه وأعتبره سلطاناً... وكم كنت مخدوعا ومعجبا بالشمس وبالنجوم وبالمناظر الطبيعية التي كنت أعتبرها مناظر خلابة واليوم أعترف بأن القمامة كانت وما زالت أفضل من الطبيعة الخلابة التي كنت فيها مخدوعا , وأعترف بأنني كنت أناطح الجبال بقرون مصنوعة من الطين اللزج القابل للكسر وللذوبان بالماء البارد أو بالماء الساخن , وأعترف بأنني عشت حياتي كلها على ذكريات مرة وعلى صور ممتعة أبتكرها أنا لوحدي من صنع خيالي الذي يأخذني من هذا العالم إلى عالم آخر أكبر وأعظمُ من هذا العالم الذي نولد فيه ونحن نتألم ونغادره بنفس الطريقة وبنفس المشاعر والأحاسيس, وأعترف بأنني طوال العمر كنت سكرانا وثملا من أحزاني ومن الوساوس التي تُغلفُ دماغي من الداخل ومن الخارج, وأشعر بهذه اللحظة أنني بحاجة إلى دواء يقلل من وعيي ومن حسي تجاه نفسي وتجاه الآخرين, وأعترف بأن الساعات السعيدة التي شعرتُ بها كانت كلها كذب في كذب على نفسي , تلك التخيلات التي خلقت لي الصور الممتعة في رأسي والتي لا يمكن أن أجد مثلها على أرض الواقع إلا في عالمي الوجداني والخيالي الفانتازي, وكنتُ وما زلتُ أدخل عالم الأحلام وأنا واقفٌ على قدميّ , لذلك أنا لا ألوم في مثل هذه اللحظة إلا أحاسيسي التي كانت تكذب عليّ طوال العمر وهي تنامُ وتتغطى معي بنفس الغطاء الذي كان يُغطيني... وأنا ظلمتني مشاعري الحنونة فقد كنتُ وما زلتُ حنونا أحن إلى امرأة تفهم معنى الكلمة ومعنى الحرف الواحد , وتفهم أيضا وتعرف كل ما أريد أن أقوله من غير أن تتحرك شفتايا... وأعترف بأنني عشقت سراباً وهِمتُ على وجهي بسببه في الصحراء أعواما وأعوام وعرفت بعد أن سقطت على الأرض سهوا بأن هذا العالم أصلا كله عبارة عن عالم مجنون وحقير وغير منطقي وقليلون هم الذين يشعرون بنفس مشاعري وبنفس أحاسيسي فالأكثرية من الناس يعشقون الماضي وأكياس الزبالة والنفايات من غير أن يدركوا بحسهم أو بوعيهم بأن الذي في صدورهم عبارة عن أكياس من النفايات أو المأكولات المنتهية صلاحيتها للأبدَ, وكم سرت مشيا على أرجلي وعلى يديا وأرجلي وكم زحفتُ على بطني وكانت الشمس تحرقني أثناء النهار وكان البرد يلسعني ويأكل من جثتي أثناء الليل وما زلتُ أروي ظمئي من دموعي, وأعترف ثانية وثالثة وحتى عاشرة بأني كنتُ مخدوعا بكل عواطفي, وكم مزقتني الظنون والشكوك حين كنت أصارعها وأبطحها أرضاً, وآلمتني الحياة بكل ما فيها من غِشٍ ومن كَذِبٍ وكراهية بكل ما فيها من خداع, وها أنا أدفع من عمري ثمنا للأوهام التي كنتُ وما زلتُ أعيش بها.

وجردتني الأيام من كل أسلحتي وها أنا أنظر نحوي حيث لا صديق ولا سلاح أواجه به عدو الشمعة الصغيرة التي تنيرُ لي طريقي وبعد قليل من الممكن أن أُحسب في عداد المفقودين الذين تفقدهم الإنسانية في الحوادث العاطفية والفكرية والسياسية...و سأصبح في يوم من الأيام عبارة عن ذكريات يتسلى بقراءتها ركاب السفن السياحية ليطردوا من خلالها دوار البحر الذي يصيب رؤوسهم , وسيضحك بعض الناس على قصة حياتي الخيالية والأسطورية في بعض الأحيان التي عشتها بالطول وبالعرض وأنا أعيشُ على الوهم وسيضحك على قصة حياتي الركاب في الطائرات وفي السفريات الطويلة لكي يقتلوا الملل الذي يسيطر عليهم طوال السفر وسيبكي عليها كل إنسان عربي مسلم ليبرالي ذاق مرارة الملاحقات الأمنية بكل الوسائل والطرق.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللعب مع الذئاب
- على الساكت
- لماذا أبكي؟
- الدنيا معكوسة
- الطرق الملتوية
- طباعة القرآن والمحافظة على البيئة
- سائق فرشة
- إلى الدكتورة وفاء سلطان
- المدينة الفاضلة
- لكي لا ننسى
- خيانة زوجية أم زواج بالسر!
- كلب متشرد وكلب بوليسي
- اقرأ واستمتع
- كلمات عربية أصلها رومانية ولاتينية
- نظام الشورى الاسلامي
- آخر الصرعات الفلسفية
- أول 500 جامعة في العالم
- ضاع الأمل
- ليس ذنبي
- تحيه كاريوكا


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - دفتر مذكراتي