أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - الباحثون عن الحقيقة يعصفون بها..















المزيد.....

الباحثون عن الحقيقة يعصفون بها..


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3489 - 2011 / 9 / 17 - 09:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



شاهدت قبل قليل فيلما عن عملية هروب السجناء السياسيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 أرسله لي صديق عزيز من بغداد كانت قد أنتجته وبثته قناة الفيحاء التلفزيونية الفضائية ، ولأنني كنت واحدا من السجناء الهاربين فقد سررتُ لهذه المحاولة التلفزيونية في توثيق حدث سياسي مهم بوقته رغم أن الجانب الفني في الإخراج كان بضعف كبير.
فوق هذا كان هناك ضعف آخر ليست القناة مسئولة عنه.
ضعف في ما يتعلق بالخطوط المؤلفة لانجاز عملية الهروب.
ضعف فيما يتعلق بالإطار العام لوحدة السجناء السياسيين المشاركين في العملية .
من المعروف أن الصورة الحقيقية لكل موضوع ولكل قضية لا يمكن أن تكتمل بقول من هذا أو بقول من ذاك، بل يمكن أن تكتمل، أو تقترب من الكمال بمباهج الشرف والضمير حين يستيقظا بقوة من خلال حوار بين مجموعة متحاورين في حالة استعداد لبحث ٍ ليس متعجلا وليس خاطفا وليس من خلال شذرات يقولها هذا أو ذاك، خاصة من غير العارفين بدقائق الأمور وتفاصيلها . مع الأسف أن الفلم لم يقدّم للمشاهدين ما هو شائق في عمل بطولي عن طريقة حفر النفق مثلا، أو عن الشائق من الأمور في وحدة السجناء وليس انقسامهم. لم يقدم الاخوان المتحدثون في الفلم عن إرادة جماعية لمناضلين مقيدين بسجن بغيض لتحدي نظام دكتاتوري كان يحرق شعبه. كنت أتوقع من المتحدثين بعد أربعين عاما من حدوثها أن يقدموا شيئا جديدا ، فكرة جديدة ، أكتشافا جديدا ، كما كنت أتأمل أن لا يطبوا مطبات الخلاف بشأنها، لا مباشرة ولا بصورة غير مباشرة ، بل كان عليهم ان يقدموا لشعبنا في زمان الفرقة الحالية التي تنتج عن شياطين السياسة والكذب والخداع الناتجة عن بعض من لا تهمه وحدة الشعب ووحدة نضاله .
شارك في الحديث التلفزيوني شخصيات على نوعين : النوع الأول ضم اثنين من السجناء الهاربين.
النوع الثاني ضم أربعة من الإخوان الآخرين أو خمسة ، ممن لا علاقة لهم بالحادث الذي وقع قبل مجيئهم إلى الحياة.
تحدث النوع الاول بصورة لم يحققا فيها كلاما يثري السامعين بشيء عن عطش السجين السياسي الى الحرية ولا عن تحمل السجين السياسي معاناة شعبه التي تدفعه الى البحث عن منفذ حتى ولو من تحت الأرض للالتحاق بالشعب لمواصلة نضاله بل تحدثا عن صولجان الذات وأجنحتها المزدوجة المحملة بروح الادعاء بصنع معجزة فردية نافين روح الفعل الجماعي الذي أنجز عملية الهروب.
أما المتحدثون من النوع الثاني فقد اعتمدوا على سماع ما سمعوه من واحد أو أثنين ممن تنقصهم المعرفة التامة بحقائق الأمور لكنهم كانوا قريبين من (منتج) أو (منتجة) الفلم وهو أمر غير مقبول، لا فنيا ولا سينمائيا ولا واقعيا ، خاصة وان العشرات من السجناء الهاربين لا يزالون أحياء يرزقون . كما أسفتُ أن السجينين الهاربين لم يسعيا إلى إظهار الحقائق بصورة موضوعية منصفة انطلاقا من (روح الجماعة) التي نحتاجها في الوقت الحاضر، بل انطلقا من روح (التشكل الذاتي) الذي تلاشت ببخاره روح العمل الجماعي المذهل الذي ساد بين السجناء في ظرف كان مليئا بالانقسام السياسي ، لكن الظفر كان بالنهاية للمثل الأعلى (روح العمل الجماعي) بينما كانت عواطف وانفعالات السجينين عقيل حبش وحميد غني جعفر مشبوبة بدفين من الخصال الذاتية مع الأسف. أما الآخرون فقد كان همهم الأول والأخير هو ظهورهم على الشاشة التلفزيونية بمظهر (العارفين) بتفاصيل الأمور بينما هم لم يقدموا ولا كلمة واحدة (جديدة) تتعلق بالهروب مؤكدين حقيقة أن مشاركتهم كان لمجرد الإطلالة من نافذة الشاشة الملونة، وقد كُتب تحت صورهم لقب (باحث) بينما هم لم (يبحثوا) شيئا يتعلق بقضية الهروب .
مثلا كان المفروض أن يتم تكليف أحد الباحثين أن (يبحث) عن الحالة السيكولوجية لمجموعة السجناء الذين كانت مهمتهم خلال بضعة شهور حفر النفق . كيف كانت معنوياتهم ، كيف كانوا يفكرون ، كيف يأكلون ويشربون، وهم في وضع بوليسي خطير يهددهم بأوخم العواقب إذا ما تم اكتشاف النفق المحفور استعدادا للهروب.
كان على (الباحث) الثاني أن (يبحث) في الوضع الاجتماعي للسجناء في سجن الحلة في تلك الفترة وعن علاقتهم بالواقع الاجتماعي – السياسي في بلادهم المحكومة بالنار والحديد.
كان على (الباحث) الثالث أن (يبحث) في الواقع السيكولوجي لدى السجناء (بعد هروب) زملائهم. هل كانوا شجعان أو خائفين ، ولماذا .
كان على (الباحث) الرابع أن (يبحث) في موضوع التأثير السياسي والاجتماعي والمعنوي لأهالي الحلة بعد الهروب.
كان على (الباحث) أن (يبحث) عن أسباب عدم نجاح بعض السجناء في الهروب من مدينة الحلة بعد نجاح هذا البعض في الخروج من النفق.
كان على (الباحث) أن ينقل للمشاهدين تأثير هروب السجناء على السلطة المحلية أو المركزية.
هناك الكثير مما يحتاج إلى (البحث) الصادق، الأمين والدقيق. لكن وجدنا (الباحثين) جميعهم لم يقولوا للمشاهدين غير حقيقة واحدة: هروب سجناء من سجن الحلة المركزي عام 1967 ليس غير..!
بذلك لم ينفتح في مضمون الفلم أي جانب من جوانب الأبحاث الحقيقية التي قام بها هؤلاء الأخوة (الباحثون) أي أنهم ما جاءوا بشيء جديد غير معروف. لو فعل هؤلاء الأخوان مثل هذه الأبحاث لكانوا قد وضعوا أنفسهم في عملية خلق تاريخي وفني وجمالي ورمزي يحققون فيه وهج العبقرية التي أشار إليها برتراند رسل ولكانوا قد اكتشفوا (الأفعال الفاضلة ) مثلما كان غوتة يبحث عن (المدينة الفاضلة) التي نشدها فاوست، التي اختلف الباحثون في تقديرها على مر التاريخ.
لكن الخطب بهذا الفلم (المتسرع) لم يكن ضعيفا بطريقة إخراجه حسب وفي السيناريو حسب، بل كان تيها جديدا تنازعت فيه طبائع من لا وعي عنده ليطعن أنس الحقيقة والدوافع عن كل ما يخص القضايا المتعلقة بعملية الهروب، حيث توصلتُ واستنتجتُ من خلال مشاهدة الفلم أن عقل وبصيرة المشاركين في الفلم لم تكن ثاقبة في البحث عن (كل) الحقائق، كما تتوجب أصول الأمانة والدقة والشمولية إنما كان (حديثهم) البسيط المكرر بدوافع شخصية ذات أهداف شخصية تم استغلال معدات واستعدادات قناة الفيحاء – ذات النوايا الطيبة - لإنتاج مثل هذا الفلم المفترض أن يكون توثيقا أمينا شاملا.
وإذا كان الأمر ، هنا ، يتطلب الشكر والثناء لإدارة القناة في توفيرها مستلزمات الإنتاج فلا بد من القول هنا أن الفلم كان محصورا في (حدود ضيقة) من قبل كاتب السيناريو – إن وجد سيناريو - الذي أشعل فتيل هواه الشخصي تحقيقا لميول ذاتية بعيدة عن (كل) الحقيقة فأوقع قناة الفيحاء – من دون أن تدري - في مأزق لا يرضاه التاريخ ولا الضمير النقي لأن (الحقيقة) في الفلم المنتج ظهرت مروضة من قبل مجموعة ممن أطلقوا على أنفسهم لقب (باحثين) وراحوا يسردون الحوادث بلا معرفة ولا بصيرة كما لو كانوا يسردون بأصابعهم حبات مسبحة ليست من نوع الكهرب..!
صار الفلم المنتج طيّعا في تصديق ما لم يكن صدقا كله، وتحقيق ما لم يكن الحق كله ، فرسخوا في عيون المشاهدين (الحقيقة العائشة في أذهانهم هم ..!) وليس في صلب واقعة الهروب التي شاركتُ بها مباشرة عارفا بكل تفصيل صغير وكبير فيها . مثل هذا الإغفال يعني أول ما يعني ضياع الضمير في العراق الجديد واتساع أزمة الصدق والثقة بين مواطنين عاشوا هدير سيل جارف من أنين ومعاناة السجون الدكتاتورية السابقة. مع الأسف الشديد أن الفلم أظهر أن بعض حملة مبادئ الحرية والديمقراطية يعصفون بالصدق والثقة أيضا في زمن عراقي فاسد صار فيه سجناء إرهابيون سفاكون يحفرون الإنفاق في أعتى السجون العراقية المحاطة بالحراسات والأسلاك الشائكة ويهربون من سجون البصرة والحلة والموصل وبغداد كما حصل في الشهور الماضية.
ذات يوم وصف برتراند رسل ( الحقيقة هي وهج العبقرية). معنى هذا أن كل من يتجاوز على الحقيقة فهو ليس عبقريا ولا يحمل في وجهه وهجا .
هذا أول الكلام أقوله لمن حاول عن عمد وقصد - وا أسفاه - التجاوز على (حقيقة) جرت في سجن الحلة المركزي عام 1967 متصورا نفسه (عبقريا) بوضع ستار وحجاب أمام مسرح الحياة داخل السجن حول قضية هروب السجناء السياسيين من حفرة ضيقة إلى فضاء الحرية الشاسع وقد تعمد بعضهم على وضع (الحجاب) الفردي لتغطية وهج الحقيقة المصنوعة جماعيا .
الحجاب انزل هذه المرة بأسرع من البرق من قبل مجموعة وصفهم الفلم بـ(الباحثين) وكان جميلا ورائعا جهدهم لو مارسوا جهود البحث، الذي يحتاج إلى عناء واشتغال وصبر وتدقيق ، لكن - كما يبدو - اكتفوا بإمساك الحديث من المخيلة السريعة فأضاعوا هبة الفرصة الممنوحة لهم من القناة وإلا فأين هي (بحوثهم) التي استندوا إليها لتحل في قلبي وفي قلوب جميع الهاربين الآخرين لتصبح عزيزة علينا ندافع عنها بسرور وقوة. لا ادري بالضبط هل هم يسعون وراء (الحقيقة) أم هم من محبي الظهور تلفزيونيا مستغلين رغبة وسعادة قناة الفيحاء في إنتاج فلم تلفزيوني بهدف إثراء رؤية الجيل الحالي بنضال مجموعة شباب سجناء من جيل نضالي سابق. كنت آملا أن يظهر المشاركون بهذا الفلم من (الباحثين) صادقين ومخلصين في سعيهم واكتشافاتهم الجديدة بما يكلفهم به واجبهم الوطني من بذل جهد فكري وسياسي حقيقي على أن لا يكون مبتورا أو ناقصا وليس معتمدا على ( كتاب) صادر في مدينة الحلة ليس فيه غير شتائم وادعاءات باطلة يطالها القانون ويمقتها كل ضمير حي ولا أدري كيف أرتضى حميد غني جعفر أن يسهم بمثل هذا الكتاب الذي يعتدي على تاريخ وسمعة صديق من أصدقائه ورفيق من رفاق دربه. ترى هل وصل الخراب في العراق إلى هذا الحال..؟ المفروض على ( الباحث ) عن الحقيقة أن يشجب أولا كل عدوان وشتيمة تتعلق بقضية الهروب أو بأحد الهاربين مهما كان الخلاف أو الاختلاف معه شديدا. كان على السيدين عقيل حبش وحميد غني جعفر أن يرفضا رفضا قاطعا شتم رفيق من رفاق سجنهم أو الطعن بتاريخه النضالي من قبل شخص لا علاقة له بالسجن وبالهروب منه .
كان على كل (باحث) أن يكون قريبا جدا من (كل) الهاربين من السجن وان يقيّموا (جميع) الجهود لا (بعضها) وان يرسموا بجهودهم رسما جماعيا ، هو الرسم الحقيقي الذي أذهل بوقته سلطة عبد الرحمن عارف القمعية، فهل تحرر المشاركون في الفلم من مغناطيس الذاتية المربوطة بالصداقة الضيقة وبضيق النظر والبصر أم أن الفلم أدناهم من ضيق الرؤية الذاتية من خلال أقوالهم التي سوف لا تعيش في الفلم إلا وقتا قصيرا لا جمال فيه إن لم يكن فيه قبحا ترفضه كل القلوب الراسخة بالحب والإجلال للهاربين من سجن العبودية والفاشية.
مع الأسف الشديد أن الكثير من القلوب ستنصرف عن هذا الفلم لأنه انفر الحقيقة عن مضمونه واستقل بثوابِ وثيابِ إرضاء العلاقة الذاتية بنظرة ضيقة سوف لا يمتد بها نور الحياة، فالمجموعة التي أطلقت على نفسها لقب (الباحثين) لم تضع في حسابها تطييب القلوب بالصدق وهو ما يستوجب على الباحث الصدوق الصادق التمشي طولا وعرضا في دهاليز الوقائع والحوادث يتجاذب أطراف الحديث المحايد مع كل من له علاقة بهروب السجناء يصغي إلى أقواله باستماع جميل، ومع كل ما كتب عنه وعنهم بقراءة ٍ كقراءة (الباحثين النبلاء) وليس بقراءة باحثين عن ضروب اللهو بعيدا عن الإخلاص حتى لأنفسهم بكونهم (باحثين). إن الوصول إلى (الحقيقة) تتطلب من الباحثين أن يصعدوا الجبال ويبحروا في البحار كما فعل سيزيف، وإلا فأن بحث (الباحثين) سيكون ناقصا أو محرّفا ، مهما تصنعوا الكشخة والنفخة كي تكون أنوفهم على الشاشة التلفزيونية متعالية مستكبرة، متناسين أن الثرثرة التلفزيونية الغثة لا تحقق غير لعنة التاريخ والمشاهدين إذا لم تكن الحقيقة نظيفة عن شوائب الثرثرة، خاصة وأن هذا زمان صار فيه كل من هب ودب يقف أمام الشاشة لا يستحق من المشاهدين غير الإشفاق والرثاء. لكن الباحثين عن الحقيقة في فيلم قناة الفيحاء ما طيبوا كلامهم بشيء من الصدق لينالوا استحقاق لقب (باحث) عن (الصدق) .
ما جاش بصدري أي هم ٍ أو غم ٍ وأنا أشاهد فيلما بثته قناة الفيحاء عبر مراسلتها السيدة (نبأ القاضي) في الحلة وهي امرأة طيبة لكنها لم تكن تملك (أنباء) جهينة ..! ربما كانت تسعى – كما يبدو - لتمجيد مجموعة الشبان الذين شقوا طريقهم بأيديهم لنيل حريتهم من المنبع المظلم في سجن الحلة إلى بقاع النضال المقدسة ، لكنها وقعت ، مع الأسف ، ضحية الوجوه المتشدقة بلقب (باحث) وهم ابعد ما يكونون عن خصاصة البحث والإيمان بجدواه، كما أنها لا تعلم بنوايا وأهداف جهينة ، فتخيلت أن الله وهبها فرصة مكتوبة على جبينها للمشاركة في إنتاج فلم بطراز ٍ خاص ولون ٍ خاص بعدد كبير من (الباحثين) لكنها لا تعرف شيئا من أمور السجون السياسية ولا كوامنها، ولا تعرف أمور السياسة والأحزاب ولا زلازلها ولا تعرف مناورات المناورين وكذبات المزورين وتشاكلها، فأنتجت فلما عنوانه (الطريق إلى الحرية) أوهمها بعضهم أن حلما سعيدا من أحلامها قد يتحقق حين ينتج فلم وثائقي عن عملية الهروب من السجن في زمان السواد الكثيف، والظلام المخيف، وزمان الدجل والغش ، المسيطر على العراق الجديد فراحت تركض مع ( باحثين) ما حملوا على أكتافهم حواس الحقيقة والتاريخ ، في مباراة سريعة قام بها مجموعة من مدّعي لقب (باحث) ليستغلوا أناسا طيبين بسطاء من أمثال عقيل حبش وحميد غني جعفر وهما من ضمن قائمة السجناء الهاربين من سجن الحلة المركزي عام 1967 اللذين شاركا بالفلم دون وعي بما يخبئه لهيب الشمس بخضرة الحديقة في ساعة ٍ كانت غريزة حب الظهور على الشاشة لديهما أقوى من نور الحقيقة ووهجها التي طعناها تحت الشمس . تحدث هؤلاء ببرنامج تلفزيوني لا يحمل حتى مواصفات فنية أو صدقية بمستوى الكثير من برامج وأفلام ناجحة أنتجتها القناة فجاء هذا الفلم بمستوى فني هابط كأنه برنامج من إنتاج المملكة الصومالية المتحدة في القرن السابع عشر. لا ادري كيف ارتضاه فنانو التكنيك التلفزيوني في هذه قناة الفيحاء وفيهم من يمتلك ذوقا فنيا عاليا ومعرفة واعية.
ليس هذا هو المهم بل المهم هو أحاديث بعض المتجاوزين على التاريخ وعلى حادث الهروب بالذات حيث ما وجدت في أحاديثهم حبا ومسرة وحرارة اللذة في كونهم (باحثين عن الحقيقة) بل كانت وجوههم مليئة بالغبطة التي أتاحتها لهم قناة تلفزيونية وهم يقولون كلاما باردا معداً لهم سلفا من دون قوة البحث وحساسيته كما يتطلب واجب (الباحث الأمين) . كانت معلوماتهم ليست من نتائج بحثهم عن الحقيقة بل مأخوذة من صحن فيه طبيخ جاهز لا يرتضيه أي أستاذ من أساتذتهم علـّمهم أصول (البحث العلمي) فوقعوا بمتاهة ضياع الحقيقة دون أن يعلموا. ولأنهم ابتعدوا عن الحقيقة فأن البرنامج - الفلم كان بلا وهج لأن التطفل ليس له صدى وهاج ، خاصة وأن هؤلاء المتحدثين الصقوا بأنفسهم لقب (باحث) من دون أن يذكروا مصادر بحثهم ..! يا للعيب..!

لم أكن أتوقع أن يكون حامل لقب ( باحث) في زمن ازدادت فيه هموم الشعب العراقي الكثيرة التي تستحق جهدا كبيرا في البحث الصادق هو لقب مجرد لدى بعض الإفراد ، الذين ما سمعوا ولا أدركوا أن عملية البحث الحر هي اشرف العمليات الثقافية والعلمية يجب أن لا تبغض أحدا ، لأن أعداء الحقيقة هم ، دائما وأبدا، وحدهم المبغضون . كنت أتمنى على هؤلاء الباحثين الذين تكلموا في برنامج اسمه (الطريق إلى الحرية) أن تكون قلوبهم قريبة من الحرية ، فأن ابسط قواعد الحرية في البحث عن الحقيقة هي تغذية النفس الحرة بخواطر الاجتماع والاطلاع مع كل شهود عملية الهروب وصانعيها ، حتى مع الخصوم الأعداء إن وجدوا ، ومع كل المصادر المكتوبة وغير المكتوبة.
ليست حرية البحث مشيا مجاملا لتساقط الحديث الناهض طولا وعرضا في أجمة مظلمة تهدأ فيها نفوس الباحثين غير الصادقين عندما يرون وجوههم على شاشة التلفزيون وهي ضائعة ما بين الصدق والتزوير ، إنما مهمة (الباحث) نبيلة ومتنورة وشريفة وعظيمة ومهيبة . لقد نست مجموعة الباحثين في هذا الفلم أو تناست أو أنها لا تعرف أصلا أن (أذن) الباحث الحقيقي ، كما هو معروف يجب أن تكون (عفيفة) وأن (عينه) ينبغي لها أن تكون (ثاقبة) وأن على الباحث أن يفتش بصبر وعمق وحيادية عن جميع بذور ما يبحث عنه وأن يدرس بذكاء جميع صفات أوراقها وثمارها كي يصل إلى الحقيقة الوهاجة كاملة بعينيه وليس بأذنيه ، لأن ما يتوصل إليه في بحثه يعتبر رسالة كبرى وليس مشاركة بمسرحية محرّفة . من دون هذا سيكون المدّعي بـ( البحث) من صنف أولئك الذين لا يصدقون إلا أنفسهم .. !
على من يحمل لقب (باحث) أن يفعل ما تؤديه الفراشات الصغيرة التي تبحث عن الزهور الجميلة وهن طائرات ودائرات في أجواء الأزهار المتعددة الألوان كي تمتص رحيقها وتفرز كل ما هو طيب منها. كم كنت أتمنى للإخوة المشاركين جميعا في الفلم أن يتوفر لهم فرس وسائس وعربة من اجل الوصول معا إلى بحث شذري زاه بلونه يكون فيه الحق الديمقراطي نصيبا اكبر في الحقيقة وان تكون النزعة إلى الحرية واسعة مطهرة تماما من ضيق النظرة الذاتية لكي يقف الجميع أمام باب عشتار حاملين علامات السعادة عن تاريخ الهروب من سجن الحلة المركزي عام 1967 بلهجة سامية مؤثرة في الحقيقة.



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكيب كاظم يكسر قارورة النقد على رأسه بعصبية..!
- يا صباح الساعدي: نوري المالكي تمساح ..!
- عنف (أبو طبر) حيوان وحشي مركب في مرحلة دولة العنف
- أنا أغيّر إذن أنا موجود..!
- فلسفة مؤيد اللامي: أنا نقيب إذن أنا موجود..!!
- عن الفن والفنانين العراقيين في المسلسلات الرمضانية
- تصريحات نوري المالكي نموذج للعمى السياسي
- صفحة من تاريخ النضال الطلابي في مدينة البصرة
- احزاب ومنظمات، كتاب ومثقفي العراق يتمنون جلبابا زاهيا من الص ...
- ملفات الراقصين والقوادين في وزارة المالية ..!
- حسني مبارك في قفص المحكمة باللباس الأبيض
- عن الشاعر الجواهري وتموز والزعيم عبد الكريم قاسم
- عن سياسة سرج الصحفي ولجمه..!
- مجلس الرئاسة.. ثلاثة طيازة بفد لباس ..!
- ضياء الشكرجي.. ثوري بلا أقنعة
- المؤتمر التاسع مظلة الديمقراطية فوق اليقين الشيوعي
- عن أفكارٍ في إناء ٍ مثقوبٍ لا تحترم الحقيقة ..
- نداء إلى قناة الشرقية لوقف عرض مسلسل الباشا ..!
- أخلاق الدكتاتور وأخلاق المجرم واحدة..
- أكبر سرقة مالية في التاريخ الأمريكي..


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - الباحثون عن الحقيقة يعصفون بها..