أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - لماذا الفنون والآثار الإنسانية؟.















المزيد.....

لماذا الفنون والآثار الإنسانية؟.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3482 - 2011 / 9 / 10 - 14:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا الفنون والآثار الإنسانية؟.
من يزر مصر ولم يعرج على أهراماتها العظيمة، ولم يقف عند قدم "أبو الهول"، فكأنه لم يزر مصر، وهو كمن يسافر إلى باريس ولا يشاهد قوس النصر و"برج إيفل" و"نوتردام دي باري" أشهر معالمها، أو كذاك الذي يذهب إلى لندن ولا يرى جسرها العتيق London Bridge وساعتها العظيمة "بج بن" Big Ben"، أو كالذي يقصد روما للسياحة ولا يتوقف عند نافورتهعا الشهيرة "فونتانا دي تريفي"، ولا يأخذ صورا تذكارية ب "بياتزا ذي اسبانيا"، المعروف بـ Spanish Steps، ولا يزور كاتدرائيتها "سيستين".
أما من يزر أم الدنيا، ويقف عند تمثال المصنوع من الصخر على هيئة أسد براس إنسان، ويتمعن في تقاسيم وجهه وهو يتوسط الأهرام باسطا ذراعيه على رمال الجيزة في شموخ ومجد، لاشك أنه سيرى ذاك التشويه الذي لحق به، فأتلف لحيته وجدع أنفه، ولاشك أنه، وبكل تلقائية وعفوية، سيتهم الزمن، كما فعلت أنا حين وقفت لأول وهلة على ذلك، ظناً مني أنه من فعل تقادم الدهر، وتعاقب الأعوام، ولم يخطر ببالي لحظتها أن يكون مبيتا، أو جناية جاهلية في حق الآثار والتاريخ.
لكن كثرة القصص وتعدد الروايات وتضارب الأقوال حول هذا التعدي الهمجي ضد هذه المعلمة الحضارية، والتي حملت بعض الروايات أنها كانت جريمة من فعل الأتراك, ونقل بعضها الآخر أن الأنف واللحية هما ضحيتا طلقات مدفعية نابليون التدريبية -وهي القصة الأكثر شهرة والأقرب إلى التصديق- رغم بعيدها عن المنطق السليم، ما دفع بي للتعمق في البحث والتنقيب عن اليد المجرمة التي كانت وراء ذلك الجرم، بعيدا عن اتهام نابليون بونابرت الذي لو كانت طلقات مدفعيته هي الفاعل لما اكتفت بتحطيم الأنف واللحية فقط، ولكانت قد أتت عليه بكامله ولم تترك منه شيء يذكر، فالجاني إذن شخص آخر غير نابليون، خاصة أن الاعتداء كان بفعل آلة حادة لا تزال أثارها موجودة إلى الآن، كما أتثبت ذلك الدراسات الحديثة، والتي يؤكدها الدكتور بسام الشماع الباحث في الآثار المصرية، والذي ينفي كلية ما تردده الشائعات بشأن ضلوع نابليون في تلك جريمة تحطيم أنف أبو الهول واتلاف لحيته، والذي يرجع تاريخه إلى ما قبل وصول الحملة الفرنسية الى مصر ب 61 عاما، معززا نظريته بالصور التي التقطها المستكشف الدانمركي فريدريك نوردين لأبي الهول في عام 1737 ونشرها في عام 1755 في كتابه "الرحلة إلى مصر والنوبة" وكان ساعتها بلا أنف أو لا لحية.
فبعد تبرئة نابليون من تلك الفعلة، فلابد لكل جريمة من مجرم، كما يقول علم الإجرام، ولابد للتخريب الشنيع الذي لحق ب"أبي الهول" من جان يتحمل مسؤولية فعلته.
لم يطل بحثي كثيرا، إذ سرعان ما عثرت على نص للمؤرخ المصري المقريزي الذي عاش في القرن 15 يفضح فيه ما خفي من نازلة التعدي على الآثار التي تشكل موضوعا ومادة أساسية لعلم الإناسة (الأنثروبولوجيا) أو علم (الأركيُلُوجِيا) الذي يتيح للعلماء دراسة أشكال الحياة عند الأمم القديمة بدراسة مخلفاتها، من خلال فحصها وقراءة مشخصاتها، حيث قال المقريزي: "أن سبب كسر الأنف والتشويه الذي يظهر في وجه أبو الهول يرجع إلي تخريب شخص متعصب يسمى محمد صائم الدهر، في نحو عام 780ه بدعوى تغيير المنكرات، وظنا منه أن هذا الفعل من جملة القربات والأعمال الصالحات. والذي لا شَكَّ فيه هو أنَّ جريمة تشويه وتحطيم الأعمال الفنية، بِعلنيتِها الفَظّة وَعربَدة الاحتفال الَدموي الذي رافقها كجُزءٍ مِنْ طَقس، جاءت نتيجة تأثر محمد صائم الدهر بفتوى أبي حامد الغزالي من أهل القرن الخامس، التي حذر فيها من منكرات الحمامات( كتابه الأحياء) ودعا فيها تلاميذه إلى تشويه كل ما تصل إليه أيديهم من وجوه التماثيل التي يكثر تزيين الحمامات بها، لأن (مشاهدتها منكرة، وغير جائزة) قال: ((ويكفيه أن يشوه وجهها ويبطل صورتها!!)) وقال في منكرات الضيافة: ((إسدال الستور وعليها الصور..وسماع الأوتار أو سماع القينات. وعد من المنكرات (( صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا، فكل ذلك كرهه ذوو الدين، فأما عمل الملاهي والآلات التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم)). ولا شك كذلك، أنه لو توفر "لمحمد صائم الدهر" في زمانه مدافع نابليون، لنسف تمثال أبي الهول وانتهاك كل ما يقدر عليه هو وأتباعه، من الفنون والنصب والتماثيل، نسفا وانتهاكا، كما فعلت طالبان بتمثال بوذا في باميان -الذي كان محجا لملايين الزوار والباحثين الدارسين لتاريخ الإنسانية- ظنا منه أن هذا الفعل من واجبات المسلم إزاء المحرمات، رغم أن الله سبحانه وتعالى لم يحث على ذلك في كتابة الكريم، الذي لم يحرم فيه المنحوتات الفنية وباقي الفنون الإنسانية، بل أحلها كما جاء في قصة سليمان مع الجن حيث يقول سبحانه: ((يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ)) ويقول المفسرون كتب التفسير أن هذه التماثيل كانت من زجاج ونحاس ورخام، وروي أن الجن عملوا لسليمان أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه.
فكيف يحرمها الإسلام على المسلمين ويحلها لسليمان قبله ما دام دين الأنبياء واحد كما يقول نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لا يمكن أن يقع في مثل تناقض القول هذا، وهو "النبي المعصوم من الخطإ"، والمنزه عن تناقض السلوك، خصوصا وأن علة التحريم غير منتفية في الحالتين؟
على العموم، لقد مات "محمد صائم الدهر" وطواه الزمن بالنسيان والخزي، لأنه كيان مهلهل قائم على غير أساس، وبقي أبو الهول شامخا لا يبالي بأمثاله من الدعاة، الذين لا يستهويهم فن ولا جمال، ولا يشغل بالهم سوى لحاهم المسدولة على صدورهم، وأيورهم المتدلية بين أفخادهم، وسيوفهم الحقيرة المتوثبة لإتلاف الثقافة الإنسانية التي تحرمها عقولهم الصدئة المرتدة عن تراث أمتها والملتفة لثقافتها وآثارها بطريقة همجية فجة لم تحدث مع أية أمة في العالم، حيث أنه لم يسمع إلى اليوم، عن أمة، حتى تلك المتخلفة التي تسكن الغابات الإفريقية أوغابات الأمزون، أنها تركت ثقافتها الفلكلورية المتوارثة لأنها من الفنون المتخلفة عما أصبحت عليه فنونهم اليوم، كما أننا لم نسمع أبدا عن الإغريق أنهم نحروا فلسفاتهم الكلاسيكية لكونها تختلف مع توجهاتهم السياسية. ولم نسمع عن الايطاليين أنهم حطموا مسارحهم الرومانية القديمة لأن الأسود في سالف الأزمان كانت تفترس فيها عبيدهم. ولو نسمع عن شعوب أقاصي آسيا أنها تحرق نصوص بوذا في الحكمة، لأنها لم تستقم والسلوك المعاصر. ولم نسمع أن حكومة الصين الماوية تعدم مبادئ كونفوشيوس، لأنها لا تتفق وثورتهم الثقافية. ولم نسمع قط أن مجتمعات غرب أوروبا قد أحرقت إبداعاتها لكونها لا تتفق مع كنيسة اليوم. لا أبدا، لم نسمع بهذا ولا بذاك عند أمة من الأمم، إلا عند بعض الجفاة الحفاة من أمتنا الذين يعتبرون الإبداع الفني، تعديا على اختصاصات الله، وخلقا يضاهي به الفنان خلق الإلاه، ويرتبون عليه عقوبات أخروية تتوعد الفنانين من المصورين والنحاتين والموسيقين، بأصناف من العذاب الجهنمي، يستوي فيه من أقام تمثالا أو رسم على ثوب أو نقر على دف أو قيتارة. متحججين بأن صنع التماثيل المجسمة محرمة لا تجوز، لأن النبي ثبت عنه أنه لعن المصورين!!، وثبت أيضاً عنه أنه قال: "قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"، فمحرموه.
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية انسانية
- فرحة الانتصار.
- فتاوى الفتنة لا تخلق رأياً عاماً في المجتمعات.
- فتاوى الفتنة لا تخلق رأياً عاماً، لكنها تغلق الوعي بالخرافة.
- ثقافة الإبتسام
- رمضان وعبق الماضي.
- من أجل هذا يحق لنا أن نغضب، بل وننفجر !
- الكتابة عن الكلاب.
- الأمازيغفوبيا والأحزاب الدينية..
- الميدان الذي في خاطري.
- رمضان ومطاعم القلب الفرنسية.
- الإسراف الرمضاني.
- الدستور الجديد والابتزاز السياسي.
- معاناة المواطنين بفاس مع وسائل النقل.
- الخرافة في الأحياء الشعبية. فاس الجديد كمثال.
- فاس لا تستحق كل هذه البهدلو وهذا العقوق!!
- الدكتاتورية العائلية..!
- الإحباط وتأثيراته الخطيرة والمدمرة
- الإنطباع السياسي.
- خطباء آخر زمان


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - لماذا الفنون والآثار الإنسانية؟.