محمد أبو هزاع هواش
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 3 - 15:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أتى الخريف ولم تثمر في الصيف لبعض البلدان العربية بعد ربيع مزهر وعد بمحصول أكبر. لانعرف نوعية هذا المحصول حتى الآن في البلدان التي حصدت التغيير، فحتى الان لانعرف ماسيحدث في تونس، مصر، وليبيا؟ أو لانعرف مايحصل في البحرين، أو ماسيحصل في اليمن، أو هل سيثور أهل الخليج في حياتهم أبدأ ضد الملكية؟ لكن حول سوريا يتفق الجميع على أن "الجمهورية العربية السورية" لن تعود كما كانت قبل الخامس عشر من آذار في هذا العام، الذي هو كما نعرف نحن السوريون، أسبوع قبل بداية الربيع رسمياً. أتى الربيع مبكراً في سوريا ولكننا الان في الخريف ولم نرى ثماراً، بل دمار وفوضى في كل مكان وتفكك لدولة سقطت هيبتها في نظر قطاع واسع من مواطنيها لسبب أو لآخر. فماهي نوعية مازرعناه في الربيع لنحصد هذه الثمار حتى الان؟ أم، هل لدينا هنا نوع جديد من الثمار علينا العمل بعقلانية لنحصد مابذرناه من بشر وسقته دماء سورية؟
تمر سوريا حاليا، وبعد حوالي نصف سنة من الأحداث العصيبة الدموية، بأصعب أمتحان تعرضت له منذ آخر إستقلال لها عن فرنسا في عام ١٩٤٦. ترك هذا الإستقلال حدوداً لدولة صمدت منذ ذلك الوقت حتى الآن أمام العديد من العواصف، لكن هل ستبقى هذه الحدود كما هي على ضوء مايحدث الان؟ للألف سنة الاخيرة ضمت هذه الدولة ضمن مدنها وقراها عناصراً من أديان وعرقيات مختلفة نجحت حتى الان كما يبدو بتركيب هوية لمواطنة سورية ربطت المواطن بذلك المكان وتاريخيته. شوشت على هذه الهوية أفكار البعث القومية، الأديان المختلفة التي تدعو إلي تحالفات عبر الحدود، والاحزاب الاخرى الموجودة التي بالطبع دعت إلي هوية أممية مثلاً. بقيت الهوية السورية عاملا قويا لتوحد هذه الجمهورية التي تنازعها العسكر منذ ولادتها القسرية الاخيرة حتى الآن. هل سيكون على هذا المواطن السوري حالياً البحث عن هوية جديدة؟ أو إلى متى سيبقى العسكر يحكمون سوريا؟
نرى في المظاهرات التي يواجهها العسكر وأجهزة الأمن علم جديد. أبدلو الاحمر بالاخضر. هل يعني هذا تحولاً جديداً في الهوية السورية نحو هوية إسلامية؟ ماهو دور الاسلام في كل هذا؟ المراقب المحايد يقول أن للإسلام دور كبير في تحريك المتظاهرين فكون الكثير من العسكر وقادتهم من العلويون، المعتبرون رسمياً من الكفار، دور كبير لتحريك جمهور صار ينادي من اليوم الاول أنه يريد رئيساً يخاف الله! بالطبع أفرغ العسكر من أي أيدلوجية تقدمية بالطبع، وبالطبع حاول العسكر، كما هو تاريخهم في سوريا، بناء أكبر عدد من المساجد للتقرب من الشعب الذي أصبح متديناً أكثر بسبب إنتشار الفكر الديني في المنطقة ككل وعدم وجود بدائل أخرى.
القصة هنا عويصة، فالدين يتدخل في هذه المعمعة ليزيد الطين بلة وينادي بحلول تخيف الكثير. دخول الدين يعني خوف الأقليات وإبتعادها عن الحراك نحو التغيير. عندما ينادي الشعب أنه مستعد للمواجهة ويستمد الشجاعة من نصوص دينية تنعكس بشعارات تقول أنهم عالجنة رايحين شهداء بالملايين يضع كل هذا الهوية السورية على المحك. من المعروف ان الجميع معجب بشجاعة نص كهذا ولكن هل من المهم أن يقدم الشعب السوري المزيد من الضحايا لتحقيق التغيير؟
لماذا لاتشكل الاحزاب فوراً ونذهب بالملايين إلى صناديق الإقتراح بدلاً من الجنة التي لانعرفها والتي بالطبع لاتحتوي كل عناصر الشعب السوري. سوريا بحاجة إلى تغيير حقيقي وليس على الورق ودماء تسال على الرصيف. سوريا بحاجة إلى صندوق إقتراع وقانون عصري وإلا فإنها ستتحول إلى جمهوريات فلافل وليس موز.
في جمهورية الفلافل الحالية الدمار والفوضى هما سيدا الموقف. تحولت سوريا قسرا إلى جمهورية فلافل تتدخل في شؤونها بالطبع جمهوريات موز مجاورة زائد أيديولوجيات ثيوقراطية لاتقدم شعباً لديه مقومات التقدم كالشعب السوري. صندوق إقتراع وقانون يساوي الكل مع شرطي وقاضي محايد هو كل ماتحتاجه سوريا لتبقى الهوية موجودة.
ماذا سيفعل العسكر في مواجهة المواطن؟ هل سيكون هناك قانون وتغيير؟ ماذا سيحدث للحكومة الحالية وللمعارضة؟ هل ستتشكل أحزاب؟ ماهو دور الدول المحيطة والغير محيطة بسوريا وهل سينتقل التغيير إلى تلك الدول؟ من هو المستفيد وهل ستبقى سوريا كما هي أم ستتكسر وتنقلب إلى عدة كيانات صغيرة تتكلم عن هوية إسمها سورية كانت موجودة.
التحليل العقلاني للأمور يضع اللوم دوماً على الحاكم وهذا سهل في حالة سوريا. فمن جنرالات معسكر قطنا والمعسكرات المحيطة بدمشق إلى عبد الناصر العسكري الذي جلب عسكر مصر ليحكموا سوريا، إلى جنرالات البعث من آذار ١٩٦٦ وحتى الآن، لم يعرف المواطن السوري سوى القوة من قبل الدولة مرفقة بجرعة من الكلام الفاضي عن العدو الصهيوني والامبريالية والاعداء المعروفون بينما كانت هذه الفئة من العسكر تنهب خيرات هذا البلد الفقير تاركة إياه من غير تقدم حقيقي. لم تكن هذه الفئة من العسكر على مستوى من العقل لتعرف أنه إذا علمت أهل البلد وقدمتهم ووفرت لهم خدمات، أمن، وفرص عمل فربما كان من الاحسن. لم تعرف العقلية العسكرية في سوريا سوى تهميش المواطن ووضعه في خانة لايتقدم منها. لم تعرف هذه العقلية العسكرية سوى ان تحارب أصحاب العقول وتنفيهم وتغلق أي مكان كان من الإمكان تنمية بديل حقيقي يضع بالحسبان مواطني سوريا ككل غير عابئ بهويتهم الطائفية والعرقية.
عرفت سوريا الطائفية والعرقية منذ زمن بعيد، لكن سحر كلمة سوريا ضمن للكل هوية مشتركة. كان بالإمكان خلق قانون ودستور يساوي الكل ولا يعمل مشاكل، لكن هذا بالطبع بعيد فالمواطن السوري خليق التناقضات والتاريخ الغير صحيح والايديولوجيات المتصارعة على هويته، وفوق كل هذا لديه حاكم عسكري لايوفر فرصة ولايبعث بجلاديه ودباباته ويستخدم مدافع صممت ضد الطائرات لإرجاع أبناء البلد إلى بيوتهم أو إلى الارض مقبورين بأرض رويت بدمائهم ودماء اجدادهم من قبلهم لسبب أو لآخر.
لم تعرف سوريا سوى الدمار والفوضى منذ الازل، ولم يأتي إلى أرضها سوى الغزاة والطامعون، ولكن حتى هؤلاء يذوبهم الزمن ببوتق سوريا وسحر تلك الكلمة، فهل ستبقى سوريا قوية وتهزم مايحصل؟ هل ستبرهن سوريا أنها ارض الفينيق ومن رماد مايحصل على أرضها ستنطلق ماردة بين الامم مرة أخرى؟
#محمد_أبو_هزاع_هواش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟