سلام الاعرحي
الحوار المتمدن-العدد: 3441 - 2011 / 7 / 29 - 00:37
المحور:
الادب والفن
في اطار انتاجه للقصة والرواية كان جاسم المطير باعد العديد من اساليب الانتاج المعتمدة على المحاكاة كما باعد اسلوبية التناص السردي والوقائعي , وان كان اشتغل في منجزه الروائي على الواقعة او الحادثة التاريخية , وحرص كل الحرص على اعادة انتاجها في اطار سياقها التاريخي الا انه اجتهد في تغريبها تاركا وعي التلقي يعيد انتاج تلك الواقعة على اساس مكونها المادي ومؤسسات فضائها الانتقائية, ولا يتوانى المطير في اقتحام كافة ابعاد الحادثة محدثا خلخلة حقيقية في توالد وتخارج افعالها المتلاحقة فتبدو حبكا متجاورا رققت صلاته ببعضه ثم تلتقي عند غائية فكرية تسير على وفق خط موازي تماما لتلك الحبك المتجاورة , بمعنى آخر ان الواقعة ذاتها تستحيل الى عوالم افتراضية تخضع الى حاجة المطير ورغبته في اعادة انتاجها على انها حكاية قابلة لاعادة التشكيل . شخصياته افراد الا انهم اعضاء فاعلة في طبقاتها , تعاني الوحدة والعزلة والتناقض والبراكماتية في الموقف الواحد , لديهم القدرة على الاختيار الا انهم لايختاروا ولديهم القدرة على التغيير الا انهم لايغيروا , ذلك لأنهم شخصيات مستلبة الوعي والارادة فهي تعاني استلابا مزدوجا ذاتيا واجتماعيا , وفي آلية الايحاء الموجه يختار المطير لشخصيته لحظتها التاريخية – بعد تراكم حدثي – التي تدرك من خلالها حتميةالتغيير , ذلك التغيير الذي ربما كان غير منسجم ومطابقته للواقعة او الحادثة التاريخية . بعد هذه التقدمة السريعة وربما المملة ! كنت اود التوقف عند الكثير من التساؤلات لكي انفذ بعدها الى وجهات نظر, لااسيء الضن في فيما ذهبت اليه من محاولات لتقويم الخطاب حسب اعتقادها على اقل تقدير. التساؤلات : اذا كان المطير يتوفر على هذه القدرة في اعادة تشكيل الحادثة , واذا كان لديه مثل هذه القدرة في انتاج الشخصية داخل عوالمه الافتراضية والواقعية على حد سواء , فلماذا لم يخضع روايته – وهو قادر – الموسومة ( الهروب من نفق مضيء ) الى كل اشتراطاته الاسلوبية في الكتابة , وهو المعني في كل ما كتب بانتاج المعنى المتعدد الاثر والمنفتح على كل انواع القراءات ذلك ان المطير معني جدا في تحرير وعي المتلقي ؟ او لماذا لم يحاول المطير مثلا ان ينتقي بعض اللحظات التاريخية في الحادثة وبمركبها الثلاثي , الحاجة , الرغبة , الارادة , ويستنطق شخصياته على اساس تجربته السياسية والادبية ؟ اعتقد تماما ان المطير مارس السرد الوثائقي والتوصيفات الواقعية بدقة ذلك انه يتعامل مع واقعة ذات صلة قوية جدا بتاريخ الحزب ومناضليه وفنونهم النضالية . ان اسلوب وصف المطير للمكان – سجن الحلة – وآليات العمل وطبيعة العلاقات داخل السجن وانعكاسها على التنفيذ والتخطيط انما تؤكد انه احد اعضاء الفريقيين وهو من فريق التخطيط ولاشك في ذلك, وليس من الصعب اثباته , ويكفيه شهادة الشاعر الشيوعي والمناضل الصلب ( مظفر النواب ) حيث قال (( كان المخططون له اربعة – يعني حفر النفق - بينهم الكاتب المعروف جاسم المطير )) جاء ذلك في مقالة للاستاذ الدكتور قاسم حسين صالح بعنوان امسية دمشقية مع مظفر النواب , ونص المقال منشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 5أيلول من عام 2008 , واعتقد ان مثل هذه الشهادة تكفي لمن اراد ذلك , أذا هو لم يدخل على الخط ولم ينسب لذاته عظيم الصنائع وكبير الافعال كما يرى الرفيق الشاعر ( حامد كعيد الجبوري ) في مقاله الموسوم (عرض كتاب / أضواء على الهروب من سجن الحلة ) والمنشور في الحوار المتمدن . كما انه لايمكن ان يبحث عن مجد وشهرة على حساب رفاقه وحزبه , فلم يكن المطير ( انا ) نرجسية متضخمة بل كان يؤكد على الفعل الجمعي والعمل المشترك (( كل شيء خارج السجن يؤثر علينا وعلى محفزاتنا , كل تحرك جماهيري يحرك عندنا رغبة النضال الاكبر )) – الهروب من نفق مضيء , ص 69 . وكان بامكانه ان يقول كل شيء يؤثر على تفكيري وقواي وارادتي , ولو كان كذلك لما قال عن مظفر النواب انه (( المايسترو في العلاقات الخيطية السرية .. التي تجعل المغامرة المثيرة التي سنقدم عليها فعلا ثوريا من افعال سعود الذي لايهاب )) المصدر نفسه , ص 74. او قوله (( أكثرنا مسئولية اليوم في التحضير للهرب هما مظفر النواب وحافظ رسن )) المصدر نفسه . ص 158 وكان بامكانه ان يجعل من نفسه الرجل الثالث الذي سيقود الفريق الى الحياة الحلم والسعادة . وفي عبارة اخرى كان تحدث الشاعر الجبوري , مقتبسا من الناقد محمد علي محي الدين قوله ((صدر كتابا للأستاذ جاسم المطير وهو عبارة عن مجموعة مقالات بخصوص الهروب من سجن الحلة أسماه الهروب من نفق مضئ عن دار الرواد وصّف فيه اللجنة المركزية والقيادات الشيوعية بأبشع الأوصاف متهمها باليمينية والذيلية والارتدادية )) اعتقد ان السيد الجبوري غير دقيق في قوله مجموعة مقالات , بل ان الهروب من نفق مضيء رواية تسجيلية باعدت الى حد ما اشتراطات العمل الوثائقي* , كما اني قمت بدراستها بدقة ذلك اني اقوم باعدادها الى المسرح أيضا , فلم اجد المطير ناعتا او واصفا اللجنة المركزية للحزب بالنعوت التي وردت في مقال السيد الجبوري , بل اجزم ان مثل هذه العبارات غير واردة في الرواية . كان المطير يؤكد حتمية الهرب للعودة الى احضان الحزب الشيوعي دون ان يشير الى اللجنة او القيادة كما في قوله (( لينقلنا من ظلام السجن الى الشمس الساطعة والعودة الى النزهة الجميلة داخل صفوف الحزب الشيوعي )) المصدر نفسه /ص 75وللمزيد ينظر الصفحات ..79 .. 158 .كما كان المطير حريصا على لملمة الفجوة بين المسميين حين يقوده توالد الاحداث الى الاشارة الى ما سمي بالانشقاق ففي قوله (( وابلغتني بتحيات بعض الشيوعيين ومنهم شاكر محمود عضو اللجنة المركزية ... وفيها محاولة منه لرفع معنوياتي حيث وردة كلمات مثل ان يوم اللقاء قريب )) المصدرنفسه ص85. هذه الاشارة كان بامكان المطير ان يخفيها طالما هي تنتصر الى اللجنة مثلا , وثمة المزيد من المواقف كان المطير لايرغب في تقديمها الى المتلقي موتورة مأزومة منحازة او منتمية (( مرة اخرى التقى بي حسين سلطان طالبا مني العمل في تحرير الجريدة السجنية فاعتذرت مجددا بسبب مرضي ايضا ... قبل اعتذاري وطلب مني كتابة بعض الافتتاحيات ... خلال اللقاء استنتجت من احاديثه معي كأنما هو على علم بمرحلة الحفر الاولى ... واكد حسين سلطان من جديد على ضرورة مواصلة العمل وتهيئة مستلزمات الهروب )) المصدر نفسه . ص95 . ان ايما قراءة لهذه السطور بقصد التحليل فهي انما ستتجه الى استنتاج مايلي : اولا ان المطير والرفيق حسين سلطان في لقاء عمل فكري وثقافي دائم ومستمر . ثانيا : ان الرفيق حسين سلطان لديه الصلاحية في تكليف الرفيق المطير بالمهام الحزبية كما يعكس مثل هذا الطرح نموذجية العلاقة بين الرفاق داخل التنظيم , كما ان المطير كان يؤكد معرفة الرفيق حسين سلطان بمجريات الاحداث , وكان قد طلب له التواصل في عمليات الحفر بعد ان استجد لديه جديد وهذا في تصوري امرا منطقيا جدا , حين يرى القائد ان ثمة المزيد من المخارج سيحاول ان يجربها جميعا !! ولكن بانات المجرب وحذر القائد المتمرس , بمعنى انه سيطرق على مختلف الحلول وينتقي الاقل خسارة , والاسرع انتاجا , والاكثر سرية , اذ ذك يصبح الاختلاف امرا منطقيا ايضا. ولو كان المطير في متن منجزه الوثائقي التسجيلي كان يسعى الى تكريس المفهومين لغاية في نفسه لنسب الضباط من رفاقه المسجونين الى كتلتهم واعني المتطوعين للقتال ضد العدو الصهيوني في حرب حزيران الا انه كان امينا في نقل مقولة ( عبد الرزاق النايف / مدير الاستخبارات العسكرية ) للضباط (( اقول لكم بصراحة ان السيد الوزير لايثق بالشيوعيين ولا يطمئن الى الضباط الشيوعيين )) المصدر نفسه . ص 106 , الم يكن بامكانه ان ينسب هؤلاء الرفاق الشجعان الى كتلته ؟ او لماذا اكد وحدة الحزب ازاء خصومه ؟؟ اما ان يكون منجز المطير ردة فعل ازاء مذكرات الرفيق الراحل حسين سلطان !!! فاعتقد ان مثل هذا الراي فيه مجافاة للحقيقة , واذا سلمنا جدلا بمثل هذا الراي فلاادري محاكاة لمن ؟ وردة فعل عن ماذا ؟ ولماذا كتب المطير؟ ( آه يا كاني ماسي , وتاملات سجان , وعاشقان من بلاد الرافدين , ورسائل حب خليجية ... وغيرها من الدراسات الادبية والاقتصادية ) . اتفق مع هذه المقولة في مكان واحد نعم لقد كتب المطير مساميره التي قاربت االالف ونصفه , كردت فعل حقيقية وصميمية ازاء السلوكيات الحكومية العراقية المتهافتة واعظم ما في تلك السلوكيات انها أوغلت في افقار وتجهيل وتخلف المواطن العراقي واسهمت في تشرذمه وتهجيره . وكان ثمة تعقيب على المقال كان اوغل قذفا في شخص البرفسور كاظم حبيب . بدعوى تعرضه الى قيادات في الحزب !! واذا صحت تلك الدعوى فانها باعدت الحقيقة والموضوعية ثانية !! كاظم حبيب كان من قيادات الحزب , وكان مصدر للقرار فيه في مرحلة كانت غاية في التعقيد والصعوبة , ولازلت اقرء المزيد من كتاباته ولا اجده الا جزأ عضويا في منظومة الحزب الفكرية والسياسية , اما ان يتناول (كتلة آب64 ) او يتحدث عن راية الشغيلة مثلا فتلك محطات مهمة في حياة الحزب ستجد طريقها للمزيد من القراءات والتحليل والاستنتاج وذلك ديدن الشيوعي العراقي في تعامله الحاسم مع المواقف السلبية ودفعه لكل ماهو ايجابي قدما ,,, وتبقى العبرة في قراءة زاوية القراءة وسياقها التاريخي ومنهجية القراءة وآلياتها . قد يختلف زكي خيري والحلوائي ونزار خالد وثمينة ناجي في قرائتهم لمعالجة التصدعات في جسد الحزب اواسط الخمسينات مثلا ! الا انهم حتما يجمعون على ان سلام عادل كان عظيما في تعامله مع الازمة وكان الآخرون بمثل حرصه على وحدة وسلامة جسد الحزب . مساء امس وساعة كنت اخط هذه السطور كنت استمع الى المبدع المناضل فؤاد سالم يغني ( ياجمال الحيدري الحيد الهمام ... نحبك احنه بكثر ما حبك سلام ) واليوم وانا اختم هذه السطور المتواضعة , كنت امني نفسي بمسرحية من الشعر الشعبي تبدعها عبقرية الشاعر المبدع ( حامد كعيد الجبوري ) تحمل ذات العنوان , وكنت ساتشرف باخراجها الى المسرح مثلما ساستمتع باول مقال نقدي عنها من الرفيق محمد علي محي الدين.
*: للمزيد حول جنس المنجز الادبي ( الهروب من نفق مضيء ) ينظر الى مقالنا المنشور على صفحة الحوار المتمدن ومواقع اخرى والموسوم (جاسم المطير والهروب من النفق المضيء / قراءة اولى .
#سلام_الاعرحي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟