أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام البغدادي - كولن باول وكونداليزا رايس -ج1 من اربعة أجزاء















المزيد.....


كولن باول وكونداليزا رايس -ج1 من اربعة أجزاء


عصام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 1024 - 2004 / 11 / 21 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كولن باول
1- من مياه المستنقعات وحقول القصب في فيتنام أيضا‏,‏ خرجت أسطورة كولن باول أول أسود يتولي وزارة الخارجية الأمريكية‏..‏ فقد جرح هناك مرتين‏..‏ وحصل علي إحدي عشرة ميدالية شرفية.
2- وصفته مجلة نيوزويك بأنه كان أقوي رئيس أركان علي الإطلاق بفضل قانون صدر في عام‏1986‏ يخول لرئيس الأركان وحده إسداء المشورة العسكرية بيت الأبيض.
3- أبدي باول دهشته الواضحة من بكاء العرب علي رحيل جورج بوش الأب من البيت الأبيض‏,‏ ومشاعر اليتم التي سيطرت عليهم‏..‏ وكأن ظهرهم قد انكسر‏..‏ أو كأنهم لن يجدوا من يدخل عليهم برغيف خبز أو علبة سجائر أو كيس بوب كورن.
4- ربما لايعرف كثيرون أن باول كان معارضا للتدخل العسكري لإنقاذ الكويت‏..‏ ولم يتردد في اقتراح شطبها من خرائط الجغرافيا علي أن تكون خطته العسكرية هي تأمين الحدود السعودية والاكتفاء بالدفاع عنها.
5- سيداتي، سادتي، حان الوقت لوضع أساس متين من الأمل. إنني أعلن اليوم مبادرة تضع الولايات المتحدة بثبات في جانب تغيير، وإصلاح، ومستقبل حديث للشرق الأوسط.

ذكر احد محللي صحيفة "واشنطن بوست" ان "اسلوب باول في الواقعية المعتدلة كان عادة ما يختفي تحت تأثير دوائر السلطة في الادارة الاميركية، الا ان حضوره كان يضمن استماع الرئيس الى اراء مختلفة حول كيفية التصرف بشان بعض قضايا السياسة الخارجية الهامة". وبغياب باول فلن يعد هناك وجود لصوت معتدل بين شخصيات السياسة الخارجية الهامة في الادارة الاميركية. وقد كان باول كذلك شخصية تحظى بشعبية في الولايات المتحدة والخارج في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تعمل جاهدة لاقناع الحلفاء بتقديم الدعم للغزو الاميركي على العراق. ولا يزال الخلاف قائما حول العراق بين واشنطن من جهة وفرنسا والمانيا من جهة اخرى.


" والد كولن باول اوصى ابنه منذ الصغر : كن عظيما .. ولن تكون إلاّ بالكذب ..وان عرافة نيويورك قالت لأمه يوم ولادته في نيويورك عام 1937 بأن كولن سيكون أعظم رجل في أمريكا ..! في السلك العسكري صار ضابطاً متدرجاً حتى أصبح قائداً لقوات الحلفاء في حرب الخليج الثانية ..! وكانت أمه الخياطة أول أمريكية سمراء تهلهل فرحاً..!! حين سألوه بعد انتهاء تلك الحرب : لماذا لم تسقط صدام حسين ..؟ أجاب على الفور : حرام أن يموت مائة أمريكي من أجل الأطاحة برجل واحد وهاهي الحرب " الباردة " بين أمريكا والعراق تتحول الى حرب "ساخنة " ولم يصبح كولن باول ، بعد ، أعظم رجل في العالم . لم تتحقق طموحات أمه ولا تنبؤات العرافة!
وحين انتهت الحرب العالمية الباردة بسقوط الاتحاد السوفياتي على يد غورباتشوف الذي صار " أضعف " رجل في العالم.! فالى ماذا يتحول الجامايكي الاصل كولن باول إذا انتهت " الحرب الباردة الأقليمية " مع العراق ..؟ لا يصبح رجل أمريكا العظيم كما تتمنى أمه إلاّ إذا دخل البيت الأبيض ..! يا ترى هل يدخل البيت الأبيض..ام يفتش عن مقهى غورباتشوف ..؟ يعرفه الامريكان انه مثل هيلاري هاديء ومهذب ..!! لكن الامريكان يكررون دائماً قولهم المعروف : الرجل الهاديء المهذب في السياسة الامريكية ذئب مسعور صبور ..!! على أية حال ، ومع الأسف .. الأسف الشديد طبعاً .. أن كولن باول ليس رجلاً هاما ًللأمريكان لكنه صار هاماً لغير الامريكان ..ا مصادفات الزمن اللعين..!
كلام الناس : أصعب سياسيي الحياة المعاصرة هم :
الأمريكان والذئاب المسعورة مضافاً أليهم ثعالب بلدنا الصبورة!!"
بهذه السطور الظريفة قبل عامين لخص كاتبنا الاستاذ جاسم المطير سيرة كولن بول بتركيز جميل .

ولد كولن باول في 5 نيسان 1937 في نيورك وترعرع في برونكس الشمالية ـ والديه لوثر ومويد باول مهاجران من جمايكا ، حصل والده على درجة الماجستير في ادارة الاعمال من جامعة جورج واشنطن ، اما هو فقد واصل دراسته حتى نال درجة البكالوريوس في علوم الجيولوجيا ثم التحق بالخدمة العسكرية لينال رتبة ملازم ثاني في حزيران 1958 وليستمر في خدمة الجيش لمدة 35 عاماوصل فيها الى رتبة جنرال باربعة نجوم وشارك في ادارة 28 عملية ازمة واخرها عاصفة الصحراء في عام 1991 ونال عدة اوسمة عسكرية ومدنية من الرئاسة الاميركية وميدالية الكونغرس الذهبية ، وتقلد ارفع منصب في وزارة الدفاع الاميركية للفترة من 1 اكتوبر 1989 لغاية 30 ايلول 1993 ثم اختاره حورج بوش الابن في 20 يناير 2001 ليكون الوزير الخامس والستين لوزارة الخارجية الاميركية ، تزوج من أن فيفان جونسن من ولاية الباما واصبح رئيسا لعائلة مكونة من زوجته وولده مايكل وابنته لاندا وزوجة ابنه أني وحفيديه جفري وبريان.

وكان باول قدم في الخامس من شباط/فبراير 2003 امام مجلس الامن ملفا ركز فيه على وجود اسلحة دمار شامل في العراق وتبين لاحقا ان جميع معلوماته كانت خاطئة. ومنذ ذلك التاريخ حاول ان ينأى بنفسه عن هذه المرحلة منتقدا نوعية المعلومات التي قدمتها اجهزة الاستخبارات. كما المح باول مرارا الى انزعاجه من النفوذ الكبير الذي يحظى به الصقور في ادارة الرئيس الاميركي مثل رامسفلد ونائب الرئيس ديك تشيني خصوصا بشأن الملف العراقي.

وفي 23 ايلول 2003 وصف كولن باول الولايات المتحدة بأنها دولة يهودية-نصرانية، لكنه سارع وعدّل ذلك إلى "دولة ذو ديانات عديدة". وللعلم فإن المادة المعدلّة الأولى من دستور الولايات المتحدة تحظر اعتماد الدولة لأي دين بعينه – وهو ما يفسر عادة بأنه مطلب الفصل الصارم بين الكنيسة والدولة، ولو أن الناشطين النصارى لايعترفوا بذلك وقد جاء وصفه هذا في مقابلة مع برنامج شارلي روز من على شاشة التلفاز العام في معرض حديثه عن رؤية واشنطن لطبيعة الحكومة التي ينبغي أن تكون في العراق. فقال أنه يتوقع أن يكون العراق "دولة إسلامية المعتقد، مثلما نحن بلد يهودي-نصراني..."ثم أردف مسرعًا: "ومن الصعب التكهن بأكثر من ذلك، لكننا الآن دولة ذو ديانات عديدة". ومن المحتمل أن تعليقه هذا أثار حفيظة الملايين من المسلمين الأمريكيين، والذين يرغب معظمهم أن يضمنوا في التركيبة الرئيسية للمجتمع. علمًا أن بعض المسلمين الأمريكيين اعتمد مصطلح "يهودية-نصرانية-مسلمة" تعبيرًا عمّا يعتقدوا بأنه الوصف الأمثل لما ينبغي أن تكون عليه الولايات المتحدة.


وفي عدد الاهرام المرقم 41753 الصادر في 31 مارس عام 2001 كتب عنه عادل حمودة يقول : من مياه المستنقعات وحقول القصب في فيتنام خرجت أسطورة هنري كيسنجر‏..‏ أول يهودي يتولي وزارة الخارجية الأمريكية‏..‏ فهو الذي أخرج بلاده من الوحل الذي غاصت فيه هناك‏,‏ بعد أن داست سمعتها أقدام الفيتناميين الحافية‏..‏ ووقع في باريس سلاما بين واشنطن وهانوي‏..‏ واستعاد أصابع البنتاجون التي قطعت في جنوب شرق آسيا‏..‏ ولفها بالقطن والشاش المعقم‏.‏
ومن مياه المستنقعات وحقول القصب في فيتنام أيضا‏,‏ خرجت أسطورة كولن باول أول أسود يتولي وزارة الخارجية الأمريكية‏..‏ فقد جرح هناك مرتين‏..‏ وحصل علي إحدي عشرة ميدالية شرفية‏..‏ وترجم مشاعر الاحباط الناتجة عن تلك التجربة المريرة في تقرير شهير ساعد الكونجرس علي التدخل‏,‏ لإنقاذ ما تبقي من الكرامة الأمريكية‏..‏ وساعد البنتاجون علي إعادة بناء الجيش الأمريكي خلال العشرين سنة التالية‏.‏
لكن‏..‏ أسطورة كولن باول التي برقت ولمعت وتوهجت في أحراش هانوي بدأت في أحياء نيويورك السوداء الفقيرة‏..‏ هارلم‏..‏ وبرونكس‏..‏ وهي أحياء لم تكن تنتج سوي عصابات الشوارع‏..‏ واللصوص الصغار وتجار المخدرات والقتلة الذين تتغذي عليهم السجون الخطرة‏..‏ وهو ما جعله تجسيدا تاما لما يسمي الحلم الأمريكي‏..‏ فقد ولد في حجرة تحت السلم كان يعيش فيها أبواه المهاجران من جامايكا‏..‏ ولم تكن المدرسة التي تعلم فيها أفضل من البيت الذي تربي فيه‏..‏ إن حياته الدراسية كانت رديئة‏..‏ كان في الصفوف البليدة المخصصة للتلاميذ الذين يعانون صعوبة في متابعة الدروس‏..‏ وهو ما جعله ينشغل عن معلميه بقراءة روايات الجيب ويحل ألغاز الكلمات المتقاطعة‏,‏ التي يبدو أنها أفادته أكثر مما أفادته الكتب الدراسية‏..‏ فقد زادت من مواهبه في إلقاء النكات وخفة الظل‏,‏ والقدرة علي ادارة الحوار ببراعة‏..‏ وساعدته علي ذلك نظرته الرومانسية الحالمة‏..‏ وابتسامته الخفيفة الواثقة التي يصفها الأمريكيون بأنها ساحرة‏.‏

إن هذه المقومات تدفع صاحبها لتولي المناصب العليا في الولايات المتحدة‏,‏ أكثر من أي شيء آخر‏..‏ وإن كان كولن باول ينكر ذلك‏..‏ وقد قال بنعرة لا تخلو من التحدي ساعة أن عين رئيسا للأركان‏:‏ لقد تدرجت في الجيش دون أن ألعب البريدج أو الجولف أو التنس مع قادتي‏..‏ ودون أن أصاحب زوجاتهم أو بناتهم‏..‏ وقد وصفته مجلة نيوزويك بأنه كان أقوي رئيس أركان علي الإطلاق بفضل قانون صدر في عام‏1986‏ يخول لرئيس الأركان وحده إسداء المشورة العسكرية بيت الأبيض‏..‏ وقد استغل هذا القانون وتمسك به‏..‏ وفيما بعد كتب يقول‏:‏ عندما كنت في فيتنام راعني خنوع هيئة الأركان‏..‏ لكن ذلك لم يتكرر عندما أصبح هو علي رأس هذه الهيئة‏..‏ وقد كانت أشهر نصائحه في تلك الأيام ضرب ليبيا بالطائرات في محاولة متهورة لإسقاط نظام العقيد القذافي‏,‏ بعد أن فشلت المخابرات المركزية في ذلك من خلال عمليتها التي عرفت باسم الزهرة‏.‏
وعلي عكس كيسنجر ـ الذي مد جسور التفاهم الأولي بين واشنطن وبكين‏,‏ من جهة‏,‏ وبين واشنطن وموسكو من جهة أخري‏,‏ كان باول متشددا ناحية المعسكر الشرقي الشيوعي‏,‏ الذي لم يكن قد سقط بعد عندما اختاره الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان مستشارا له للأمن القومي في عام‏1987..‏ وهو المنصب الذي يعد في غالبية الأحوال الحضانة التي يتكون فيها وزراء الخارجية الأمريكية‏.‏
ولم يكن من السهل أن يأخذ باول نصيبه من الضوء والشهرة في ظل نجم سينمائي جاء من هوليوود الي البيت الأبيض‏..‏ أو جاء من الاستديو الصغير الي الاستديو الكبير علي حد قول ريجان نفسه‏..‏ لقد وافق باول علي أن ينفذ ريجان برنامجا عسكريا من بنات أفكاره‏..‏ هو برنامج حرب النجوم‏..‏ لكن باول المصاب بسبب لونه وفقره بعقدة الاضطهاد لم يقبل فيما بعد بأن يترك غيره يجني ثمار عمله‏..‏ ورفض أن يواصل الحياة في الظل‏..‏ مهما يكن الثمن‏..‏ أو حتي لو كان الثمن ترك منصبه‏.‏

وهكذا‏..‏ وجد باول في حرب الخليج الثانية‏,‏ فرصته كاملة ليعوض كل ما فاته‏..‏ إن قوته تتمثل في موهبته الفائقة علي جمع المعلومات العسكرية الدقيقة والسيطرة عليها‏..‏ وبناء علي هذه المعلومات يسارع باتخاذ القرار ولا يتأخر في إصداره‏..‏ خاصة أنه بسبب العقدة المزمنة في فيتنام‏,‏ لا يميل الي بقاء القوات الأمريكية كثيرا خارج ثكناتها‏..‏ بل ولا يميل الي تورطها في حرب أرضية يمكن أن تتسبب في خسائر بشرية‏..‏ وهو ما جعله يرسل قواته بحساب الي منطقة الأزمة في الخليج‏..‏ وهو ما جعله أيضا يستخدم تكنولوجيا متطورة أشبه بألعاب الحرب علي شرائط الفيديو‏,‏ في توجيه الضربات من بعد للقوات العراقية‏..‏ وهو ما جعله كذلك يفضل أن تتولي القوات العربية المشتركة في التحالف تنفيذ الخطوة الأخيرة في تحرير الكويت‏,‏ بواسطة أعداد هائلة من جنود المشاة‏..‏ وضعت الدم العربي في مواجهة الدم العربي‏..‏ علي طريقة فيلم العاصفة‏..‏ حيث وجد شاب مصري نفسه علي الجبهة الكويتية يقاتل شقيقه علي الجبهة العراقية‏.‏
وقد كان باول من أنصار الانسحاب الأمريكي من الخليج‏,‏ فور تحرير الكويت‏,‏ وحصار العراق‏,‏ لكن فواتير الحرب أنعشت الاقتصاد الأمريكي بما لم يكن في الحسبان‏,‏ جعلت حسابات باول ونظرياته العسكرية خارج اللعبة‏..‏ إن للسياسة حسابات أخري لم يكن باول يدركها في تلك الأيام‏..‏ ولا نعرف هل لايزال يجهلها حتي الآن‏,‏ بعد أن أصبح مسئولا عنها‏,‏ أم أنه تعلم الدرس واستوعبه؟‏..‏ لقد كانت الحسابات السياسية التي لم يدركها الجنرال باول أكبر من خبراته العسكرية‏.‏
وكانت هناك ضغوط لوبي البترول في دالاس الذي كان الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج هربرت ووكر بوش يمثله ويعبر عن مصالحه‏..‏ وليس هناك بقعة علي ظهر الأرض تكثف مصالح هذا اللوبي أكثر من الخليج‏..‏ وعندما تولي بوش الكبير السلطة‏,‏ وجد بلاده علي أعتاب أزمة بترولية عاتية‏..‏ وفي الوقت نفسه كان الكساد يسيطر علي كل شيء‏..‏ وكان العجز في الموازنة يصل الي‏250‏ مليار دولار‏..‏ والدين القومي الداخلي يزيد عن ثلاثة تريليونات دولار أي‏3000‏ مليار‏..‏ وقد دفعت الدول الخليجية مايزيد علي‏600‏ مليار دولار تكلفة الحرب وإعادة الإعمار‏,‏ وثمن بقاء القوات الأمريكية علي أرضها‏..‏ إن هذه التجربة المثيرة هي التي أضافت حسابات السياسة الحسابات العسكرية عند باول‏..‏ ولولا هذه التجربة التي عاشها بكل تفاصيلها‏,‏ لما كان الآن وزيرا للخارجية‏..‏ كان سيصبح مجرد جنرال متقاعد‏..‏ يلعب الجولف والبوكر‏..‏ وربما يطارد الفتيات الصغيرات كما يفعل غالبية العسكريين الذين في مثل عمره‏.‏

وقد أبدي باول دهشته الواضحة من بكاء العرب علي رحيل جورج بوش الأب من البيت الأبيض‏,‏ ومشاعر اليتم التي سيطرت عليهم‏..‏ وكأن ظهرهم قد انكسر‏..‏ أو كأنهم لن يجدوا من يدخل عليهم برغيف خبز أو علبة سجائر أو كيس بوب كورن‏..‏ لقد تعلم باول درسا سياسيا آخر من رد فعل العرب بعد سقوط بوش الكبير‏..‏ تعلم أن العواطف يمكن أن تؤثر في المصالح‏..‏ وليس صحيحا في أحيان كثيرة أن كل شيء يحسب بالورقة والقلم‏..‏ وفي برنامج لاري كينج لم يخف باول استغرابه من تعامل العرب مع بوش الكبير‏,‏ وكأنه المسيح الذي يشفي الأبرص والأبكم والاعمي ويحيي الموتي ويقرأ الغيب‏,‏ ويعرف ما في الأرحام‏..‏ وقد قرر باول بعد هذا الدرس أن يقرأ ملخصا لكتاب ألف ليلة وليلة حتي يعرف كيف يفكر العرب الذين عاد للتعامل معهم الآن‏.‏
ولم يكن باول يتمني حقا أن يبدأ عمله في الخارجية الأمريكية‏,‏ بتلك الزيارة الاضطرارية التي قام بها الي الشرق الأوسط‏..‏ فهذه المنطقة ـ بما فيها من اضطرابات مزمنة فشل كل من سبقوه علي مدي نصف قرن في حلها ـ ليست مكانا مثاليا يبدأ به وزير خارجية أمريكي جديد أولي جولاته الدبلوماسية‏..‏ كما أن سبب هذه الجولة الظاهر ـ وهو مرور‏10‏ سنوات علي حرب الخليج الثانية التي أدارها وهو في قيادة الأركان ـ له وقع أجوف بعض الشيء ـ علي حد تعبير نيوزويك ـ ‏ والحصار المفروض علي العراق أخذ ينهار‏..‏ والعقوبات المفروضة عليه لم تعد مقبولة من أكثر أعضاء التحالف الدولي صلابة‏:‏ الولايات المتحدة وبريطانيا‏..‏ وهو مايعني في النهاية أن الانتصار الأمريكي الذي تحقق لم يكن نهائيا‏..‏ وتبدو نتيجة الحرب أكثر تشويشا من أي وقت مضي‏..‏ بل إن الرئيس الأمريكي الجديد جورج بوش الابن‏,‏ وصف العقوبات الدولية ضد العراق بأنها قد أصبحت مثل الجبن السويسرية تمتليء بكثير من الثقوب‏..‏ وهو ما جعل باول يعرض علي العرب ـ في أولي جولاته ـ إمساك العصا من منتصفها‏..‏ أي عقوبات محدودة ضد العراق‏,‏ تستهدف قدرته علي صنع أسلحة جديدة‏,‏ مقابل ضبط عمليات تهريب النفط والبضائع عبر الحدود معه‏.‏

وليست العراق المعضلة الوحيدة التي تقابل باول في الشرق الأوسط‏..‏ إن هناك الكارثة الكبري‏..‏ مشكلة السلام المستحيل في المنطقة‏..‏ إن باول ليس مفكرا استراتيجيا ـ علي حد وصف نيوزويك ـ‏..‏ وهو ما يعني أنه لن يقدر علي الخروج من المستنقع بأفكار جديدة مبتكرة‏..‏ خاصة أن هذه الكارثة استوعبت في نصف قرن كل مايمكن تخيله ـ وما لا يمكن تخيله ـ من أفكار انتهت كلها بالفشل والغرق في قاع البحر الميت‏..‏ ولو أضيف الي هذه الكارثة كوارث أخري يعاني منها العالم ـ الذي تسيطر عليه بلاده ـ مثل شبكات الإرهاب الدولية‏,‏ والانهيارات الاقتصادية والبيئية وعصابات المخدرات القوية‏,‏ فإن مابناه باول في سنوات طويلة كضابط محترف مهدد بالتبخر في شهور قليلة كدبلوماسي تحت التمرين‏.‏
إن الحرب علي أمراء المخدرات في كولومبيا وغيرها من دول أمريكا الجنوبية‏,‏ تحتاج الي مواجهة عسكرية أكبر من طاقة أجهزة الأمن الأمريكية‏..‏ ولن تتكلف هذه المواجهة أقل من بليوني دولار‏..‏ وتحتاج ـ وهذا هو الأهم ـ قرارا بالتدخل العسكري‏..‏ وهنا ستبرز عقدة باول‏,‏ الذي يرفض بسبب ما جري في فيتنام‏,‏ دخول البنتاجون في النزاعات الخارجية كلما أمكن ذلك‏..‏ وهو مايعرف بمبدأ باول الذي يقوم علي مقولة‏:‏ إنه لا ينبغي علي الولايات المتحدة أن تدفع بقوات للقتال خارج حدودها ما لم تكن المهمة واضحة والمصالح الحيوية في خطر‏,‏ والرأي العام موافقا والمخارج واضحة المعالم‏,‏ والنصر مؤكدا‏..‏ وهي شروط يستحيل توافرها معا‏.‏

بل ربما لايعرف كثيرون أن باول كان معارضا للتدخل العسكري لإنقاذ الكويت‏..‏ ولم يتردد في اقتراح شطبها من خرائط الجغرافيا علي أن تكون خطته العسكرية هي تأمين الحدود السعودية والاكتفاء بالدفاع عنها‏..‏ وهو ما أثار غضب وزير الدفاع في ذلك الوقت ديك شيني الذي انفجر فيه قائلا‏:‏ كولن إنك تتكلم في السياسة وهذه ليست وظيفتك‏..‏ أريدك أن تعطيني مشورة عسكرية‏..‏ توقف عن الحديث في السياسة‏..‏ ورغم ذلك لم تتوقف مقاومة باول‏..‏ وهو ما جعل شيني المحبط بتجنبه ويشكل خلية سرية من الجنرالات المتقاعدين هم الذين وضعوا خطة الهجوم وأبلغ بها البيت الأبيض شفاهة في غياب رئيس الأركان‏..‏

وعندما شنت الولايات المتحدة هجومها في‏17‏ يناير‏1991,‏ كان باول هو الذي ظهر علي شاشات التليفزيون ليعلن عن استراتيجية القوات المسلحة لهزيمة جيش صدام حسين‏,‏ مؤكدا أنهم سيقطعون الطريق عليه ثم يقتلونه‏..‏ غير أن سجلات الحرب المتوافرة الآن توحي بأن باول أكثر من أي شخص آخر‏,‏ منع القوات الأمريكية بهدوء من توجيه الضربة القاضية ضد قوات الحرس الجمهوري التي تمثل صفوة قوات الرئيس العراقي‏.‏
وعارض باول تورط القوات الأمريكية في البوسنة‏,‏ بل عارض فكرة اسقاط المواد الغذائية من الجو خشية أن تفشل العملية وتجد القوات الأمريكية نفسها علي أرض القتال‏..‏ وهو ما جعل مادلين أولبرايت ـ التي كانت المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة ـ تقول له في مواجهة شهيرة‏:‏ ما فائدة القوات الرائعة التي تتحدث عنها دائما اذا لم يكن باستطاعتنا استخدامها‏..‏ ورد باول قائلا‏:‏ إن العسكريين ليسوا جنودا من الدمي يحركون علي نوع من لوحات الألعاب العالمية‏.‏
ولم يتردد باول في سحب القوات الأمريكية من الصومال فور ظهور جثة جندي أمريكي ملطخة بالدماء وهي تسحل في شوارع مقديشيو‏..‏ إنها عقدة فيتنام التي لن يشفي منها جيله‏..‏ وربما كانت هذه العقدة هي أفضل ما يتمتع به الآن وقد أصبح وزيرا للخارجية‏..‏ فهي ستحد من التسرع الأمريكي في التدخل العسكري كلما ظهرت مشكلة علي خريطة الدنيا‏..‏ وهي ستجبره علي أن يفتش عن حلول دبلوماسية مبتكرة بعيدا عن مشاعر الغطرسة وسياسة الكاوبوي الأمريكية الشهيرة‏..‏ وهي ستفرض عليه السفر الي المناطق الملتهبة ليعرف علي الطبيعة ما لم يعرفه من الكتب والتقارير‏,‏ التي لم يقرأها‏,‏ والنظريات السياسية التي لم يتعلمها‏..‏ لكن‏..‏ رغم ذلك كله‏,‏ فإن تصور نجاحه في منصبه يبدو بعيدا حتي بالنسبة لأكثر المتفائلين به‏..‏ فهو يعشق المؤسسة العسكرية وليس من السهل عليه أن يتخلص من بدلة الجنرال‏..‏ فهي التي صنعت أسطورته وجعلته أيقونة أمريكية ساحرة‏.‏

يتبع في القسم الثاني



#عصام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الامم المتحدة وسيف التمويل الاميركي
- لا جدوى من البكاء
- زيادة حجم بريد الهوتميل
- ماذا حل بنظرية جو فيرميج
- لم يكن سوى خادما ذليلا
- تايلند : ترشيد حكومي وشعبي في استهلاك الطاقة
- رحلة السادات ورحلة الالوسي2-2
- رحلة السادات ورحلة الالوسي 1-2
- ميجاوتي : سيدة الديمقراطية
- فــؤاد ســالم: صوت الارض
- المحامية اللبنانية: بشرى الخليل
- منصب مستشار الامن القومي
- التدخل الايراني والضربة القادمة
- عدد شهر أيلول من المجلة العلمية العراقية
- قصتان قصيرتان جداً
- أني آسف يا كونت أني أتراجع عن عرضي
- الكتابة على مواقع شبكات الانترنيت
- أمريكا ومبدأ : المال والرجال
- العراق: شركة الولايات المتحدة وعملائها
- أم فراس


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام البغدادي - كولن باول وكونداليزا رايس -ج1 من اربعة أجزاء