أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عصام البغدادي - لم يكن سوى خادما ذليلا















المزيد.....



لم يكن سوى خادما ذليلا


عصام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 990 - 2004 / 10 / 18 - 07:59
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لقد فقد العراق عبر مسيرة تاريخه وبمختلف الظروف وتحت مختلف الاسباب العديد من خيرة رجاله وابناءه من الذين خدموا الوطن والشعب بوطنيتهم الصادقة ، علماء وادباء ورجال سياسة ومبدعو فن وصحافة وثقافة ورياضة ولم يكن احدا ايضا يعلم تفاصيل رحيلهم ، قائمة طويلة من الاسماء لا حصر لها فهل كان طارق عزيزهو اهم من اي واحد من اولئك الراحلين؟ بالطبع كلا ثم الف كلا.

لم يكن سوى خادما ذليلا لنظام سياسى جائر، كان ينبغي وهو المسيحي الانجيلى ان يكون اول الرافضين له ، لكنه مع كل الاسف انغمر في خدمة النظام المستبد مع كل المذلة التى صبغوا له بها شعر رأسه الابيض ، والكل يعرف لماذا كان خانعا كل الخنوع ، ينظرون له بكل استصغار واحتقار يستحقهما لانه لم يكن افضل من اي خادم اخر ، بل كان من كبار الكاذبين في النظام ففي لقاءه المباشر على الهواء مع برنامج لاري كنغ عام 1997 كان يكذب بكل صفاقة لكي يجمل صورة النظام البائس وبدون خجل او احترام للحقائق التى ناقشه فيها لاري كنغ .

يروي شهود عيان ( كيف كانا صدام حسين ، وطارق عزيز يتدربان على السيجار الكوبي من قبل رجل أعمال لبناني، وشخصية كوبية، وكيف أحد الأيام كاد أن يموت طارق عزيز اختناقا نتيجة جهله بهذا السيجار).

يقال ان طارق عزيز… يجيد ( النكات) البذيئة، والكلمات البذيئة ويميل لها بطريقة شبه جنونية، وهذا ما أكده في أكثر من مناسبة ( اللواء عبد الرحمن الدوري) والذي كان مديرا للأمن العام، وتمت تصفيته من قبل صدام حسين في منتصف التسعينات بطريقة السم. وفي خضم الحملة الارهابيية التى شنها النظام ضد كل القوى الوطنية كان هو الذى وصف تلك الحملة بقوله : أن ألحزب الشيوعي العراقي يتباهى دائما بأنه حزب ألشهداء ونحن سنحقق له هذه الرغبة.

وفي الدقائق الذى جمعته بسيده اثناء جلبهم الى محكمة التحقيق حملت من المفاجآت ما لم يكن يخطر ببال المسؤولين العراقيين وحتى الاميركيين الذين تفاجأوا بصوت صدام حسين يرتفع في الغرفة التي جلب اليها احد عشر من رجالاته في الحكم.. فقد روت مصادر حضرت جلسات المحاكمة ان جدلاً عنيفا نشب بين صدام وطارق عزيز اللذين التقيا لاول مرة منذ احتلال بغداد في التاسع من نيسان العام الماضي.
وقالت ان الحراس المكلفين بنقل صدام الى قاعة المحكمة تفاجأوا بالاخير »يبصق« على طارق عزيز نائبه في رئاسة وزرائه السابقة اثناء مروره بطابور المحاكمين .
لقد بصق صدام على عزيز لانه يعتقد بأن المعلومات التي ووجه بها امام هيئة المحكمة لا يملكها الا شخصان هما عزيز وعزت الدوري الذي لا زال البحث عنه جارياً, ولذلك فهو لم يتوان حينما واجه طارق عزيز من البصق عليه وكيل الشتائم له.
فصدام قال لعزيز »يا كلب, يا خائن«. وتابع موجها كلامه الى عزيز »لم تكن مسؤولا عن شيء ولا علاقة لك بشيء.. يا كلب يا خائن.. تفي عليك« وعليه تدخل الحرس العراقيون واسرعوا باخراج صدام من الغرفة التي اصطف بها اركان النظام السابق .

من هو طارق عزيز؟

يقال ان اسمه الكامل ( طارق عزيز حنا غصن عصفور) من سكنة قرية تلكيف التابعة لمحافظة الموصل ، اشتهرت هذه القرية بصناعة الخمور وبنزوح الكثير من رجالها الى مدن العراق منذ مطلع الخمسينات للعمل على كري بالوعات المياه الثقيلة من الدور مقابل اجر ثم بيع هذه المحتويات لاصحاب المزارع وخاصة مزارع الخس لكي تستخدم كسماد كيماوي وهجروا هذه المهنة في منتصف السبعينات بعد تاسيس شبكات المجاري الحديثة في بغداد .

من تلك المدينة نزح طارق عزيز مدرس الفيزياء الفاشل لينضم الى صفوف حزب البعث المنحل ، يكشف الاعلامي سعد البزاز مقالة له بعنوان متي يهرب طارق عزيز من القفص ان المخابرات المركزية الاميركية قد طلبت بتاريخ 16 كانون الثاني 1994 من مراكز جمع المعلومات في كردستان العراق والأردن ودمشق والكويت الإفادة عن أية معلومات تشير إلى -احتمال هروب طارق عزيز من العراق.
يومها، انشغل كثيرون في إعداد مسرح مناسب، لاستقبال أكبر منشق عن السلطة في العراق، وكان الدافع في حملة جمع المعلومات وتحليلها، إن طارق عزيز نفسه أرسل إشارات متضاربة عن رغبته في مغادرة العراق، وكان أهم تلك الإشارات ما صدر عنه في دعوة أقيمت في منزل سياسي أردني بعمان أفاد خلالها -إن فرصه في اللقاء المباشر مع صدام صارت نادرة، وان كلاً من عدي صدام وحسين كامل، يقودان حملة منظمة ضده لإقناع صدام بأنه مسئول عن فشل الدبلوماسية العراقية.. وان ما تعرض له من إهانة في آخر مؤتمر حزبي -عام 1992- يقنعه بأنه سيتعرض للمساءلة عن فشل الدبلوماسية العراقية، وقال في ذلك اللقاء -إن وسائله في الوصول إلى صدام باتت معدومة وان عليه أن ينتظر مكالمة هاتفية من سكرتير الرئيس يبلغه فيها بتعليمات يسير عليها وان أقصى ما يستطيع أن يفعله هو أن يكتب للسكرتير بما نفذه من تلك التعليمات.
في الأسابيع التالية، أصدر صدام حسين تعليمات سرية تقضي بمنع سفر عائلة عزيز إلى خارج العراق في كل مرة كان يوفده فيها بمهمة خارجية، بحيث لا يكون طارق مع عائلته خارج البلاد في وقت واحد، وردّ عزيز من جانبه، بأضعف ما لديه من أسلحة، عندما طلب إحالته إلى الفحص الطبي بمستشفى ابن سينا، لتقرير مدى أهليته البدنية للعمل الشاق الذي يقوم به، وكان ذلك هو سبيله الوحيد المتبقي للتملص من المسؤولية، غير أن ما كتبه الأطباء إلى رئاسة الجمهورية -وهو تقليد اعتادوا عليه في كل مرة خضع فيها مسئول كبير للفحص أو العلاج- أظهر أن عزيز ليس في وضع صحي حرج، وان ما يحتاجه ممارسة الرياضة وهو الإقلاع عن التدخين والكحول.
وانتبه صدام إلى أن ابنه -عدي- كان أهان وزيره طارق بأكثر مما يحتمله، فطلب من ابنه أن يذهب إلى الوزير المفضل لديه و-يطيّب- خاطره، وبالفعل زار -عدي- مكتب طارق واجتمع معه لأكثر من ساعة ليقول له انه -لا يقصد من الانتقادات الموجهة إليه في صحيفة »بابل« غير تحريك المناخ الإعلامي وانه ملتزم بما يأمره به أبوه من -احترام- له.
منذ بداية الثمانينات بدا وكأن طارق يتمادى في إظهار انه الوحيد المفضل من بين أقرانه في القيادة العراقية لدى الولايات المتحدة مرةً، ولدى فرنسا مرةً أخرى، وتصرف سنة 1984 على أساس انه الشخص الذي أعاد العلاقات العراقية ــ الأمريكية إلى وضعها الطبيعي، بعد أن ذهب لمقابلة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، واجتمع لبضع دقائق مع نائبه آنذاك جورج بوش، وعاد إلى بغداد، ليتحدث أمام موظفيه على حسن استقبال الأمريكان له، ونعومة تعاملهم معه، وظن صدام حسين إن الباب قد انفتح لعلاقات واسعة مستقرة بين بغداد وواشنطن، حتى اكتشفت المخابرات العراقية -إشارات- فسرها صدام بأنها دليل على خطة تعدها المخابرات الأمريكية لقلب نظام الحكم سنة 1989، فأرسل طارق عزيز إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطلب منه أن يذهب إلى واشنطن للاجتماع مع مسئولين أمريكان وبحث ما توافر من إشارات عن خطة أمريكية ضد النظام -1-، لكنه وجد إن وزير الخارجية جيمس بيكر -وكان تولى الوزارة لتوه- يسخر من تلك المعلومات ويبلغه انه لن يتعامل جدياً مع شكوى حكومته، وعندما عاد إلى بغداد، كانت مرحلة العد العكسي في العلاقات قد بدأت تأخذ منحى انحدارياً سريعاً لم يكن متوقعاً من صدام بعد أن افترض أن العلاقات كانت متجهة إلى -رسوخ- غير قابل للتفكك•
وكانت الشكوك تتزايد حول إمكانية أن يقيم طارق علاقات خاصة لحسابه مع أوساط أمريكية أو فرنسية بسبب كثرة المعلومات التي كانت تتدفق على بغداد، وتناقضها أحياناً•
وتنبه السوفيات، خلال الثمانينات، إلى وجود تعاون وثيق بين الخارجية، أيام تولي طارق عزيز إدارتها، وبين الإدارة الأمريكية، وعملت على رصد الجهاز الدبلوماسي العراقي، بما كانت تملكه من مصادر معلومات داخل العراق -خمسة آلاف خبير كان عدد كبير منهم يديرون علاقات تعاون مع أجهزة عسكرية وأمنية ويتخذون من مبنى يقع على مسافة ستمائة متر عن مبنى وزارة الخارجية مقراً لهم في منطقة الصالحية-•
وبلغ الشك السوفياتي بطارق عزيز إن وكلاء جهاز المخابرات السوفيتية -كي• جي• بي- صاروا يرصدون العاملين في مكتب طارق بوزارة الخارجية، ويتتبعون اتصالاتهم داخل العراق، ولقاءاتهم مع دبلوماسيين أمريكان، ليتوصلوا إلى وجود تعاون من داخل مكتب طارق مع المخابرات الأمريكية، وان صوراً من محاضر اجتماعات السفراء مع وزير الخارجية كانت ترسل تباعاً إلى وكيل للمخابرات الأمريكية في بغداد، لينقلها بحذر شديد إلى مكتب إقليمي، يرجح انه في القاهرة، قبل أن تصل إلى مركز المخابرات في ولاية فرجينيا قرب واشنطن•
وأبلغ السوفيات، عبر مندوبي -كي• جي• بي- العاملين في العراق، مدير جهاز المخابرات آنذاك فاضل البراك بأن مهندساً في الخارجية اسمه الأول -علي- وموظفة في مكتب وزير الخارجية اسمها -أوديت- يزودان وكلاء للمخابرات الأمريكية معلومات حساسة من داخل الوزارة•
وفي خلال أيام، اعتقل الاثنان، اعدم الرجل، وأودعت المرأة السجن بحكم مؤبد لتغير اسمها داخل معتقلها وتصبح -السيدة نسرين- من دون أن يجد الرئيس ما يقنعه بأن إعدام المرأة أفضل من بقائها حية .
وكانت تلك العملية كافية لهز مكانة طارق عزيز لدى صدام، لكنها لم تكن نكسة كافية لإخلاء سبيله أو طرده•• بل على العكس ربما تكون نبهت إلى أهمية استمراره في عمله وقتاً آخر••
إن هذا الرجل لم يعتقل في حياته مرة واحدة في العراق وانه دخل التوقيف عرضاً في سوريا سنة 1966وقرر في الليلة الأولى لتوقيفه أن يعتزل العمل السياسي•
أما كيف حدث ذلك؟ وهل كان بقاؤه حراً من دون جميع زملائه مجرد مصادفة وضرباً من الحظ؟•• من الصعب الإجابة بنعم•
كان الرئيس السابق أحمد حسن البكر أكثر القياديين البعثيين انتقاداً لميوعة مواقف طارق، والأكثر تشكيكا بتعاونه مع خصوم البعث ليؤمّن حياته في الفترات الصعبة، وهناك أربعة مواقف تستحق المعاينة:

الموقف الأول:

يعود إلى سنة 1958، كان طارق قد التحق بالعمل في جريدة »الجمهورية« عندما تولى سعدون حمادي رئاسة تحريرها، وادخل معه إلى الجريدة مجموعة من البعثيين والقوميين وعمل طارق محرراً للملحق الأسبوعي فيها، وكان وجود التيار القومي في الجريدة جزءاً من الصراع الذي نشب آنذاك بين عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم بعد نشوء الجمهورية الفتية، وحُسبت الجريدة يومئذٍ على جناح عبد السلام عارف، ولذلك فان استمرار الطاقم الذي قاده سعدون حمادي آنذاك كان مرتبطاً بالنتيجة التي يؤول إليها صراع الجناحين -قاسم وعارف-، واستمر الحال على وضعه أربعة أشهر تغير في خلاله رئيس التحرير إذ هرب حمادي إلى سوريا وحل محله رشيد فليح وهو ضابط -خال عبد الغني عبد الغفور عضو القيادة القطرية لحزب البعث ووزير الإعلام السابق-• وكان الجميع على موعد مع يوم الخامس من تشرين الثاني -نوفمبر- عام 1958 عندما عاد عبد السلام عارف من بون التي أُبعد إليها للعمل كسفير فقدمّه الزعيم عبد الكريم قاسم للمحاكمة، وعلى الفور توجهت ثلة من الانضباط العسكري لاعتقال جميع البعثيين والقوميين العاملين في جريدة »الجمهورية« وإيداعهم في -الموقف العام- بمنطقة باب المعظم في بغداد•
•• اعتقل الجميع: علي صالح السعدي وفيصل حبيب الخيزران ومعاذ عبد الرحيم وعلي الحلي -كان مسئول الصفحة الأدبية- وعبد الستار الدوري ومحمد جاسم الأمين -كان محاسباً في الجريدة-•• غير أن الوحيد الذي لم يعتقل كان طارق عزيز لأسباب لم يفهمها أحد في حينه•
ثم اتسعت حملة الاعتقالات ضد البعثيين بعد فشل الحركة العسكرية التي قام بها العقيد عبد الوهاب الشواف في مدينة الموصل ــ آذار -مارس- عام 1959ــ ضد عبد الكريم قاسم، وبلغت الاعتقالات ذروتها لتشمل جميع مستويات تنظيمات حزب البعث اثر فشل محاولة اغتيال قاسم في شارع الرشيد ويكاد لم يبق طليقا في بغداد بعثي واحد، فإما أن يكون معتقلا وأما أن يكون هاربا أو متخفيا في وكر حزبي، إلا طارق عزيز الذي كان قد انتقل للعمل من جريدة »الجمهورية« إلى محطة تلفزيون بغداد بصفته مترجماً للأفلام من دون أن تشمله حملة المطاردة والتطهير الوظيفي والتي قامت بها لاحقاً -لجان صيانة الجمهورية- ولم يبق في الإذاعة والتلفزيون موظف واحد من ذوي الميول المعادية للحكم•• عدا طارق عزيز•
في تلك الأثناء ازدادت الشكوك لدى البعثيين المعتقلين الذين صاروا يصدقون معلومات سابقة عن تعاون طارق مع مدير الأمن آنذاك العقيد عبد المجيد خليل الذي ظلَّ خلال الفترة ما بين 1958ــ 1963 يتسلم معلومات منتظمة ونسخاً من المنشورات الحزبية كان طارق يوصلها إليه عن طريق بيتر يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي•
-تبنى طارق عزيز بيتر يوسف بدءا من سنة 1970 وعينه محرراً في جريدة »الثورة« ثم ملحقاً صحفياً في الهند ثم سفيراً في جامايكا وفنزويلا ثم مديراً عاماً في وزارة الخارجية-•

الموقف الثاني:

يعود إلى تشرين الثاني -نوفمبر- سنة 1963 عندما بدأ حكم البعث بالتداعي بعد صراع مرير بين جناحين كان على رأس الأول علي صالح السعدي نائب رئيس الوزراء الذي جرى تسفيره إلى خارج العراق في الحادي عشر من تشرين الثاني -نوفمبر- وجناح آخر كان على رأسه كل من حازم جواد وزير الداخلية وطالب شبيب وزير الخارجية -وكان طارق محسوباً عليهما- واللذين سافرا إلى لبنان يوم الثالث عشر من تشرين الثاني -نوفمبر-، واقتربت نهاية حكم البعث آنذاك فلم يجد طارق أمامه غير قرار الهروب إلى بيروت يوم الخامس عشر من تشرين بعد أن أدرك إن الحكم موشك على السقوط، وسقط الحكم فعلاً بعد ثلاثة أيام من هروب طارق الذي أقام في فندق الريفيرا في بيروت، وبدأت آنذاك لعبة تحدٍ بين عبد السلام عارف والبعثيين الذين اتخذوا من بيروت مركزاً للتجمع، وقرر حازم جواد وطالب شبيب تحدي عارف والعودة إلى العراق لإرباكه وفرض أمرٍ واقع عليه وكان يفترض أن يكون معهما طارق عزيز باعتباره من انصارهما، غير انه تهرب من العودة إلى بغداد وفضل البقاء في بيروت لمراقبة النتيجة التي سيؤول إليها الصراع• والظريف انه عبّر لزملائه في بيروت عن الندم لعدم التحاقه بزعيميه -حازم وطالب- لأنهما حصلا في وقت لاحق على حق اللجوء السياسي في مصر بعد أن أقلعت بهما طائرة عراقية من مطار بغداد إلى العاصمة المصرية بعد ساعات من وصولها في بيروت، فقد كان ماهراً في تحاشي الخطر وحريصا على التمتع بالامتيازات لذلك شعر بأنه خسر شيئاً ما بسبب تخاذله في اتخاذ قرار الذهاب إلى العراق يومئذٍ•

أما الموقف الثالث:

فيعود إلى الفترة التي أعقبت انهيار حكم البعث سنة 1963 عندما أعد ميشيل عفلق أمين عام الحزب لائحة بأسماء أعضاء لقيادة مؤقتة ضمت أحمد حسن البكر وعبد الستار عبد اللطيف وحردان عبد الغفار التكريتي وعزة مصطفى وفائق البزاز وكريم شنتاف وعبد الستار الدوري وصدام حسين وطارق عزيز، وقرر عفلق إرسال اللائحة إلى بغداد فاستدعى طارق من بيروت إلى دمشق والتقاه في القصر الجمهوري بحي المهاجرين بدمشق وطلب إليه أن يحمل اللائحة ويتوجه سراً إلى العراق ليعرضها على الأشخاص الذين ضمت تلك اللائحة أسماءهم، وفوجئ عفلق بأن طارق ارتبك وبدأ في تقديم سلسلة من الأعذار لتبرير رفضه الذهاب إلى العراق، ومن تلك الأسباب ادعاؤه بأنه فرّغ نفسه لوضع دراسة عن أسباب سقوط حكم البعث في العراق -ادعى طارق سنة 1970 خلال مواجهة نقدية مع زملاء له أعابوا عليه جبنه في ذلك الموقف، إن عفلق هو الذي أبقاه في دمشق لكي يكتب تلك الدراسة، برغم إن الأمين العام للحزب ذكر بعد عودته إلى العراق في السعبينيات وخلال استذكاراته لي عن تاريخ الحزب إن طارق عزيز خذله وفاجأه بتردده-•
ومعروف إن الدراسة التي وضعها طارق اعتمدت من أحد أجنحة البعث الذي عرف باليمين، وردّ على تلك الدراسة المفكر السوري ياسين الحافظ وهو من المنظرين اليساريين في البعث -من أبناء دير الزور- الذي عُرف من قبل بكتابته لـ-المنطلقات النظرية- للمؤتمر القومي السادس الذي عقد عشية سقوط حكم البعث في العراق في 18 ــ 11 ــ 1963•
وحين اعتقل جميع البعثيين في العراق يوم 5 ــ 9 ــ 1964 بعد انكشاف مخطط لقلب نظام الحكم لم يعتقل طارق أيضاً لأنه كان قد استوطن سوريا وعمل محرراً في جريدة »الثورة« بإمرة رئيس تحريرها آنذاك عبد المحسن أبو ميزر•

الموقف الرابع:

يعود إلى ما جرى بعد 23 شباط -فبراير- سنة 1966 عندما وقع الانقلاب الذي تزعمته مجموعة صلاح جديد في سوريا•• فاعتقلت السلطة الجديدة معظم البعثيين العراقيين الذين كانوا في دمشق ومنهم طارق عزيز•
وحدثت المفاجأة آنذاك عندما انهار طارق في الليلة الأولى للاعتقال وأعلن لزملائه•• ثم لسجانيه انه قرر اعتزال العمل السياسي وإنهاء نشاطه في حزب البعث على أمل الفوز بفرصة الخروج من السجن، وهو ما يفسر إن طارق لم يكن في صفوف حزب البعث عندما وصل إلى السلطة في العراق في تموز -يوليو- سنة 1968• فقد ظل ملتزماً بذلك العهد الذي قطعه على نفسه في دمشق منذ ليلة اعتقاله•• الأولى•
تذبذب موقف طارق عند وصول حزب البعث إلى السلطة في 1771968، لأنه كان يتوقع عدم استمرار هذه السلطة واحتمال انهيارها خلال أشهر كما حدث في تجربة البعث سنة 1963•
التقى طارق، بعد أيام من وصول البعث إلى الحكم سنة 1968بمجموعة من الحزبيين في مطعم -فوانيس- الواقع في شارع أبي نؤاس ببغداد، وبدأ هجوماً قاسياً على الحكم الجديد•• واتهمه بأنه جاء بإرادة شركات النفط الأجنبية، وانه نظام سيتولى مواجهة جمال عبد الناصر ومناهضته خدمة لأهداف استعمارية••
وكان من الذين حضروا ذلك اللقاء محمد محجوب وعدنان القصاب وعبد الستار الدوري، لكن طارق لم يلبث بعد قليل من كيل الاتهامات أن هدأ، وفي ذلك اللقاء، حدث ما لم يكن منسجماً مع الانتقادات التي وجهها طارق إلى الحكم الجديد، إذ انزوى، بأحد الحاضرين، والأرجح انه عبد الستار الدوري الذي كان مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون وطلب إليه أن يتوسط له لدى عبد الله سلوم وزير الثقافة والإعلام يومئذ لكي يعينه في الملحقية الصحفية العراقية في موسكو، وفسر طلبه على انه -استحقاق- يريده عن خدماته للحزب في السابق، ورغبته في التمتع بفترة عيش هادئة في الخارج مع مزايا الراتب الذي كان يحصل عليه الدبلوماسي آنذاك•
وصل الطلب إلى الوزير الذي هاتف الرئيس أحمد حسن البكر ونقله إليه• ويتردد في بغداد، منذ ذلك الحين، إن البكر قال لوزيره: طارق ليس شخصاً يستحق الثقة، انه انتهازي وارتباطاته الخارجية كثيرة ومريبة•
وفُهم آنذاك، أن الطلب قد رُفض، وظل طارق يكرر انتقاداته في العلن للحكم الجديد ، في وقت كان يتنقل فيه من مكتب مسئول بارز إلى مكتب آخر يبحث له عن عمل، في حكم يجاهر بعدائه، ويتوسل للعمل في مؤسساته، وذهب إلى كريم شنتاف،( كريم شنتاف من الرعيل الأول في حزب البعث في العراق، وكان يتولى الجانب الثقافي فيه لزمن طويل، وقد اعتنى بطارق عناية خاصة، حتى خلال هروب الأخير إلى دمشق سنة 1963، ثم تبناه بعد سنة 1968 وعينه في جريدة »الثورة« ودافع عن قرار إعادته إلى الحزب، في وقت كان طارق محط شكوك زملائه، وما أن قوى موقع طارق وتعزز نفوذه، حتى بدأ العمل لتصفية نفوذ كريم شنتاف ودفع في اتجاه إخراجه من وزارة الثقافة سنة 1979، ثم حين اعتزل كريم شنتاف الحياة العامة اثر وفاة زوجته•• لم يكلف طارق نفسه عناء السؤال عنه وتفقد أحواله•).
وكان رئيساً لتحرير جريدة »الثورة« وصورّ له نفسه، كواحد من مريدي النظام الجديد، حتى أقنعه بالكتابة إلى القيادة القطرية للموافقة على نقله من وظيفة مدرس في وزارة التربية إلى وظيفة محرر في جريدة »الثورة«•• ولم يكن ليدور في خاطر شنتاف انه استقدم بنفسه الشخص الذي سيتآمر عليه، ويزيحه من موقعه في الجريدة أولاً•• ثم في الحزب والدولة ثانياً-3-••
وهكذا بدأ طارق الصعود من حيث كان يصور نفسه كمعادٍ للنظام ومنتقد له، ليصبح في خلال عشر سنوات أحد أكبر دعاته ومبرري سياساته•• لكن أهم أمنية كانت تشغله، وما تزال، هو الحصول على عمل أو ملاذ آمن في الخارج ليتمتع بحياة مسترخية••
وهنا، استخدم كل قدراته في أيهام رفاقه الحزبيين القادمين من ريف تكريت بأنه -شخص مطيع وموالٍ- -لا ينافسهم على موقع- و-كل ما يريده أن يكون ناطقاً مقبولاً باسمهم-•
كان أكبر ما يحلم به طارق عزيز هو أن يصبح -المثقف الأول- في النظام الجديد، لكنه اصطدم بوجود عدد كبير من كتاب وأدباء ومنظرين اعرق منه في الحزب، وأكفأ منه في خبراتهم وتكوينهم المعرفي والثقافي، ولذلك، بدأ سلسلة معقدة وطويلة من المحاولات للوشاية بهم لدى البكر مرةً، ولدى صدام مرةً أخرى، على أمل أن يزيحهم من طريقه، وبدا له أن أيسر سبيل لإيذائهم هو اتهامهم بإشاعة ثقافة غير موجهة والسماح بانتعاش قدر من تعددية فكرية، عندما سمحوا بمساهمة الشيوعيين والقوميين في الصحف والمجلات، لا بل انه قاد حملة منظمة لاتهام الأدباء بأنهم يشكلون خطراً على الحزب، من داخله، بسبب -ضعف درجة التزامهم بمبادئه وفرديتهم الطاغية-، ونجح فعلاً، في إشاعة مناخ عدائي ضد المثقفين، يتسم أحياناً بالسخرية منهم والحط من قيمة ما ينتجونه من كتابات، ويتسم أحياناً أخرى بالتحريض ضدهم باعتبارهم -طابوراً خامساً ينشر أفكاراً رخوة وهدامة-•
ولقيت تفسيراته لنشاطات المثقفين آذاناً صاغية في قيادة الحزب، التي جمعت غالبية من الريفيين غير المتعلمين الذين يشعرون على الدوام، بالضآلة أمام المثقفين، وبدأ يدفع في اتجاه إعلام عقائدي أحادي الجانب، تغيب عنه المعلومات ويركز على الأدلة المبيتة•
ولم يتصادم طارق، مع أي من القياديين الأميين في حزب البعث، بل على العكس، أقام مع معظمهم علاقات اجتماعية واسعة، في حين ركزّ كل جهوده لمحاربة عبد الخالق السامرائي وسعدون حمادي وشفيق الكمالي وشاذل طاقة وكريم شنتاف، لأنهم، من مواقع مختلفة كان يشعرونه بأنه أصغر شأناً من أي منهم لاعتبارات تتعلق بالأهلية الاجتماعية والكفاءة الفكرية•
وكان أكثر الأشخاص الذين يتحاشى طارق الإشارة إليهم وتذكرهم هو كريم شنتاف•• مع انه صاحب الفضل الأكبر عليه، وهو الشخص الذي انتشله من مناخ اجتماعي محدود المنزلة ليقدمه إلى المجتمع السياسي•••
ويذكر طالب شبيب، إن شاذل طاقة -كان وزيراً لخارجية العراق- لم يكن يعلم وهو يدير مفاوضات سرية وصعبة مع عباس خلعتبري -وزير خارجية إيران- تشرين الأول -أكتوبر- سنة 1974 بنيويورك، انه ــ طالب ــ وطارق عزيز كانا يتوليان كتابة تقارير إلى صدام حسين في بغداد لإجهاض تلك المفاوضات، في حين كان شاذل يوجه رسائله إلى الرئيس البكر عن انفراج في العلاقات الثنائية، وعمل طارق -وهو عضو في الوفد العراقي إلى نيويورك- على إقناع صدام بأن شاذل يعمل على تهدئة العلاقات مع إيران وان ذلك يصب في خدمة توجهات الرئيس البكر، وانه لا بد من تجاهل التقدم الذي أحرزه في تحقيق انفراج مع الوزير الإيراني•• ومنذ ذلك الحين، التقط صدام، خاصية أخرى لدى طارق، كانت جذابة لديه، وهي انه يعمل في الظاهر في صفوف الرئيس البكر، لكنه يخدم في السر نائبه صدام، ويقترح سياسات تربك الرئيس وتظهره عاجزاً حتى أمام الدول المعنية بالعراق•• وكان ذلك أهم هدف وأكبره مما يتمناه صدام آنذاك•
وعندما تولى سعدون حمادي وزارة الخارجية اثر الموت المفاجئ والغامض الذي غيبّ شاذل في المغرب بعد خمسة أيام من نجاحه في دفع العلاقات مع إيران إلى الانفراج، تفرغ عزيز لإجهاض عمل الوزير الجديد•
في ذلك الحين، كان طارق، قد استرخى بعد غياب شاذل، وسجن عبد الخالق السامرائي، والانحسار النسبي في دور سعدون حمادي واعتكاف معلمه الأول كريم شنتاف، ولم يبق أمامه غير شفيق الكمالي وهو شاعر وكاتب وكان وزيراً وعضواً في قيادة الحزب، نجح في استقطاب مثقفين وطنيين من اتجاهات مختلفة ليعملوا إلى جانبه وحظي باحترام أوساط المثقفين، وكان ذلك كله مبعث كراهية لدى طارق الذي لم يتمكن من اكتساب مصداقية مماثلة، برغم حصوله على منصب وزير ثم نائب لرئيس الوزراء فضلاً عن عضوية قيادة الحزب•
ودرج على تزويد صدام بتقارير عن شفيق يكيل فيها الاتهامات بعدم الولاء للقيادة والتسبب في انتعاش تيارات معادية للبعث في الوسط الثقافي•• ولم تلبث تلك الحملة الخفية أن اقترنت بما عدّ جرماً مسجلاً ضد الكمالي بما نسب إليه من كلام ساخر قاله عن صدام حسين، فاعتقل ثم أطلق سراحه بعد تسميمه بمادة الثاليوم ليموت ببطء في منزله سنة 1985•
في مقابل ذلك الصراع الخفي الذي خاضه طارق ضد منافسيه من كبار مثقفي البعث، قربّ إليه الأشخاص الأقل كفاءة ودفع بهم إلى الواجهة، وباستثناء اثنين أو ثلاثة من مثقفين حقيقيين، فان جميع الذين رشحهم لتبوء مناصب عليا في المؤسسات التي أدارها في وزارتي الإعلام والثقافة والخارجية، فانه اجتهد في التقاط أشخاص نصف متعلمين وقدمهم إلى صدام كبدائل لأولئك الذين أسهم في غيابهم وتغييبهم•• ثم استخدم شخصيات غير عراقية، وقدمها إلى صدام، لشعوره بأنها لا تشكل تحدياً له، ولا تملك معرفة مسبقة بجذوره ودوافع سلوكه وخلفيات تكوينه السابقة•• وهي أكثر المواضيع حساسية لديه وحرصاً على عدم تذكره•• أو تذكير الآخرين به•
وكان إذا تعرض شخص عُرف بصداقته مع طارق إلى المحاسبة أو الاعتقال، أسرع إلى إشهار البراءة منه، كما حدث مع الأخوين محمد صبري وشكري الحديثي اللذين اعتقلا سنة 9791، ومات احدهما تحت التعذيب، فجاهر طارق بانتقادهما، وابتدع كل ما يشير إلى سابق علاقته بهما، وتقربه منهما•

طارق مسئول في أخطر موضعين يخصان العراق، مجتمعاً، ودولة:
الأول: لغة التخاطب مع العالم، والثاني: لغة التخاطب مع الشعب، وهو في الأمرين، كان أقرب شخص، من خارج العائلة، إلى الرئيس، يقترح الأفكار، وينمق الخطايا، ويقنن للأخطاء، ويجمّلها، ويبحث عن تفسيرات للأذى الذي يلحق بالعراق، من جراء استخدام لغتي التخاطب العدوانية •• مع الآخر•• والمشوشة مع الذات•
التقط طارق نوع الحاجة التي تلح على قيادته في الحزب والسلطة، وما يغرم به المتريفون حين يمارسون السياسة ويبحثون عن نتائج سريعة• متحاشين بذل جهود منظمة وطويلة لتكوين المؤسسات أو خلق تقاليد في الحياة العامة•• وكانت الحاجة الملحة هي -صناعة الدعاية- على قاعدتي: تأليه الحاكم•• وتغييب المعلومات خلف ركام من ضجيج الشعارات والمفاهيم الجاهزة، وجسد هذا الخيار تعبيراً عن شخصية طارق نفسه، فقد فشل في تكوين معرفة، وكنا نعرف نحن الذين تفحصنا وصفه عن كثب، انه كان يكره الأدباء ويسخر من فكرة الكتابة الأدبية ويعدها -ضرباً من السذاجة- وانه يقرأ التاريخ جيداً ولن يكوّن معرفة بالحد الأدنى فيه، وقد توقف طويلاً ليسأل عن تاريخ إيران، في ذروة سنوات الحرب معها، ولم يعرف إن الاسكندر المقدوني مرّ بها، كما لم يسمع يوماً، إن الاسكندر كان يعتقد بأن -الهند هي نهاية الأرض-، ولم يعرف كم مرة تعرض فيها العراق لغزوات خارجية•• واكتشفت خلال اجتماعات كان يعقدها في وزارة الثقافة والإعلام، انه لم يعرف كيف شق العراقيون تجربة الشعر العربي الحديث، وأنه كان يسأل كثيراً عن معنى اهتمام الأدباء بعبد الوهاب البياتي الذي عمل فترة وجيزة مستشاراً في وزارة الثقافة والإعلام، وكان يتصور انه مجرد شاعر حديث مثل سواه، من دون أن يعرف نوع التجربة التي خاضها مع زملائه في ريادة الشعر الحديث، والأطرف من ذلك، انه سأل أكثر من مرة عن معنى -شعر التفعلية- بعد أن سمع بهذا المصطلح في أوساط الأدباء التي كانت تشغل بغداد في السبعينات••
وعلى الرغم، من انه ينحدر من الديانة المسيحية، فقد أظهر عدم اهتمامه بالحصول على ثقافة مسيحية، لا بل انه رفض الاستجابة لطلب من رجال الدين المسيحيين للحفاظ على حق الطلبة المسيحيين في دراسة دينهم، بسبب تخوفه من أن يؤدي نقل طلبهم إلى إثارة غضب صدام منه، مع أن الطلب كان حقاً مشروعاً في الدولة العراقية• وعدا عن فقر ثقافته المسيحية فانه لم يكن ملماً أصلاً بالثقافة الإسلامية•
كان كل ما لديه هو قشرة اتصال مع الثقافة الغربية عبر لغة إنكليزية يجيدها، يتفقون على معظم زملائه غير المتعلمين أصلاً، وفي الخلاصة، كان طارق مستعجلاً بمعرفة شيء من كل شيء، لكي يوظفه في عمل سياسي سريع، مستخدماً خبرات قانونيين ومؤرخين وأدباء، لكي يضخوا إليه شحنات سريعة، مختصرة، من أمور محددة يسهل استخدامها سياسياً لأغراض دعائية مؤقتة•• وظل طوال ذلك، يعاني من عقدة•• ويمارسها، تلك هي عقدة المترجم، الذي يجيد فن الانتقال من لغة إلى أخرى، لكنه يحافظ على قدر ملموس من الطاعة في تنفيذ إرادة من يلقي عليه باللغة الأولى•• أو يطلب إليه ترجمة اللغة الثانية•• وكبرت مواقعه السياسية، من دون أن يتجاوز عقدة -المترجم- الذي يدرك في أعماقه إن أجادته لغة أخرى، هي كفاءة أولية، ما لم تدعمها ثقافة واسعة في حقل ما•• لكي يصنع من نفسه -مثقفاً- يقبله مجتمع الكتّاب والمفكرين في العراق، وهو مجتمع صعب في إظهار الرضا، ومنح شهادة قبول للدخلاء إليه عبر بوابة السياسة•• والأحزاب•
نجح في صنع الدعاية•• كان قادته يريدونها•• وفشل في تكوين ثقافة شجعهم على تغييبها والتقليل من شأنها••
أسهم طارق، بقسط وفير، في إشباع نزعة الوشاية التي سادت الأوساط القيادية في الحزب والسلطة، بعد أن اكتشف مبكراً إن هذه الوسيلة ستلقى من يشجع على الانغمار فيها، في مناخ دسائس شكسبيري يسوده التآمر والتربص، ولذلك كان مستمعاً جيداً لما يتفوه به زملاؤه، لكنه كان أكثر مهارة في نقل ذلك بطريقة تحريضية إلى صدام حسين، فقد أمضى فترة السبعينيات يترصد لمن كان يحسب على الرئيس السابق -البكر- وينقل عنهم كل ما يعرفه إلى نائب الرئيس -صدام-، ثم بلغ الأمر ذروته عندما نقل كل ما دار في لقاء ضمه مع عدد من زملائه أعضاء القيادة القطرية اعترضوا خلاله على فكرة تنازل البكر عن الرئاسة لصالح صدام -تموز ــ يوليو ــ سنة 1979-، وكان ذلك تمهيداً لعملية تصفية واسعة داخل القيادة الحزبية أعدم فيها ثلث أعضائها بتهمة التآمر على الرئيس الجديد•• لكن الذي تبقى لطارق بعدئذٍ، إن أحداً لم يعد يقترب منه ويثق به•• ولم يبق له صديق واحد بين زملائه••وبين مرؤوسيه أيضاً•

على قدر ما يعانيه طارق من عزلة داخل المجتمع وداخل الحزب، وداخل مؤسسة الحكم فانه كان جذاباً للرئيس بعد سلسلة اختبارات مرت عليه كانت خلاصتها:

أولاً: إن طارق شخص غير مقبول اجتماعياً ولذلك لا يتمتع بكاريزما شعبية وغير منسجم داخل التنظيم الحزبي وهو بذلك عاجز عن الاستقطاب وخلق الكتل داخل الحزب، ومرفوض من المؤسسة العسكرية، ولذلك فانه ليس ذات الشخص المدني الذي يسعى العسكريون المقربون للاحتماء به كغطاء في أي مشروع للانقلاب ضد الحكم•

ثانياً: انه لم يتمكن من الاحتفاظ بصداقة موثوقة مع أي من زملائه في القيادة الحزبية وفي الدولة، وبرهن أن ولاءه لشخص الرئيس يبدو وكأنه مطلق، فقد فضل صدام على الرئيس السابق البكر، ووشى بزملائه الذين كانوا ينتقدون صدام حسين أمامه، فخسر الجميع•• إلا الرئيس•

ثالثاً: إن طارق لا يمكن أن يكون حصان مراهنة من أي طرف خارج العراق، لاعتبار أساسي، يتعلق بأن جميع المعنيين بالملف العراقي يبحثون عن شريك لهم في العراق من المسلمين بسبب أن غالبية السكان تدين بالإسلام ويستبعد أن يمثل موقع الرجل الأول في الدولة العراقية من هو غير مسلم، طبقاً لهذا الاعتبار•

رابعاًً: وفي ذلك يكمن العنصر الأهم في أسباب تمسك صدام به، وهو الاعتقاد الراسخ لديه بأن طارق يمكن أن يستخدم في -اللحظة الأخيرة-، وهي لحظة افتراضية تتصل بموعد وقوع انهيار أو تحول أو نشوء تحالف، لكي يوصل -رسالة أخيرة- ــ وهي رسالة افتراضية أيضاً ــ إلى أطراف دولية حافظت على -شعرة أخيرة- مع الحكم، عبر شخص طارق عزيز، وليس عبر سواه، إذ ما زالت لديه خطوط اتصال، لا شك أنها تستمر بمعرفة رئيسه، مع جهات معادية للحكم في العراق، وتحترب معه عسكرياً وأمنياً وسياسياً وإعلاميا واقتصادياً، لكنها، كل منها لاعتباراته، تحتفظ بشعرة اتصال لفرملة أي انهيارات مفاجئة في العراق أو حواليه، ويستخدم طارق كنقطة تماس أولى مع نهايات••• هذه الشعيرات•
وستظل هذه -الوظيفة الافتراضية- قائمة، طالما استمر الحصار على العراق واستمرت العقوبات الدولية، وفي هذا التلازم، بين -وظيفة طارق- وبين العقوبات، ما يفسر إن هذه الصلة معقدة••• وحساسة، إذ قد يستمر انتظار صدام وتحمله وقتاً آخر، لكنه لن ينتظر إلى ما لانهاية استمرار -وظيفة طارق- التي تنتهي لحظة زوال العقوبات، فكأن من مصلحته أن يستمر الحال على ما هو عليه إلى أقصى زمن ممكن، لكي يستمر في الوظيفة••• وفي الوجود أيضاً•

كان يمكن أن يتحقق سيناريو الهروب المرتقب لطارق، لولا وقوع المفاجأة المثيرة في 8/8/1995 عندها هرب حسين كامل صهر الرئيس وأقوى وزرائه إلى الأردن، فاستعاد طارق جزءاً من نفوذه، وكامل دوره في التنسيق مع لجان التفتيش عن الأسلحة في العراق بعد أن كان حسين كامل قد قلّص من ذلك الدور، وبدا طارق أمام صدام في وضع أفضل عندما استغل هروب حسين كامل وانهيار ولائه لصدام باعتباره مؤشراً على أن كل الاتهامات التي وجهها إلى طارق من قبل لم تكن صحيحة••
كان ذلك سبباً علنياً ملموساً لتأجيل موعد الهروب الذي يشغل الطريق منذ بدأ في الأيام الأولى لوصول حزب البعث إلى الحكم ليبحث عن فرصة عمل•• وعيش في الخارج•• ولو كان موظفاً في ملحقية ثقافية بموسكو•
وما تزال كلمات الرئيس السابق أحمد حسن البكر تتردد في أوساط من تبقى من مساعديه السابقين في كل مرة ذّكر فيها اسم طارق أمامه: إذا لم يكن طارق جاسوساً•• فأنا جاسوس•
يظهر في كل مرحلة، أشخاص غامضون، يقومون بأعمال تتناقض مع أقوالهم، يرضون شخصاً واحداً، ويعادون من سواه، يقولون خارج بلادهم نقيض ما يقولونه داخلها•• لكنهم في النهاية يظهرون مثل لغز ساذج لم يكن يحتاج إلى عناء كبير لكي يفسر•• وتلك هي حالة من بدا وكأنه عقل السلطة ومنظرها•• فإذا به أشبه بقشرة كثيرة التلون•• لكنها هشة وهزيلة وقابلة للكسر•• في أية لحظة•

لقد عجز صدام حسين عن التخلي عن طارق عزيز وعجز طارق عزيز من الهرب المبكر لكي تصنع منه القوى الغربية وجها منافسا في حكم العراق ، واخيرا أن طارق عزيز كشف في اعترافاته للقوات الاميركية ه ثلاثة أمور مهمة هي:

أولاً: أكد أن صدام لم يكن يسعى فعلياً إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة بل كان يريد ويطمح إلى عقد صفقة شاملة معها تتوج بلقاء قمة بينه وبين الرئيس الأمريكي, لكن وفقاً لشروطه بحيث تؤدي مثل هذه الصفقة إلى اعترافات واشنطن بدور العراق "القيادي" في المنطقة العربية.

ثانياً: أكد أن صدام أبلغه قبل اندلاع الحرب الأمريكية بفترة قصيرة بأنه واثق من أن القوات الأمريكية لن تصل إلى بغداد ولن تعمل على إسقاط نظامه وتفكيكه بالقوة العسكرية, بل إن العمليات الحربية الأمريكية ستستمر بضعة أسابيع وتقتصر على القصف الجوي المكثف لعدد كبير من المواقع والمنشآت العراقية, وأن ذلك يمكن أن يفتح الباب أمام مفاوضات عراقية - أمريكية يمكن أن تجرى لاحقاً بإشراف الأمم المتحدة أو بإشراف دولي ملائم. وراهن صدام على أن الأمريكيين لن يستطيعوا تحمل سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوفهم في حال وصلوا إلى بغداد وخاضوا حرباً برية حقيقية.

ثالثاً: اعترف طارق عزيز بأنه يتبين له الآن بعد كل ما حدث أنه كان يمكن تجنب وقوع الحرب الأمريكية ضد العراق لو أن صدام وافق عام 2002 م على استقبال المفتشين الدوليين دون شروط وقدم لهم كل التسهيلات المطلوبة, خصوصاً أن العراق لم يكن يملك آنذاك أسلحة دمار شامل.
وما حدث هو أن وزير الخارجية العراقي السابق ناجي صبري عقد مع فريق تابع له ثلاث جولات من المحادثات مع عنان في الفترة بين فبراير ويوليو 2002م.
لدرس إمكان عودة المفتشين الدوليين إلى العراق دون شروط. لكن صدام وضع آنذاك عشرين شرطاً للسماح بعودة المفتشين ومن بين الشروط ضرورة حصوله على ضمانات رسمية من مجلس الأمن بعدم لجوء أية دولة كبرى إلى استخدام القوة العسكرية ضد العراق. ورفض عنان هذه الشروط وفشلت المحادثات.

سواءا مات طارق عزيز او لم يمت ، فانه لم يكن سوى خادما ذليلا خدم نظام البعث الاستبدادي ، ولعب على حباله لكي يصل نهايته هذه التى يستحقها كخائن للوطن وللشعب ، وان مات فهو محظوظا في الافلات من قرار الحكم العادل بحقه ، وان لم يمت فسوف يسر ملايين من ابناء شعبنا ان يشاهدوا جثته الكحولية متدلية من حبل المشنقة.



#عصام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تايلند : ترشيد حكومي وشعبي في استهلاك الطاقة
- رحلة السادات ورحلة الالوسي2-2
- رحلة السادات ورحلة الالوسي 1-2
- ميجاوتي : سيدة الديمقراطية
- فــؤاد ســالم: صوت الارض
- المحامية اللبنانية: بشرى الخليل
- منصب مستشار الامن القومي
- التدخل الايراني والضربة القادمة
- عدد شهر أيلول من المجلة العلمية العراقية
- قصتان قصيرتان جداً
- أني آسف يا كونت أني أتراجع عن عرضي
- الكتابة على مواقع شبكات الانترنيت
- أمريكا ومبدأ : المال والرجال
- العراق: شركة الولايات المتحدة وعملائها
- أم فراس
- عودة المجلــة العلميـــة العراقيــة للصدور على شبكة الانترني ...
- كيفية التعامل مع المصاببن بالايدز
- شهر تموز- الشهر الميلادي السابع
- تايلاند والايدز-ج2- المرض واسبابه
- تايلاند والايدز-ج1- نظرةعامة للمرض


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 4 - 11 العراق الملكي 2 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عصام البغدادي - لم يكن سوى خادما ذليلا