أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - من حكايا العبور: سعيد الميركرودي















المزيد.....

من حكايا العبور: سعيد الميركرودي


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3437 - 2011 / 7 / 25 - 21:52
المحور: الادب والفن
    


في اجتماع عرفي عندنا، غالبا يتيمن بقول الصدقة، وهو اجتماع لأجل الأكل والشرب المفرحين للنفس بعد طول عوز يقوم به الناس عندنا للمغفرة عن الذنوب، وهو حفل حقا يعبر عن نزوة التمتع بشيء من رغد الحياة، فرح صغير يعوض عن بؤس يكتسح مساحات الزمن عند الفقراء، اجتماع شيوخ من نوع آخر، ليس كوجهاء المشرق، بل هم شيوخ عاديون هرمون سنيا وفقراء كوالدي، يناقشون الموت أكثر مما يناقشون الحياة، يناقشون عادة تجلياتهم في اليوم الآخر،ويفسرون احلامهم اليائسة والبئيسة بكل تجليات الآخرة التي تغمر لاشعورهم، لكن حكاياتهم عن الآخرة تنبع أملا في الحياة الأبدية، والصدقة عربون إنسانيتهم الجميلة المشبعة بكل التجارب، حفلة صدقة لتلاوة القرآن وترنيم ذكريات التجارب والخوف من الموت، الخوف من الله حقا، هي أشياء جميلة لمسح الذنوب كما يقال، هي اكل وشرب وتلاوة قرآن ومسح للذنوب، فهم مذنبون بالضرورة لجشع الحياة، ولكل أسطورته الجشعة في الحياة: هكذا يفهمون أسطورتهم الجميلة وهكذا أيضا يستغفرون لها وهم كهلة، يقرون أنهم مذنبون ويمسحونها بصدقاتهم التلقائية والحاتمية أيضا رغم كل العوز، فقراء إنسانيون حقا لم أشعر في حياتي أنهم طيبون إلى هذه الدرجة إلا عندما هاجرت إلى الغرب
وما أخبث ان تكون مهاجرا...
وأعرف ان الكثير من الأشياء تثيرني عندما أراها الآن قائمة في مجتمعي او في بلدي والتي عندما كنت أعيش فيه لا تثير فيي هذا الفضول التأملي: أن تسافر مثلا من الدار البيضاء إلى مدينة مكناس وتزور بالصدفة العجيبة مدينة القنيطرة او طنجة حتى، وحين تغفو من رنين حافلة النقل في مدينة الرباط مثلا وتخبر السائق بأنك تقصد مكناس وليس مدنا أخرى، يرد عليك ببرود قاتل: كل الطرق تؤدي إلى روما، ما أجمل روما رغم أني لم أزرها، يقول لك في أحسن الأحوال: إنزل وانتظر هنا ستأتي الحافلة التي ستنقلك مباشرة إلى مكناس، سمسرة من نوع جميل في المغرب، أصحاب الحافلات لايتركون الناس تنتظر في المحطات البئيسة بل ينقلونك ويقطعون عنك روتين الإنتظار: عوض أن تنتظر طويلا في محطة الدار البيضاء، انتظر قليلا في الرباط وقليلا في الخميسات وهكذا تصبح مسافرا من الطراز الأسطوري، لا يهم الوقت بل يهم قتل الروتين وتنويع النظر ولا يهم أيضا موقع مقعدك فهو روتين أيضا، قد تكون في المقدمة وفي المرحلة الثانية مختنقا في الوسط أو المؤخرة وفي الأخير قد تصبح جنديا واقفا على طول الطريق. وأكثر مايثير أن يصعد بائع البيض والصوصيط وما إلى ذلك وهم باعة يعرفون بالفطرة الرائعة انك جائع من طول السفر كما يعرفون بالفطرة ذاتها أنك زرت مدنا وأماكن لم تتوقعا، وأنك لم تأكل خلالها، هذا أجمل ما في المغرب: قتل الروتين من طرف الخدمات التطوعية للباعة البؤساء.
لكن مشكلتنا نحن ذووا الحنكة الخانقة، نحن الأوربيون التافهون المهاجرون، هي حين تريد أن تختصر الزمن المغربي البطيء وتسرع من حركيته، فنحن نملك العملة الصعبة، ونقارن في السفر بين تفاهة الأسعار في النقل العمومي المغربي وبينها في أوربا، وهذه مشكلة بنيوية لا أريد أن الام عليها، لكن عندما يجب أن ننتقد يجب أن ننتقد غرورنا أيضا نحن المهاجرون، ونحن أيضا ننتشي أن تكون في جيوبنا هذه العملة السخيفة: الأورو أو الدولار، وحتى أسرتي الصغيرة تملك انطباعا قاتلا حولي: هي تعتقد أني منذ هجرتي، كنت في أوربا ألتقط الأورو المرمي في الشوارع (وهنا حكايتي مع الصدقة، لكن لنتركها حتى ننتهي من معضلات النقل العمومي في المغرب). في مدينة مكناس، ولتفادي هذا الإحباط في ضبط سفرك، ستختار وسيلة أخرى للنقل: التاكسي الكبير، وهو في الحقيقة كبير فقط بحجم ركابه، وهو صغير إلى حد الإختناق، وبعض الطاكسيات أبوابها ونوافذها لا تفتح إلا بإذن السائق، بل قل إنه يتحكم بكل المفاتيح في جيبه، لكن المشكلة ليست هنا، المشكلة حين ينتقص عدد الأفراد بالقيام بالرحلة وهم عادة ستة، وحتى إذا تطوعت ودفعت ثمن الأفراد النصاب للرحلة، سيواجهك السائق بالقول:
ــ نعم من هنا يمكن السفر بالنصاب المعوض لكن من يضمن لي عودة ميمونة بنصاب من هناك (يقصد المحطة التي إليها تسافر)، قليلون هم من يسافرون من الهامش إلى المركز
ــ سادفع لك رحلة العودة أيضا فقط أريد أن تفعل وتتحرك، اللعنة على الهامش
ـــ الشمس حارة ولا أضمن مقاومة سيارتي للحرارة الصيفية
يا إلهي! هذا اكثر مما يطاق، كيف تمنح لكم رخصة النقل العمومي وسياراتكم غير مؤهلة؟، ولا أدري صراحة ماذا تفعل وزارة النقل؟ ولا هل توجد فعليا هذه الوزارة، وهنا لن أدخل في متاهات رجال الأمن المرصعين في كل المحطات ولا لماذا هم مرصعون هناك؟ وأذكر في رحلة لي من الناظور إلى الرباط أني وقفت على شيء أغرب مما تثيره سينما هوليود، في مكناس ذاتها شاهدت بروسلي الحقيقي: دخل شاب وشابة إلى الحافلة التي تقلني من الناظور وتبعه بروسلي يقول له بأنه يجب أن ينزل لأن توقيته يصادف أن يسافر في حافلة أخرى في اتجاه الرباط، ولما أخبره الشاب المتمدن بانه يريد السفر عبر هذه الحافلة وليس حافلة أخرى، أهانه الآخر بكون دماغه عجين طحين، ولأن الشاب، من خلال هيأته يبدو متمدنا، أو لأن حضور زوجته او خطيبته لا يؤهله للدخول في عراك حتمي، تمسك بالمقعد ورفض الهبوط كما تجاوز الإهانة لأجد نفسي في مسرحية أخرى: خصام لبروسلي مع جارسون الحافلة حول توقيت توقفها واعضاء آخرون يفكون بين المتخاصمين ويشيرون على بروسلي أن لا يستعمل قوته تجاه مغفل ضعيف، بهذه اللكنة:
بروسلي واش كاتدير راسك فهذا(بروس لي :هل تقارن نفسك بهذا)
وهذا المشار إليه رغم أن وزنه يفوق وزن بروسلي بكثير، إلا أنه كان متفهما لقانون الهيمنة على المحطة، والنتيجة ان مسؤولا في المحطة بحجم شمكار هو من يسير المحطة، ولن اتكلم عن تدخل رجل الأمن المرصع رغم ضخامة سمنته.
ليس هذا مانتابني للكتابة، بل صدقة الشيوخ الطيبون: عندما نذهب لزيارة أهلنا ينتاب اهلنا أننا أغنياء حتى النخاع، وهم يحسبون علينا مدة الغربة كما لو كانت التقاط للأورو، وأعجب لإخوتي الذين يتوفرون على أحسن الموبايلات، بينما أنا الذي ينتمي إلى احد بلدان صناعتها اتوفر على موبايل بحجم حذاء، ولا ضرر في الأمر لأن منطق تجميع الأورو يفترض هذا الحذاء الكادح، والدي أيضا يفرض على أن أعمل على حجه، أو على الأقل إقامة صدقات حين أهجر إليهم، وهي صدقة جميلة حقا ولا أسخر منها، فهي بكل المقاييس تجمع سعة الرحم: صدقة لنأكل جميعا ونشرب الشاي المنعنع ونستمع إلى تلاوة القرآن ونناقش عذاب الآخرة، والدي طبعا هو أمي ولم يقرأ عن نيتشه الذي أوصى بترك صلاة الغائب على قبره، ولا أستطيع ان أشير له في الأمر على قبري أنا أيضا الذي لا يومن إلا كوننا أجساد تنضج لثورة جديدة،قيامة جديدة بالمعنى الديني، والدي لا يعرف لا نيتشة ولا سبينوزا ولا ماركس ولا آخرون ولا هو فهم حكاية الميركرودي لجارنا سعيد الذي أجبر والده على دفع سعر مهم أيضا على اقتناء كتاب مهم في دراسته،سماه الميركرودي بالفرنسية وتعني يوم الأربعاء، فدفعها الشيخ ظانا أن ابنه على حق فقط لان الكلمة غريبة عنه وتشبه أسماء العفاريت الواردة في علم الدمياطي، وهو علم يعرفه المغاربة فقط، وهو عندنا علم الجن والماورائيات (لإثارة الفضول لدى القراء: هو علم لسحر العشاق وتسخير الجن في اكتشاف الكنوز وما إلى ذلك، وهو علم على عكس خلفيته الدينية في انتسابه إلى دمياط الرجل الديني المسلم المعروف إلا انه ليس المقصود على ما أظن، ليس أيضا مدينة دمياط بمصر، هو علم لم تتطرق له الأبحاث حتى الآن في المغرب، ويشتهر به أهل سوس من الجنوب واليهود المغاربة، وقد ّأخطيء بانتساب هذا العلم لليهود، لكن هناك الكثير من المؤشرات التي تورط اليهود ولا سبيل إلى ذكرها بسبب أني لست قيد دراستها).لكنه علم تعترف به العامة عندنا، والميركرودي (الأربعاء) هو كتاب في هذا العلم الموقر عند شيوخنا.فكان والدي في الكثير من المرات يلومني أني لست نابغا كسعيد الميركرودي لأني لم أطلب منه يوما اقتناء كتاب عفريتي ككتاب الميركرودي، لذلك كان سعيد أفضل ابن عامل منجمي يدرس بثانوية ازرو المعروفة بجهادها النضالي رغم انه كان خرافي إلى أقصى الحدود.
سيتبع



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة إلى الصراع الطبقي والماركسية
- لقاء مع بيكاسو: حي الجيتو
- حول الصراع الطبقي والماركسية
- حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم
- مغرب الإجماع البليد
- نحو آلية عالمية للتنسيق بين ثورات الشباب في كل العالم
- حول الدستور المغربي الجديد.. لتستمر الثورة
- كلمة حق في استشهاد مهدي عامل
- مارك فلوباييه:إعادة تأسيس المساواة هي في نفس الوقت استحالة ت ...
- صلاة لأجل المرأة
- الماركسية في توجسات مارك فلورباييه
- يا لربيع الثورات عندنا
- إسبانيا: ولغز 15 ماي
- ليسقط مثلث برمودا
- حكايا من المهجر: لقاء مع بيكاسو (3)
- حكايا من المهجر: لقاء مع بيكاسو (2)
- حكايا من المهجر: لقاء مع بيكاسو
- الثوابت الخرافية في المغرب
- التحول في الثبات
- المؤامرة حين تتأسطر عند الأنظمة


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - من حكايا العبور: سعيد الميركرودي