أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر اختيار - أنسنة الحاكم العربي وفعل المواطنة، المبالغة في مدحه خيانة للذات وللوطن















المزيد.....

أنسنة الحاكم العربي وفعل المواطنة، المبالغة في مدحه خيانة للذات وللوطن


ماهر اختيار

الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 14:21
المحور: المجتمع المدني
    


أنسنة الحاكم العربي وفعل المواطنة
المبالغة في مدحه خيانة للذات وللوطن

كثيراً ما ردد رواد مدرسة الحوليات الفرنسية فكرة أن الماضي يجيب على أسئلة الحاضر وأن الانطلاق من أمثلة الحاضر يوفر للباحث مادة غنية في ملامستها للواقع وفي بعدها عن التنظير المجرد. ولعل خير بداية لمقالتنا هذه هو المثال التالي: عندما بدأ حلف الناتو التدخل العسكري في ليبيا بقيادة فرنسا، ذهب السواد الأعظم من مواطني بنغازي يهتفون بحياة الرئيس الفرنسي. رد فعل عفوي صادر عن مواطن عربي اكتسب واعتاد فعل تعظيم وتبجيل الحكام، فعل موروث غير عقلاني وغير مفكر فيه. كانت وجهة نظر مفكر مثل عزمي بشارة في هذا الصدد تتلخص في نقد هذا الفعل قائلاً إن أنصار الرئيس الفرنسي في فرنسا لا يهتفون بحياته، ولا هم مسعدون لإلغاء ذواتهم في سبيل نصرته، إنهم أنصار مشروعه السياسي، وإذا ما هتفوا فإنهم يفعلونه لنصرة مبادئ هذا المشروع المؤسساتي وليس لنصرة شخص الرئيس. نحاول في هذه السطور مناقشة استمرار ظاهرة المغالاة في مدح الحكام العرب لدرجة إلغاء الذات والتي تؤدي بطريقة أو بأخرى إلى خيانة الوطن، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه المغالاة تكون على حساب إهمال الشعب، وتناسي هذا الأخير هو خيانة للوطن، فالوطن هو الشعب.
نظرياً، عند التحدث عن استمرار ظاهرة اجتماعية ما وتجليها في محيطنا وفي علاقة الإنسان مع أقرانه، تبدو فكرة فصل الحاضر عن الماضي فكرة غير ممكنة، لا بل يبدو أن هناك جدلاً بين زمن الحاضر وزمن الماضي يتجسد في إرادة تغيير جانب من جوانب الواقع، إلا أن الإنسان يصطدم بحضور الماضي في حاضره، أي بجمود عقل السلف وتفوقه على إرادة التغيير الفردية. بمعنى ما، إننا أمام جدل بين إرادة متفائلة لدى الإنسان للتغيير وجمود الأنظمة التي ترى توازنها في استمرار الماضي في حاضرها. بناءً على ما سبق، يبدو لنا أن إرادة تغيير إحدى سياقات واقع الشعوب العربية تبدأ من تأمل ماضيها ودراسته دراسةً نقديّة تحليلية من أجل تفهم حاضرها ومن ثم التأسيس لمستقبل مختلف. والسعي لمستقبل مختلف لا يدل على القطيعة الكاملة مع ماضيها، وإنما بمعنى تجاوز الأدبيات التي كانت صالحة في زمن غابرِ وأصبحت تشكل أزمةً في الواقع الراهن، أي إنها لم تعد تقدم حلولاً ناجعةً لمشكلات ولأزمات ترهق كيان المجتمع العربي المعاصر. ولعل من الأهمية بمكان بذل الجهد- في ظل إرهاصات التغيير التي تفرض نفسها على السلطة السياسية في الوطن العربي- لإحداث قطيعة مع سلوك جمعي ورثناه من ماضينا العتيق، والذي تجسد بقوة في مثالنا سابق الذكر، ألا وهو المغالاة في مدح الحاكم وكأنه مفارق للصفات البشرية في مقابل التعامي عن نواقصه ومثالبه.
إنه سلوك جمعي مقترن بمجتمعاتنا العربية منذ قرون، تمثل ويتمثل عبر التصفيق والتهليل لما يقوله الحاكم، أو بمعنى آخر إلغاء الذات أمام ما يقوله الحاكم من خلال تغييب النقد ومحاولة الإشارة إلى مواضع النقص والخطأ في تصرفات النخبة الحاكمة وفي علاقتها مع شعبها. يحضرنا في هذا المقام نصوصاً تاريخية كثيرة، يتملك القارئ في قراءتها وتأملها انطباعاً وكأن الزمن جامد ثابت لا يتغير، فالزمن العربي أصبح سجناً، في داخله لا يشعر السجين بحركة الزمن وذلك لرتابة الحياة وتكرارها اليومي على المدى الطويل. نستحضر في هذا السياق ما تركه لنا ابن المقفع 724-759 من النصوص حول الأدب الكبير والأدب الصغير. فرغم ما يتخلل هذه النصوص من أقوال ونصائح حول ما ينبغي للسلطان نحو رعيته، وضرورة ابتعاد السلطان عن حب المدح، وعدم الإفراط بالغضب، وضرورة الاعتدال في الكلام، إلا أننا نقرأ نصاً له تحت عنوان ماذا على المبتلى بصحبة السلطان وصحبة الوالي، يقول فيه " لا تكونن صحبتك للملوك إلا بعد رياضة منك لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك، وموافقتهم فيما خالفك، وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، وعلى أن لا تكتم سرك عنهم ولا تستطلع على ما كتموك، وعلى الاجتهاد في رضاهم والتلطف لحاجتهم والتثبت لحجتهم والتصديق لقالتهم والتزيين لرأيهم، وعلى قلة الاستقباح لما فعلوا إذا أساءوا، وكثرة النشر لمحاسنهم وحسن الستر على مساوئهم" الأدب الكبير والأدب الصغير، ص 40 .
في الواقع ما يجعلنا نستذكر نصوصاً من القرن السابع الميلادي هو واقعنا المؤلم الذي تحوّلت فيه هذه النصائح إلى سلوك وفكر يتصف بهما عدد غير قليل من الناس، من مثقفين إلى رجال إعلام وإلى جموع الناس التي اعتادت الهتاف الذي يخلد شخص الحاكم، إنهم يعملون على إلغاء ذواتهم في سبيل الإعلاء من شخص الرئيس. فعندما تتصفح على سبيل المثال لا الحصر مقالات الصحف وتستمع لأراء ما يسمى بخبراء السياسة ورجالات القانون والعلاقات الدولية..الخ، تجد أنهم يكرسون فكرهم وأقلامهم والكثير من وقتهم فقط لمدح ما قاله الحاكم العربي ولجعل عباراته ومفرداته مفاتيح الجنة على الأرض. ألم تأتي لحظة القطيعة مع هذا السلوك، لحظة توقظنا وتدلل على أهمية النقد البناء، وأن الإشارة إلى مواطن الضعف في سياسة الحاكم العربي هو دليل على الانسجام مع الذات، وتأكيد على مفردات المواطنة وواجباتها نحو المواطن وأرض الوطن. كيف يمكن لمفكر أن يتجاوز ويتجاهل ما وقع فيه الحاكم من أخطاء مكرساً جهده ليس لتبرير استبداده وإنما لرفض أية محاولة لمجرد وضع سلطة الحاكم محل نقد أو نقاش أو تساؤل. إن المواطنة تتجسد بشكل عام عبر المشاركة السياسية لكل أطياف المجتمع، والمشاركة تعني هنا الابتعاد عن التأييد غير العقلاني لشخص الحاكم، إنها تعني القدرة على نقد سياسته إذا أخطأ، فالنقد البناء هو دليل وعي نابع من خاصية التساؤل، التي تخول صاحبها تجاوز فكرة عصمة حاكمه وصوابيّة قراراته مهما كانت. في حين أن الطاعة التامة والتصفيق والتهليل لأراء الحاكم ولسياسته هو دليل تقليد لماض بعيد، ودليل جمود على رأي واحد، إنه باختصار إلغاء للذات وخيانة للوطن.
حقيقة، إن محاولة إحداث قطيعة مع هذا السلوك الجمعي القائم على التعامي عن أخطاء الحكام، وعلى بذل الجهد في سبيل تلوين أعمالهم، لا بل وجعلها أعمال تاريخية وانجازات عظيمة لم يسجلها التاريخ من قبل، هي محاولة ضرورية في وقتنا الراهن. فليس الحاكم شخص خارق للمألوف، واستبداده برأيه وبسلوكه لا يبني وطناً في ظله يعيش شعب بعزة وكرامة وإنما يبني بلداً مفكك الأوصال وينتج أفراداً، وليس مواطنين، يبحثون عن مصالحهم الشخصية قبل الوطنية. إن دعوتنا لإحداث هذه القطيعة تأتي من الفكرة التالية: خيانة الوطن تبدأ من خيانة الذات، وهذه الأخيرة هي نتيجة قول ما لا يعتقده الإنسان في سبيل فائدة شخصية أو في سبيل فائدة جماعة ما مهملاً عامة الناس وضرورة النضال من أجل انتشالها من مستنقعات الفقر والبؤس. المواطنة تبدأ بالسعي وراء النقد البناء والانشغال بالأوضاع العامة ومحاولة إيجاد مخارج لأزمات البلاد والعباد. إنها لا تعني أبداً التصفيق للرئيس إذا تكلم، أو تمجيد ما يقوله وتحميله ما لا يحتمل، أو اعتبار خطابه حمال أوجه وتأويله يصلح لكل زمان ومكان. هذه ليست مواطنة وإنما خيانة للوطن قبل الذات، خيانة للشعب وللأرض التي تحمله قبل الفكر والأيديولوجية. ألم تأتِ بعد لحظة إحداث قطيعة مع فعل الانصهار بشخص الحاكم وذلك في سبيل إبراز ذواتنا وتأكيد لفعل المواطنة نصرة للوطن!!



#ماهر_اختيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يبحثون عن طاقة لا تقتل وسطهم البيئي، ونبحث عن حاكم لا يقتل ش ...
- ضرورة التأسيس لأنظمة حكم قابلة للخطأ في البلدان العربية
- التصوف الاجتماعي... وجه من وجوه انتقاد الاستبداد السياسي
- علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!
- الثورات العربية وضرورة التأسيس لدولة القانون...إسقاط الطبقة ...
- غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية


المزيد.....




- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر اختيار - أنسنة الحاكم العربي وفعل المواطنة، المبالغة في مدحه خيانة للذات وللوطن